الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين فقد روى الامام البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ام كلثوم بنت عقبة رضي الله تعالى عنها انها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ينمي خيرا او يقول خيرا متفق عليه وقد جاء في رواية مسلم انها قالت رضي الله تعالى عنها لم اسمعه يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء مما يقول الناس اي مما يقولون انه كذب الا في ثلاث يعني في ثلاثة في ثلاث مسائل وعدت هذه المسائل فقالت الحرب والاصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها هذا الحديث يدل على فضيلة السعي بالاصلاح بين الناس فانه نفى صلى الله عليه وسلم وصف الكذاب وهو وصف مذموم في الكتاب والسنة وفي ما يعرفه اطايب الناس في اخلاقهم ومعاملاتهم فالكذب خصلة مذمومة عند البشر كلهم مسلمهم وكافرهم وهي مما يعاب به الانسان برا كان او فاجرا مسلما كان او كافرا فان الكذب يهدي الى الفجور والفجور يهدي الى النار كما قال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. ولهذا لا خلاف بين العلماء في ان الكذب محرم مذموم واختلف العلماء هل يستثنى من الكذب شيء او لا فقال جماعة من اهل العلم يستثنى من الكذب ما جاء به النص من انه قال صلى الله عليه وسلم لا بأس بالكذب في ثلاثة اي في ثلاثة امور وهي المواضع التي ذكرتها رضي الله تعالى عنها في قولها لم اسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس الا في ثلاث الحرب والاصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها فقالوا ان هذه قد استثنيت من عموم النهي والادلة الدالة على تحريم الكذب وقال اخرون بل ان الاستثناء هنا ليس من الكذب الصريح اذ الكذب الصريح مذموم في كل احواله وصوره. والاحاديث تشمله ولا استثناء فيه. وانما الاستثناء هنا فيما يفهم منه خلاف المقصود اي ان الانسان يتحدث بحديث يفهم منه السامع خلاف ما يريد المتكلم فهذا قد يسمى كذبا وهو من التورية والتي قال فيها عمران ابن حصين ان في المعاريظ لمندوحة عن من الكذب يعني سعة وفسحة ان لا يقع الانسان في الكذب فقالوا ان الوارد هو فيما استعمل الانسان من الالفاظ التي يفهم منها خلاف المقصود وليست كذبا صريحا وعلى كل حال الصواب ان هذه الاحوال الثلاثة وما شابهها مما فيه مصلحة مستثنى من العموم اي من عموم الادلة الدالة على قبح الكذب والنهي عنه لكن ان كان يمكنه ان يتوصل الى ما يريد من اصلاح ومصلحة من غير كذب صريح اي بالتورية والتعريض فذاك هو المطلوب ولكن اذا لم يتمكن من ذلك الا بصريح الكذب فعند ذلك اذا لم تكن الا الاسنة مركبا فما حيلة المضطر الا ركوبا. فيجوز حينئذ ان يكذب تحقيقا للمصلحة. ومن ذلك ما رواه الطبري بتهذيبه ان امرأة جاءت عند عمر قد وقع بينه بينها وبين زوجها خلاف فقال فقالت انه قال اتبغضينني فقلت نعم قال لها عمر وما حملك على ذلك؟ يعني ليش تقولي له انك تبغي انك تبغظينه قالت انه استحلفني وكرهت ان اكذب فقال لها لتكذب احداكن ولتجمل يعني الحديث بخبرها وحديثها مع زوجها فليس كل البيوت يبنى على الحب ولكن معاشرة بالاحسان والاسلام او بالاحساب والاسلام. والمقصود ان عمر رضي الله تعالى عنها وجهها الى ان تقول خلاف الواقع ولو كان ذلك باليمين لكن هذا في مقام الاصلاح وادامة حسن العشرة بين الازواج ويفهم منه ما جاء في قوله قولها رضي الله تعالى عنها حديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها فهذا محمول على ما يكون من المحادث المتعلقة بالود والحب والاقتناع والجمال ما ما رأيت احسن منك ما اشبه ذلك من الكلام الذي يقوله الرجل لامرأته وتقوله المرأة لزوجها وليس في ذلك اسقاط حق او اخلال بما يجب فليس فيه منع حق ولا فيه اثبات ما لا يستحقه الانسان فان الكذب في ذلك محرم بالاجماع. كل كذب يفضي الى اسقاط حقوق والاعتداء والظلم فانه لا يجوز. وانما رخص في الكذب ما كان منه اصلاحا. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس. يعني الذي ينقل الحديث بين الناس على وجه الاصلاح. كان يقول فلان يسلم عليك وهو ما سلم عليك انما لاجل تندية ما بينهما من صلة وترتيب قلوبهما واصلاح ذات بينهما فلان يسأل عنك فلان فاقدك وما اشبه ذلك من الكلام الذي يقصد به الاصلاح وتقريب القلوب وتأليفه. اذ ان مصلحة الاصلاح تتضائل بجوارها مفسدة الكذب. ولذلك لما كانت المصلحة اعظم من المفسدة اذن الشارع بالكذب في هذه الحال والاحوال التي جاء بها النص ثلاثة الحرب والاصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ولكن في كل هذه الامور ينبغي ان يستحضر انه لا يسقط بها حق من الحقوق ولا يجنى فيها على احد بان يستلب منه ما لا يجوز ولذلك في الحرب وهي حرب لا يجوز الكذب في التأمين بمعنى ان يقول رجل عدو امنتك ثم يغدر بهذا لا يجوز او في آآ في اعطاء العهد او في اخفار العهد فان ذلك كله لا يجوز فيه الكذب لان ذلك يترتب عليه اسقاط الحقوق فينبغي للانسان ان ان يدرك ان الاصل في الكذب التحريم وانه لا يجوز منه الا ما تبينت فيه مصلحته. ثم اذا كان يمكن ان يصل الى المصلحة دون كذب صريح فهذا والواجب وذلك بالتورية والمعاريظ اذا كان لا يمكنه ان يصل الى الاصلاح الا بالكذب الصريح فيجوز الكذب وايضا لو انه حلف على ذلك جاز له لانه جاز له اصل الكذب فيجوز له اليمين عليه. ولهذا قال العلماء لو ان ظالم من سأل عن رجل ليقتله او ليعتدي على عرضه او على ماله انكر المسؤول انه رآه او انه يعرفه لاجل ان يصون دما او يصون مالا او يصون عرضه فانه لا بأس بذلك ولو افضل ذلك الى ان يحلف اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين صن السنتنا واقوالنا من الكذب واجعلنا من حزبك المفلحين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد