الحمد لله رب العالمين نحمده جل وعلا على نعمه الكثيرة وخيراته وفضائله المتعددة. نحمده جل وعلا ان ارسل الينا محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق. ونحمده جل وعلا ان انزل علينا كتابه العظيم القرآن الكريم فيه هداية للخلق وفيه قوام لحياتهم وفيه سعادة الدنيا والاخرة وبعد ففي لقاءاتنا في العام الماضي كان من اواخر ما تم تفسيره من كتاب الله سورة الحج واليوم باذن الله عز وجل نبتدأ بسورة الانبياء وهذه السورة سورة عظيمة تحدث الله جل وعلا فيها عن ارادة الانبياء للاخرة دون الدنيا دعوات الانبياء التي دعوا بها رب العزة والجلال وعن انتصار الانبياء بعد دعاء الله جل وعلا. فهذه السورة تتحدث عن الدعوات الصادرة من انبياء التي اعقبها نصر من عند الله جل وعلا لهم وتفريج مما هم فيه فهذا هو موظوع هذه السورة العظيمة وهذه السورة ابتدأ الله جل وعلا بقوله اقترب للناس حسابهم. وكلمة الناس هنا يمكن ان بها الجميع. بحيث يكون المراد حساب يوم القيامة. ويمكن ان يراد بها الافراد اي اقترب لكل واحد من الناس حسابه بورود الموت عليه. فان الانسان كلما امضى لحظة من حياته اقترب من اخرته. وبالتالي اقترب من الحساب واذا نظرنا لهذه الاية نجد فيها براعة في الاستهلال لانها تجر الاذهان جرا الى استماع ايات كتاب الله عز وجل. انظر لما ورد عليك قوله تعالى اقترب بل الناس حسابهم اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة فدل هذا على ان الانسان ينبغي به ان يلتفت لاخرته التي فيها الحساب. ففي هذا اشارة الى ان العقلاء يلتفتون الى اخرتهم التي سينتقلون اليها حاسبونا فيها. وهم اي هؤلاء الناس في مجملهم في غفلة اي انهم ساهون لاهون عن الاستعداد لذلك الحساب. معرضون اي انهم قد تركوا امر الاخرة واقبلوا على امر الدنيا فشغلتهم عن فكان هذا من اسباب خسارتهم في اخرتهم. ثم بين جل وعلا السبب الذي اصبحوا به غافلين معرضين عن الحق. فقال ما من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهم يلعبون. اي ان ما يرد اليهم من انواع ذكر الذي ارسله الله جل وعلا مع انبيائه وانزله في كتبه ما من ذكر من ربهم محدث. اي انه ذكر جديد يتناسب مع احوالهم ويحكم على افعالهم الا استمعوا وهم يلعبون. اي لم يلقوا له بالا ولم يلتفتوا الى ما فيه من انواع التذكير. وقوله من ذكر لان هذا الكتاب العظيم من تمسك به كان له الذكر الفاضل الحسن عند الخلق. ثم قال ما يأتيهم من ذكر من ربهم تذكير بان الله جل وعلا هو المنعم المتفضل على الناس. فهو الذي ربهم بانواعهم النعم الا انهم لم يقابلوا ذلكم الذكر بالاستماع والتفكر وانما اجتمعوه سماع من يلعب وبالتالي لم يتفكروا فيه ولم يتأملوا في معانيه ولذا قال عنهم لاهية قلوبهم. اي ان مقاصدهم ونياتهم لم تكن الى مواطن ما ينفعهم. ولذا كانت قلوبهم لاهية. اي اشتغلت باموري الدنيا ونست الاخرة. ما هي حالهم يجتمعون اجتماعات سرية. ليتآمروا على دعوة الحق فيصفوها بالاوصاف البغيضة من اجل ان ينفروا الناس منها ولذا قال واسروا النجوى اسروا اي انهم لم يظهروه ولم يعلنوه. والنجوى هي الاحاديث السرية التي يتآمرون فيها على الاسلام واهل الاسلام. لماذا كان ذلك منهم انهم اهل ظلم ظلموا انفسهم باعراضهم عن دعوة الحق وعدم الاستجابة لها يقول قائلهم هل هذا الا بشر مثلكم؟ اي انهم اعترضوا على الانبياء بكونهم يماثلون المدعوين في البشرية. فكأنهم قالوا كيف تريدون العلو علينا في الدنيا بدعوى النبوة. فكانت اغراظهم واهدافهم دنيوية. اذ كيف يكون من ماثلهم اعلى درجة منهم. مع انه يماثلهم في الابدان وهذه وهذه الدعوة ليست دعوا جديدة بل قد وجهت الى انبياء الله عليهم السلام قبل محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال اقوامهم بانكم بشر مثلنا. فكيف فكيف تدعون النبوة التي تتفضلون بها علينا في الدنيا؟ ولذا وصفوا دعوة الحق بعدد من الاوصاف يضطربون فيها. فمرة يصفون هذه الدعوة وهذا الذكر بالسحر. لانهم رأوا ان هذا الدين اذا اهتدى اصحابه نافرهم قرابتهم من المشركين. فقالوا فمن تلك البراهين والادلة المواعظ التي تتحرك لها القلوب ومن تلك البراهين ما اشتمل عليه هذا القرآن من الادلة العقلية الدامغة التي لا يسمع بها عاقل الا واستجاب لها آآ انه يفرق بين المرء وزوجه وبين الرجل وولده. ولذا قالوا هو سحر. فنظروا الى الصورة الظاهرة فحكموا بها وهذا من فساد اقيستهم. فانهم في الحال الاول قالوا بانه بشر بدن مثل ابدان البشر فكيف يكون نبيا؟ فالتفتوا الى الشكليات ولم ينظروا الى الحقائق وهي ان النبوة تكون بوحي من عند الله جل وعلا. قال افتأتون السحر وانتم تبصرون اي تطلعون على حقائق هذه الامور. ومن اهل العلم من قال بان هذا الخطاب موجه لاصحاب الاعراض عن دعوة الحق. يقال لهم انتم على طريقتكم هذه باعراضكم كن عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم تكونون بمثابة من يأتي السحر مع انه يعلم حقيقة الامر فان هؤلاء القوم عندهم من البراهين والادلة ما يدلهم على صدق محمد صلى الله الله عليه وسلم في رسالته وانما اعرضوا عنه وعن الاستجابة له حسدا له نفرة وتكبرا اذ كيف يكون مماثلا لنا في بدنه ثم بعد ذلك يدعي انه من انبياء الله عليهم عليهم السلام. فرد الله جل وعلا عليهم بمقالة يقولها نبي الله ويقولها اتباع هذا النبي. ربي يعلم القول في السماء والارض. اي ان احاديثكم ونجواكم واسراركم واجتماعاتكم يعلمها الله جل وعلا فلا يخفى عليه شيء من شبهاتكم التي تلقونها. وهذا تهديد لهؤلاء الاقوام. وفيه معنى اخر الا وهو ان هذه المقالات الفاسدة التي اطلقها اهل الكفر يعلمها الله جل وعلا التالي سيجازيكم عليها. ولذا قال وهو السميع العليم. ان يسمعوا اقوالكم ومقالاتكم ولا يخفى عليه شيء من احوالكم واجتماعاتكم. ثم عرض لنماذج اخرى من نماذجي دعاواهم الكاذبة حول دعوة الحق ودعوة الاسلام. فقال بل اي انهم يعرضون عن اكاذيبهم الاولى ويتقلبون من كذبة الى كذبة ولا يستقرون على مقالة واحدة ذلك لانهم علموا ان المقالة الاولى بادعاء ان ما