من كل فج عميق اي مكان وبلد بعيد. وقد فعل الخليل صلى الله عليه وسلم ذلك. ثم من بعده ابنه محمد صلى الله عليه وسلم فدعوا الناس الى حج هذا البيت تقرب في هذه المعاملة الى الله لان الله يحبها ولانها تمنع العبد من المعاملة الضارة. وكلما سامح احدا او حاباه في ثمن او مثمن او تيسير او انذار او نحوه المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله اصل في صلاة الجمعة والسفر والاذان قال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع. ذلكم خير لكم ان كنتم انتم تعلمون. فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون واذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة. والمبادرة اليها من حين ينادى لها والمراد بالسعي هنا الاهتمام بها وعدم الاشتغال بغيرها لا المراد به العدو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عند المضي الى الصلاة المشي الى الصلاة بسكينة ووقار هو المراد بالسعي هنا وذروا البيع اي اتركوه في هذه الحالة التي امرتم بالمضي فيها الى الصلاة واذا امر بترك البيع الذي ترغب فيه النفوس وتحرص عليه فترك غيره من الشواغل من باب اولى كالصناعات غيرها ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون حقائق الامور وثمراتها وذلك الخير هو امتثال امر الله ورسوله والاشتغال بهذه الفريضة التي هي من اهم الفرائض واكتساب خيرها وثوابها. وما رتب الشارع على السعي لها والمبادرة والتقدم والوسائل والمتممات لها من الخير والثواب ولما في ذلك من اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل. فان من ارذل الخصال الحرص والجشع الذي يحمل العبد على تقديم الكسب الدنيء على الخير الضروري ومن الخير ان من قدم امر الله واثر طاعته على هوى نفسه كان ذلك برهان ايمانه ودليل رغبته وانابته الى ربه. ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. ومن قد دم هواه على طاعة مولاه فقد خسر دينه وتبع ذلك خسارة دنياه وهذا الامر بترك البيع مؤقت الى انقضاء الصلاة فاذا قضيت الصلاة فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض لطلب المكاسب المباحة وابتغوا من فضل الله. اي ينبغي قيل للمؤمن الموفق وقت اشتغاله في مكاسب الدنيا ان يقصد بذلك الاستعانة على قيامه بالواجبات وان يكون مستعينا بالله في ذلك طالبا لفضله جاعلا الرجاء والطمع في فضل الله نصب عينيه فان التعلق بالله والطمع في فضله من الايمان ومن العبادات ولما كان الاشتغال بالتجارة مظنة الغفلة عن ذكر الله وطاعته امر الله بالاكثار من ذكره فقال واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. اي في حال قيامكم وقعودكم. وفي تصرفاتكم واحوالكم كلها. فان ذكر الله طريق الفلاح الذي هو الفوز بالمطلوب. والنجاة من المرغوب. ومن المناسب في هذا ان يجعل المعاملة الحسنة والاحسان الى الخلق نصب عينيه فان هذا من ذكر الله فكل ما قرب الى الله فانه من ذكره وكل امر يحتسبه العبد فانه من ذكره فاذا ناصح في معاملته وترك الغش فانه من الاحسان والفضل وهو من ذكر الله. قال تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم. واذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما. اي خرجوا من المسجد حرصا على تلك التجارة واللهو وتركوا ذلك الخير الحاضر حتى انهم تركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما يخطب وذلك لحاجتهم لتلك العير التي قدمت المدينة قبل ان يعلموا حق العلم ما في ذلك من الذم وسوء الادب فاجتماع الامرين حملاهم على ما ذكر والا فهم رضي الله عنهم كانوا ارغب الناس في الخير واعظمهم حرصا على الاخذ عن الرسول وعلى توقيره وتبجيله وحالهم المعلومة في ذلك اكبر شاهد ولكن لكل جواد كبوة ثمان الكبوة التي عوتب عليها العبد وتاب منها واناب وغفرها الله وابدل مكانها حسنة لا يحل لاحد اللوم عليها قل لمن قدم اللهو والتجارة على الطاعة ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة التي وان حصل منها بعض المقاصد فان ذلك قليل منغص مفوت لخير الاخرة وليس الصبر على طاعة الله مفوتا للرزق فان الله خير الرازقين فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب ومن قدم الاشتغال بالتجارة على طاعة الله لم يبارك له في ذلك وكان هذا دليلا على خلو قلبه من ابتغاء الفضل من الله انقطاع قلبه عن ربه وتعلقه بالاسباب. وهذا ضرر محض يعقب الخسران وفي هذه الايات فوائد عديدة منها ان الجمعة فريضة على المؤمنين. يجب عليهم السعي لها والاهتمام بشأنها وان الخيرات المترتبة عليها لا يقابلها شيء ومنها مشروعية الخطبتين وانهما فريضتان. وان المشروع ان يكون الخطيب قائما. لان قوله فاسعوا الى ذكر الله يشمل السعي الى الصلاة والى الخطبتين وايضا فان الله ذم من ترك استماع الخطبة ومنها مشروعية النداء يوم الجمعة وغيره لان التقييد بيوم الجمعة دليل على ان هناك نداء لبقية الصلوات الخمس كما قال تعالى واذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ومنها النهي عن البيع والشراء بعد نداء الجمعة وذلك يدل على التحريم وعدم النفوذ ومنها ان الوسائل لها احكام المقاصد. فان البيع في الاصل مباح ولكن لما كان وسيلة لترك الواجب نهى الله عنه ومنها تحريم الكلام والامام يخطب لانه اذا كان الاشتغال بالبيع ونحوه. ولو كان المشتغل بعيدا عن سماع الخطبة محرما فمن كان حاضرا تعين عليه الا شغل بغير الاستماع كما ايد هذا الاستنباط الاحاديث الكثيرة ومنها ان المشتغل بعبادة الله وطاعته اذا رأى من نفسه الطموح الى ما يلهيها عن هذا الخير من اللذات الدنيوية والحظوظ النفسية تركع ان يذكرها ما عند الله من الخيرات وما لمؤثر الدين على الهوى وما يترتب من الضرر والخسران على ضده واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا اي اذا سافرتم في الارض لتجارة او عبادة او غيرهما فقد خفف الله عنكم ورفع عنكم الجناح واباح لكم بل احب لكم ان تقصروا الصلاة الرباعية الى ركعتين ان حصل مع ذلك خوف فلا حرج في قصر كيفية الصلوات كلها وهذا والله اعلم الحكمة في تقييد القصر بالخوف لانه من المعلوم المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم جواز القصر في السفر. ولو كان ليس فيه خوف ولكن اذا اجتمع السفر والخوف كان رخصة في قصر العدد للرباعية والهيئة لغيرها. فان وجد الخوف وحده ترتب عليه قصر الهيئات على الصفة التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم وان وجد السفر وحده لم يكن فيه الا قصر العدد ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا القيد قال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته او يقال هذا القصر المذكور في الاية الكريمة مطلق السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم تقيده وتبين المراد منه ولا تصلي على احد منهم مات ابدا. ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون اي ولا تصلي على احد مات من المنافقين. ولا تقم على قبره بعد الدفن لتدعو له فان الصلاة عليهم والوقوف على قبورهم للدعاء لهم شفاعة لهم وهم لا تنفع فيهم الشفاعة انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون خارجون عن دين الله بالكلية. ومن كان كافرا ومات على ذلك فما تنفعه شفاعة الشافعين بذلك عبرة لغيرهم وزجر ونكال لهم وهكذا كل من علم منه الكفر والنفاق فانه لا يصلى عليه ولا يدعى له بالمغفرة في هذه الاية مشروعية الصلاة على المؤمنين والوقوف على قبورهم خصوصا وقت دفنهم للدعاء لهم وان هذا كان عادته صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين. وقد بينت السنة وجوب تجهيز الميت المسلم بالتغسيل والتكفين والصلاة عليه وحمله ودفنه كما هو معلوم فصل في الصيام وتوابعه. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون الى قوله ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون يخبر تعالى بمنته على عباده المؤمنين بفرضه عليهم الصيام كما فرضه على الامم السابقة لانه من الشرائع الكبار التي هي مصلحة للخلق في كل زمان وفي هذا حث للامة ان ينافسوا الامم في المسارعة اليه وتكميله وبيان عموم مصلحته وثمراته التي لا تستغني عنها جميع الامم ثم ذكر حكمته بقوله لعلكم تتقون فان الصيام من اكبر اسباب التقوى لان فيه امتثال امر الله واجتناب نهيه فالصيام هو الطريق الاعظم للوصول الى هذه الغاية التي فيها سعادة العبد في دينه ودنياه واخرته الصائم يتقرب الى الله بترك المشتهيات تقديما لمحبة ربه على محبة نفسه ولهذا اختصه الله من بين الاعمال حيث اضافه الى نفسه في الحديث الصحيح وهو من اعظم اصول التقوى. فان الاسلام والايمان لا يتم بدونه وفيه من حصول زيادة الايمان والتمرن على الصبر والمشقات المقربة الى رب العالمين وانه سبب لكثرة الطاعات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة وغيرها. مما يحقق التقوى وفيه من ردع النفس عن الامور المحرمة من اقوال وافعال ما هو من اصول التقوى ومنها ان في الصيام مراقبة الله بترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع ربه عليه. ما ليس في غيره. ولا ريب ان هذا من اعظم عون ان على التقوى ومنها ان الصيام يضيق مجاري الشيطان فانه يجري من ابن ادم مجرى الدم فبالصيام يضعف نفوذه وتقل معاصي العبد ومنها ان الغني اذا ذاق الم الجوع اوجب له ذلك وحمله على مواساة الفقراء المعدمين وهذا كله من خصال التقوى ولما ذكر انه فرض عليهم الصيام اخبر انها ايام معدودات اي قليلة سهلة ومن سهولتها انها في شهر معين يشترك فيه جميع المسلمين ولا ريب ان الاشتراك هذا من المهونات المسهلات ومن الطاف المولى ومعونته للصائمين ثم سهل تسهيلا اخر فقال فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر وذلك للمشقة غالبا رخص الله لهما في الفطر ولما كان لابد من تحصيل العبد لمصلحة الصيام امرهما ان يقضياه في ايام اخر. اذا زال المرض وانقضى السفر وحصلت الراحة وفي قوله فعدة من ايام اخر دليل على انه يقضي عدد ايام رمضان كاملا كان او ناقصا وعلى انه يجوز ان يقضي اياما قصيرة باردة عن ايام طويلة حارة كالعكس وبهذا اجبنا عن سؤال ورد علينا انه يوجد مسلمون في بعض البلاد التي يكون في بعض الاوقات ليلها نحو اربع ساعات او تنقص فيوافق ذلك رمضان. فهل لهم رخصة في الاطعام اذا كانوا يعجزون عن تتميمها فاجبنا ان العاجز منهم في هذا الوقت يؤخره الى وقت اخر يقصر فيه النهار ويتمكن فيه من الصيام كما امر الله بذلك المريض بل هذا اولى وان الذي يقدر على الصيام في هذه الايام الطوال يلزمه ولا يحل له تأخيره اذا كان صحيحا مقيما هذا حاصل الجواب وقوله وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قيل هذا في اول الامر وفي ابتداء فرض الصيام لما كانوا غير معتادين للصيام وكان ابتداء فرضه حتما فيه مشقة عليهم درجهم الرب الحكيم باسهل ما يكون وخير المطيق للصوم بين ان يصوم وهو الافضل الاكمل او يطعم ويجزيه ثم لما تمرنوا على الصيام وكان ضروريا على المطيقين فرضه عليهم حتما وقيل ان قوله وعلى الذين يطيقونه ان يتكلفون الصيام ويشق عليهم مشقة لا تحتمل. كالكبير والمريض الميؤوس من برئه ففدية طعام مسكين عن كل يوم يفطره. وقوله شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن اي صوم المفروض عليكم هو شهر رمضان الشهر العظيم الذي قد حصل لكم من الله فيه الفضل العظيم وهو انزال القرآن الذي فيه هدايتكم لجميع مصالحكم الدينية والدنيوية فيه بيان الحق وتوضيحه والفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال واهل السعادة من اهل الشقاوة فحقيق بشهر هذا فضله وهذا احسان الله العظيم فيه عليكم ان يكون معظما محترما موسما للعباد مفروضا فيه الصيام فلما قرر فرضيته وبين حكمته في ذلك وفي تخصيصه قال فمن شهد منكم الشهر فليصمه ايها من حضر الشهر وهو قادر تحتم عليه صيامه ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر. عاد ذلك تأكيدا له ولان لا يظن انه ايضا منسوخ مع ما نسخ من التخيير للقادر يريد الله بكم اليسر اي يريد الله ان ييسر ويسهل عليكم الطرق الموصلة الى رضوانه. عظم تيسير ليسهل سلوكها ويعين عليها بكل وسيلة ليرغب فيها العباد وهذا اصل عظيم من اصول الشريعة بل الشريعة كلها تدور على هذا الاصل فان جميع الاوامر لا تشق على المكلفين واذا حصل بعض المشاق والعجز خفف الشارع من الواجبات بحسب ما يناسب ذلك فيدخل في هذا جميع التخفيفات في جواز الفطر وتخفيفات السفر والاعذار لترك الجمعة والجماعة وقوله ولتكملوا العدة وذلك لان لا يتوهم متوهم ان صيام رمضان يحصل المقصود ببعضه. دفع هذا الوهم بقوله ولتكملوا العدة وامر بشكره على اتمامه لان من اكبر منن الله على عبده توفيقه لاتمامه وتكميله وتبيين احكامه للعبيد ولتكبروا الله على ما هداكم بداية التعليم وهداية التوفيق والارشاد واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون هذا سؤال وجواب اي اذا سألك العباد عن ربهم وباي طريق يدركون منه مطالبهم فاجبهم بهذا الجواب الذي يأخذ بمجامع القلوب ويوجب ان يعلق العبد بربه بكل مطلوب ديني ودنيوي فاخبرهم ان الله قريب من الداعين. ليس على بابه حجاب ولا بواب. ولا دونه مانع في اي وقت واي حال فاذا اتى العبد بالسبب والوسيلة وهو الدعاء لله المقرون بالاستجابة له بالايمان به والانقياد لطاعته فليبشر بالاجابة في دعاء الطلب والمسألة. وبالثواب والاجر والرشد اذا دعا دعاء العبادة وكل القربات الظاهرة والباطنة تدخل في دعاء العبادة. لان المتعبد لله طالب بلسان مقاله ولسان حاله من ربه قبول تلك العبادة والاثابة عليها وفي هذه الاية تنبيه على الاسباب الموجبة لاجابة الدعاء التي مدارها على الايمان بالله وتحقيقه بالانقياد له امتثالا لامره واجتنابا لنهيه وتنبيه ايضا على ان موانع الاجابة ترك حقيقة الايمان وترك الانقياد وتنبيه ايضا على ان موانع الاجابة ترك حقيقة الايمان وترك الانقياد. فاكل الحرام وعمل المعاصي من موانع الاجابة. وهي تنافي في الاستجابة لله وفيه تنبيه على ان الايمان بالله والاستجابة له سبب الى حصول العلم. لان الرشد هو الهدى التام علما وعملا ونظير هذا قوله تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا اي علما تفرقون به بين الحق والباطل وبين كل ما يحتاج الى تفصيله احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم. الى قوله كذلك يبين الله اياته للناس لعل لهم يتقون كان اول ما فرض من الصيام منع المسلمين من الاكل والشرب في الليل اذا ناموا فحصلت المشقة لكثير منهم وخفف الله ذلك واباح في ليالي الصيام كلها الاكل والشرب والجماع سواء نام او لم ينم بكونهم يختانون انفسهم بترك بعض ما امروا به. لو بقي الامر على ما كان عليه اولا فتاب الله عليكم بان وسع لكم امرا لولا توسعته لكان داعيا الى الاثم والاقدام على المعاصي. وعفا عنكم ما سلف من تخون فالان بعد هذه الرخصة والسعة من الله باشروهن وطئا وقبلة ولمسا. وابتغوا ما كتب الله لكم اي في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب الى الله بذلك. اقصد ايضا حصول الذرية واعفاف الفرج وحصول جميع مقاصد النكاح وبتغو ايضا ليلة القدر فاياكم ان تشتغلوا بهذه اللذة وتوابعها وتضيعوا ليلة القدر وهي مما كتبه الله لهذه الامة. وفيها من الخير العظيم ما يعد تفويته من اعظم الخسران اللذة مدركة وليلة القدر اذا فاتت لم تدرك ولم يعوض عنها شيء وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر هذا غاية جواز الاكل والشرب والجماع في ليالي رمضان وفيه ان هذه الثلاثة اذا وقعت وصاحبها شاك في طلوع الفجر فلا حرج عليه دليل على استحباب السحور وانه يستحب تأخيره اخذا من معنى رخصة الله وتسهيله على العباد ودليل على انه يجوز ان يدركه الفجر وهو جنب من الجماع. قبل ان يغتسل. لان من لازم اباحة الجماع الى طلوع الفجر ان يدركه الفجر وهو جنب ولازم الحق حق. ثم اذا طلع الفجر اتم الصيام. اي امسكوا عن المفطرات الى الليل. وهو غروب الشمس ولما كانت اباحة الوطأ في ليالي الصيام ليست اباحة عامة لكل احد. استثنى تعالى المعتكف بقوله ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد اي وانتم متصفون بذلك ودلت الاية على مشروعية الاعتكاف وهو لزوم المساجد لطاعة الله ان الاعتكاف لا يصح الا بمسجد ويستفاد من تعريف المساجد بالالف واللام انها المساجد التي يعرفها المسلمون وانها التي تقام فيها الصلوات الخمس وفيه ان الوطء من مفسدات الاعتكاف وتلك المذكورات هي تحريم الاكل والشرب والجماع ونحوها من مفطرات الصيام. وتحريم الوطء على المعتكف ونحو ذلك من المحرمات التي حدها لعباده ونهاهم عنها فلا تقربوها اي لا تفعلوها ولا تحوموا حولها ولا تفعلوا وسائلها والعبد مأمور بترك المحرمات والبعد عنها بترك كل وسيلة تدعو اليها واما الاوامر فيقول الله فيها تلك حدود الله فلا تقربوها. كما ينهى عن مجاوزتها فلا تعتدوها. كذلك البيان السابق والتوضيح التام من الله لعباده. كذلك يبين الله اياته للناس لعلهم يتقون فان العلم الصحيح سبب للتقوى. لانهم اذا بان لهم الحق اتبعوه واذا بان لهم الباطل اجتنبوه ومن علم الحق فتركه والباطل فاتبعه كان اعظم لجرمه واشد لاثمه فصل في الحج وتوابعه قال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. ومن كفر فان الله غني عن العالمين وقال واتموا الحج والعمرة لله الى اخر الايات المتعلقة بالحج لما قال الله تعالى ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه ايات بينات مقام ابراهيم. ومن دخله كان امنا وكان في ذلك تنبيه على الحكم والاسرار والمصالح والبركات المتنوعة المحتوي هذا البيت العظيم عليها وكان ذلك داعيا الى تعظيمه بغاية ما يمكن من التعظيم. اوجب الله على العباد حجه وقصده لاداء المناسك. التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها امته وامرهم ان يأخذوا عنه مناسكهم فاوجبه على من استطاع اليه سبيلا بان قدر بان قدر على الوصول اليه باي مركوب متيسر. وبزاد يتزوده ويتم به السبيل. وهذا هو الشرط الاعظم لوجوب حج وهذه الاية صريحة في فرضية الحج. وانه لا يتم للعبد اسلام ولا ايمان وهو مستطيع الا بحجه وان الله انما امر به العباد رحمة منه بهم. وايصالا لهم الى اجل مصالحهم واعلى مطالبهم والا فالله غني عن العالمين وطاعتهم. فمن كفر فلم يلتزم لشرع الله فهو كافر. ولن يضر الا نفسه. واما اية البقرة فان الله امر فيها باتمام الحج والعمرة باركانهما وشروطهما وجميع متمماتهما ولا فرق في ذلك بين الفرض والنفل. وبهذا تميز الحج وبهذا تميز الحج والعمرة عن غيرهما من العبادات. وان من شرع فيهما وجب عليه اتمامهما لله مخلصا. ويدخل في امر باتمامهما انه ينبغي للعبد ان يجتهد غاية الاجتهاد في فعل كل قول وفعل ووصف وحالة بها تمام الحج والعمرة وذلك شيء كثير مفصل في كتب اهل العلم وان من دخل فيهما فلا يخرج منهما الا باتمامهما. والتحلل منهما الا بما استثناه الله وهو الحصر. ولهذا قال فان احصرتم اي منعتم من الوصول الى البيت ومن تتميم المناسك بمرض او عدو او ذهاب نفقة او ضللتم الطريق او غير ذلك من انواع الحصر الداخلة في عموم قوله احصرتم فاذبحوا ما تيسر من الهدي وهو شاة او سبع بدنة او سبع بقرة يذبحها المحصر ويحلق رأسه ويحل من احرامه سبب الحصر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه لما صدهم المشركون عن البيت وهم محرمون عام الحديبية لم يتيسر الهدي على المحصر فهل يكفيه الحلق وحده ويحل كما فعله الصحابة الذين لم يكن معهم هدي وهو الصحيح او ينوب عن الهدي صيام او ينوب عن الهدي صيام عشرة ايام قياسا على هدي التمتع. كما قاله اخرون ثم يحل ثم قال تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله وفي هذا ان المحرم يحرم عليه ازالة شيء من شعر بدنه تعظيما لهذا النسك فقاس عليه اهل العلم ازالة الاظفار بجامع الترفه. ويستمر المنع من ذلك حتى يبلغ الهدي محله. وهو وقت ذبحه يوم النحر والافضل ان يكون الحلق بعد النحر. ويجوز ان يقدم الحلق على النحر كما رخص في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عمن قدم الحلق او الرمي او الذبح او الطواف بعضها على بعض. فقال افعل ولا حرج ويستدل بالاية الكريمة على ان المتمتع كالقارن والمفرد لا يحل من عمرته اذا كان سائقا للهدي حتى يبلغ الهدي ومحله. فقيل انه اذا حل من عمرته بان فرغ من الطواف والسعي بادر بالدخول بالحج بالنية. وقيل انه بسوقه للهدي صار قائم وان الهدي الذي استصحبه حيث انه كان للنسكين كليهما مزج بين النسكين وصار صاحبه قارنا. وهذا هو القول الصواب انما منع تعالى من الحل لمن ساق الهدي قبل محله لما في سوق الهدي وما يتبعه من كشف الرأس وترك اخذ الشعور ونحوها من الذل والخضوع لله والانكسار له والتواضع الذي هو روح هذا النسك وعين صلاح العبد وكماله وليس عليه في ذلك ضرر فاذا حصل الضرر بان كان به اذى من رأسه من مرض ينتفع بحلق رأسه او قروح او قمل او نحو ذلك. فانه يحل له ان يحلق رأسه ولكن يكون عليه فدية تخيير. يخير بين صيام ثلاثة ايام. او اطعام ستة مساكين او ذبح شاة هذه تسمى فدية الاذى والحق بذلك اذا قلم اظفاره او لبس الذكر المخيط او غطى رأسه او تطيب المحرم من ذكر او انثى فكل هذا فديته فدية تخيير بين الصيام او الاطعام او النسك. واما فدية قتل الصيد فقد ذكر الله التخيير فيها بين ذبح المثل من النعم او تقويمه بطعام ويطعم كل مسكين مد بر او نصف صاع من غيره او يصوم عن اطعام كل مسكين يوما. فهذه فديتها تخيير. واما المتمتع والقارن فان هديهما هدي نسك غير هدي جبران. وهو على هذا الترتيب ان تيسر الهدي وجب الهدي. فان لم يتيسر فعليه صيام عشرة ايام. ثلاثة في الحج ولا يؤخرها عن ايام التشريق سبعة اذا رجع اي فرغ من جميع شؤون النسك ودل اطلاق ايجاب الصيام على انه يجوز فيها التتابع والتفريق ذلك اي وجوب الهدي على المتمتع والقارن او بدله لمن لم يجد من الصيام لمن لم يكن اهله حاضر المسجد الحرام وهم الافقية لان من الحكمة في ايجاد الهدي على الافقي انه لما حصل نسكين في سفرة واحدة كان هذا من اعظم نعم الله فكان عليه ان يشكر الله على هذه النعمة الجليلة. ومن جملة الشكر ايجاب الهدي عليه واما المقيمون في مكة او كانوا في قربها بحيث لا يقال لهم مسافرون. فليس عليهم هدي ولا بدله لما ذكرنا من الحكمة واتقوا الله بجميع اموركم بامتثال اوامره واجتناب نواهيه ومن ذلك امتثالكم لهذه المأمورات في هذه العبادة الجليلة واجتنابكم لمحظوراتها واعلموا ان الله شديد العقاب. اي لمن عصاه وذلك موجب للتقوى. فان من خاف عقاب الله ان كف عن السيئات كما ان من رجا ثواب الله عمل لما يوصله الى الثواب واما من لم يخف الله فانه لا بد ان يتجرأ على المحارم ويتهاون بالفرائض. ثم اخبر تعالى ان الحاج واقع في اشهر معلومات عند المخاطبين. بحيث لا تحتاج الى تعيين كما احتاج الصيام لتعيين شهره كما بين تعالى اوقات الصلوات الخمس واما الحج فقد كان من ملة ابراهيم التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم والمراد بالاشهر المعلومات عند الجمهور شوال وذو القعدة وعشر او ثلاثة عشر من ذي الحجة. فهي التي يقع فيها الاحرام بالحج غالبا. وهي التي تقع فيها افعال الحج اركانه وواجباته ومكملاته فمن فرض فيهن الحج اي عقده واحرم به. لان الشروع فيه يصيره فرضا ولو كان قبل ذلك نفلا واستدل بهذه الاية الشافعي ومن قال بقوله انه لا يجوز الاحرام بالحج قبل اشهره ولو قيل ان الاية فيها دلالة لقول الجمهور بصحة الاحرام بالحج قبل اشهره لكان قريبا. لان قوله فمن فرض فيهن الحج دليل على انه يقع الفرض فيهن وفي غيرهن والا لما كان في القيد فائدة فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج اي يجب عليكم ان تعظموا حرمة الاحرام بالحج. وخصوصا الواقع في اشهره وتصونوه عن كل ما يفسده او ينقصه من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية خصوصا التكلم في امور النكاح بحضرة النساء ولا فسوق وهو جميع المعاصي ومنها محظورات الاحرام ولا جدال. الجدال هو المماراة والمنازعة والمخاصمة. لكونها تثير الشر وتوقع العداوة والمقصود من الحج الذل والانكسار لله التقرب اليه بما امكن من القربات والتنزه عن مقارفة السيئات فانه يكون بذلك مبرورا. والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. وهذه الاشياء وان كانت ممنوعة في كل زمان ومكان فانه يتأكد المنع منها في الحج واعلم انه لا يتم التقرب الى الله بترك المعاصي حتى يفعل الاوامر ولهذا اتبعه بقوله وما تفعلوا من خير يعلمه الله. اتى بمن المفيدة لتنصيص العموم. وكل عبادة وقربة فانها تدخل في هذا. والاخبار بعلمه يتضمن الحث على افعال الخير خصوصا والاخبار بعلمه يتضمن الحث على افعال الخير خصوصا في تلك البقاع الشريفة. والحرمات المنيفة فانه ينبغي اغتنام الخيرات والمنافسة فيها من صلاة وصيام وصدقة وقراءة وطواف واحسان قولي وفعلي وتزودوا لهذا السفر المبارك فان التزود فيه الاستغناء عن الخلق وعدم التشوف لما عندهم واعانة المسافرين والتوسعة على الرفقة والانبساط والسرور في هذا السفر. وزيادة التقرب الى الله تعالى وهذا الزاد المراد به اقامة البنية بلغة ومتاع. واما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه واخراه فهو زاد التقوى الذي هو زاد الى دار القرار. وهو الموصل لاكمل لذة واجل نعيم دائما ابدا. ومن ترك هذا زاد فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر وممنوع من الوصول الى دار المتقين وقد يتمكن الموفق من جعل الزاد الحسي بجمع الزادين بان يقصد به وجه الله القيام بواجب النفس والرفقة ومن تصل به والقيام بالاحسان المستحب. وقصد امتثال امر الله فالنية هي الاساس لكل خير وهي التي تجعل الناقص كاملا. والعادة عبادة ثم قال واتقوني يا اولي الالباب. اي اهل العقول الرزينة اتقوا ربكم الذي تقواه اعلى ما تأمر به العقول. وتركها دليل على فساد العقل والرأي ولما امر بتقواه اخبر ان ابتغاء فضله بالاشتغال بالتكسب في التجارة في مواسم الحج وغيرها ليس فيه حرج اذا لم يشغل عما يجب اذا لم يشغل عما يجب اذا كان المقصود هو الحج. وكان الكسب حلالا منسوبا الى فضل الله معترفا فيه بنعمة الله لا منسوبا الى حذق العبد والوقوف مع السبب ونسيان المسبب. فان هذا هو الحرج بعينه في كل وقت. فكيف اذا قارن النسك الفاضل وفي قوله فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام دلالة على امور احدها ان الوقوف بعرفة من المشاعر الجليلة ومن اركان الحج فان الافاضة من عرفات لا تكون الا بعد الوقوف الذي هو ركن الحج الاعظم بعد الطواف الثاني الامر بذكر الله عند المشعر الحرام وهي المزدلفة. وذلك ايضا معروف تكون الحاج ليلة النحر بائتا بها. وبعد صلاة الفجر يقف في المزدلفة داعيا حتى يسفر جدا ويدخل في ذكر الله عند المشعر الحرام ما يقع في المشعر من الصلوات فرضها ونفلها الثالث ان الوقوف بمزدلفة متأخر عن الوقوف بعرفة كما تدل عليه الفاء المفيدة للترتيب الرابع والخامس ان عرفات ومزدلفة كليهما من مشاعر الحج المقصود فعلها واظهارها السادس ان مزدلفة في الحرم كما قيده بالمشعل الحرام والسابع ان عرفة بالحل كما هو مفهوم التقييد بمزدلفة واذكروه كما هداكم وان كنتم من قبله لمن الضالين. ايذكروا الله كما من عليكم بالهداية بعض الضلالة وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون فهذه من اكبر النعم التي يجب شكرها ومقابلتها بالاكثار من ذكر المنعم بالقلب واللسان ثم افيضوا اي من مزدلفة من حيث افاض الناس من لدن ابراهيم الى هذا الوقت. والمقصود من هذه الافاضة كان معروفا عندهم وهو رمي الجمار وذبح الهدايا والطواف والسعي والمبيت بمنى ليالي ايام التشريق وتكميل قية المناسك ولما كانت هذه الافاضة يقصد بها ما ذكر. والمذكورات اخر المناسك. امر تعالى بعد الفراغ منها باستغفاره خشية الخلل الواقع من العبد في اداء العبادة وتقصيره فيها. وبالاكثار من ذكره شكرا له على نعمه وبالاكثار من ذكره شكرا له على نعمة التوفيق لهذه العبادة العظيمة وتكميلها وهكذا ينبغي للعبد كلما فرغ من عبادة ان يستغفر الله على التقصير. ويشكره على التوفيق. فهذا حقيق بان الله يجبر له ما نقص منها ويتقبلها. ويزيده نعما اخرى لان من جهل حق ربه فرأى نفسه انه قد كمل حقوق العبادة فاعجب بنفسه ومن بعبادته على ربه وتراءى له انها قد جعلت له محلا ومنزلة رفيعة فهذا حق كن بالمقت ويخشى عليه من رد العمل ثم اخبر تعالى عن احوال الخلق وان الجميع يسألونه مطالبهم ويستدفعونه ما يضرهم ولكن هممهم ومقاصدهم متباينة فمنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا ان يسأل ربه من مطالب دنياه وشهواته فقط وما له في الاخرة من خلاق الى رغبة له فيها ولا حظ له منها. ومنهم عالي الهمة. من يدعو الله لمصلحة الدارين. ويفتقر الى ربه في ذات دينه ودنياه وكل من هؤلاء وهؤلاء له نصيب من كسبهم وعملهم. وسيجازيهم الله على حسب اعمالهم ونياتهم جزاء دائرا بين الفضل والاحسان والكرم للمقبولين. وبين العدل والحكمة لغيرهم وفي هذه الاية دليل على ان الله تعالى يقبل دعوة كل داع مسلما كان او كافرا برا او فاجرا ولكن ليست اجابته دعاء ولكن ليست اجابته دعاء من دعاه دليلا على محبته وقربه منه الا في مطالب الاخرة ومهمات الدين فمن اجيبت دعوته في هذه الامور الدائم نفعها. كان من البشرى وكان اكبر دليل على بره وقربه من ربه والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد وما به تكمل حياته من رزق هنيء واسع حلال وزوجة صالحة وولد تقر به العين ومن راحة وعلم نافع وعمل صالح. وما يتبع ذلك من المطالب نافعة المحبوبة والمباحة. واما حسنة الاخرة فهي السلامة من العقوبات التي يستقبلها العباد من عذاب القبر والموقف وعذاب نار وحصول رضا الله والفوز بالنعيم المقيم والقرب من الرب الرحيم. فهذا الدعاء اجمع الادعية واكملها واولاها الايثار. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به. ويحث عليه فلما اكمل الله تعالى احكام النسك امر بالاكثار من ذكره في الايام المعدودات وهي ايام التشريق في قول جمهور المفسرين وذلك لمزيتها وشرفها وكون بقية المناسك تفعل بها ولكون الناس فيها اضيافا لله ولهذا حرم صيامها فلذكر فيها مزية ليست لغيرها. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ايام التشريق ايام اكل وشرب وذكر لله ويدخل في ذكر الله رمي الجمار والتكبير عند رميها والدعاء بين الجمرتين والذبح والتسمية فيه. والصلوات التي لتفعل فيها من فرائض ونوافل والذكر المقيد بعد الفرائض فيها وعند كثير من اهل العلم انه يستحب فيها التكبير المطلق كالعشر فجميع ما يقرب الى الله داخل بذكره. فمن تعجل في يومين اي خرج من منى ونفر منها قبل غروب الشمس فلا اثم عليه ومن تأخر بان بات بها ليلة الثالث من ايام التشريق. ليرمي من غده فلا اثم عليه. وهذا تخفيف من الله على عباده حين اباح الامرين مع ان التأخر ارجح لموافقته فعل النبي صلى الله عليه وسلم وزيادة العبادات وقوله لمن اتقى هذا من الاحتراز العالي بان نفي الحرج يوهم العموم وقيل ذلك بهذا الشرط الذي هو شرط لنفي الحرج في كل شيء. واتقوا الله بامتثال اوامره واجتناب نواهيه واعلموا انكم اليه تحشرون ومجازيكم باعمالكم. فمن اتقاه وجد عنده جزاء المتقين. ومن لم يتقه عاقبه عقوبة تارك التقوى فان التقوى هي ميزان الثواب والعقاب. في القائم بها والمضيع لها. العلم بالجزاء والايمان به هو اعظم الدواعي قيامي بالتقوى واذ بوأنا لابراهيم مكان البيت الا تشرك بي شيئا. الا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائف في نوى القائمين والركع السجود. الاية وما تلاها يذكر الله تعالى عظمة البيت الحرام وجلالته وعظمة بانيه وهو خليل الرحمن فقال واذ بوأنا لابراهيم فمكان البيت اي هيئناه له وانزلناه اياه بحيث جعل قسما من ذريته هم سكانه وامره الله ببنيانه فبناه واسسه على تقوى الله ورضوانه هو وابنه اسماعيل بنية صادقة وخضوع لله واخلاص ودعاء منهما ان يتقبل منهما هذا العمل الجليل. فتقبله الله فهذه اثار القبول لهذا البيت في كل وقت وجيل متواصلة. ووصاه بالا يشرك به شيئا بان ينفي الشرك عنه وعن ذريته وعن من وصلت اليه دعوته وطهر بيتي اي من الشرك والمعاصي ومن الانجاس والاجناس واضافه الى نفسه ليكتسب شرفا الى شرفه ولتعظم محبته في القلوب لكونه بيت محبوبها الاعظم وتنصب وتهوي اليه الافئدة من كل جانب وليكون اعظم لتطهيره وتعظيمه للطائفين به والقائمين عنده للعبادات المتنوعة والركع السجود اي المصلين اي طهره لهؤلاء الفضلاء الذين ليس لهم هم الا طاعة مولاهم. وما يقربهم اليه فهؤلاء لهم الحق ومن اكرامهم تطهير هذا البيت لهم. وتهيئته لما يريدونه عنده. ويدخل في تطهيره طيره من الاصوات اللاغية المرتفعة التي تشوش على المتعبدين بالصلاة والطواف والقراءة وغيرها. وقدمت طواف الاختصاصه بهذا البيت ثم الاعتكاف لاختصاصه بجنس المساجد واذن في الناس بالحج اي اعلمهم به وادعهم اليه وبلغ دانيهم وقاصيهم فرضه وفضيلته فانك اذا دعوتهم عن امر الله اتوك حجاجا وعمارا رجالا اي مشاة على ارجلهم من الشوق وعلى كل ضامر اي ناقة ضامر تقطع المهام والمفاوز وتواصل السير حتى تأتي الى اشرف الاماكن وابدايا واعادا فيه فحصل ما وعد الله به. اتاه الناس رجالا وركبانا من مشارق الارض ومغاربها. ثم ذكر فوائد زيارة بيت الله الحرام مراغبا فيه فقال ليشهدوا منافع لهم اي لينالوا بوصولهم لبيت الله في الانساك منافع متنوعة دينية ومنافع دنيوية كالتكسب وحصول الارباح وهذا امر مشاهد يعرفه كل احد. فجميع العلوم والعبادات الدينية التي تفعل في تلك البقاع الفاضلة. وما جعل الله لها من التضعيف داخل في هذه المنافع. وجميع المنافع الدنيوية التي لا تعد ولا تحصى. داخلة في ذلك وصدق الله وعده وانجز ما قاله. وكان ذلك اية وبرهانا على توحيده وصدق رسله. وقوله ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام وهذه تجمع الامرين الدينية والدنيوية اي ليذكروا اسم الله عند ذبح الهدايا. شكرا لله على ما رزقهم منها ويسرها لهم فاذا ذبحتموها فكلوا منها واطعموا البائس الفقير اي شديد الفقر والاية الاخرى واطعموا القانع والمعتر اي القانع وهو الفقير الذي لا يسأل الناس والمعتر الفقير السائل بهذا الامر بالاكل والاهداء والصدقة فان الامر يشمل اكل اهلها منها واهداءهم للاغنياء ثم ليقضوا تفثهم ان يستكملوا بقية انساكهم ويزيلوا عنهم محظورات الاحرام وما ترتب عليها من الشعث ونحوه. وليوفوا نذورهم التي اوجبوها على انفسهم من الحج والعمرة والهدايا فنفس عقد العبد للاحرام ايجاب منه على نفسه وليطوافوا بالبيت العتيق اي القديم اقدم المساجد على الاطلاق المعتق من تسلط الجبابرة عليه. وتخصيص الطواف به دون غيره من المناسك لفضله وشرفه فلكونه المقصود وما قبله وما بعده وسائل وتوابع ولانه يتعبد به لله مع الانساك ووحده واما بقية الانساك فلا تكون عبادة الا اذا كانت تابعة لنسك فصل في ايات تتعلق بالجهاد وتوابعه قال تعالى اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير كان المسلمون في اول الامر مأمورين بكف الايدي عن قتال الكفار. وانما جهادهم بالدعوة لحكمة ظاهرة فلما اضطهدوا واضطرهم الاعداء الى ترك بلادهم واوطانهم وقتلوا من قتلوا وحبسوا من حبسوا وجدوا في العداوة البليغة بكل طريق. وهجر المسلمون بسبب ذلك الى المدينة وقواهم الله على قتال الاعداء وقد رماهم الاعداء عن قوس واحدة فحينئذ اذن الله لهم في القتال. ولهذا قال اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا. لمنعهم عن دينهم واخراج من ديارهم ومطاردتهم لهم في كل مكان وان الله على نصرهم لقدير وهذا مع امره لهم بفعل الاسباب ومقاومة الاعداء بكل مستطاع امر لهم بالتوكل عليه واستنصاره والطلب منه ثم ذكر صفة عدوانهم. فقال الذين اخرجوا من ديارهم بالاذية والفتنة بغير حق. الا ان ذنبهم ايمانهم بالله واعترافهم بانه ربهم والههم. وانهم اخلصوا له الدين وتبرأوا من عبادة المخلوقين هذا كما قال تعالى وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد وهذا ظاهر في حكمة الجهاد وعظم مصلحته وانه من الضروريات في الدين. فان المقصود به اقامة دين الله والدعوة الى عبادته التي خلق الله المكلفين لها. واوجبها عليهم ودفع كل من قاوم الامر الضروري ومقاومة الظالمين المعتدين على دين الله وعلى المؤمنين من عباده. كما قال تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ولهذا قال ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا فلولا مدافعة الله الناس بعضهم ببعض باسباب متعددة وطرق متنوعة قدرية وشرعية واعظمها واجلها وازكاها الجهاد في سبيل الله لاستولى الكفار الظالمون ومحقوا اديان الرسل فقتلوا المؤمنين بهم وهدموا معابدهم ولكن الطاف الله عظيمة واياديه جسيمة وبهذا وشبهه يعرف حكمة الجهاد الديني. وانه من الضروريات لا كقتال الظلمة المبني على العداوات والجشع والظلم والاستعباد بادي للخلق بل الجهاد الاسلامي مرماه وغرضه الوحيد اقامة العدل وحصول الرحمة استعباد الخلق لخالقهم واداء الحقوق كلها ونصر المظلومين وقمع الظالمين. ونشر الصلاح والاصلاح المطلق بكل وجه واعتبار وهو من اعظم محاسن دين الاسلام يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا. واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس. ويصدون عن سبيل الله. والله ما يعملون محيط هذه الايات تضمنت الامر بجهاد الاعداء والارشاد الى الاسباب التي ينبغي للجيوش والمجاهدين الاخذ بها. فمن اعظمها واهمها امران الصبر وهو الثبات التام وابداء كل مجهود في تحصيل ذلك والثاني التوكل على الله والتضرع اليه والاكثار من ذكره فمتى اجتمع الامران على وجه الكمال والتكميل؟ فقد اتى المجاهدون بالاسباب الوحيدة للنصر والفلاح فليبشروا بنصر الله وليثقوا بوعده. فيدخل بالامر بالصبر والثبات تمرين النفوس على ذلك فانه من يتصبر يصبره الله تعلم الرمي والركوب والفنون العسكرية المناسبة للزمان فان التعليم وتعلم امور الجهاد من اكبر العون على الثبات والصبر. ومن ذلك الحث على الشجاعة والسعي في اسبابها والترغيب في فضائل الجهاد وما فيه من الثمرات العاجلة والاجلة وما في تضييعه من ضياع الدين والدنيا واستيلاء الاعداء والذل والدمار فان النفوس الابية والهمم العلية لا ترضى لانفسها بغير هذا الخلق الفاضل الذي هو اعلى الاخلاق وانفعها. قال تعالى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون فحثهم على الصبر بتأمينهم وطمعهم في الاجر والثواب. وادراك المقامات العالية. وقال ايضا في ذم الناكلين وترغيب بالتائبين الصابرين. ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصبوا ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو ميلا الا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين. ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقع واديا الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون وقال عن المنافقين ونقولهم عن مشقة الجهاد وقالوا لا تنفروا في الحر قلنا نار جهنم اشد حرا لو كانوا يفقهون اي لو كان عندهم فقه نافع في تنزيل الاشياء منازلها وتقديم ما ينبغي تقديمه لاثاروا مشقة الجهاد على راحة القعود الضار عاجلا او اجلا وفي هذا انه بحسب فقه العبد وعلمه ويقينه يكون قيامه بالجهاد. وصبره عليه وثباته. ومن دواعي الصبر وهو من الفقه ايضا انه اذا علم المجاهد انه على الحق ويجاهد اهل الباطل علم ان هذا اعلى الغايات واشرفها واحقها ان الحق منصور وعاقبته حميدة ومن دواعي الصبر الثقة بالله وبوعده. فان الله وعد الصابرين العون والنصر وانه معهم في كل احوالهم. ومن كان الله معه فلو اجتمع عليه من باقطارها لم يخف الا الله ومما يعين على الصبر والثبات الامر الثاني وهو التوكل على الله وقوة الاعتماد عليه التضرع اليه في طلب النصر والاكثار من ذكره كما قال تعالى هنا حيث رتب على هذا الفلاح. واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. وقال تعالى كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله. والله مع الصابرين. وقال تعالى كأي من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا. فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله اهي وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة وقال تعالى يا ايها الذين امنوا ان تنصروا الله اي تقوموا بدينه وبالحق الذي جاء به رسوله مخلصين لله قاصدين ان تكون كلمة الله هي العليا ينصركم ويثبت اقدامكم. وقال تعالى ان ينصركم الله فلا غالب لكم. وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده. وعلى الله فليتوكل المؤمنون فاخباره بانه المتفرد بنصرهم وان غيره لا يملك من النصر شيئا. وامرهم بالتوكل عليه امر لهم باقوى الاسباب النافعة في هذا المقام العظيم. وقال تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقال سبحانه اليس الله بكاف عبده؟ اي الذي قام بعبوديته فبحسب توكلهم عليه وقيامهم بعبوديته يصلح لهم النصر والكفاية التامة. ومن اسباب النصر والصابر والثبات اتفاق القلوب وعدم التفرق والتنازع. فان ذلك محلل للقوة. موجب للفشل. واما اجتماع الكلمة وقيام الالفة بين المؤمنين واتفاقهم على اقامة دينهم وعلى نصره هذا اقوى القوى المعنوية التي هي الاصل. والقوة المادية تبع لها. والكمال الجمع بين الامرين. كما امر الله بذلك ففي هذه الاية وفي قوله واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم واخرين من دونهم لا تعلمونهم ومن اسباب الثبات والنصر حسن النية وكمال الاخلاص في اعلاء كلمة الحق. فلهذا حذر تعالى من مشابهة الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله فهؤلاء لما لم يعتمدوا على ربهم واعجبوا بانفسهم وخرجوا عشرين باطرين. وكان قتالهم لنصر الباطل باءوا بالخيبة والفشل والخذلان. ولهذا ادب خيار الخلق لما حصل من بعضهم الاعجاب بالكثرة في غزوة حنين حيث قال القائل لن نغلب اليوم عن قلة فقال ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا. وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. فلما زال هذا الامر عنهم وعرفوا ضعفهم وعاقبة الاعجاب. انزل الله سكينته وعلى رسوله وعلى المؤمنين. وانزل جنودا لم تروها ومن الاسباب التي ارشد الله اليها في القتال. الثبات والصبر وحسن التدبير. والنظام الكامل في جميع الحركات العسكرية. قالت تعالى واذ غدوت من اهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال. والله سميع عليم. وكان صلى الله عليه وسلم يرتل والجيش وينزلهم منازلهم ويجعل في كل جنبة كفؤها ويسد الثغرات التي يخشى ان يتسرب منها العدو. يحفظ المكامن ويبعث العيون لتعرف احوال عدو ويستعين بمشاورة اصحابه كما امر الله بذلك خصوصا في هذا الامر المهم وتعرف اسرار العدو وبث العيون ووضع الجواسيس السريين الذين لا يكاد يشعر بهم كما ان من المهم التحرز من جواسيس العدو وعمل الاسباب لاخذ الحذر من ذلك بحسب ما يليق. ويناسب الزمان والمكان ومن المهم ايضا ان تفعل جميع الاسباب الممكنة في اخلاص الجيوش وقتالها عن الحق وان تكون غايتها كلها واحدة. لا يزعزعها عن هذا الغرض السامي فقد رئيس او انحراف كبير. او تزعزع مركز قائد او توقف في صمودها في طريقها النافع على امور خارجية فانه متى كانت هذه الغاية العالية هي التي يسعى لها اهل الحل عقد ويعملون لها التعليمات القولية والفعلية كانت الجيوش التي على هذا الوصف مضرب المثل في الكمال وسداد الاحوال وحصول المقاصد الجليلة ولهذا ارشد الله المؤمنين يوم احد الى هذا النظام العجيب. فقال تعالى وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل. افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا. وسيجزي الله الشاكرين فنبههم على انه وان كان محمد هو الامام الاعظم والرسول المعظم. فانه لا ينبغي لكم ان يفت فقده في عزيمتكم وانحلال قوتكم بل انتم تقاتلون لله وعلى الحق الذي بعث به رسوله ولدفع الباطل والشرور. واجعلوا هذه الغاية نصب اعينكم واساس عملكم. وامضوا قدما في سبيل الله غير هائبين ولا متأثرين اذا اتت الامور على خلاف مرادكم فان الامور هكذا تكون تارة لك وتارة عليك والكمال كل الكمال ان يكون العبد عبدا لله في الحالين. في السراء والضراء. في حال اتيان الامور على ما يحب. او ضد ذلك هذا الوصف هو كمال الفرد وكمال الجماعات. والله الموفق ومن الامور المهمة جدا ان يكون الرئيس رحيما برعيته. ناصحا محبا للخير. ساعيا فيه جهده. كثير المراودة والمشاورات لهم خصوصا لاهل الرأي والحجة منهم. وان تكون الرعية مطيعة منقادة. ليس عندهم منازعات ولا مشاغبات قال تعالى يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم. فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول اي اذا حصل النزاع في اي امر من الامور خصوصا في الامور المتعلقة في سياسة الحرب ردت الى هذا الاصل الذي يطمئن اليه المؤمنون. ويلجأ اليه كبارهم وصغارهم. لعلمهم انه فرض على جميعهم علمهم ان حكم الله ورسوله هو الخير والصلاح. وان الله يعلم من مصالحهم ما لا يعلمون. ويرشدهم الى كل ما به ينتفعون ومن الامور المهمة جدا تلوك طريق الحق والعدل في قسمة الغنائم. والا تكون ظالمة مستبدا بها الاقوياء. محروما منها الضعفاء. او هنا فوضى فان هذين الامرين مع ضررهما في الدين. وان هذا لا يحل ولا يجوز. وهذا من اعظم المحرمات فانهما يضران غاية الضرر في الجيوش في وقوع العداوات وحصول الجشع والطمع وكون وجهتها تكون متباينة. فبذلك ينحل النظام ويقع الفشل. ويكون هذا الامر سلاح للاعداء على المسلمين ومن الامور المهمة جدا ايضا وهي عون كبير في الحروب. السعي بقدر الاستطاعة في ايقاع الانشقاق في صفوف الاعداء. وفعل كل سبب يحصل به تفريق حملهم وتفريق وحدتهم ومهادنة من يمكن مهادنته منهم وبذل الاموال للرؤساء اذا غلب على الظن ان ينكف شرهم عن المسلمين فكم حصل بهذا الطريق من نكاية العدو ما لا يحصل بالجيوش الكثيرة. ولهذا قال ان الذين يصلون الى قوم بينكم وبين بينهم ميثاق او جاؤوكم حصرت صدورهم ان يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم. ولو شاء الله سلطهم عليكم فلقاتلوكم فذكر الله هذه المصلحة العظيمة في الكف عن امثال هؤلاء الموصوفين. وللموفقين من الرؤساء وقواد الجيوش في هذه الامور مقامات معروفة صار لهم فيها اليد البيضاء على المسلمين فانظروا الى هذه التعاليم الالهية التي هي النظام الكامل الوحيد في جميع الازمنة والامكنة تدل بذلك على ان الاسلام الحقيقي هو الدين الحق الذي اليه ملجأ الخليقة وبه سعادتها وسلامتها من الشرور. وان والهبوط بتضييع تعاليم هذا الدين الذي اكمله الله واتم به النعمة على المؤمنين. فصل في البيوع وانواع معاملات. قال تعالى واحل الله البيع وحرم الربا وقال سبحانه يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة. وقال يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة حاضرة عن تراض منكم فقال يا ايها الذين امنوا اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه الى قوله واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم اشتملت هذه الايات الكريمات على احكام جمة وفوائد مهمة منها ان الاصل في البيوع والمعاملات والتجارات كلها الحل والاطلاق كما هو صريح هذه الايات لا فرق بين تجارة الادارة التي يديرها التجار بينهم. هذا يأخذ العوض وهذا يأخذ المعوض. ولا بين التجارة في الديون قال لي ثمنها المؤجل مثمنها كالسلم. وبيع السلع باثمان مؤجلة لعموم قوله. اذا تداينتم بدين ولم بين تجارة التربص والانتظار بان يشتري السلع في اوقات رخصها وينتظر بها الفرص في مواسم وغيرها. ولا بين جارتي بالتصدير والتوريد من محل الى اخر ولا بين التجارة والتكسب افرادا ومشتركين فكل هذه الانواع وما يتبعها قد اباحها الشارع واطلقها لعباده رحمة بهم وقياما لمصالحهم ودفعا للاضرار عنهم وكلها جائزة بما يقترن بها ويتبعها من شروط ووثائق ونحوها اذا سلمت من المحاذير الشرعية التي نبه الله عليها ورسوله يدخل في هذا العموم جميع اجناس المبيعات وانواع وافرادها من عقارات وحيوانات وامتعة واطعمة واوان واشربة واكسية وفرش وغيرها وكلها لابد ان تقترن بهذا الشرط الذي ذكره الله. وهو التراضي بين المتعاوضين الرضا الصادر عن معرفة. واما السفيه والمجنون ومن لا يعتبر كلامه فوليه يقوم مقامه في معاملاته واعظم المحاذير المانعة من صحة المعاملات