الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فقال فقد روى الامام البخاري في صحيحه من حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال اوتي النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم برجل قد شرب الخمر فقال صلى الله عليه وسلم اضربوه قال ابو هريرة فمن الضارب بيده والظارب بنعله والظارب بثوبه فلما انصرف اي قضى اقامة ما امر النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم من الظرب قال بعض القوم اخزاك الله قالوا لمن؟ لهذا الذي ضرب في الخمر اخزاك الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقولوا هكذا لا تعينوا الشيطان لا تعينوا عليه الشيطان هكذا في رواية الامام البخاري وفي رواية ابي داوود للحديث قال صلى الله عليه وسلم لا تكونوا عونا لا تكونوا عون الشيطان عليه ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه هذا الحديث الشريف فيه بيان عقوبة شارب الخمر وذلك ان هذا الرجل اوتي به ولم يعين الرجل من باب الستر عليه فانه من ستر مسلما ستره الله ولو سمي لتناقل الناس اسمه الى يومنا هذا لكن لم يسمه الراوي سترا عليه رضي الله تعالى عن الجميع فقال النبي صلى الله عليه وسلم اظربوا اوتي برجل شرب الخمر والخمر هي المسكر الذي يغثى العقل فقال النبي صلى الله عليه وسلم اضربوه اي الذي يستحقه من العقوبة على شرب الخمر وعقوبة شرب الخمر اختلف العلماء فيها هل هي حد ام هي عقوبة تعزيرية وجمهور العلماء على انها حد يضرب فيه ثمانين جلدة وقال بعضهم بل هو تعزير يبدأ من الاربعين الى ما يراه الامام وعلى كل حال وقع ما امر النبي صلى الله عليه وسلم من ضربه ولكنه كان ظربا على هذا النحو فمن الظارب بيده والضارب بنعله والظارب بثوبه فالمقصود التعنيف والتأديب والزجر وبيان ما جاء به من جرم فلما انصرف وانتهى ما كان من امر النبي صلى الله عليه وسلم قال رجل اخزاك الله دعا عليه بالخزي قال اخزاك الله والخزي هو الذل والهوان والصغار وهي عقوبة نفاها الله تعالى عن النبي وعن اهل الايمان يوم القيامة يوم لا يخزي الله النبي والذين امنوا وخزي الاخرة اعظم ففيه الفضيحة وفيه الذل وفيه الصغار والهوان فلما دعا عليه بالصغار والهوان والفضيحة بعدما جرى من عقوبته قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقولوا هكذا. يعني لا تقولوا على هذا النحو من القول سواء الدعاء بالخزي او الدعاء بالشر على وجه العموم من اللعن والسب وما اشبه ذلك والتثريب لا تقول وهكذا هذا نهي عن قول السوء وقبيح الكلام من الدعاء وغيره في حق من اقيم عليه العقوبة التي يستحقها بسبب ما اقترف من من اثم او ذنب لا تقولوا هكذا ثم علل النبي صلى الله عليه وسلم هذا النهي قال لا تعينوا لا تعينوا عليه الشيطان. اي لا تكون عونا عليه مع الشيطان فان الشيطان انما يسعى الى ايقاع الانسان في الخزي والشر والسوء فاذا دعي عليه بذلك كان هذا تحقيقا لرغبة الشيطان وسعيه في ان يكون الانسان على هذا النحو من السوء والشر ومن هذا يستفاد اقامة الحد على من شرب الخمر وانه لا يتعين فيه الجلد بالسوط بل بكل ما يحصل به الظرب والاهانة على العقوبة وان ذلك على وجه التأديب له وليس المقصود به الاذى له ولذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين العقوبة وبين الرحمة فلما قال هذا الرجل هذه المقالة نهاه عن ذلك وفيه النهي عن الدعاء على من اقيم عليه الحد وهذا محل اتفاق بين اهل العلم فانه لا يدعى على من اقيم عليه الحد لانه قد طهر بالحد لان الحدود تطهير فاذا دعا عليه كان اعتداء عليه ولا يثرب عليه ايضا بقول سيء او بتعييب بذنب فان ذلك كله مما يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تقول هكذا لما فيه من اعانة الشيطان على الانسان وفيه ان من اتى سوءا او شرا يتسلط عليه الشيطان ليزيده من السوء والشر. فينبغي ان نكون عونا له على الخير وصدا للشيطان عن ان يصل الى ما يريد من الايقاع بالمسلم بزيادة الشر والفساد وفيه ايضا الدعاء له بخير فانه قد جاء في رواية ابي داوود قال ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه والدعاء بالمغفرة والرحمة لا يتنافى مع العقوبة وهل هذا النهي عن الدعاء عليه بعد اقامة الحد هكذا قال جماعة من اهل العلم وقالوا يجوز الدعاء عليه قبل اقامة الحد والذي يظهر انه لا يدعى عليه لا قبل اقامة الحد ولا بعده باللعن ونحوه وذلك انه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اللعن على وجه الاجمال وما جاء من لعنه شارب الخمر واصحاب الكبائر والذنوب انما هو على وجه العموم لا على وجه التعيين ففرق بين اللعن العام وبين اللعن المعين اللعن المعين ان توجهه لشخص بعينه واما اللعن العام فهذا يصدق على كل من اتى بهذا الوصف دون تعيين فقد يوجد مانع وقد يفوت شرط عن تنزيل هذا اللعن المعين وبالتالي لا يلعن المعين وانما يثرب عليه بما هو دون اللعن قبل العقوبة بما يردعه ويزجره. اما بعد العقوبة فانه لا يلعن ولا يثرب عليه بقول بل يدعى له ويقال فيه ما يكون عونا على التوبة له منه ومن غيره وفي هذا الحديث بيان لطف النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته وانه صلى الله عليه وعلى اله وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم ولو كانوا على هذا النحو من التقصير والخطأ فوقوع الانسان في الخطأ لا ريحوا عرظه بل يكون معالجة الخطأ بالقدر الذي جاء به الشرع وما زاد فهو اعتداء وظلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ولو كان شارب خمر ولو كان صاحب اساءة ومعصية فلا يتجاوز القدر الشرعي المأذون فيه وبهذا يتبين عظيم ما في هذه الشريعة ما فيها من الجمع بين الرحمة والحزم. فنسأل الله تعالى ان يرزقنا واياكم البصيرة في الدين. وان يعيذنا واياكم من نزغات الشياطين. وصلى الله وسلم على على نبينا محمد