جاء به هذا النبي سحر انها مقالة كاذبة غير مقبولة ولذا حاولوا ان يموهوا على الناس بفرية اخرى. فقالوا بان ويأتي به هذا النبي اظغاث احلام. اي لا حقيقة لها. وانما هي تخيلات في نفسي دعاة هذا الدين ثم جاءوا بمقالة ثالثة اضربوا بها على المقالات السابقة والغوا ما كانوا يقولونه فقالوا بل افتراه اي كذب محمد هذا الكذب واتى به من عند نفسه ونسبه الى الله جل وعلا. ولكنهم لم يستقروا على هذه المقالة الباطلة. فقالوا مقالة اخرى كما قال بل هو شاعر. اي اظربوا واعرظوا عن مقالتهم السابقة تجاه نبينا صلى الله عليه وسلم. وحينئذ وصفوه بانه شاعر وهم اول من يعلم بان هذه الطريقة ليست طريقة الشعراء. وان هذا الكتاب ليس من الشعر في شيء ولذا ما كان منهم الا ان حاولوا ان يعجزوا هذه ان يعجزوا النبي المطالبة بالايات وحاولوا ان يعرضوا بالناس ويصدوهم عن دعوته بزعم انه يأتي بعلامة واية بينة كما ارسل الاولون. فموسى عليه السلام اية العصا التي انقلبت حية. وجاء باية اليد التي انقلبت بيضاء من غير سوء وصالح اتى باية الناقة الى غير ذلك من الايات التي جاء بها الانبياء السابقون. وما علم هؤلاء ان عدم الاجابة مطلبهم في ايجاد اية من صالحهم. فان الايات قد وردت على اقوام سابقة. لكنهم لم مع وجود هذه الايات العظيمة. فكان ذلك سببا من اسباب سرعة نزول العقاب عليهم. ولذا قال ما امنت قبلهم من قرية اهلكناها. اي اننا قد ارسلنا الايات للقرى السابقة والامم المتقدمة ومع ذلك لم يستجيبوا لهذه الايات فكان هذا سببا من اسباب هلاكهم. ولذا قال افهم يؤمنون؟ يعني ان الامم سابقة جاءتهم الايات العظيمة الباهرة. ومع ذلك لم يؤمنوا فكان ذلك سببا من اسباب هلاكهم فهؤلاء سيسيرون على طريقة من قبلهم في عدم الايمان بهذه بهذا النبي بعد ورود الايات عليه فيكون هذا من اسباب نزول العقوبات عليهم. ثم قال جل وعلا رد على مقالتهم حينما قالوا هل هذا الا بشر مثلكم؟ قال انظروا الى الانبياء السابقين. ستجدونهم بشرا من جنس اقوامهم يأتيهم الرجل يعرفون نسبه ويعرفون صدقه ويعرفون انه منهم ويريد الخير لهم. فهو مشفق عليهم. فكان ينبغي ان تكون هذه الصفة من اسباب قناعته به ومن اسباب تصديقهم له لا من اسباب تكذيبهم واعراضهم عنه. ولذا قال تعالى الا وما ارسلنا قبلك الا رجالا نوحي اليهم. اي ان الانبياء السابقين الذين وردوا على السابقة فدعوهم الى التوحيد وامروهم بالطاعة. كانوا رجالا من جنس اقوامهم. ولم يكونوا من الملائكة ولذا فلا حق لكم في طلبكم ملكا من الملائكة يأتي اليكم يدعوكم الى افراد العبادة لله عز وجل والاستعداد للحساب العظيم في يوم المعاد. فقالت تعالى رادا عليهم. فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. اي ليكن من شأنكم ان تسألوا اهل الكتب المنزلة عن انبياء الله السابقين هل هم بشر ام هم من الملائكة؟ هل هم بشر؟ ام هم من الملائكة وذلك ان المشركين كان بينهم وبين اهل الكتاب صلة. بل كان اهل الكتاب قد تمالؤوا معهم ضد دعوة اسلام وحينئذ من شأن هؤلاء المشركين ان يصدقوا اهل الكتاب في بتعريفهم بصفات الانبياء السابقين التي تماثل صفة نبي هذه الامة محمد ان صلى الله عليه وسلم وهنا في قوله فاسألوا اهل الذكر عموم بحيث يشمل اهل معرفة الكتب السابقة ويشمل ايضا من طهون في كتاب الله عز وجل ويعرفون سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال ذاكرا صفة هؤلاء الانبياء وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين اي ان الانبياء السابقين لم يكونوا متميزين عن اقوامهم في صفات ابدانهم بل هم من اعضاء البدن ما يماثلون به اقوامهم. ولذا لم يكونوا مخالفين في الصفات وكانوا يأكلون الطعام كما يأكله اقوامهم وما كانوا خالدين اي لم يبقوا ابد الاباد في الحياة بل ورد عليهم الموت كما يرد على غيرهم. لكن بماذا تميزوا؟ تميزوا بانزال الوحي الذي هو الذكر كما في قوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم ثم تميزوا بانهم يتصلون بالله جل وعلا يعرضون عليه حوائجهم ويسألونه نصره نصر الله لهم. ومن هنا كان من شأنهم ان يستجيب الله دعواتهم. وان انصرهم على اعدائهم. ولذا قال ثم التي تفيد التعقيب فان انتصار الانبياء على اقوام لا يأتي مباشرة وانما يأتي بعد قيام الانبياء بدعوة اقوامهم الى التوحيد ايمان ثم بعد ذلك يأتيهم تنفيذ وعد الله فان الله قد وعد انبيائه بالنصر تمكين كما قال سبحانه ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان عندنا لهم الغالبون ثم صدقناهم الوعد. اي ان الله جل وعلا اعطاهم ما املهم فيه ووعدهم به من النصر على الاعداء والتمكين فانجيناهم اي جعلناهم يسلمون من العذاب العظيم الذي ورد لاقوامهم ويسلمون من الهلاك الذي ورد لاقوامهم فانجيناهم اي انجينا الانبياء ومن نشاء اي من اردنا هدايته فمن اراد الله هدايته فتبع انبياءه فانه سيكون له النجاة وفي مقابل هؤلاء من اسرف في المعاصي واكثر من الشرك فان الله جل وعلا اهلكهم. ولذا قال لكن المسرفين والناظر في سنن الله في الكون. وكيف يقدر الامور العظيمة التي تحدث بها الوفيات الكثيرة باسباب قليلة صغيرة يعلم قدرة الله جل وعلا. ثم قال سبحانه لقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم. افلا تعقلون؟ هذا الكتاب هو القرآن الكريم ذلكم الكتاب الذي فيه سعادة الدنيا والاخرة. وقد بين الله جل وعلا انه انزله يقتضي انه كان في علو ثم وصل الى الارظ مما يدل على علو الله جل وعلا وهذا الكتاب قد انزل الى هذه الامة فهذا فضيلة لهذه الامة. لقد انزلنا اليكم وفيه لتأكيد الطلب لهذه الامة. والمراد بالامة امة الامة الدعوة قل لا امة الاجابة فقط فان كل من اتى بعد النبي صلى الله عليه وسلم فانه ملزم باتباعه كما قال تعالى قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا ثم قال كتابا فيه ذكركم. نكر الكتاب لتعظيم مكانته. وللتأكيد عليه. وقوله فيه نشكركم اي ان في التمسك به رفعة وعلو منزلة وذكرا باقيا خالدا لمن عمل به وانظر للنبي صلى الله عليه وسلم وللصحابة الاجلاء كيف رفع الله ذكرهم بهذا الكتاب فعلت منازلهم عند الخلق ومن معاني فيه ذكركم اي ان هذا الكتاب يشتمل على المواعظ والتوجيهات التي تذكرون الله سبحانه وتعالى. ففيه ذكركم لربكم جل وعلا وفي هذا الكتاب من الادلة والبراهين ما يدل الانسان على طريق الحق وفي هذا الكتاب ايضا من الاحكام التي تصلح بها احوال البشر. وتكون سببا قامتهم ثم قال تعالى افلا تعقلون؟ اي هلا كنتم من العقلاء الذين يدركون عواقب الامور فيستعدون للاخرة ويتجهزون لحسابهم فان الحساب قادم لا محالة وهذا يدل على براعة استهلال هذه السورة. فان العبد متى ذكر له المحاسبة كان ذلك من اسباب تيقظه واهتمامه وتقديمه لاحسن النتائج ثم ذكرهم جل وعلا بالقرى والحضارات البائدة التي هلكت بعد قاضيها عن دعوات انبياء الله. فقال سبحانه وكم قصمنا من قرية اي كم اهلكنا هلاكا شديدا نستأصل به الامة المعذبة فلا يبقى منها شيء وكم قصمنا وانظر لما تشتمل عليه هذه اللفظة من احرف قوية تشعرك بالمعنى الذي اشتملت عليه هذه في الكلمة وكم قصمنا وقوله هنا كم من اجل التذكير بكثرة الاعداد كم من امة اهلكها الله وقسمها وانزل بها العقوبة بعد ان اعرضوا عن دعوة الله ولم يستجيبوا لانبياء الله عليهم السلام. لماذا قصمهم الله؟ قال كانت ظالمة اي لم تؤدي الحق الواجب عليها. ومن اعظم الحقوق حق الله جل وعلا بافراد بالعبادة وكيف لا نفرده بالعبادة وهو الذي خلقنا واوجدنا من العدم وكيف لا نفرده عبادة وهو الذي يعطينا ويمنحنا في الدنيا من النعم الشيء الكثير وكيف ونحن سنقف بين يديه ونحاسب على اعمالنا. فيؤتى بالظالم فيحاسب على مالها كلها ثم قال جل وعلا وانشأنا بعدها قوما اخرين. اي لما اهلكنا الامم السابقة انشأنا امما اخرى وقوما اخرين لعلهم يستجيبون الى انبياء الله فكان انه قال كما اهلكنا الامم السابقة بسبب اعراضكم بسبب اعراضهم عن انبياء الله فليكن منكم خشية ومخافة ان تنزل بكم العقوبة كما نزلت باولئك فيستبدلوا بكم قوما اخرين. قال فلما احسوا بأسنا اي لما شعروا بالبأس والعذاب والعقاب الشديد الذي انزله الله بهم فقيل بان لهذا من الاحساس قال اذا هم منها يركضون اي انهم بسبب هذا العقاب الشديد الذي نزل بهم تجدهم يضربون باقدامهم الارض ضربا شديدا يدورون على امكنتهم من التأسف والتحسر على ما هم فيه فرد عليهم لا تركضوا. لا يكن شأنكم هذا الركض فانه لا يفيدكم شيئا ولن لن تدفعوا عذاب الله به. وان كنتم صادقين فليكن من شأنكم ان تبقوا نعم الله التي انعم بها عليكم. وارجعوا الى ما اترفتم فيه. اي ان كنتم صادقين في بكم بدعوات انبياء الله فعند نزول عقاب الله ليكن من شأنكم المحافظة على انواع ترى في والنعيم التي تعيشون فيها. وحافظوا على مساكنكم فابقوا فيها ساكنين لعلكم تسألون عن هذا النعيم الذي انتم فيه فرد هؤلاء الاقوام مقالة يردون بها على فرد على هؤلاء الاقوام بمقالة يبين لهم خسارتهم. فقال جل وعلا قالوا ويا ويلنا انا كنا ظالمين. اي ما اشد العقوبة النازلة بنا وما اعظم ما علينا من انواع العذاب