ان يمنوا عليه بالصلاح من من عليهم ويدخله في جملتهم. وفي هذا عدة بشارات لمريم مع ما تضمن من التنويه بذكر المسيح عليهم السلام تاه يخلق ما يشاء اذا قضى امرا فانما يقول له كن قالت ربي انا يكون لي ولد ولم يمسسني بشر. والولد في العادة لا يكون الا من مس البشر. وهذا استغراب منها لا شك في قدرة الله تعالى. قال كذلك الله يخلق ما يشاء. اذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون. فاخبرها انها اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة. بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين يخبر تعالى ان الملائكة بشرت مريم عليها السلام باعظم بشارة. وهو كلمة الله عبده ورسوله عيسى ابن مريم. سمي كلمة لانه كان بالكلمة من الله. لان حالته خارجة عن الاسباب. وجعله الله من اياته وعجائب مخلوقاته. فارسل الله جبريل عليه السلام الى مريم فنفخ في جيب درعها. فولجت فيها تلك النفخة الذكية من ذلك الملك الذكي. فانشأ الله منها تلك الروح الزكية كان روحانيا نشأ من مادة روحانية. فلهذا سمي روح الله وجيها في الدنيا والاخرة. اي له الوجاهة العظيمة في الدنيا. جعله الله هدأ اولي العزم من المرسلين. اصحاب الشرائع الكبار والاتباع. ونشر الله له من الذكر ما ملأ ما بين المشرق والمغرب. وفي الاخرة وجيها عند الله يشفع اسوة اخوانه من النبيين والمرسلين. ويظهر فضله على اكثر العالمين. فلهذا كان من المقربين الى الله اقرب الخلق الى ربهم بل هو عليه السلام من سادات المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا. وهذا غير التكليم المعتاد. بل المراد يكلم الناس بما فيه صلاحهم وفلاحهم. وهو تكليم المرسلين ففي هذا ارساله ودعوته الخلق الى ربهم. وفي تكليمهم في المهد اية عظيمة من ايات الله. ينتفع بها المؤمنون وتكون حجة على المعاندين انه رسول رب العالمين وانه عبد الله وليكون نعمة وبراءة لوالدته مما رميت به. ومن الصالحين هذا امر خارق للعادة. خلقه من يقول لكل امر اراده. كن فيكون. فمن تيقن ذلك زال عنه الاستغراب والتعجب. ومن حكمة تعالى انه تدرج باخبار العباد من الغريب الى ما هو اغرب منه. فذكر وجود يحيى بن زكريا بين ابوين احدهما كبير والاخر عاقر ثم ذكر اغرب من ذلك واعجب وهو وجود عيسى عليه السلام من ام بلا اب. ليدل عباده انه الفعال لما يريد. وانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ثم اخبر تعالى عن منته العظيمة على عبده ورسوله عيسى عليه السلام. فقال ويعلمه الكتاب يحتمل ان يكون المراد جنس الكتاب فيكون ذكر التوراة والانجيل تخصيصا لهما لشرفهما وفضلهما واحتوائهما على الاحكام والشرائع التي يحكم بها انبياء بني اسرائيل والتعليم ولذلك يدخل فيه تعليم الفاظه ومعانيه. ويحتمل ان يكون المراد بقوله ويعلمه الكتاب اي الكتابة. لان الكتابة من اعظم نعمه بسم الله على عباده. ولهذا امتن تعالى على عباده بتعليمهم بالقلم في اول سورة انزلها فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان فمن علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم. والمراد بالحكمة معرفة اسرار الشرع ووضع الاشياء مواضعها. فيكون ذلك امتناع على عيسى عليه السلام بتعليمه الكتابة والعلم والحكمة. وهذا هو الكمال للانسان في نفسه. ثم ذكر له كمالا اخر وفضلا زائدا على ما اعطاه اه الله من الفضائل. فقال لكم ان كنتم مؤمنين ورسولا الى بني اسرائيل فارسله الله الى هذا الشعب الفاضل الذين هم العالمين في زمانهم يدعوهم الى الله واقام لهم من الايات ما دلهم على انه رسول الله حقا. ونبيه صدقا. ولهذا قال اني قد جئتكم باية من ربكم اني اخلق لكم من الطين طيرا اي اصوره على شكل الطير فانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله اي طيرا له روح تطير باذن الله. وابرئ الاكمة وهو الذي يولد اعمى والامرص باذن الله. واحيي الموتى باذن لله وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم. ان في ذلك لاية لكم ان كنتم مؤمنين. واي اية اعظم من جعل جماد حيوانا وابراء ذوي العاهات التي لا قدرة للاطباء في معالجتها. واحياء الموتى والاخبار بالامور الغيبية. فكل واحدة من هذه الامور اية عظيمة بمفردها. فكيف بها اذا اجتمعت وصدق بعضها بعضها؟ فانها موجبة للايقان وداعية للايمان وجئتكم باية من ربكم فاتقوا الله واطيعوا ومصدقا لما بين يدي من من التوراة اي اتيت بجنس ما جاءت به التوراة وما جاء به موسى عليه السلام. وعلامة الصادق ان يكون خبره من جنس خبر الصادقين. يخبر بالصدق ويأمر بالعدل من غير تخالف ولا تناقض. بخلاف من ادعى دعوة كاذبة خصوصا اعظم الدعاوى وهي دعوى النبوة. فالكاذب فيها لابد ان يظهر لكل احد كذب صاحبها وتناقضه ومخالفته لاخبار الصادقين. وموافقته لاخبار الكاذبين. وهذا موجب السنن الماضية والحكمة الالهية والرحمة الربانية بعباده. اذ لا يشتبه الصادق بالكاذب في دعوى النبوة ابدا. بخلاف بعض الامور الجزئية فانه وقد يشتبه فيها الصادق بالكاذب. واما النبوة فانه يترتب عليها هداية الخلق او ضلالهم وسعادتهم وشقاؤهم. ومعلوم ان الصادق فيها من اكمله للخلق والكاذب فيها من اخس الخلق واكذبهم واظلمهم. فحكمة الله ورحمته بعباده ان يكون بينهما من الفروق. ما يتبين لكل من له عقل ثم اخبر عيسى عليه السلام ان شريعة الانجيل شريعة فيها سهولة ويسرة. فقال ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم. فدل ذلك على ان اكثر احكام التوراة لم ينسخها الانجيل. بل كان متمما لها ومقررا. وجئتكم باية من ربكم تدل على صدق ووجوب اتباعي وهي ما تقدم من الايات. والمقصود من ذلك كله قوله فاتقوا الله بفعل ما امر به وترك ما نهى عنه. واطيعوني فان طاعة طاعة لله ان الله ربي وربكم فاعبدوه. استدل بتوحيد الربوبية الذي يقر به كل احد على توحيد الالهية الذي ينكره المشرك فكما ان الله هو الذي خلقنا ورزقنا وانعم علينا نعما ظاهرة وباطنة. فليكن هو معبودنا الذي نألهه بالحب والخوف والرجاء دعاء والاستعانة وجميع انواع العبادة. وفي هذا رد على النصارى القائلين بان عيسى اله او ابن الله. وهذا اقراره عليه السلام بانه عبد مدبر مخلوق كما قال اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبيا. وقال الله تعالى واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله؟ قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق. ان كنت قلته فقد علمت الى قوله ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم. وقوله هذا اي عبادة الله وتقواه وطاعة رسوله صراط مستقيم. موصل الى الله والى جنته. وما عدا ذلك فهي طرق موصلة الى الجحيم