الربا والغرر والظلم. فالربا الذي حرمه الله ورسوله يدخل فيه ربا الفضل. فهو بيع المكيل بالمكيل من جنسه متفاضلا وبيع الموزون بالموزون من جنسه متفاضلا. ويشترط في هذا النوع في حله ما شرط الشارع يتم حفظه الا بذلك وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. وفيها ان الكاتب لا يكتب الا ما املاه من عليه الحق ان كان رشيدا. ووليه ان كان عاجزا ضعيفا كالمجنون والصغير والسفيه وهو التماثل بين المبيعين بمعياره الشرعي مكيلا كان او موزونا. والقبض للعوضين قبل التفرق. وربا نسيئة وهو وبيع المكيل بالمكيل الى اجل ولو من غير جنسه وبيع الموزون بالموزون الى اجل او بلا قض. ويستثنى من هذا السلم. واشد انواع هذا النوع قلب الديون في الذمم وهو الذي ذكره بقوله لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة وذلك اذا حل ما في ذمة المدين قال له الغريم اما ان تقضيني ديني واما اما ان تزيد ما في ذمتك فيتضاعف ما في ذمة المعسر اضعافا مضاعفة بلا نفع ولا انتفاع. ذلك ان المعسر قد اوجب الله على غريمه انظاره كما قال تعالى وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة. وسواء كان قلب الدين المذكور صريحا او على احسانهم وترغيبا في الاحسان. واستدل بقوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله ان تقوى الله وسيلة الى حصول العلم. كما ان العلم سبب للتقوى. واوضح من هذا قوله تعالى يا ايها الذين امنوا تحايلوا عليه بحيلة ليست مقصودة. وانما يراد بها التوصل الى مضاعفة ما في ذمة الغريم. فهذا الذي قد توعده الله بهذا هذا الوعيد الشديد. وان الذين يأكلون الربا لا يقومون من قبورهم الى بعثهم ونشورهم. الا كما يقوم الذي يتخبطه شيطان من المس اي من الجنون فيقومون مرعوبين منزعجين قد اختلت حركاتهم لما يعلمون ما امامهم من القلاقل والاهوال مزعجة والعقوبات لاكلة الربا. وقد اذنهم الله بمحاربته ومحاربة رسوله اذا لم يتوبوا. ومن كان محاربا لله ورسوله فانه مخذول. وان عواقبه وخيمة. وان استدرج في وقت اخر. فاخر امره المحق والبوار قال تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات. وقال وما اتيتم من ربا ليربو في اموال الناس فلا يربو عند الله. فالمرابي يأخذه الامن والغرور الحاضر ولا يدري ما خبئ له في مستقبل امره وان الله سيجمع له بين عقوبات الدنيا والاخرة الا ان تاب واناب فان تاب فله ما سلف واما العقود الحاضرة فالزيادة لا تحل. وعليه ان ينزل على رأس ماله كما قال تعالى. وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون. باخذ الزيادة ولا تظلمون باخذ بعض رؤوس اموالكم ومن انواع الربا القرض الذي يجر نفعا. فان القرض من الاحسان والمرافق بين العباد. فاذا دخلته المعاوضة رطى المقرض على المقترض رد خير منه بالصفة او المقدار او شرط نفعا او محاباة في معاوضة اخرى فهو من لانه في الحقيقة دراهم بدراهم مؤخرة والربح ذلك النفع المشروط والله تعالى وعظ المؤمنين عن تعاطي الربا كله والمعاملة به وان يكتفوا بالمكاسب الطيبة التي فيها البركة وصلاح الدين والدنيا بها تزكو الاخلاق ويحصل الاعتبار وحسن المعاملة الصدق والعدل واداء الحقوق والسلامة من جميع التبعات ومن المحاذير في المعاملات محظور الميسر والغرر فان الله حرم في كتابه الميسر وقرنه بالخمر وذكر مضار ذلك ومفاسده ما يصير يدخل في المعاملات كما يدخل في المغالبات فكما ان المراهنات والمقامرات وتوابعها من الميسر البيوع التي فيها غرر ومخاطرات وجهالات داخلة في الميسر ولهذا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم كلمة جامعة بالناهي عن بيع الغرر فيدخل في ذلك بيع الحمل في البطن. وبيع الابق والشارد. والشيء الذي لم يرى ولم يوصف ودخل فيه بيع الملامسة والمنابذة وجميع العقود التي فيها جهالة بينة ذلك لان احد المتعاملين اما ان يغنم واما ان يغرم وهذا مخالف لمقاصد المعاوضات التي يقصد ان يكون العوض في مقابلة المعوض على وجه يستوي فيه علم المتعاوضين. فان جهل الثمن او المثمن او كان الاجل في الديون غير مسمى لا معلوم دخل هذا في بيع الغرر والميسر الذي زجر الله عنه. ومن المحاذير المنهي عنها في المعاملات الظلم والغش والتدليس وبخس المكاييل والموازين وبخس الحقوق اخذا واعطاء بان يأخذ اكثر مما له او يعطي اقل مما عليه فهذا من اعظم المحرمات وقد توعد الله عليه بالعقوبات في الدنيا والاخرة واهلك امة عظيمة بسبب هذه المعاملة الخبيثة وهذه المعاملات المحرمة تدخل في قوله لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل. كما يدخل فيه الغصب والسرقة ونحوهما. وفي اية الدين من الفوائد سوى ما تقدم الامر بكتابة المعاملات والاشهاد عليها. وان يكون الكاتب عدلا عارفا بالكتابة وبما ينبغي ان يكتب. وهذا الامر للندب والاستحباب عند جمهور العلماء الا اذا وجب حفظ المال. وكان على دين مؤجل او غير مقبوض. فانه لا وان على صاحب الحق ان يقر بالحق كله من غير بخس اي نقص بعدده او صفته وتدل الاية ان الاقرار من اعظم الطرق التي تثبت بها الحقوق في الذمم. كما يثبت فيها براءة الذمم المشتغلة بالحقوق اذا اقر من له الحق بالاقباض او الابراء المعتبر وانه لا يعذر من اقر لو ادعى الغلط او الكذب ونحوه وفيها الارشاد الى حفظ الحقوق بالاشهاد والكتابة والرهن اذا احتيج اليه في سفر او غيره. وان نصاب الشهادة في المعاملات كلها من عقوق قود وفسوخ وثبوت وشروط وابراء ونحوها رجلان مرضيان ان امكن والا فرجل واحد وامرأتان وثبت في السنة قبول شهادة الواحد مع يمين صاحب الحق وفيها ان شهادة الفاسق والمجهولين غير مقبولة وان الاعتبار بما يرضاه الناس ويعتبرونه. وفيها ان شهادة المرأتين تقوم مقام شهادة الرجل لكمال حفظ الرجل وقوة ذاكرته. كما نبه عليه بقوله ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى وفيها دلالة ان من نسي شهادة فتذكرها او ذكرها فذكرها ان شهادته صحيحة وفيها انه لا يحل ان يشهد الا بما اعلمه وتيقنه فان شك فيه لم يحل له ان يشهد وفيها بيان الحكمة العظيمة في هذه الارشادات من الرب في حفظ المعاملات وان ذلك صلاح للعباد في معاملاتهم ان تكون جارية على القسط وان تقطع الخصومات والمنازعات وتبرئ الذمم وتمنع الظالم من ظلمه. فلهذا قال ذلكم ما قصة عند الله واقوم للشهادة وادنى الا فكم حصل بهذه الوثائق التي ارشد الله اليها من مصالح عظيمة؟ وكم اندفع بها من مفاسد وشرور كثيرة وسبحان من جعل شرعه صلاحا لدين العباد ودنياهم وفيها ان التجارة الحاضرة لا بأس بترك كتابتها لكون التقابض يغني غالبا عن ذلك ولمشقة كثرة ذلك واما الشهادة فلا ينبغي تركها خصوصا في الامور المهمة وقوله ولا يضار كاتب ولا شهيد. يحتمل انه مبني للفاعل او للمفعول والمعنى يشمل الامرين. فالكاتب والشهيد يجب عليه ان يعدل في كتابته وشهادته. ولا يحل له ان يميل مع احدهما لغرض من اغراضه ولا يضارهما باخذ اجرة لا تحل له على شهادته او يماطل في شهادته وكتابته مماطلة تضرهما او تضر احدهما وكذلك المعاملان لا يحل ان يضار الكاتب والشهيد بان يكلفاه ما لا يطيقه او يتضرر به لان الشاهد والكاتب محسنان اقوهما ان يشكرا على ذلك ومضارتهما تنافي ذلك وفيها ان تعلم الكتابة من الامور المحبوبة لله. وانه نعمة من الله على من علمه الله الكتابة. فمن شكر هذه النعمة الا ابى كاتب ان يكتب كما علمه الله ويستفاد من المعنى المقصود ان الله شرع هذه الامور حفظا للحقوق وانه ينبغي تعلم كتابة الوثائق والاصطلاحات الجارية بين الناس في المعاملات حتى يكون الكاتب بهذه الصفة التي يحرر فيها المعاملات فينتفع الناس بحفظ حقوقهم فلا يكفي مجرد الكتابة من غير معرفة بهذه الامور كما انه لابد ان يكون الكاتب معتبرا ثقة ليحصل الاعتماد على كتابته والطمأنينة اليها ويستفاد من هذا ان الخط المعروف صاحبه وثقته انه معتبر معلوم به ليتم المقصود من الكتابة في حياة الكاتب وبعد موته وفيها وجوب اداء الشهادة وتعينها على من تحملها وان كتمان الشهادة من كبائر الذنوب كما ان شهادة الزور بان يشهد بثبوت ما ليس بثابت او بالبراءة من الحق الثابت وهو كاذب من اكبر الكبائر. وكذلك عن اداء الشهادة وكلا الامرين ظلم لصاحب الحق بتفويت حقه وظلم ايضا للنفس بوقوع الاثم وظلم للظالم لاعانته على الاثم والعدوان وفيها مشروعية الوثائق بالحقوق. وهي اربعة الشهادة والرهن كما هو مذكور في هذا الموضع. الضمان والكفالة يؤخذ من الاعتبار على هذا المعنى. ومن قوله وانا وبه زعيم اي كفيل وضامن وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه. وتقييد الرهن بالسفر لا يدل على ان انه لا يكون رهن في الحضر بل قيد لاجل الحاجة اليه لعدم الكاتب غالبا. وفيها ثبوت الولاية على القاصرين. لجنون او صغر او سفه لقوله فان كان الذي عليه الحق سفيها او ضعيفا او لا يستطيع ان يمل هو فليملي نبيه بالعدل فاقامه في التصرفات في ماله مقام المالك الرشيد. وعليه ان يفعل في اموالهم ما هو الاصلح وجعل لها الثلث اذا فقد الشرطان المذكوران. واما الثلث الباقي في زوج او زوجة وابوين وقيل انه يؤخذ من قوله وورثه ابواه. فاذا كان معهما احد الزوجين خرجت عن هذا فلم يكن لها ثلث كامل. او يقال ان الله اضاف الميراث قال تعالى ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن ولا يدفع اليهم حتى يرشدوا. ويعرف ذلك بالاختبار والتجربة كما قال تعالى. وقتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم. وفيها في قوله ولا يضار كاتب ولا شهيد من الفوائد التنبيه على ان كل من فعل احسانا ومعروفا ان عليه ان يتممه ويكمله بالتسهيل والتيسير وعدم المضار وان سنين على الناس ان يشكروا لهم معروفهم. وان للمحسنين على الناس ان يشكروا لهم معروفهم. الا يكلفوهم الضرر والمشقة جزاء لهم ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا اي علما تفرقون به بين الحق والباطل وبين الحقائق المحتاج اليها. وفيها كما انه من العلوم النافعة تعليم الامور بنية المتعلقة بالعبادات والمعاملات فمنه ايضا تعليم الامور الدنيوية المتعلقة بالمعاملات فان الله حفظ على العباد امور دينهم ودنياهم وكتابه العظيم فيه تبيان لكل شيء. وفيها انه يجوز التعامل بغير وثيقة بل بمجرد الاستئمان. لقوله فان امن بعضا فليؤد الذي اؤتمن امانته. ولكن في هذه الحال تتوقف الثقة على التقوى والخوف من الله والا فصاحب الحق مخاطر فلهذا وعد الله من عليه الحق ان يؤدي امانته ويؤخذ من هذا ان من عاملك ورضي بامانتك ووثق فيك انه قد فعل معك معروفا ورأك موضع الثقة والامانة فيتأكد عليك اداء الامانة من الجهتين اداء لحق الله ووفاء بحق من وثق فيك ومكافأة له فصل قال الله تعالى ان خير من استأجرت القوي الامين. وقال يوسف اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم مم يؤخذ من هاتين الايتين انه ينبغي ان يتخير في الايجارات والجعالات والامانات والولايات كلها كبيرة كانت او صغيرة. من جمع الوصفين القوة على ذلك العمل والكفاءة والحفظ وتوابع ذلك من جميع ما تقوم به الاعمال مال والامر الثاني الامانة فبالامانة تتم به الثقة. ويعلم نصحه وبذله الواجب. وبالكفاءة والقوة يحصل العمل ويتم ويتقن فان وجد الجامع للوصفين على وجه الكمال فليستمسك بغرزه. والا اكتفي بالامثل فالامثل نقص الاعمال كلها من الاخلال بالوصفين او احدهما فصل في ايات المواريث. قال الله تعالى يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين. الى قوله تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات والتي في اخر السورة يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة الى اخرها تضمنت هذه الايات الكريمة احكام المواريث في غاية البيان والتفصيل والايضاح في غاية الحكمة. فتوصيته للعباد باولادهم من كمال رحمته وعنايته. وانه ارحم بهم من والديهم. ولذلك وصى الوالدين ولاد. فالاولاد عند والديهم وصايا من الله وامانات عندهم. على الوالدين ان يربوهم تربية نافعة لدينهم ودنياهم. فان فقد قاموا بهذه الامانة والا فقد ضيعوها وباءوا باثمها وخسرانها فذكر الله ميراث الاولاد وان لهم ثلاث حالات اما ان يجتمع الذكور والاناث فحين اذ يتقاسمون المال او ما ابقت الفروض على عدد رؤوسهم للذكر مثل حظ الانثيين. سواء كانوا اولاد صلب او اولاد ابن ويؤخذ من هذا الحالة الثانية ان يكون الاولاد ذكورا فقط فانهم يتقاسمونه متساوين. ومن ارتفعت درجته حجب من دونه من الاولاد اذا كان الرفيع من الذكور. الحالة الثالثة اذا كن اناثا فان كانت واحدة فلها النصف سواء كانت بنت صلب او بنت ابن. وان كانتا اثنتين فاكثر فلهما الثلثان ومن الحكمة في الاتيان بقوله فوق اثنتين. التنبيه على انه لا يزيد الفرض وهو الثلثان بزيادتهن على الاثنتين. كما فرض النصف لما صرنا اكثر من واحدة. وقد نص الله على ان الاختين فرضهما الثلثان. فالبنتان من باب اولى واحرى. فان كان البنتان في بنات صلب لم يبقى لبنات الابن شيء. وصار البقية بعد فرض البنات للعاصم. وان كانت العالية واحدة اخذت النصف باقي الثلثين وهو السدس لبنت او بنات الابن. هذا ميراث الاولاد الذي استوعبته الاية استيعابا. وقد علمنا من ذلك ان لفظ الولد يشمل الذكر والانثى من اولاد الصلب او اولاد الابن وان نزل. واما اولاد البنات فلا يدخلون في اطلاق اسم الاولاد في المواريث. ثم ذكر الله ميراث الابوين. الام والاب. فجعل الله للام سدسا وثلثا. وجعل لهذا السدس مع وجود احد من الاولاد مطلقا منفردين او متعددين اولاد صلب او اولاد ابن. وكذلك جعل لها السدس بوجود جمع من الاخوة والاخوات اثنين فاكثر للابوين وهما الاب والام فيكون لها ثلث ما ورثه الابوان. ويكون ما يأخذه الزوج او الزوجة بمنزلة ما ياخذه الغير فالله اعلم. واما الاب فقد فرض الله له السدس مع وجود احد من الاولاد. فاذا كان الاولاد ذكورا لم يزد الاب على السدس وصار الابناء احق بالتقديم من الاب بالتعصيب بالاجماع. وان كان الاولاد اناثا. واحدة او متعددات فرض له السدس ولهن اولها الفرض. فان بقي شيء فهو لاولى رجل. وهو الاب هنا. لانه اقرب من الاخوة وبنيهم ومن الاعمام وبنيهم فجمع له في هذه الحال بين الفرض والتعصيب. واذا استغرقت الفروض التركة لم يبق للاب زيادة على السدس. كما لو خلف ابوين وابنتين فلكل واحد من الابوين السدس وللبنتين الثلثان. ومفهوم الاية الكريمة انه اذا لم يكن اولاد ذكور الا اناث ان الاب يرث بغير تقدير بل بالعصب بان يأخذ المال كله اذا انفرد او ما ابقت الفروض ان كان معه اصحاب فروض وهو اجماع وحكم الجد حكم الاب في هذه الاحكام الا من العمريتين. فان الام ترث ثلثا كاملا مع الجد ما ميراث الجدة السدس عند عدم الام فهو في السنة. ثم ذكر الله ميراث الزوجين وان الزوج له نصف ما تركت زوجته ان لم يكن لها ولد كان لها ولد فله الربع. وان الزوجة واحدة او متعددات لها الربع مما ترك الزوج ان لم يكن له ولد. فان كان للزوج ولد من انها او من غيرها ذكر او انثى ولد صلب او ولد ابن. فلها او لهن الثمن. ثم ذكر الله ميراث الاخوة من الام. وانه هم لا يرثون اذا كانت الورثة كلالة. ليس فيهم احد من الفروع ولا الاب ولا الجد. فللواحد من الاخوة من الام او الاخوات السدس اثنين فاكثر الثلث يستوي فيهم ذكرهم وانثاهم. وهذه الفروض كلها ذكر الله انها من بعد الوصية اذا حصل الايصال وبها ومن بعد الدين وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم ان الدين قبل الوصية فقد اتفق العلماء على ذلك وشرط الله في الوصية لتكون على وجه المضارة بالورثة. فان كانت كذلك فانها وصية اثم وجنف يجب تعديلها ورد الظلم الواقع فيها. واخبرت على ان هذه التقديرات والفرائض حدود الله قدرها وحددها فلا يحل مجاوزتها ولا الزيادة فيها والنقصان بان يعطى وارد فوق حقه او يحرم وارث او ينقص من حقه. ثم ذكر في اخر السورة ميراث الاخوة لغير ام واخواتهم بان الانثى الواحدة تلاها النصف وللاثنتين فاكثر الثلثان. وان اجتمع رجال ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين. ويقال فيهم كما يقال في اولاد اذا كانوا ذكورا تساووا اذا كانوا اشقاء او لاب. فان وجد هؤلاء وهؤلاء حجب الاشقاء الاخوة للاب. وان كن نساء شقيقات واخوات لاب واستغرق الشقيقات