بسبب انا كنا ظالمين. اي ظلمنا انفسنا بعدم الاستجابة لدعوة الحق والانخراط في عبودية الله جل وعلا. وحينئذ استمروا في هذه المقالة. فما زالت تلك دعواهم ان يدعون على انفسهم بالويل والثلث قبور بسبب ما فعلوه من الظلم لانفسهم في حياتهم. واستمروا على ذلك حتى جعلهم الله حصيدا خامدين. الحصيد بقية الزرع والخامد النار التي انقضت وانخمدت ولم يبق منها شيء. حتى جعلناهم بعد انزال العقوبة بهم بمثابة الحصيد اي النبات الذي قد حصد ولم يبقى الا اثاره اثابت بقية النار بعد انطفاءها. قال جل وعلا وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين. اي خلقنا لهذه السماوات العظيمة والاراضين ليس على العبث ولا على جهة اللعب وانما خلقها لحكمة الا وهي ان يقوم الخلق عبودية الله سبحانه وتعالى. ولذا قال لهم لو اردنا ان نتخذ لهوا اي لو كان المقصود بخلق السماوات والارض. اللعب واللهو لاتخذناه من لدنا. اي باشياء من قبلنا وليست من المخلوقات ان كنا فاعلين. اي لو قدر اننا نفعل ذلك من اللهو والعبس بل نقذف بل الحقيقة التي نريدها اننا نقذف بالحق اي نلقي الحق القاء شديدا على الباطل فيكون ذلك من اسباب زوال هذا الباطل. ولذا قال فيدمغه فاذا هو زاهق وهكذا هي سنة الله في الكون. يكون للباطل جولة ثم بعد ذلك تكون الصولة والغلبة للحق. فهذه سنة جارية في الكون. ولذا من وصف الامر بغير ذلك فانه ضال هالك. ولذا قال ولكم الويل مما تصفون اي لكم الثبور ولكم العاقبة والعقوبة الشديدة بسبب وصفكم لله عز وجل بما لا يليق به. ووصفكم لانبيائه عليهم السلام بما لا يليق فهذي فهذه ايات عظيمة فيها فوائد كثيرة فمن الفوائد ترغيب الانسان في الاستعداد للاخرة بتذكيره بقرب حسابه فان من مات قامت قيامته وفي هذه الايات اتحذير من الغفلة عن الاخرة والامر بالاستعداد لها بحيث يكون العبد وقد جعل الاخرة بين عينيه لا يعرض عنها وفي هذه الايات فظل الله جل وعلا على العباد بانزال الذكر الذي فيه حياتهم وفي هذه الايات التذكير بان هذا الذكر نازل من عند الله جل وعلا المنعم المتفضل الذي لا زالت نعمه تترى على العباد وفي هذه الايات بيان ان هذا القرآن محدث مما يعني ان الله جل وعلا يتكلم كل ما اراد وشاء فانه سبحانه قد تكلم ويتكلم وسيتكلم وقد ايات كثيرة على اتصاف الله جل وعلا بذلك وقوله الا استمعوه وهم يلعبون فيه وجوب الاستماع لدعوة الحق بانصات وتأمل وتفكر من اجل ان يكون ذلك من اسباب الهداية والاستقامة وفي هذه الايات التحذير من اللهو وخصوصا لهو القلوب لما يترتب عليه من صرف الانسان عن الاستجابة لدعوة الحق وفي هذه الايات ان طريقة اعداء دين الله وضع المؤامرات السرية التي يخططون بها صد الناس عن دعوة الحق. وذلك من ظلمهم. حيث تجاوزوا الحدود الموضوعة لهم. وفي هذه الايات ان الانبياء عليهم السلام من البشر رجال من بني ادم. ولذا قال ولذا انكروا ان يكون الرسل بشرا وفي هذه الايات ان القياس لا يبنى على الشبه الظاهر فقط. بل يبنى على العلل التي تبنى عليها