الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فروى الامام مسلم في صحيح حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستر عبد عبدا في الدنيا الا ستره الله يوم القيامة هذا الحديث الموجز المختصر فيه بيان فضيلة الستر والستر جاء هنا مطلقا فقال لا يستر عبد عبدا فكل من ستر غيره في الدنيا فانه موعود بهذا الاجر العظيم في الاخرة وقد جاء هذا في حديث ابي هريرة في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. وهنا لم يقيده بالاسلام بل جعله عاما وذلك ان الستر في الاصل يعود الى معنى وهو ان الاصل ستر معائب الخلق الا ان تقتضي مصلحة في كشف ذلك والا في الاصل ستر معائب الخلق على وجه العموم والاجمال وان كان بعض اهل العلم قيد ذلك بالمسلم للحديث الاخر الا ان الا انه يمكن ان يقال انه من ذكر بعض افراد العام الذي لا يقتضي التخصيص وعلى كل حال فالستر دائر على تحقيق المصلحة فمتى ترتب على الستر تحصيل مصلحة ودرء مفسدة فانه مأمور به ومندوب اليه وموعود صاحبه بالثواب والاجر. بغض النظر عن المستور ومتى ما كان في الستر مفسدة فانه مما لا يؤمر به بل مما ينبغي العمل بظده بما تقتضيه المصلحة لكن الاصل هو الستر. والستر هو في الاصل تغطية الشيء واخفاء وذلك فيما يتعلق بالمعايب و المعاصي ويشمل ايضا كل ما يكره الانسان انكشافه ولو لم يكن عيبا ولا معصية كخبر يكره انكشافه او واقعة يكره ظهورها شيوعها او قول يكره بيانه وظهوره فكله يدخل في المعنى فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر المستور هنا ليشمل كل ما يرغب في ستره ومنه ستر العورة الحسية فان ستر العورة الحسية مما يدخل في الحديث. فاذا رأى الانسان نائما قد انكشفت عورته عورته فستره دخل في قوله صلى الله عليه وسلم لا يستر عبد عبدا في الدنيا الا ستره الله يوم القيامة. اذا الستر يشمل ستر ما يستقبح ظهوره يشمل العورات الحسية والعورات المعنوية من العيوب والنقائص والمثالب والمعاصي لكن فيما يتعلق بالمعاصي المعصية نوعان من حيث سترها معصية انقضت وانتهت فهذه يندب سترها الا اذا اقتضت المصلحة كشفها وان والاصل فيها الستر ويشمل ذلك كل المعاصي التي يتورط فيها الناس النوع الثاني من المعاصي المعاصي القائمة التي لا تزال واقعة فهذه ايضا يطلب سترها لكن اذا اقتضت المصلحة كشفها فانها تكشف وهذا لا يتعارض مع وجوب ازالتها والامر بالمعروف فيها والنهي عن المنكر فيها فان ذلك لا يتعارض مع الستر فقد ترى شخصا على معصية وتنهاه لكن تستره فلا تعارض بين النهي عن المنكر وبين الامر بالمعروف وبين الستر فتستر المعصية القائمة مع امرك بالمعروف ونهيك عن المنكر. امرك بالمعروف المتروك. وناهيك عن المنكر الذي وقعه الانسان وبهذا يتبين ان الستر جهته منفكة عن الامر والنهي. فانه ينبغي ان يؤمر كل احد بكل خير ومنها كل احد عن كل شر ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. واولئك هم المفلحون من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه لكن ما قال وليفضحه الا ان يكون في الاعلام به طريق الازالة المنكر ولا يمكن ازالته الا بذلك فعند ذلك تبليغ الجهات ذات الاختصاص من ولاة الامر يتحقق به ازالة المنكر فلا يؤمر بالستر في مثل هذه الحال لان الستر اعانة على المنكر اغراء بمواقعته والاستمرار فيه ولهذا قال اهل العلم ان اهل الفجور الذين يواقعون السيئات ولا يتورعون عنها ويسعون في الارض فسادا اذا كان سترهم يفضي الى اغرائهم بمزيد سوء وشر فانهم لا يسترون وبهذا يتبين ان المطلوب هو السعي في ازالة المنكر قدر الطاقة والوسع. مع الستر قدر الامكان ما الثواب الذي رتبه النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال ستره الله يوم القيامة قبل ان نتكلم عن هذا هل يدخل في الستر المندوب ستر النفس؟ الجواب نعم. من باب اولى اذا كنت مطلوبا ان تستر غيرك فستر نفسك من باب اولى. هل الغيبة تنافس ستر؟ نعم الغيبة تنافي الستر. ولذلك يجب على الانسان ان يكف لسانه عن غيره فان ذلك من ستر معايب الناس. لان الانسان اذا تحدث عن غيره بالغيبة اما ان يكون صادقا. فيكون قد شفى الستر واما ان يكون كاذبا فيكون قد وقع في البهتان. وكلاهما مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم جزءا من الغيبة ونهى اعانه الله عز وجل في كتابه و اما الاجر المرتب فهو ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ستره الله يوم القيامة. وستر الله عز وجل يوم القيامة يحتمل امرين ان يخفي مع سيئاته ومعاصيه عن الناس فلا يعلم بها ولا يجهر بها بل هي مستورة مخفية عن الناس يوم يقوم الاشهاد والنوع الثاني او المعنى الثاني من معاني الستر ان الله يغفر له السيئات. من الاصل فيجازيه بالستر حطا لسيئاته ومغفرة لذنوبه. والذي يظهر والله تعالى اعلم ان هذين المعنيين متلازمين فان من مقتضيات ستر الله لعبده يوم القيامة ان يغفر له ذلك وان لا يعذبه بها والا يفضحه. فقد جاء في الصحيح من حديث عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ستره سبحانه وبحمده فيقول اتعرف ذنب كذا؟ اتعرف ذنب كذا؟ فيقول العبد نعم اي رب. حتى اذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه انه هلك بسببها. قال سترتها عليك في الدنيا وانا اغفرها لك اليوم فاعطى كتاب حسناته واما الكافر والمنافق فيقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الا لعنة الله على الظالمين فالستر في الاخرة هو عدم فضح الانسان مع التجاوز عنه ومغفرة ذنوبه وسيئاته فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يسترنا واياكم بستره وان يعاملنا بعفوه فان الجزاء من جنس العمل وهذا مما دل عليه الحديث وافاد ان الانسان يجازى من جنس عمله فاذا ستر الناس ستره الله واذا احسن اليهم احسن الله اليه. اللهم اجعلنا من اهل الستر والاحسان وتجاوز عنا الخطأ غفلة والنسيان واعنا على ذكرك وشكرك في البكور والاصال وصلى الله وسلم على نبينا محمد