الثلثين لم يبق للاخوات للاب شيء. فان كانت الشقيقة واحدة اخذت نصفها واعطيت الاخت للاب والاخوات السدس تكملة للثلثين. وما سوى هذه الفروض فان الورثة من اخوة لغير ام وبنين واعمام بنيهم واولاء يدخلون في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الصحيح الحقوا الفرائض باهلها فما بقي هو لاولى رجل ذكر رواه مسلم فيقدم الاخوة ثم بنوهم ثم الاعمام ثم بنوهم ثم الولاة. ويقدم منهم الاقرب من فان استوت منزلتهم قدم الاقوى وهو الشقيق على الذي لاب. والله اعلم. فصول تتعلق بالنكاح وتوابعه من الاحكام مم قال الله تعالى وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع. فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم. ذلك ادنى الا تعولوا. واتوا النساء صدقاتهن نحلة. فان طبن لكم قم عن شيء منه نفسا فكلوه فكلوه هنيئا مريئا. لما من الباري على باديه بالنكاح قدرا واباحه شرعا. بل احبه ورضيه وحث عليه لما يترتب عليه من المصالح الكثيرة رتب عليه احكاما وحقوقا متنوعة. تدور كلها على الصلاح واصلاح احوال الزوجين ودفع الضرر والفساد. وهي من محاسن الشريعة والشريعة كلها محاسن وجلب للمصالح ودرء للمفاسد. يقول تعالى هنا وان خفتم الا تقسطوا. اي تقوموا بحق النساء اليتامى اللاتي تحت حجوركم وولاية ايتكم لعدم محبتكم اياهن. فاعدلوا الى غيرهن. فانكحوا ما طاب لكم من النساء. اينبغي ان تختاروا منهن الطيبات في كوسي هن اللاتي تطيب لكم الحياة بالاتصال بهن. الجامعات للدين والحسب والعقل والاداب الحسنة. وغير ذلك من الاوصاف الداعية كاحيهن. وفي هذه الاية الحث على الاختيار قبل الخطبة. وانه ينبغي الا يتزوج الا الجامعة للصفات المقصودة بالنكاح. فان النكاح يقصد لامور كثيرة من اهمها كفاءة البيت والعائلة وحسن التدبير وحسن التربية. واهم صفة هذا النوع الدين والعقل. ويقصد به احصان الفرج والسرور في الحياة وعمدة هذا حسن الاخلاق الظاهرة وحسن الخلائق الباطنة. ويقصد به نجابة الاولاد وشرفهم الحسب والنسب الرفيع. ولهذا اباح الشارع بل امر بالنظر لمن يخطبها. ليكون على بصيرة من امره مثنى وثلاثة ورباع. اي من احب ان زوج اثنتين فليفعل او ثلاثا او اربعا فليفعل. ولا يزيد على الاربع. لان الاية سيقت للامتنان. فلا يجوز الزيادة على غير ما الله اجماعا وذلك ان الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة او لا يحصل مقصوده او مقاصده بها كما تقدم ان النكاح له عدة مقاصد فلهذا اباح الله لهذا العدد لان في الاربع غنية لكل احد الا ما نظر. فاذا خاف من نفسه الجور والظلم بالزيادة على الواحدة يقتصر على الواحدة او على ملك يمينه التي لا يجب عليه لها قسم كالزوجات. ذلك اي الاقتصار على الواحدة من الزوجات او ما ملكت يمين ادنى الا تعولوا اي تظلموا وتجوروا. ويستفاد من هذا المعنى ان تعرض العبد للامر الذي يخاف منه الجور والظلم وعدم القيام الواجب ولو كان مباحا لا ينبغي له ان يتعرض له بل يلزم السعة والعافية. فان العافية خير ما اعطي العبد. ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن وخصوصا الصداق الذي يكون شيئا كثيرا دفعة واحدة يشق عليهم حثهم على ايتاء النساء صدقة قاتهن اي مهورهن نحلة. اي عن حال طمأنينة وطيب نفس من غير مطل ولا بخس منه شيئا. وفيه ان المهر للمرأة وانه يدفع اليه او الى وكيلها ان كانت رشيدة او الى وليها ان لم تكن رشيدة. وانها تملكه بالعقد لانه اضافه اليها وامر باعطائه لها ذلك يقتضي الملك. فان طبن لكم عن شيء منه اي من الصداق نفسا باسقاط شيء منه او تأخيره او المحاباة في التعويض عنه الوه هنيئا مريئا. لا تبعت عليكم فيه ولا حرج. وهذا دليل على ان للمرأة الرشيدة التصرف في مالها. ولو بالتبرع وانه ليس لوليها من الصداق شيء الا ما طابت نفسها به اذا كانت رشيدة. ويؤخذ من الامر بنكاح ما طاب من النساء. تحريم نكاح الخبيثة التي لا يحل للمسلم نكاحها وهي الكافرة غير الكتابية. وكذلك الزانية حتى تتوب كما نص الله على الاثنتين. وفي هذه الاية دليل على ان انه لا بد في النكاح من صداق وانه يجوز في الكثير واليسير للعموم. وانه لا يباح لاحد ان يتزوج بدون صداق. وان لم يسمى فمه المثل الا النبي صلى الله عليه وسلم فان له ذلك خاصة. كما قال تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان اراد نبي ان يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين. وفي قوله ولا تعضلوهن ان ينكحن ازواجهن. دليل على اعتبار الولي في النكاح وهو العاصب ويقدم منهم الاقرب فالاقرب. فان تعذر الولي القريب والبعيد بعدم او جهل او غيبة طويلة. قام الحاكم ومقام الولي فالسلطان والحاكم ولي من لا ولي لها من النساء. يا ايها الذين امنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كره ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما اتيتموهن الا ان يأتين بفاحشة مبينة. وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. الى قوله ميثاقا غليظا. كان اهل اذا مات احدهم ورثت زوجته كما يورث ماله. فرأى قريبه كاخيه وابن عمه انه احق بها من نفسها. ويحجرها عن غيره فان رضي بها تزوجها على غير صداق او على صداق يحبه هو دونها. وان لم يرضى بزواجها عضلها ومنعها من ازواج والا بعوض من الزوج او منها. وكان منهم ايضا من يعضل زوجته التي هي في حباله فيمنعها من حقوقها. ومن التوسعة لها تفتدي منه فنهى الله المؤمنين عن هذه الاحوال القبيحة الجائرة الا ان يأتين بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش لزوجها ومن يتصل به فيجوز في هذه الحال ان يعدلها مقابلة لها على فعلها لتفتدي منه. فان هذا الافتداء بحق الا بظلم. ثم قال وعاشروهن بالمعروف. وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية. فعلى الزوج ان يعاشر زوجته ببذل للنفقة والكسوة والمسكن اللائق بحاله. ويصاحبها صحبة جميلة بكف الاذى وبذل الاحسان وحسن المعاملة والخلق. والا لها حقها وهي كذلك عليها ما عليه من العشرة. وكل ذلك يتبع العرف في كل زمان ومكان وحال ما يليق به. قال تعالى ينفق ذو سعة من سعته. ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله. لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها. وقوله فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. اينبغي لكم يا معشر الازواج ان تمسكوا زوجاتكم ولو كرهتموهن. فان في ذلك خيرا كثيرا. منها امتثال امر الله ورسوله الذي فيه عادة الدنيا والاخرة. ومنها اجباره نفسه ومجاهدته اياها. مع عدم حبه لزوجته. تمرين على التخلق بالاخلاق الجميلة ربما زالت الكراهة وخلفتها المحبة وربما زالت الاسباب التي كرهها لاجلها. وربما رزق منها ولدا صالحا. نفع الله بها والديه في الدنيا والاخرة. ولابد لهذه الكراهة من اسباب مع الزوجة. فينبغي اذا كره منها خلقا لحظ بقية اخلاقها. وما فيها من المقاصد الاخر ويجعل هذا في مقابلة هذا وهذا عنوان الانصاف والرأي الاصيل. فان النازق الطائش الذي ليس عنده انصاف بعض اغراضه النفسية. فاذا لم يأت على ما يريد اهدر المحاسن والمناقب الاخر. وهذا لا يكاد يصفو له خل في حياته. لزوجة ولصاحب ولا حبيب بل هو سريع التقلب. اما الرجل الحازم الوفي الذكي فانه يوازن بين الامور ويقدم الحق السابق ويفي بالثواب ويكون نظره للمحاسن ارجح من نظره للمساوئ. فان وصل الى الدرجة العالية التي لا يصل اليها الا افراد من كمل الرجال. جعل نصب عينيه واغضى عن المساوئ بالكلية وعفا عنها لله ولحق صاحب الحق. هذا قد كسب الاجر والراحة والخلق الذي لا يلحق وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وهذا الصبر المأمور به انما هو مع الامكان. فان كان لا بد من الفراق ولم يبق للصابر والامساك فالله قد اباح الفراق. فلهذا قال وان اردتم استبدال زوج مكان زوج. اي فلا حرج عليكم. ولكن اذا اتيتم احداهن اي الزوجة السابقة او اللاحقة قنطارا وهو المال الكثير. فلا تأخذوا منه شيئا. بل وفروه لهن ولا تمطلوهن هذا يدل على جواز اعطاء النساء من المهور وغيرها المآل الكثير. وانها بذلك تملكه. ولكن الاكمل والافضل التساهل في المهور. اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتسهيلا للنكاح وطرقه وبراءة للذمم. ثم ذكر الحكمة في تحريم اخذ الزوج ما اعطاه لزوجته. فقال اتأخذونه وبهتانا واثما مبينا. وكيف تأخذونه وقد افضى بعضكم الى بعض؟ فاخذنا منكم ميثاقا غليظا. وبيان ذلك ان الانثى قبل عقد كاحي محرمة على الزوج. وهي لم ترضى بهذا الحل الا بالعقد والميثاق الغليظ. الذي عقد على ذلك العوض المشروط. فاذا دخل عليها وباشرها وافضى اليها وافضت اليه وباشرها المباشرة التي كانت قبل هذه الامور حراما. فكيف يستوفي المعوض ثم يرجع على العوض لا ريب ان هذا من المنكرات القبيحة شرعا وعقلا وفترة. ولتنكحوا ما نكح اباؤكم من النساء. ثم عدد المحرمات الى ان قال واحل لكم ما وراء ذلكم. قد استوفى الباري المحرمات في النكاح في هذه الايات في النسب والرضاع والمصاهرة. اما المحرمات مصاهرة فاذا تزوج الرجل امرأة ترتب على هذا الزواج اربعة احكام. تحريم هذه الزوجة على اولاده. وان نزلوا نسبا ورضاعا تحريمها على ابائه وان علوا نسبا ورضاعا وحرمت عليه امها في الحال. اما بنتها فان كان قد دخل بزوجته حرمت ايضا وصارت رديبة. لا فرق بين بنتها من زوج سابق له. او من زوج خالفه عليها. واما المحرمات بالنسب فتحرم الامهات. وهن كل انثى لها عليك ولادة. وهي التي تخاطبها بالام والجدة. وان علت من كل جهة وتحرم البنات. وهن كل انثى تخاطبك بالابوة او بالجدودة من بنات الابن وبنات البنات. وان نزلن تحرم الاخوات شقيقات كن او لاب او لام وبنات الاخوة وبنات الاخوات مطلقا وتحرم العمات والخالات. وهن كل اخت لاحد ابائك وان علا او احدى امهاتك وان علون وما سوى ذلك من الاقارب حلال. كبنات الاعمام وبنات العمات وبنات الاخوال وبنات الخالات ولهذا ذكر الله هذا الحل والتحريم المهم في موضعين. في هذا الموضع صرح بالمحرمات السبع وقال احل لكم ما وراء ذلكم في سورة الاحزاب اتى بها باسلوب اخر. فقال في الحل وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك اي فهن حلال وما عداهن من الاقارب حرام. واما المحرمات بالرضاع فانهن نظير المحرمات بالنسب من جهة المرضعة صاحبة اللبن. فالمرضعة ام الرضيع. وامهاتها جداته. واخواتها واخواتها اخواله وخالاته. واولادها اخوته واخواته وهو عم لاولادهم او خال. وكذلك صاحب اللبن. واما الانتشار من جهة الطفل الراضع فلا ينتشر التحريم لاحد من اقاربه الا لذريته فقط. فتقييد الاية في الربيبة بقوله اللاتي في حجوركم من نسائكم. بيان لاغلب احوالها بيان اعلى حكمة تناسب حكمة التحريم. وانها اذا كانت في حجرك بمنزلة بناتك لا يليق الا ان تكون من محارمك. وتقييدها الاخر قوله وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم يخرج ابن التبني لا يخرج ابن الرضاع في قول جمهور العلماء. والمحصنات من النساء اي من ذوات الازواج. فكل انثى في عصمة زوج او في بقية عدته لا تحل لغيره. لان الاضلاع ليست محل اشتراك. بل قصد تمييز التام. ولهذا شرعت العدة والاستبراء ونحو ذلك. وقوله الا ما ملكت ايمانكم المراد بهذا الملك ملك السبي اذا المرأة ذات الزوج من الكفار في القتال الشرعي حقت للمسلمين. ولكن بعد الاستبراء او العدة فزوجها الحربي الذي في دار الحرب لم يبقى له له فيها حق ولا له حرمة. ولهذا حلت للمسلمين كما حل لهم ماله ودمه. لانه ليس له عهد ولا مهادنة. وقوله واحل لكم ما وراء ذلكم اي ما سوى ما نص الله على تحريمه سبع بالنسب وسبع بالرضاع واربع بالصهر. فما عداهن فانه حلال الا انه حرم تعالى الجمع بين الاختين. وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها او خالتها. وحرم على الاحرار نكاح المملوكات لما فيه من ارقاق الولد ولما فيه من الدناءة والضرر العائد للاولاد لتنازع الملاك وتنقلات الارقاء. لكن لكن اذا رجحت مصلحة الاباحة فقد اباحه الله بشرط المشقة لحاجة متعة او خدمة والا يقدر على الطول للحرة. وان تكون الامة مؤمنة وباذن اهلها. فعند اجتماع هذه الشروط كلها يحل للحر نكاح الاماء. وقوله الرجال قوامون على النساء بما فضل الله وبعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم. فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله. واللاتي تخافون نشوزا فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن. فان اطعناكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. ان الله كان عليا كبيرا هذا خبر وامر. اي رجال قوامون على النساء في امور الدين والدنيا. يلزمونهن بحقوق الله. والمحافظة على فرائضه ويكفونهن عن جميع المعاصي والمفاسد وبتقويمهن بالاخلاق الجميلة والاداب الطيبة. وقومونا ايضا عليهن بواجباتهن من النفقة والكسوة اسكن وتوابع ذلك بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم. اي ذلك بسبب فضل الرجال عليهن وافضالهم عليهن فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة. من كون الولايات كلها مختصة بالرجال والنبوة والرسالة. وباختصاصهم بالجهاد البدني وجوب الجماعة والجمعة ونحو ذلك وبما تميزوا به عن النساء من العقل والرزانة والحفظ والصبر والجلد والقوة التي ليست كذلك يده هي العليا عليها بالنفقات المتنوعة. بل وكثير من النفقات الاخر والمشاريع الخيرية. فان الرجال يفضلون النساء كما هو مشاهد. ولهذا حذف المتعلق في قوله وبما انفقوا من اموالهم. ليدل على التعميم. فعلم من ذلك ان الرجل كالوالي السيد على امرأته وهي عنده اسيرة عانية تحت امره وطاعته. فليتق الله في امرها وليقومها تقويما ينفعه في دينه في بيته وعائلته يجد ثمرات ذلك عاجلا واجلا. والا يفعل فلا يلومن الا نفسه. وهن قسمان قسم هن على طبقات النساء وخير ما حازه الرجال وهن المذكورات في قوله الصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله مطيعات لله ولازواجهن. قد ادت الحقين وفازت بكفلين من الثواب. حافظات انفسهن من جميع الريب. وحافظات لامان ورعاية بيوتهن وحافظات للعائلة بالتربية الحسنة والادب النافع في الدين والدنيا. وعليهن بذل الجهد والاستعانة بالله على ذلك ولهذا قال بما حفظ الله اي اذا وفقنا لهذا الامر الجليل فليحمدنا الله على ذلك ويعلمنا ان هذا من حفظه وتوفيقه به وتيسيره لها. فان من وكل الى نفسه النفس امارة بالسوء. ومن شاهد منة الله وتوكل على الله وبذل مقدوره في الاعمال النافعة كفاه الله ما اهمه واصلح له اموره ويسر له الخير واجراه على عوائده الجميلة. القسم الثاني هن الطبقة النازلة من النساء وهن بضد السابقات في كل خصلة اللاتي من سوء اخلاقهن وقبح تربيتهن تترفع عن زوجها وتعصيه في الامور والمستحبة. وامر الله بتقويمهن بالاسهل فالاسهل. فقال واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن. اي بينوا لهن حكم الله وحكم اذا قذف غيره بالزنا فان الله قال في حده والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا منهم شهادة ابدا. واولئك هم الفاسقون. فصل في ايات القصاص والحدود. قال رسوله في وجوب طاعة الازواج ورغبوهن في ذلك بما يترتب عليه من الثواب. فخوفوهن معصية الازواج وذكروهن ما في بذلك من العقادة وما يترتب عليه من قطع حقوقها واباحة هجرها وضربها. فان تقومنا بالوعظ والتذكير فذلك المطلوب قال الاتفاق الذي لا يشوبه مكدر فان لم يفد التذكير فاهجروهن في المضاجع. بان لا ينام عندها ولا يباشرها بجماع ولا غيره. لعل لا الهاجر ينجح فيها. ذلك بمقدار ما يحصل به المقصود فقط. فان القصد بالهاجر نفع المهجور وادبه. ليس الغرض منه شفاء النفس كما يفعله من لا رأي له اذا خالفته زوجته او غيرها. ولم يحصل مقصوده. هجر هجرا مستمرا اي بقي متأثرا بذلك. عاتبا على من لم على ما يحب ووصلت به الحال الى الحقد الذي هو من الخصال الذميمة. هذا ليس من الهجر الجميل النافع. وانما هو من الحقد الضار بصاحبه الذي لا يحصل به تقويم ولا مصلحة. فان نفع الهاجر للزوجة والا انتقل الى ضربها ضربا خفيفا غير مبرح. ان حصل المقصود ورجعت الى الطاعة وتركت المعصية عاد الزوج الى عشرتها الجميلة ولا سبيل له الى غير ذلك من اذيتها. لانها رجعت الى الحق الدواء لكل عاص ومجرم. لان الشارع رغبه اذا ترك اجرامه عاد حقه الخاص والعام كما في حق التائب من الظلم وقطع الطريق وغيرها فكيف الزوج مع زوجته؟ وفي هذه الاية ونحوها فائدة نافعة. وهي انه ينبغي لمن عاد الى الحق الا يذكر الامور السالفة. فان ذلك للثبات على المطلوب. فان تذكير الامور الماضية ربما اثار الشر فانتكس المرض وعاد الحال الى اشد من الاولى. وان خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها ليريدا اصلاحا يوفق الله بينهما. ان الله كان عليما خبيرا هذه حالة اخرى غير الحالة السابقة التي يمكن للزوج معالجتها. وهذه اذا استطار الشر بين الزوجين وبلغت الحال الى الخصام وعدم الالتئام ولم ينفع في ذلك وعظ ولا كلام. فابعثه حكما من اهله وحكما من اهلها. عدلين عاقلين يعرفان الجمع والتفريق ويفهمان الامور كما ينبغي ان الحكم لابد ان يتصف بهذه الاوصاف فيبحثان في الاسباب التي ادت بهما الى هذه الحال. ويسألان كلا منهما ما ينقم على صاحبه ويزيلان ما يقدران عليه من المعتبة بترغيب الناقم على الاخر بالاغضاء عن الهفوات واحتمال الزلات بيد الاخر الى الوعد بالرجوع وارشاد كل منهما الى الرضا والنزول عن بعض حقه. فكم حصل بهذا الطريق من المصالح شيء كثير؟ وان امكنهما الزام المتعصب على الباطل منهما بالحق فعلا. ومهما وجدا طريقا الى الاصلاح والاتفاق والملاءمة بينهما لم يعدلا عنها. اما تنازل عن بعض الحقوق واما ببذل مال او غير ذلك. فان تعذرت الطرق كلها ورأيا ان التفريق بينهما اصلح لتعذر الملاءمة فرقى بينهما بما تقتضيه الحال بعوض او بغير عوض. ولا يشترط في هذا رضا الزوج لان الله سماهما حكمين. لا وكيلين ومن قال انهما وكلان اشترطا في التفريق رضا الزوج. ولكن هذا القول ضعيف. ولمحبة الباري للاتفاق بينهما وترجيحه على الاخر. قال ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما. اي بسبب الرأي الميمون والكلام اللطيف والوعد الجميل الذي يجذب القلوب ويؤثر فيها ان الله كان عليما خبيرا. بالسرائر والظواهر مطلعا على الخفايا. فمن كمال علمه وحكمته شرع لكم هذه الاحكام الجليلة التي هي الطريق الوحيد الى القيام بالحقوق. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وان امرأة خافت من بعلها نشوزا او اعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا. والصلح خير واحضرت الانفس الشح. وان تحسنوا وتتقوا. فان الله كان بما تعملون خبيرا. هذه حالة من احوال الزوجين غير الاحوال السابقة. لان الحالتين السابقتين حالة نشوز الزوجة وحالة وقوع الخصام الشر بينهما وهذه اذا كان الزوج هو الراغب عن زوجته. اما عدم محبة واما طمعا. فارشد الله في هذه الحال الى الطريق التي استقيموا به الامور وهو طريق الصلح من المرأة او وليها ليعود الزوج الى الاستقامة بان تسمح المرأة عن بعض حقها اللازم لزوجها على شرط البقاء معه وان يعود الى مقاصد النكاح او بعضها كأن ترضى ببعض النفقة او الكسوة او المسكن او تسقط حقها من القسم او يومها وليلتها لزوجها او لضرتها باذنه. فمتى اتفقا على شيء من ذلك؟ فلا حرج ولا بأس. وهذا احسن من المقاضاة في الحقوق المؤدية المؤدية الى الجفاء او الى الفراق. ولهذا قال والصلح خير. وهذا اصل عظيم في جميع الاشياء. وخصوصا في الحقوق المتنازع فيها لان المصالحة فيها خير من استقصاء كل منهما على حقه كله. لما في الصلح من بقاء الالفة والاتصاف بصفة السماح. وهو جائز بين المسلمين في كل الابواب الا صلحا احل حراما او حرم حلالا. واعلم ان كل حكم من الاحكام لا يتم ولا يكمل الا بوجود مقتضيه موانعه. فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح. فذكر الله تعالى المقتضي لذلك فقال والصلح خير. والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه. فان كان مع ذلك قد امر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه. وذكر المانع بقوله واحضرت الان نفوس الشح اي جبلت النفوس على الشح وهو الاستئثار والتفرد في الحقوق. وعدم الرغبة في بذل ما على الانسان والحرص على الحق الذي له فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا. اي فينبغي لكم ان تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم. وتقليله وتلطيفه وتستبدلوا به ضده وهو السماحة ببذل جميع الحقوق التي عليك. والاقتناع ببعض الحق الذي لك. والاغضاء عن التقصير. فمتى وفق العبد لهذا الخلق الطيب سهل عليه الصلح بينه وبين كل من بينه وبينه منازعة ومعاملة. وتساهلت الطرق الموصلة الى المطلوب. ومن لم يكن بهذا الوصف تعسر الصلح او تعذر بانه لا يرضيه الا جميع ما له كاملا مكملا. ولا يهون عليه ان يؤدي ما عليه. فان كان خصمه مثله واشتد الامر ثم قال وان تحسنوا وتتقوا اي تحسنوا في عبادة الخالق والاحسان ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك وتحسنه الى المخلوقين بكل احسان قولي او فعلي. فتتقوا الله بفعل جميع المأمورات وترك جميع المحظورات تحسنوا بفعل المأمور وتتقوا بترك المحظور. فان الله كان بما تعملون خبيرا. فيجازيكم على قيامكم بالاحسان والتقوى او على عدم ذلك بالجزاء والفضل والعدل. ولن تستطيع ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروا كالمعلقة وان تصلحوا وتتقوا فان الله كان غفورا رحيما. يخبر الله تعالى انه ليس في قدرة الازواج العدل التام بين زوجاتهم فان العدل التام يقتضي ان يكون الداعي والحب على السواء. والميل القلبي على السواء ويقتضي مع ذلك الايمان الصادق الرغبة في مكارم الاخلاق للعمل بمقتضى ذلك فهو متعذر غير ممكن. فلذلك عذر الله الازواج وعفا عنهم عما لا يقدرون عليه ولكنه امرهم بالعدل الممكن فقال فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة اي لا تميلوا الى احداهن عن الاخرى ميلا كثيرا بحيث لا تؤدون حقوقهن الواجبة. بل افعلوا ما استطاعكم من العدل. فالنفقة والكسوة والقسم في المبيت والفراش. ونحو ذلك مقدور. فعليه حكم العدل فيها بينهن بخلاف الحب والوطء وتوابع ذلك. فالعبد لا يملك نفسه فعذره الله. وقوله فتذروها كالمعلقة. يعني لان الزوج اذا مال عن زوجته وزهد فيها ولم يقم بحقوقها الواجبة. وهي في حباله اسيرة عنده صارت كالمعلقة التي لا زوج لها تستريح ولا ذات زوج يقوم بحقوقها وان تصلحوا فيما بينكم وبين زوجاتكم بوجه من وجوه الصلح كما تقدم وبمجاهدة انفسكم قم عن فعل ما لا تهواه النفس احتسابا وقياما بحق الزوجة. وتصلح ايضا فيما بينكم وبين الناس فيما تنازعتم به من الحقوق. وتتقوا الله لامره واجتناب نهيه فان الله كان غفورا رحيما. وان يتفرقا يغني الله كلا من سعته. وكان الله واسعا حكيما يعني اذا تعذر الاتفاق والالتئام فلا بأس بالفراق. فقال وان يتفرقا بفسخ او طلاق او خلع او غير ذلك يغني الله كلا من الزوجين من سعته اي من فضله واحسانه العام الشامل. فيغني الزوج بزوجة خير له منها. ويغنيها من فضله رزق من غير طريقه فانها وان توهمت انه اذا فارقها زوجها المنفق عليها القائم بمؤنتها تنقطع عنها الرزق فسوف يغنيها الله الله من فضله فان رزقها ليس على الزوج ولا على غيره بل على المتكفل القائم بارزاق الخليقة كلها. وخصوصا ان تعلق قلبه به ورجاءه رجاء قلبيا طامعا في فضله كل وقت فان الله عند ظن عبده به. ولعل الله يرزقها زوجا خيرا لها منه وانفع. وكان الله واسعا اي واسع الرحمة كثير الاحسان حكيمة في وضع الامور في مواضعها. وفي الاية تنبيه على انه ينبغي للعبد ان يعلق رجاءه بالله وحده. وان الله اذا قدر له سببا من اسباب الرزق والراحة ان يحمده على ذلك ويسأله ان يبارك فيه له. فان انقطع او تعذر ذلك السبب فلا يتشوش قلبه ان هذا السبب من جملة اسباب لا تحصى. لا يتوقف رزق العبد على ذلك السبب المعين. فليفتح له سببا غيره احسن منه وانفع وربما فتح له عدة اسباب فعليه في احواله كلها ان يجعل فضل ربه والطمع في بره نصب عينيه وقبلة قلبه. ليكثر من الدعاء بالرجاء فان الله يقول على لسان نبيه انا عند ظن عبدي بي فان ظن بي خيرا فله. وان ظن بي شرا فله. وقال انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا ابالي. فصل قال الله تعالى في احكام والعدد. الطلاق مرتان الى قوله واعلموا ان الله بكل شيء عليم. وقال يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن. الايات وما بعدها. ذكر الله احكام الفراق. كما ذكر احكام النكاح والدخول فيها قدم انه تعالى حث الزوج على الصبر على زوجته ما دام متمكنا من الصبر. وفي هذا ذكر الله انه اذا كان لابد له من الطلاق فعليه يطلق زوجته لعدتها اي لتستقبل عدتها. وذلك ان يطلقها مرة واحدة في طهر لم يجامعها فيه. او يطلقها وهي امل قد تبين حملها او هي ايسة او صغيرة لانها في هذه الاحوال كلها تبتدأ بالعدة البينة الواضحة. فمن طلقها اكثر من حدة او وهي حائض او نفساء او في طهر قد وطئ فيه ولم يتبين حملها فانه اثم متعد لحدود الله. واذا طلقها هذا الطلاق المشروع فله ان يراجعها ما دامت في العدة. كما قال تعالى وبعولتهن احق بردهن في ذلك ان اصلاحا. وسواء رضيت او كرهت. وهذا الطلاق الذي يتمكن فيه العبد من الرجعة هو الطلاق بواحدة او اثنتين بلا عوض. فان الطلقة الثالثة فلا تحل له حتى تنقضي عدتها وتنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل. ويطأها ويطلقها في طلاقها تنقضي عدتها منه فله ان ينكحها برضاها وبقية شروط النكاح من الولي ومن الصداق وغيره. فان طلقت بعوض بلفظ الطلاق او الخلع او الفداء او غيرها من الالفاظ. فقد اباح الله هذا الفداء عند الحاجة وهي التي نص عليها بقوله فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به. وسواء كان العوض بقليل او كثير لعموم الاية اذا فارقها على هذا الوجه حصل لها الفكاك منه ولم يكن له عليها رجعة الا اذا شاءت بنكاح جديد. وعند التراجع بين الزوجين اذا رغب كل منهما في الاخر فليس لولي الانثى ان يعضلها ويمنعها ان تراجع بعلها الاول او الذي فارقها بغضا له حكاية له وغضبا عليه او طمعا في بذلها او بذله له شيئا من المال. فكل هذا لا يحل للولي ان يفعله. بل عليه ان يسعى في التأليف بينها وبين زوجها واقل ما عليه الا يعارض في ذلك. واذا كان منهيا عن ذلك بعد الطلاق او الفداء ونحوهما فكيف في ابتداء الامر؟ ولكن لكن بشرط ان يكون الزوج كفئا وترضى المرأة به. واما اذا منعها من تزوج من ليس كفئا لها في دينه او غيره من الصفات المعتبرة شرعا فهو محسن لان من عهى عما فيه ضررها احسان عليها وهذا احد الاسباب في اعتبار الولي للمرأة في النكاح. وفي قوله في الرجعة ان ارادوا اصلاح وفي التراجع ان ظنا ان يقيما حدود الله اعتبار هذا الشرط في الرجعة والتراجع والا فلا يراجع ولا فتراجعا للضرار وللبقاء على غير ما يحبه الله. وفي هذا ان الافعال مبنية على مقاصدها. وان الامر الذي يقصد فيه الخير والصلاح لابد ان يجعل الله فيه بركة كما ان الذي يقصد به غير ذلك ولو مكن منه العبد فانه ضرر حاضر ويخشى ان تكون عواقبه ذميمة ويستفاد من هذا معنى كلي نافع وهو انه ينبغي للعبد اذا اراد ان يدخل في امر من الامور مثل الامور التي يترتب عليها حقوق كثيرة ومثل الولايات الكبار والصغار والامور المهمة التي يتأنى وينظر في نفسه وعاقبة امره. فان رأى من نفسه قوة على ذلك وثق بقيامه بما فيها من الحقوق. تقدم اليها متوكلا على الله. والا احجم واغتنم السلامة عن الدخول في الامور الخطرة. وامر تعالى الازواج فجأة يمسكوا زوجاتهم بمعروف او يسرحوهن بمعروف. فان امسكها امسكها بعشرة حسنة. وان فارقها فليكن على وجه الشرع بطمأنينة من غير مغاضبة ولا مشاتمة ولا عداوات تقع بينه وبينها او بينه وبين اهلها. ومن التسريح بالمعروف ان يعطيها شيئا من المال به وينجبر به خاطرها. وتذهب عن زوجها شاكرة. ولا يكون لهذا الفراق على هذا الوجه الا العواقب الطيبة للطرفين. ولما الباري هذه الاحكام الجليلة غاية التبيين. وكان القصد بها ان يعلمها العباد ويعملوا بها. ويقفوا عندها ولا يتجاوزوها. فانه لم انزلها عبثا بل انزلها بالعلم والصدق والحق النافع والجد. نهى عن اتخاذها هزوا. اي لعبا بها. وهو التجري عليها وعدم الامتثال لواجبها في المضارة في الامساك والارسال او كثرة الطلاق وجمع الثلاث. وقال اذكروا نعمة الله عليكم عموما باللسان حمدا وثناء وبالقلب اعترافا واقرارا. وبالاركان بان يستعان بنعمه على طاعته. وخصوصا ما انزل عليكم من الكتاب والحكمة. فان في الكتاب السنة من بيان الحق والهدى من الضلال والحلال من الحرام وجميع ما يحتاجه العباد من امور دينهم ودنياهم ما يوجب للعباد ان يشكروه كثيرا ويقوم بحقه ويخضع لاحكامه. وختم الايات بعموم علمه تنبيها على ان احكامه قد شرعها العليم الحكيم صالحة للعلم بادي في كل زمان ومكان. وقد ذكر عدة المفارقة بحسب احوالها في كتابه فذكر ان المفارقة بطلاق ان كانت تحيض استكمال ثلاثة قروء من بعد وقوع الطلاق عليها. وان الايسة وان لم تحض لصغر ونحوه عدتها ثلاثة اشهر. وان المفارقة بموت زوجها تربص اربعة اشهر وعشرا. وان الحامل من المفارقات في الحياة وبعد الممات عدتها بوضع الحمل. وفي هذه العدد وتقديرها من الاسرار والحكم والمنافع للزوجين وغيرهما ما هو من ايات الله للمتأملين المستبصرين. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا نكحت المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن. فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا. ففي هذه الاية ان المفارقة في الحياة بطلاق ونحوه ليس لزوجها عليها عدة اذا لم يدخل او يخلو بها بل بمجرد ما يطلقها لها التزوج في الحال. وفي هذا ان العدة تثبت بالدخول وكذلك الخلوة كما ثبت عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ومفهوم الاية ان الفراق بالموت تعتد له الزوجة المعقود عليها ولو قبل الدخول وكما يؤخذ من مفهوم من هذه فانه يؤخذ من عموم قوله والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن. وفيها ان العدة من حقوق الزوج تمكنه من الرجعة ولحفظ فراشه ومائه من الاختلاط. وحق لها ايضا فان المعتدة نوعان نوع حامل لها النفقة بكل حال قال تعالى وان كن اولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن. ونوع غير حامل وهي ايضا نوعان. مفارقة بائنة بموت او فسخ او خلع او ثلاث او عوض فهؤلاء كلهن لا نفقة لهن ولا كسوة ولا مسكن الا على وجه المعروف والاحسان ومفارقة رجعية فما دامت في العدة فلها النفقة والكسوة والمسكن وتوابعها على الزوج وحكمها حكم الزوجة التي في في كل حال الا في القسم. فلا قسم لها. لان الله سماه بعلا لها في قوله وبعولتهن احق بردهن في ذلك بان له ان يرجعها الى الزوجية التامة رضيت او كرهت ما دامت في العدة. وفي قوله ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن مم دليل على امانتها على نفسها وقبول قولها في وجود الحيض وانقطاعه لانه توعدها بكتمان ذلك. وهذا دليل على ان قولها يعتبر وفي قوله اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن. دليل على انه لا يقع الطلاق الا بعد النكاح. وان من علق طلاقا بنكاح امرأة لم ينعقد هذا التعليق ولم يقع عليها شيء اذا نكحها. لان النكاح لا يراد به خلاف مقصوده. وهذا بخلاف تعليق عتق المملوك غيري بملكه اياه فانه صحيح. ويعتق اذا ملكه لان تملك الرقيق يقصد به العتق. وهو مقصود شرعي صحيح. وقوله متعوهن به الامر بتمتيع المفارقة بالطلاق قبل المسيس مطلقا. وفي اية البقرة الامر بالتمتيع اذا لم يسمي لها مهرا. ان سم لها مهرا فانه يتنصف اذا طلقها قبل الدخول. ويكون نصف الصداق هو المتعة. كما قال تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء تاء ما لم تمسوهن او تفرضوا لهن فريضة. ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف متاعا بالمعروف حقا على المحسنين. وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم الا ان يعفون او يعفو الذي بيده عقدة النكاح. وان تعفو اقرب للتقوى فحث على العفو في هذا الموضع الخاص لنفعه وعظم موقعه. وقال ولا تنسوا الفضل بينكم. وهذا ارشاد عظيم نافع في جميع المعاملات انه ينبغي للعبد فيها الا يستقصي في كل شيء. بل يجعل للفضل محلا من عفو ومحاباة واعطاء ازيد مما في الذم قدرا او وصفا وقبول ادنى من الحق كمية وكيفية. فكم حصل بهذا الفضل وان كان طفيفا خير كثير واجر كبير. ومعروف وبركة وراحة فكر وطمأنينة قلب. وفي قوله وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين. فهذا العموم يقتضي ان ان كل مطلقة لها على زوجها متعة. لكن ان كانت غير مدخول بها ولم يسمى لها مهر. فالمتعة واجبة كما تقدم بحسب الزوج واعساره. وان كان قد سمي لها مهر تنصف المهر. وكان النصف الحاصل لها هو المتعة. فان لم يكن الامر كذلك كانت المتعة حقا معروفا واحسانا جميلا. لما فيها من جبر خاطرها وقضاء نوائبها التي هي مظنة الحاجة اليها في تلك الحال وكون ذلك عنوانا على التسريح بالمعروف ودفعا للمشاغبات والعداوات التي تحدث لكثير من الناس عند الطلاق. واحتياط لبراءة ذمته مما لعله لحقه لها من الحقوق. وتسهيلا للرجعة او المراجعة اذا تغيرت الحال. واحدث الله بعد ذلك امرا ولها من الفوائد شيء كثير. ومدح الله هذه الاحكام الجليلة بقوله كذلك يبين الله لكم اياته علكم تعقلون. فسمى هذه الاحكام ايات لانها تدل اكبر دلالة على عنايته ولطفه بعباده. وانه شرع لهم من الاحكام الاحكام الصالحة لكل زمان ومكان. ولا يصلح العباد غيرها. اصل في ايات الايلاء والظهار واللعان قال تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة اشهر فان ثاؤوا فان الله غفور رحيم وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم. وقال قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الايات. وقال في اللعان والذين يرمون ازواجهم الايات. من جملة الاحكام المنتشرة المتعلقة بالزوجة انه قد يؤلى منها او يظاهر منها والفرق بين الايلاء والظهار ان الايلاء هو الحلف بالله على ترك وطأ زوجته ابدا. او مدة طويلة تزيد على باعة اشهر اذا كان قادرا على الوقت فاذا فعل ذلك وحلف هذا الحلف فلا يخلو اما ان تطالبه الزوجة بحقها من الوطء او لا تطالبه. فان لم تطالبه ترك وشأنه فان وطئ في هذه المدة فقد حنف وعليه كفارة يمين. والا فلا كفارة عليه وان طالبته بالوطء امر بذلك. وجعل الى له اربعة اشهر فان فاء ورجع الى الوطء فذلك هو المطلوب منه. وهو احب الامرين الى الله. وان ابى وامتنع ومضت الاربعة والاشهر وهو مصر على عدم وطئها وهي مقيمة على طلب حقها اجبر على احد امرين اما ان يفيء ويكفر كفارة يمين واما ان يطلق فان امتنع من كل منهما طلق الحاكم عليه. واما الظهار فان يحرم زوجته ويقول لها انت علي كظهر امي او نحوه من الفاظ التحريم الصريحة. فهذا قد اتى منكرا من القول وزورا. وكذب اعظم كذب. اذ شبه من هي بمن هي اعظم المحرمات وهي الام. ولهذا قال الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن ان امهاتهم ان امهاتهم الا اللائي ولدينهم وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا. ثم عرض التوبة فقال وان الله لعفو غفور. ثم ذكر طريقها بالكفارة فامر المظاهر ان يعتق رقبة من قبل ان مسها فاذا لم يجد صام شهرين متتابعين من قبل المسيس ايضا. فان لم يك يستطع اطعم ستين مسكينا. فبعد هذه الكفارة تحل له الزوجة وتنحل يمينه. واما اللعان فان الزوج اذا رمى زوجته بالزنا ولم يكن له على ذلك اربعة شهود. ولم تعترف بان اقامت على الانكار فعليهما على من قذف المحصنات من جلد ثمانين جلدة الا ان يلاعنها وذلك بان يشهد اربع مع مرات انه لمن الصادقين. فيما رماها به من الزنا. ويقول في الخامسة داعيا على نفسه وان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين. فحينئذ يترتب عليها الحد او الحبس حتى تقر. الا ان تقابله بلعان يدرأ عنها العذاب. بان تقول طعن اشهد بالله انه لمن الكاذبين. في ما رمان به من الزنا. وتزيد في الخامسة وان غضب الله عليها ان كان من الصادقين فعند ذلك يحدث الفراق الابدي بينه وبينها. والحكمة في تخصيص الزوج بسقوط حد القذف عنه اذا لاعن. ان الزوج وربما كان مضطرا الى رميها لنفي ما يلحقه من اولاد غيره ولحقه بافساد فراشه. واما القاذف اذا كان غير زوج قال تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر الى اخرها والتي بعدها. امتن الله وعلى عباده بان فرض عليهم القصاص في القتلى اي المساواة فيه. وان يقتل القاتل عمدا على الصفة التي قتل عليها المقتول اقامة للعدل بين العباد. توجيه الخطاب لعموم المؤمنين فيه دليل على انه يجب عليهم كلهم حتى اولياء القاتل. حتى قاتل نفسه. اعانة ولي المقتول اذا طلب القصاص وتمكينه من القاتل. وانه لا يحل لهم ان يحولوا بينه وبين القاتل اذا تمت الشروط كما يفعله اهل الجاهلية. ومن اشبههم من ايواء المحدثين. ثم فصل ذلك بقوله الحر بالحر. يدخل في منطوقه وفي منطوق قوله ان النفس بالنفس ان الذكر يقتل بالانثى كما تقتل الانثى بالذكر فيكون هذا المنطوق مقدما على مفهوم قوله والانثى بالانثى مع دلالة صريح السنة الصحيحة في قتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي بالجارية. وخرج فمن هذا العموم الابوان وان علوا فلا يقتلان بالولد بورود السنة بذلك. مع ان في لفظ القصاص ما يدل على انه ليس من العادل ان يقتل الوالد بولده. ولان ما في قلب الوالدين من الرحمة المانعة من صدور هذه الجريمة منهما على ولدهما. ما يحدث شبهة. مع انه لابد في عقلهما اختلالا او اذية شديدة احوجته الى قتل ولده. او لم يحرر ان القتل عمد محض. وخرج من هذا العموم ان المسلم لا يقتل بالكافر لثبوت السنة بذلك. مع ان الاية في خطاب المؤمنين خاصة وليس ايضا من العدل ان يقتل فولي الله بعدوه. والعبد بالعبد ذكرا كان او انثى. تساوت قيمتهما او اختلفت. ودل مفهومهما على ان الحر لا يقتل بالعبد لكونه غير مساو له. وفي هذه الاية دليل على ان الاصل وجوب القود في العمد العدوان. وان الدية بدل عنه. فلهذا قال فمن عفي له من اخيه شيء اي عفا ولي المقتول عن القاتل الى الدية. او عفا بعض الاولياء فانه يسقط القصاص وتجب وتكون الخيارات في القوض واختيار الدية الى الولي. فاذا عفا عنه وجب على ولي المقتول ان يتبع القاتل بالمعروف من غير ان يشق عليه ولا يحمله ما لا يطيق. بل يحسن الاقتضاء والطلب ولا يحرجه. وعلى القاتل اداء اليه باحسان. من غير مطل ولا لا نقص ولا اساءة فعلية او قولية. فهل جزاء الاحسان اليه بالعفو الا الاحسان بحسن القضاء. وهذا مأمور به في كل ما ثبتت في ذمم الناس للانسان. مأمور من له الحق بالاتباع بالمعروف. ومن عليه الحق بالاداء باحسان كما قال صلى الله عليه وسلم رحم الله عبدا سمحا اذا قضى سمحا اذا اقتضى. وفي قوله عفي له من اخيه ترقيق وحث على العفو الى الدية. واكمل من ذلك العفو مجانا. وفي قوله اخيه دليل على ان القاتل عمدا لا يكفر. لان المراد بالاخوة هنا اخوة الاسلام. فلم تخرج بالقتل عنها ومن باب اولى سائر المعاصي التي هي دون القتل. ان صاحبها لا يكفر ولكنه يستحق العقاب وينقص ذلك ايمانه ان لم يتب. واذا عفا اولياء المقتول او بعضهم احتقن دم القاتل. فصار معصوما منهم ومن غيرهم. فلهذا قال فمن اعتدى بعد ذلك اي بعد العفو فله عذاب اليم اي في الاخرة. واما قتله وعدمه فيؤخذ مما تقدم. لانه قتل مكافئا له فيجب قتله بذلك. ثم بين تعالى حكمته العظيمة في مشروعية القصاص. فقال ولكم في القصاص حياة اي تنحقر بذلك الدماء وتنقطع به الاشقياء. لان من عرف انه اذا قتل قتل لا يكاد يصدر منه قتل. واذا رؤي القاتل مقتولا انزجر غيره بذلك فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل لم يحصل من انكفاف الشر ما يحصل بالقتل. وهكذا سائر الحدود الشرعية فيها من النكاية والانزجار ما يدل على حكمة الحكيم الغفار. ونكر الحياة لافادة التعظيم. فلما كان هذا الحكم لا يعرفه هو حقيقة المعرفة الا اهل العقول الكاملة قال ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون. وهذا يدل على انه ويحب من عباده ان يعملوا افكارهم وعقولهم بتدبر ما في احكامه من الحكم والمصالح الدالة على كماله وكمال حكمته وعدله ورحمته الواسعة. وان من كان بهذا الوصف فقد استحق الثناء والمدح بانه من ذوي الالباب. الذين وجه اليهم الخطاب وكفى بذلك فضلا وشرفا. وقوله لعلكم تتقون. وذلك ان من عرف ربه وعرف ما في دينه وشرعه من الاسرار العظيمة والحكم البديعة والايات الرفيعة اوجب له ان ينقاد لامر الله ويخضع لشرعه طاعة لله ولرسوله. قوله تعالى الزانية توزعني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين. هذا حد الزاني غير المحصن من ذكر او انثى يجلد مائة جلدة. جلدات تؤلمه وتزجره ولا تهلكه ويتعين ان يكون ذلك علنا لا سرا. بحيث يشهده طائفة من المؤمنين. كان اقامة الحدود من لقمع اهل الجرائم. واشتهارها هو الذي يحصل به الردع والانزجار. واظهار شعائر الدين. والاستتار به او على احد دون احد فيه مفاسد كثيرة وردت السنة بتغريب عام كامل عن وطنه مع الجل. فما تواترت السنة واجمع المسلمون على رجم زاني المحصن يرجم بالحجارة حتى يموت. وقال تعالى فالسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم. السارق هو من اخذ مال غيره المحترم بغير رضاه. وهو من كبائر الذنوب الموجبة لترتب هذه عقوبة وهو انه يجب قطع يده اليمنى كما هي قراءة بعض الصحابة. واليد اذا اطلقت فهي الكف الى الكوع فقط. فاذا قطعت سمت وجوبا في زيت او ودك مغلي لتنسد العروق فيقف الدم. ولكن السنة قيدت عموم الاية الكريمة بامور كلها ترجع الى تحقيق السرقة للاموال. ومنها لابد ان يكون المأخوذ منه حرزا. وحرز كل مال ما يحفظ به عادة. فلو سرق من غير محرز فلا قطع عليه ويؤخذ هذا من لفظ السارق. فانه الذي يأخذ المال على وجه لا يمكن التحرز منه. فان عاد السارق قطعت رجله اليسرى. فان عاد فقيل تقطع يده اليسرى ثم ان عاد قطعت رجله اليمنى. وقيل يحبس حتى يموت. وورد في ذلك اثار عن السلف مختلفة. وقوله جزاء بما كسب من التجري على اموال الناس نكالا من الله اي ترهيبا منه للصراط ليرتجعوا اذا علموا انهم يقطعون. هذا نظير قوله في القتل ولكم في القصاص حياة. والله عزيز حكيم اي عز وحكم وقطع بحكمته يد السارق تنكيلا للمجرمين وحفظا للاموال. وقد ذكر الله قبل هذا حد قطاع الطريق بالمحاربين في قوله انما جزاء الذين يحاربون الله. وقيل ان الامام مخير فيهم بين هذه الامور فعليه ان يفعل ما تقتضيه المصلحة ويحصل به النكاية. وقيل ان هذه العقوبة مرتبة بحسب الجريمة. فان جمعوا بين القتل واخذ المال جمع لهم بين القتل والصلب وان قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ولم يصلبوا. وان اخذوا مالا ولم يقتلوا قطعت ايديهم وارجلهم من خلاف. وان الناس ولم يقتلوا ولا اخذوا مالا نفوا من الارض فلا يتركون يأوون الى بلد او يحبسون كما قاله بعضهم. فصل في الايمان ونحوها. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ولا تعتدوا. ان الله يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا. واتقوا الله الذي انتم به مؤمنون. لا الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان. فكفارته اطعام عشرة مساكين من تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة. فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام. ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفت ثم احفظوا ايمانكم كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تشكرون. يقول الباري يا ايها الذين امنوا اعملوا مقتضى ايمانكم في تحليل ما احل الله وتحريم ما حرم الله فلا تحرموا ما احل الله لكم من المطاعم والمشارب وغيرها فانها نعم تفضل الله بها عليكم فاقبلوها. اشكروا الله عليها اذ احلها شرعا ويسرها قدرا. ولا تردوا نعمة الله بكفرها او عدد قبولها او اعتقاد تحريمها او الحلف على عدم تناولها. فان ذلك كله من الاعتداء. ولهذا قال ولا تعتدوا ان الله الله لا يحب المعتدين. بل يبغضهم ويمقتهم على ذلك. وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا. اي كلوا من رزقه الذي ساقه اليكم ويسره لكم باسبابه المتنوعة. اذا كان حلالا لا سرقة ولا غصبا ولا حصل في معاملة خبيثة. وكان ايضا طيبا نافعا لا خبث فيه. واتقوا الله بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. الذي انتم به مؤمنون. فان الايمان لا يتم الا وهو يدعو الى ذلك او سرية ونحو ذلك. ان هذا التحريم منه لا يحرم ذلك الحلال. لكن اذا فعله فعليه كفارة يمين لان التحريم يمين كما قال تعالى يا ايها النبي لما تحرم ما احل الله لك؟ فابتغي مرضات ازواجك والله غفور رحيم حين قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم. وهذا عام في تحريم كل طيب. الا ان تحريم الزوجة يكون ظهارا فيه ثارة الظهار السابقة. وكما انه ليس له ان يحلف على ترك الطيبات فليس له ان يمتنع من اكلها ولو بلا حلف تمسكا وغلو في الدين بل يتناولها مستعينا بها على طاعة ربه لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ويشمل هذا الايمان التي حلف بها من غير بنية ولا قصد او عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلاف ذلك. ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان. اي بما عقدت عليه قلوبكم كما قال في الاية الاخرى. ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم. فاذا عقد العبد اليمين وحنف بان فعل ما ما حلف على تركه او ترك ما حلف على فعله خير في الكفارة بين اطعام عشرة مساكين. من اوسط ما تطعمون اهليكم فذلك باختلاف الناس والاوقات والامكنة او كسوتهم بما يعد كسوة. وقيد ذلك بكسوة تجزيء في الصلاة او تحرير رقبة صغير او او كبير ذكر او انثى بشرط ان تكون الرقبة مؤمنة. كما في الاية المقيدة بالايمان. وان تكون تلك الرقبة سليمة من العيون وبالضارة بالعمل. فمتى كفر بواحد من هذه الثلاثة انحلت يمينه. وهذا من نعمة الله على هذه الامة انه فرض لهم تحلة ايمانهم ورفع عنهم الالزام والجناح. فمن لم يجد واحدا من هذه الثلاثة فعليه صيام ثلاثة ايام. اي متتابعة مع الامكان كما قيدت في قراءة بعض الصحابة فاحفظوا ايمانكم اي ان تحلفوا بالله وانتم كاذبون. عن كثرة الايمان لا سيما عند البيع والشراء فاحفظوها اذا حلفتم عن الحنث فيها الا اذا كان الحنث خيرا من المضي فيها. كما قال تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس. اي لا تقولوا اننا قد حلفنا على ترك البر وترك التقوى وترك الاصلاح بين الناس فتجعلوا ايمانكم مانعة لكم من هذه الامور التي يحبها الله ورسوله. بل احنثوا وكفروا وافعلوا ما هو خير وبر وتقوى. واحفظوا ايضا ايمانكم اذا حلفتم وحنفتم بالكفارة فان الكفارة بها حفظ اليمين. الذي معناه تعظيم المحلوف به من كان يحلف ويحنث ولا يكفر فما حفظ يمينه ولا قام بتعظيم ربه. كذلك يبين الله لكم اياته المبينة للحلال من الحرام الموضحة للاحكام لعلكم تشكرون. فعلى العباد ان يشكروا ربهم على بيانه وتعليمه لهم ما لم يكونوا يعلمون فان العلم اصل النعم وبه تتم. فصل في ايات في الاطعمة ونحوها والصيود وتوابعها. قال الله تعالى والذي خلق لكم ما في الارض جميعا. وقال الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. وقال حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به. والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة. وما اكل السبع الا ما ذكيتم وبعدها ويسألونك ماذا احل لهم؟ قل احل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن. تعلمونهن من مما علمكم الله فكلوا مما امسكنا عليكم واذكروا اسم الله عليه. وقال ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وقال ولا اجد فيما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة او دما مسفوحا او لحم خنزير فان انه رجس او فسقا اهل لغير الله به. فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم. دلت هذه الايات الكريمات على ان الاصل في الاشياء الحل من طعام وشراب وغيرها. لان الله تعالى خلق لنا ما في الارض جميعا ننتفع به بكل وجوه الانتفاع من اكل وشرب واستعمال وفصل لنا ما حرم علينا. فما لم يذكر في الكتاب والسنة تحريمه فهو حلال. واباح لنا كل طيب وحرم علينا كل خبيث. فمن الخبائث المحرمة الميتة سوى ميتة الجراد والسمك. وهي ما مات حتف انفه او ذكي ذكاة غيره وشرعية والدم المسفوح كما قيدته الاية الاخرى. واما الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح فانه طيب حلال. ولحم خنزير وما اهل لغير الله به بان ذبح لغير الله من اصنام او ملائكة او انس او جن وغيرها من المخلوقات. ومن الخبائث كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن الميتة ان منخنقة اي التي تخنق بالحبال وغيرها. او تختنق فتموت. والموقودة وهي التي تضرب بالحصى او بالعصا حتى تموت ومن هذا اذا رمى صيدا فاصاب الصيد بعرضه فقتله. والمتردية وهي التي تسقط من موضع عال كسطح وجبل فتموت. فالنطيحة التي تنطحها غيرها فتموت بذلك وما اكله ذئب او غيره من السباع. وكل هذه المذكورات اذا لم تدرك زكاتها من ادركها حية فزكاها حلت. لقوله الا ما ذكيتم. سواء غلب على الظن بقاؤه او تلفه اذا لم يذكى ام لا. ومن المحرمات الحشرات وخشاش الارض من فأرة وحية ووزغ. ونحوها من المستخبثة شرعا وطبا. ومن المحرمات ما ذكي ذكاء غير شرعية اما ان الذبح غير مسلم ولا كتابي. واما ان يذبحها في غير محل الذبح. وهي مقدور عليها. واما الا يقطع ضع حلقومها ومريئها واما ان يذبحها بغير ما ينهر الدم او بعظم او ظفر. وما امر الشارع بقتله او نهى عن قتله دل على تحريم وخبثه. وكل هذه الاشياء تحريمها في حال السعة. واما اذا اضطر اليها غير باغ لاكلها. قبل ان يضطر ولا متعد الى الحرام هو يقدر على الحلال فانه اذا اضطر اليها غير باغ ولا عاد. فان الله غفور رحيم. ومن رحمته اباح المحرمات في حال الضرورة ومن رحمته والسعة لعباده طرق الحلال. فاباح الصيد اذا جرح في اي موضع من بدنه واباح صيد السهام اذا سمى الرام عند رميها واباح ايضا صيد الكلاب المعلمة والطيور المعلمة. والتعليم يختلف باختلاف الحيوانات. قال العلماء تعليم ان يسترسل اذا ارسل وينزجر اذا زجر واذا امسك لم يأكل من صيده لقوله فكلوا مما امسكنا عليكم واذكروا اسم اسم الله عليه اي عند ارسالها لقصد الصيد. فصل في جوامع الحكم والقضايا في الاصول والفروع. قال الله تعالى وان احكموا قم بينهم بما انزل الله. وقال لتحكم بين الناس بما اراك الله. وقال وان حكمت فاحكم بالقسط وقال فاذا تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول. فقال يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق. ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. وقال ومن احسن ومن الله حكما لقوم يوقنون. وقال وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. الحكم بين الناس بالحق والقسط والحكم بما انزل الله وهو الرد الى الله ورسوله. فان هذه الايات يصدق بعضها بعضا. فتدل على ان الحق والعدل لا يخرج وعن ما جاء به الرسول وان حكم الله ورسوله احسن الاحكام على الاطلاق. اي اعدالها واقوامها واصلحها واحسمها للشرور واعظم احكام توسل بها الى تحصيل المصالح ودرء المفاسد. وان رد مسائل النزاع والاختلافات الدينية والدنيوية الى الله والرسول خير في الحال واحسن عاقبة وان كلمات الله تمت وكملت من كل وجه. صدقا في اخبارها عدلا في احكامها واوامرها ونواهيها فكل مسألة خارجة عن العدل الى الظلم وعن الصلاح الى الفساد فليست من الشرع. وقد جاء شرع الله محكم الاصول والفروع موافقا للمعقول الصحيح والاعتبار والميزان العادل. وقد حكم الله ورسوله باحكام متنوعة متفرعة عن هذا الاصل العظيم. تفصيل لمجمله فحكم الله بان اقرار من عليه الحق معتبر في القليل والكثير كما تقدم التنبيه عليه في اية الدين وحكم ان البينة على المدعي لاثبات حق او المدعي براءة الذمة من الحقوق الثابتة. وان اليمين على من انكر وهاتان القاعدتان عليهما مدار جمهور القضايا اعتبار اقرار من عليه الحق اذا كان جائز التصرف. وتكليف المدعين كلهم بالبينات. البينة شرعا اسم جامع لكل ما تبين الحق والبيان مراتب. بعضها يصل الى درجة اليقين. وبعضها كالقرائن وشواهد الاحوال. والترجيحات كثيرة جدا. عند تتساوي الترجيحات ومقادير الاشياء وكمياتها بالتوسط بينها. اما بقسماتها متساوية وجعل الزيادة والنقص بحسب ذلك الا بالقرعة اذا تعذرت القسمة. ومن احكام الشارع العادلة الغاؤه المعاملات الظالمة الجائرة كانواع الغرر والظلم والميل على احد المتعاملين بغير حق. ومن احكامه الكلية اعتباره التراضي بين المتعاملين في عقود المعاوضات. وفي عقود التبرعات. وانه لا يحل ما امرئ مسلم او معاهد الا بطيب نفسه. ومن احكامه الكلية منع الضرر والاضرار بغير حق في كل معاملة وخلطة وجوار اتصال ومن احكامه الكلية ان على العمال تكميل اعمالهم ومن احكامه الكلية ان على العمال تكميل اعمالهم بغير نقص. وعلى من عمل لهم تكميل اجورهم ومن احكامه الكلية ايجابه الوفاء بالعقود والشروط التي يشترطها احد المتعاقدين على الاخر في ابواب باب العقود كلها مما لكل منها او لاحدهما فيه مصلحة الا شرطا احل حراما او حرم حلالا فهذا قد اهدره الشارع والغاه وقال من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد. من احكامه الكلية اعتبار المقاصد والنيات في ابواب المعاملات والاعمال. كما يعتبر في باب العبادات وبهذا الاصل ابطل جميع الحيل التي يتوسل بها الى فعل محرم او اسقاط حق مسلم ونحوها. ومن احكامه كلية ان جميع العقود اللازمة والجائزة عقود المعارضة وعقود التبرع. كذلك الفسوخ تنعقد بما دل عليها من الالفاظ التي طرفها المتعاقدان ومن الافعال الدالة على ذلك. ومن احكامه الكلية ان تلف الشيء بيد الظالم كالغاصب ونحوه فيه الضمان فرط او لم يفرط فان ثبوت يده على وجه الظلم والعدوان وان تلف الشيء تحت يد الامين لا ضمان فيه ان لم يفرط او يتعدى. ومن احكامه ان الشيء المشكوك فيه يرجع فيه الى اليقين في العبادات والمعاملات. فمن ادعى الاصل فقوله مقبول. ومن ادعى خلاف الاصل لم يقبل الا ببينة. ان الاصل بقاء ما كان على ما كان. الاصل براءة الذمة حتى يتيقن اشتغالها. كما ان الاصل بقاء ما كان ثابتا في اما حتى يتيقن البراءة بوفاء او اسقاط او سقوط. وان الاصل في عقود المسلمين الصحة والسلامة حتى نعرف انه جرى ما يفسدها. ومن احكامه الكلية ان جميع الاحكام من اصول وفروع لا تتم وتكمل ويحصل مقتضاها. الا باجتماع شروطها واركانها مقوماتها وانتفاء موانعها ومفسداتها. ومن احكامه الكلية وجوب المماثلة في المتلفات والمضمونات بمثلها ان امكن المثل قيمة ان تعذر المثل وكذلك الاعمال. فمن عمل لغيره عملا بعوض لم يسمى او سمي تسمية فاسدة او جهلت التسمية او معاوضة تعذر معرفة العوض فيها فانه يرجع في ذلك الى اجرة المثل وعوض المثل. من احكامه الكلية وجوب العدل بين الاولاد والزوجات ووجوب العدل بين ذوي الحقوق الذين لا مزية لواحد منهم على الاخر. العول الداخل على اهل الفروض بالسوية. وكقسمة المال بين الغرماء اذا لم يفي بحقوقهم. يعطون على قدر حقوقهم اذا لم يكن لاحدهم مزية رهن ونحوه. وكاشتراك الملاك في الزيادة عليها على قدر املاكهم. وكالنقص على قدر املاكهم اذا اعتراها نقص. سواء كان النقص بحق تعلق بها او بتلف او تارة او وقع ظلما فانهم يشتركون في الزيادة والنقص على قدر املاكهم. ومن احكامه الكلية اثبات الخيار في كل عقد ظهر في العوض للمعين او المعوض عيب ينقصه. وانه اذا لم يمكن الرد تعين الارش واسقاط النقص. وعلى الصحيح لا فرق بين البيوع وغيرها فان هذا من قاعدة العدل ومن احكامه الكلية جعل المجهول كالمعدوم ويندرج تحت هذا الاصل الاموال التي جهل ملاكها انه يتصدق بها عنهم او تبذل في المصالح نيابة عنهم. وتملك اللقطة. ومن مات لا وارث له بفرض ولا تعصيب ولا رحم تركته في بيت المال للمصالح العامة جعلا للمجهول في ذلك كالمعدوم. ومن احكامه الكلية الرجوع الى العرف اذا ترى التعيين شرعا ولفظا. بالرجوع للعرف في نفقة الزوجات والاقارب والاجراء. وكالشروط العرفية في المعاملات اذا اطردت بين الناس وكالقبض والحرز ونحوها مما لا يعد ولا يحصى. ومن احكامه الكلية ان الاصل في العبادات الحظر فلا يشرع منها الا ما شرع رعه الله ورسوله. والاصل في المعاملات والاستعمالات كلها الاباحة. فلا يحرم منها الا ما حرمه الله ورسوله. وعلى هذا جميع احكام العبادات والمعاملات وغيرها. مما لا يمكن احصاؤه. ولهذا من شرع في عبادة لم تنقل عن الشارع فهو مبتدع. ومن حرم من العادات شيئا لم يرد عن الشارع فهو مبتدع. ومن احكامه الكلية حثه على الصلح والاصلاح بين من بينهم حقوق. وخصوصا عند اشتباه او عند تناكرها واذا تعذر استيفاء الحق كله او تعسر فقد شرع في ذلك كله الصلح بالعدل. وسلوك الحالة المناسبة لتلك القضية بما تقتضيه الحال. وفيه من الفوائد والثمرات الطيبة ما لا يعد ولا يحصى. ومن احكامه الكلية اعتبار العدل في الشهود وان يكونوا ممن يرضى من الشهداء. فذلك يختلف باختلاف الاحوال والاشخاص. الشارع اعتبر شهادة العدل المرضية من الشهداء واسقط شهادة الكاذب والقادف قبل التوبة. وامر بالتثبت في خبر الفاسق. وكذلك المجهول لانه اعتبر المرضي العدل عند الناس فلابد من تحقيق هذا الوصف. واما عدد الشهود ونصابها فذلك يختلف باختلاف المشهود به كما فصله اهل العلم واما احكامه الكلية ان من سبق الى مباح فهو احق به ويدخل فيه السبق الى النزول في المساكن والاوقاف التي لا تتوقف على نظر يناظر ويدخل في ذلك السبق الى المباحات من الصيود البرية والبحرية. والى ما يستخرج من البحار والمعادن. والى الاحتشاش والاحتطاب وغير ذلك الى احياء الموات وغيرها من المسائل المتنوعة الداخلة في هذا الاصل. ومن احكامه الكلية قبول قول الامناء على في ايديهم مما هم عليه اولياء من قبل الشارع او من قبل المالك بالوكالة او الوصاية او النظارة للاوقاف. فكل هؤلاء مقبول قولهم بما يدعونه من داخل وخارج ومصرف ونحوه. اذا كان ذلك ممكنا. هذا معنى تأمينهم وتوليهم ولايتهم. واعلم ان قبول قول هؤلاء في هذه الامور لا يمنع محاسبتهم وطلب الوقوف على كيفية تلك المصارف الداخلية والخارجية وتبيين وجه النقص والتلف ونحو ذلك ليستظهر بذلك على صدقهم وكذبهم. واما تمكينهم من اطلاق سراحهم بحجة انهم امناء قولوا قولهم فهذا غلط على الشريعة وعلى الحقيقة. الشارع حاسب عماله واستدرك عليهم. والحقيقة والوقوف عليها مطلوب نفاق اهل الاعتبار. فكم من امين ظهرت خيانته يقينا حين استدرك عليه. ومن احكامه الكلية ان الواجب يسقط بالعجز عنه كلية وانه اذا قدر على بعض الواجب وجب عليه ما يقدر عليه منه. وسقط عنه ما يعجز عنه. وهذا مضطرد في العبادات والحقوق الواجبة وغيرها. كما ان الضرورة تبيح المحظور وتقدر بقدرها. ومن احكامه الكلية انه اقام البدل مقام مبدله في احكام العبادات والمعاملات والحقوق وغيرها. فمتى كان للشيء بدل وتعذر الاصل؟ قام هذا مقامه وحكم له باحكامه وان النماء تابع للاصل. ومن احكامه الكلية ان من وجب عليه امر من الامور فانه يجبر عليه بحق. وان من اتلف شيئا دفع اداه له دفعا عن نفسه ولا ضمان عليه. فان اتلفه للانتفاع به ضمنه. وان ما ترتب على المأذون فيه من تلف فغير مضموم وما ترتب على غير المأذون فانه مضمون. ومن احكامه الكلية ان الاستثناءات والقيود والاوصاف الملحقة بالالفاظ اعتبروا وتقيدوا الكلام ويرتبط بها بشرط الاتصال لفظا او حكما. ويدخل في هذا الفاظ العقود والفسوخ والوقف والوصايا والعتق والطلاق والايمان والاقرارات وغيرها. ومن احكامه الكلية ان الشركاء في الاملاك والمنافع يلزمون بكل ما يعود الى حصول المنافع ضرورية ودفع المضار ويجبر الممتنع منهما من ذلك من المصارف والنفقات والضرائب التي تلحق الاملاك هم فيها شركاء على كل كل منهم ويجبر الممتنع منهما من ذلك من المصارف والنفقات والضرائب التي تلحق الاملاك. هم فيها شركاء على ما كان منهم بقدر ملكه. ومن احكامه الكلية ان المباشر لاتلاف الاموال او المتسبب لذلك ضامن لها. متعمدا كان او ناسيا او جاهلا. وانه اذا اجتمع المباشر والمتسبب كان الضمان على المباشر الا ان تعذر تضمينه لفقد او امتناع او عسر او نحوه في حال الضمان على تسببي بغير حق. ومنها ان من ادى عن غيره دينا واجبا بنية الرجوع فانه يرجع ولو لم يأذن له في ذلك. ومنها ان وصفة في الشيء الذي بيد الغير وذلك الغير لا يدعيه لنفسه بينة. ومنها ان من تعجل شيئا قبل اوانه على وجه محرم عوق تبقى بحرمانه. ومن احكامه الكلية انه اذا تزاحمت المصالح قدم الاعلى منها. وان تزاحمت المفاسد. وكان لابد من فعل احداها ارتكب الاخف منها لدفع الاشد مفسدة. وعلى هذا من مسائل الفقه ما لا يعد ولا يحصى. لان الشارع شرع الشريعة لتحصيل المصالح او تكميلها ولتقليل المفاسد وتعطيلها بحسب الامكان. ومنها ان اطلاق التشريك في الوصايا والهبات والاقرارات وايقاع العقود والفسوخ على الاعيان وغير ذلك. كل ذلك يقتضي المساواة بين من شرك بينهم في شيء من ذلك. الا ان دل دليل على المفاضلة بينهم. وكذلك في الاشياء المشتبهة التي يعلم انها لهؤلاء الاشخاص. ولا يعلم مقدار ما لكل فانهم يتساوون فيها. وادلة هذه الاصول من الكتاب والسنة ظاهرة. وهي اصول جامعة عظيمة النفع. ينتفع بها الحاكم والمفتي وطالب العلم. وهي من اسن الشريعة ومن اكبر البراهين على ان ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق من عند الله محكم الاصول متناسب الفروع عدل في معانيه تابع للحكم والصلاح في مبانيه. فلنقتصر على هذه القواعد اذ غيرها تبع لها. وهي تغني عن غيرها ولا يغني عنها سواها والله اعلم. فصل في ذكر ما قص الله علينا في كتابه من اخبار الانبياء مع اقوامهم. قد قص الله علينا في كتابه قصصا طيبة من اخبار انبيائه. ووصفها بانها احسن القصص. فهذا الوصف من الله العظيم يدل على انها اصدقها او ابلغها وانفعها للعباد. فمن اهم منافع هذه القصص ان بها يتم ويكمل الايمان بالانبياء صلى الله عليهم وسلم. فاننا وان كنا مؤمنين بجميع الانبياء على وجه العموم والاجمال فالايمان التفصيلي المستفاد من قصصهم وما وصفهم الله به من الصدق الكامل صافي الكاملة التي هي اعلى الاوصاف وما لهم من الفضل والفواضل والاحسان على جميع نوع الانسان بل وصل احسانهم الى جميع الحيوانات بما دول المكلفين في الاعتناء بها والقيام بحقها. فهذا الايمان التفصيلي بالانبياء يصل به العبد الى الايمان الكامل. فهو من مواد زيادة الايمان. فمن ذلك ان في قصصهم تقرير الايمان بالله. وتوحيده واخلاص العمل له. والايمان باليوم الاخر وبيان حسن التوحيد ووجوبه وقبح الشرك. وانه سبب الهلاك في الدنيا والاخرة. وفي قصصهم ايضا عبرة للمؤمنين. يقتدون بهم في جميع مقامات الدين. في مقام التوحيد والقيام بالعبودية وفي مقامات الدعوة والصبر والثبات عند جميع النوائب المقلقة ومقابلة ذلك بالطمأنينة والسكون والثبات تام وفي مقام الصدق والاخلاص لله في جميع الحركات والسكنات. واحتساب الاجر والثواب من الله تعالى. لا يطلبون من الخلق اجرا ولا جزاء ولا شكورا الا الامور النافعة للخلق. وفيها ايضا عبرة لاتفاقهم على دين واحد واصول واحدة. ودعوة الى كل خلق جميل وعمل صالح واصلاح وزجرهم عن كل ما يضاد ذلك. وفيها ايضا من الفوائد الفقهية والاحكام الشرعية والاسرار الحكمية نيتي شيء عظيم لا غنى لكل طالب علم عنها. من الوعظ والتذكير والترغيب والترهيب والفرج بعد الشدة وتيسير الامور بعد تعسرها وحسن العواقب المشاهدة في هذه الدار وحسن الثناء والمحبة في قلوب الخلق ما فيه زاد للمتقين وسرور للعابدين وسلوة دونين ومواعظ للمؤمنين فليس المقصود من قصصهم ان تكون فقط سمرة وانما الغرض الاعظم منها ان تكون تذكيرا وعبرا. واعلم قبل الشروع فيها ان كثيرا من قصصهم صلوات الله وسلامه عليهم. اعادها الله في كتابه مرات عديدة باساليب مناسبة لمقاماتها وربما يكون في موضع منها ما ليس في المواضع الاخر من الزيادات والفوائد. او يأتي بها بالفاظ غير الفاظ القصة الاخرى. والمعاني متفقة او متقاربة على حساب ان هذا التعليق مختصر. سوف اتي بهذه القصص واجمع القصة في موضع واحد واحرص على ما دلت عليه الكتاب من سياقها من اولها الى اخرها. واتبع كل قصة بما يفتح الله به من الفوائد الاصولية والفروعية والاخلاق الاداب والمواضيع المتنوعة راجيا من الله ان يوفقني بذلك للصواب اللفظي والاخلاص الباطني وموافقة رضاه. وان يجعل بذلك النفع العام انه جواد كريم