الاحكام فالعلل اوصاف مناسبة لارتباط الحكم بها. وبالتالي تعلل الاحكام بها. واما الصورة الظاهرة والشبه الخارجي فهذا لا ينبغي ان يعول عليه. كما قالوا بان هذا بشر مثلكم وفي هذه الايات ان من اسباب اعراظ الانسان عن دعوة الحق التكبر. فمن تكبر عن دعوة الحق كان ذلك من اسباب ظلاله وفي هذه الايات بيان ان المشركين يضطربون في وصف هذه الرسالة. ولا يقفون على حال واحدة. بل يكذب بعضهم بعضا في بل ان الانسان في زمن يقول بشيء وفي اخر يقول بغيره. ولذا قال افتأتون السحر وانتم تبصرون؟ ثم وصفوا دعوة الحق بانها اظغاث احلام وبانه افتريها وبانه شاعر وفي هذه الايات بيان ان الله جل وعلا يسمع جميع المقالات. سواء كانت سرية او علنية خفية او ظاهرة فهو لا يخفى عليه شيء. وقدم ربي للتذكير بانه هو الرزاق قل منعم المتفضل فمن تمكن من رزق جميع العباد بلا استثناء. فان ذلك سيكون دليلا على قدرته على العلم باقوالهم جميعا. ثم قال بل قالوا اظغاث احلام بل افترى اي انهم لا زالوا يتذبذبون ويظطربون فيما يتعلق افتراءهم وكذبهم على دعوة الحق وفي هذه الايات ان الاستجابة لطلب من يطلب شيئا قد لا يكون في مصلحته. وقد قد يكون يتضرر بذلك. ومن ذلك الايات التي يطلبها المشركون. فانها اذا جاءتهم ثم لم يؤمنوا كان ذلك من اسباب هلاكهم وفي هذه الايات بيان ان الانبياء السابقين قد ارسلت معهم ايات عظيمة لكن اقوام وهم لم يستجيبوا لهم مما يدل على ان ورود الايات ليس من اسباب استجابة الناس دعوة الحق بل هو من اسباب نزول العقوبات بهم وفيها ولا ونلاحظ هنا ان من اعظم الايات الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب القرآن العظيم بما فيه من الدلائل والبراهين ثم قال جل وعلا ما امنت قبلهم اي ان من اسباب الهلاك للامم السابقة انها انهم قد وردتهم الايات فلم يستجيبوا لها ولم يؤمنوا بها. فكان هذا من اسباب هلاكهم وفي هذا دلالة على ان الهلاك لا يكون الا بعد قيام الحجة والتعريف بالدليل كما قال تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وفي هذه الايات سؤال العلماء عما يشكل على الناس من امور دينهم. فمن اشكل عليه من ممن لا يستطيع استخراج الاحكام من الادلة وجب عليه سؤال العلماء وفي هذه الايات دلالة على ان من كان لديه القدرة على استخراج الاحكام من الادلة كتابا وسنة وجب عليه العمل بهما ولم يجز له ان يسأل غيره وفي هذه الايات ان انبياء الله رسل يماثلون بقية البشر في كونهم على ابدان بني ادم. وفي كونهم يأكلون الطعام وفي كونهم يموتون الا انهم يتميزون بان الوحي قد نزل عليهم ويتميزون بان وعد الله لهم سيتحقق لا محالة. ولذا قال ثم صدقناهم الوعد. اي حققنا ما وعدناهم به. واملنا ما هم فيه من نصر على اعدائهم ولو تأخر ذلك ومن نشاء فانجيناهم يعني الانبياء. ومن نشاء من تبع الانبياء من اقوامهم ومن نشاء نشاوي هدايته واهلكنا المسرفين اي في وقت نجاة هؤلاء ينزل الله العقوبة بالمسرفين الذين تجاوزوا الحق الى ما يقابله. ثم قال تعالى مذكرا بهذا الكتاب. لقد انزلنا اليكم اي هذا الكتاب نازل على هذه الامة لقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم وهذا يراد به القرآن الكريم فمن فوائد هذه الايات ان القرآن العظيم فيه ذكر هذه الامة والذكر يراد به ثلاثة معان كلها مقصودة هنا اولها رفعة الشأن وعلو منزلة عند الخلق. وهذا ما حصل لنبي الله ولصحابة رسول الله ولتابعيهم لما كانوا متمسكين بهذا الذكر وقوله كتابا فيه ذكركم من معانيها ايضا ان فيه المواعظ التي تجعلكم تذكرون الله سبحانه وتعالى. وهكذا هذا الكتاب فيه ذكر هذه الامة من جهة تأريخها وتأريخ ما يكون فيها. افلا تعقلون اي بعد هذه اياتي والبراهين الا يكون عندكم ما يجعلكم ويعرفكم بعواقب الامور وما ستؤول اليه. ولذا ذكرهم الله بهلاك كثير من الامم السابقة. ففي هذه الايات ان عددا كثيرا من الامم اهلكهم الله بسبب بسبب ظلمهم لانفسهم وفي هذه الايات ان الله جل وعلا اذا انزل العقوبة التي تستأصل امة من الامم فانه باخرين يأتون الى مساكنهم ويسكنون فيها وفي هذه الايات ان اقوال المشركين لما كما اضطربت في وصف الرسالة فان اقدامهم تضطرب عند لنزول العقوبة الشديدة. وفي هذه الايات ان الكافرين لا ينتفعون بما لديهم من منافع دنيا من مآكل ومشارب وملابس ومساكن وقوله وما اترفتم فيه اي ما حصلتم به اترفا وفي هذه الايات ان المشركين يوم القيامة يندمون على اعراضهم في الدنيا وعدم استجابتهم لهم وفي هذه الايات ان اهل النار يتصايحون يوم القيامة بسبب ما ينتظرهم من العقوبة الشديدة يقولون يا ويلنا انا كنا ظالمين وفي هذه الايات تصوير حال هؤلاء المشركين في يوم المعاد بانهم تصغر ابدانهم ذلا وحقارة واستنقاصا حتى ان من يراهم يحسبهم حصيدا خامدا حصيدا بقية الزرع والخامد من طفأ من النيران ثم بين الله جل وعلا لهم دليلا عظيما. الا وهو ان الله لم يخلق ما خلق على جهة اللعب. ولذا قال وما خلقنا اي لم نخلق السماء والارض وما بينهما. من انواع المخلوقات لاعبين على جهة العبث واللهو واللعب تنزه الله جل وعلا عن ذلك ثم قال لو اردنا اي لو شئنا ان نتخذ لهوا كما ذكرتم بحيث تجعلون بعض اشياء الدنيا لهوا عند الله جل وعلا فهذا غير مقبول. لان الله لو اراد ان يتخذ الله لاتخذه من عنده ولا محتاج اليكم والى اموركم. بل نقذف بالحق جعل الباطل فيدمغه. في هذا دلالة على ان الحق هو المنتصر. وان الباطل هو المهزوم وذلك من سنة الله جل وعلا في الكون بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه اي يزيل الحق الباطل. بالكلية فاذا هو زاهق لم يبقى منه شيء. ولكم الويل اي الثبور والعقوبة الشديدة مما تصفون اي مما ما وصفتم الله جل وعلا به ووصفتم به انبيائه عليهم السلام. بارك الله فيكم ووفقكم الله لكل خير و جعلكم ممن اطاع الله سبحانه وتعالى في هذه الايام المباركة فغفر له ذنبه وارتفعت درجته وعلت منزلته وكان من صالحين الذين يتبعون انبياء الله عليهم السلام. هذا والله اعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين