وبه يعلم ان الصبر هو حبس النفس عن الجزع الذي يوقعها في المحرم. اما الكلام اليسير الذي ليس فيه جزع ولا سخط ولا تفجع اه وتعظيم المصيبة فان هذا لا حرج فيه ينفس فيها الانسان عن المصاب دون ان يجزع لما يصيبه من اقدار الله تعالى واقضيته. وهذا لا حرج فيه فان الممنوع هو ان يقال ذلك على وجه السخط على اقدار الله او على وجه الجزع مما اصابه من اقضية الله واقداره اما ان يقول ذلك تنفيسا عما اصابه تنفيسا لما اصاب مع الرضا التام بقضاء الله وقدره فهذا لا حرج فيه الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن سار على نهجه الى يوم الدين. اما بعد قال الامام والنووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين وعن انس رضي الله عنه قال لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة رضي الله عنها واكرب ابتاه فقال ليس على ابيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا ابتاه اجاب ربا دعاه يا ابتاه جنة الفردوس مأواه. يا ابتاه الى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها اطابت انفسكم ان تحثوا على رسول الله صلى الله الله عليه وسلم التراب رواه البخاري. الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فهذا الحديث حديث انس ابن مالك رضي الله عنه به قبر فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جرى منها في مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات منه فانه صلى الله عليه وسلم لما ثقل تغشاه الكرب اي تغشته شدة وقيل كان يغشى عليه من شدة ما يصيبه وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم كان المرظ الذي يأتيه في العادة على ظعف ما يأتيه الشخص يعني يوعك كما يوعك رجلان من الناس كما جاء في الصحيح ابن حديث ابن مسعود رضي الله عنه انها ان عبد الله ابن مسعود دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمس يده فمسه عبد الله بيده فوجد منه وعكا شديدا فقال انك لتوعك وعكا شديدا يا رسول الله قال نعم اني اوعك كما يوعك رجلان منكم ان يجمع عليه من الالم ما ينزل برجلين شدة والما آآ معاناة ذاك انه اعظم لاجره صلى الله عليه وسلم وارفع لمنزلته ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فما من مسلم يصيبه اذى من مرض او سواه الا حث الله تعالى من خطاياه كما تحط الشجرة ورقها وهذا يدل على عظيم الاجر الحاصل بالمرض المهم ان النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته كان يغشاه الكرب صلى الله عليه وسلم وقد جاء ذلك مبينا في حديث عائشة حيث كان يضع يده في الماء ويمسح وجهه ويقول لا اله الا الله ان للموت سكرات فلما رأت فاطمة هذا من النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابوها ورسولها قالت واكرب ابتاه على وجه التوجع والتفجع لما يصيبه صلى الله عليه وسلم من شدة الكرب فقال مسليا لها ليس على ابيك كرب بعد اليوم هذا يوم الرحيل الذي يفد فيه الى الكريم جل في علاه ولن يلقى كربا بعد ذلك فلذلك قال لها ليس على ابيك كرب بعد اليوم وهو اذان برحيله صلى الله عليه وسلم ثم لما توفاه الله تعالى قالت يا ابتاه اجاب ربا دعاه يا ابتاه من جنة الفردوس مأواه يا ابتاه الى جبريل ننعاه اي نؤذن ونخبر بموته وهذا الكلام تقوله العرب على وجه التفجع والتوجع من المصاب وليس هذا من الممنوع او من النياحة او من التسخط والجزع بل هي كلمات يسيرة ثم انهم لما دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم قال فاطمة لانس وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم اطابت انفسكم ان تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب كيف طابت انفسكم ان تحثوا على رسول الله التراب لانهم لما دفنوه الدفن لا يكون الا بحثي التراب وحثي التراب يشق على النفوس اذا كان من تحثو عليه التراب عزيزا او حبيبا او شريفا او كبير المقام في نفسك فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم في نفسها قال كيف طابت انفسكم؟ اي كيف قدرتم على ان تحثوا التراب على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فلم يجبها رظي الله عن وانما الجواب واضح وانما سكت لظهوره ووظوحه ولانها لا تنكر ذلك انما تعجبت من قدرتهم على فعل هذا مع عظيم محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم والا فهم ممتثلون امر الله عز وجل انك ميت وانهم ميتون وسنة الله في الموتى منذ ان خلق الخليقة ان يدفنوا اكراما لهم توارى جثثهم احتراما لهم وصيانة ولذلك كانت القبور كالمساكن قبور الاموات كالمساكين للاحياء لها من الحرمة والصيانة ما لمساكن الاحياء فلا توطأ ولا يجلس عليها ولا تمتهن ذاك انه مسكن الموتى المقصود ان هذا الحديث فيه جملة من الفوائد منها عظيم اجر النبي صلى الله عليه وسلم وان من يحبه الله تعالى لا ينافي ذلك ان يصيبه بالشدة والمشقة. فمحبة الله لا تعني السلامة من المؤاخذة او السلامة من البلاء والكربى كما يظن بعض الناس انه اذا سلم من كربات والامراض فذاك دليل المحبة لا قد يصيب الله تعالى ويشدد على احبابه ولذلك من يرد الله به خيرا يصب منه كما جاء في الصحيح من حديث ابي هريرة رضي الله عنه في الحديث صدق يقين النبي صلى الله عليه وسلم بما وعده ربه. ولذلك قال لها ليس على ابيك كرب بعد الموت وهذا من تمام يقينه بان ما وعده الله تعالى كائن وفيه ايضا عناية النبي صلى الله عليه وسلم بابنته حيث انه لما رآها آآ تندب وتقول واكرب ابتاه وهو في هذه الشدة التفت مسليا مهونا المصاب ليس على ابيك كربا بعد اليوم وفيه ان هذه الكلمات اذا قيلت على وجه ابدأ الحزن الذي لا سخط فيه فانه لا يؤاخذ بها الانسان وليست من الندب والنعي المحرم. يا ابتاه اجاب ربا دعاه يا ابتاه من جنة الفردوس مأواه يا ابتاه الى جبريل ينعاه وفيه ايضا ان المرأة تخاطب الرجل الذي لها حاجة في مخاطبته والذي لا تستغرب مخاطبته له بشرط ان يكون ذلك بالمعروف ففاطمة رضي الله عنها بنت النبي من اطهر النساء واشرفهن رضي الله عنها تخاطب انس وهو خادم ابيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمخاطبة المرأة للخادم اذا كانت بصيانة ولحاجه وليس وليست مظنة فتنة فذاك امر حسن وفيها ان بعض الاحيان المصيبة قد تعظم في نفس الانسان حتى يتخيل انه لا يقدر ان يفعل الواجب حيث قالت كيف طابت انفسكم ان تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب. لكن اذا غالب الانسان نفسه وغلب شرع الله عز وجل على عواطفه كان ذلك خيرا له ومحققا لامر الله عز وجل. وفيه السكوت عن الجواب الظاهر فان انس لم يجبها لا اهمالا لسؤالها لكن لان الجواب ظاهر ولانه لم يفهم منها الاعتراض انما ارادت ان تفهم كيف قدروا على ذلك مع عظيم محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم اللهم الهمنا رشدنا وقنا شر انفسنا اعنا على طاعتك واصرف عنا معصيتك وصلى الله وسلم على نبينا محمد حتى نكون الاقرب اليكم بامكانكم دائما مشاهدة العديد من برامجنا على قناتنا على يوتيوب