الحمد لله رب العالمين احمده جل وعلا ونشكره ونثني عليه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه واتباعه. وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين اما بعد فهذا هو اللقاء الثاني من لقاءاتنا في قراءة سورة الحجر. لعل الله عز وجل ديال ان يفيض علينا من خيره وبركته فيفهمنا شيئا مما اشتمل عليه هذه السورة من المعاني والاحكام فليتفضل القارئ بارك الله فيه واسعد بالقراءة اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولقد جعلنا في السماء آآ بروجا وزيناها للناظرين. وحفظناها ومن كل شيطان رجيم. الا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين والارض مددناها والقينا فيها رواسي والقينا فيها رواسي وانبتنا فيها منكم كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش. ومن لستم له برازقين من شيء الا عندنا خزاينه وما الا بقدر معلوم. وارسلنا الرياح لو وقح فانزلنا من السماء ماء فاسقيناكم او فاسقيناكموه وما انتم له بخازنين. وان نحن نحيي ونميت ونحن الوارثون. ولقد علمت ان المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين. وان ان ربك هو يحشرهم. انه حكيم عليم ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ اسنو والجار خلقناه من قبل من ناره السماء واذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا اني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنود فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم اجمعوا الا ابليس ابى ان يكون مع الساجدين قال يا ابليس ما لك الا تكون مع الساجدين. قال لم لاسجد لبشر خلقته من صلصال. خلقته من صلصال ان من حمأ مسنون. قال فاخرج منها فانك رجيم مم وان عليك اللعنة الى يوم الدين. قال رب انظرني الى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم قال ربي بما اغويتني لازينن لهم في الارض. ولاغوين انهم اجمعين. الا عبادك منهم المخلصين مم قال هذا صراط علي مستقيم ان عبادي ليس لهم عليهم الا من اتبعك من الغاوين لها ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم يذكر الله جل وعلا في هذه الايات عددا من العلامات العظيمة الكبرى التي تدل على قدرته سبحانه وتعالى فتجعل النفوس تنقاد لامره وتستجيب لشرعه وتطيع انبيائه. فاول ذلك ما ذكره الله جل وعلا في السماء من البروج العظيمة. والبروج هي المنازل. فقال ولقد جعلنا اي وضعنا في السماء اي في جهة العلو. مروجا اي اعلاما يقال للشيء الظاهر برج ومن هنا يقال تبرج المرأة لانها تظهر زينتها ثم قال وزيناها للناظرين. اي جعلنا السماء بديعة المنظر جميلة المشاهدة لكل من شاهدها وتأمل فيها. وهكذا من نظر الى السماء في ليله او حتى في نهاره وجد من زينة السماء ما تندهش له النفوس. ثم قال وحفظناها من كل شيطان رجيم. اي ان الله عز وجل لم يمكن الشياطين من الوصول اا الى السماء للاستماع لما يقال في السماء. فقال وحفظناه ها من كل شيطان رجيم سميت الشياطين بهذا الاسم لبعدها عن الخير والهدى ويقال شطن بمعنى ابتعد ورجيم بمعنى انه مبعد فهو بعيد عن الخير والهدى مبعد عنه فكيف اجتمع الدافع الداخلي للبعد عن الخير والامر الخارجي ثم قال الا من استرق السمع. يعني ان هناك بعض الشياطين قد يخطفون ويحاولون ان يصلوا الى السماء من اجل ان يسمعوا ما يقال في السماء من اوامر الهية تبلغها الملائكة بعضها لبعضها الاخر. فمن وصل الى هذه الدرجة خرج من الشياطين فان الله عز وجل يهلكه بان يرسل عليه الشهاب المبين والاصل في الشهاب شعلة النار ومبين يعني انها واضحة وآآ ذلك ان الله عز وجل يرسل هذه النيران على من استرق السمع من الشياطين فيشاهدها الناس في السماء فيظنون انها نوع من انواع زينة السماء. ولما ذكر الله جل على الايات الكونية العظيمة الدالة على عظمته جل وعلا ذكر شيئا من ذلك في الارظ. فقال سبحانه والارض مددناها اي هذه الارض التي تحت اقدامكم قد سخرها الله لكم بان جعلها ممدودة تتمكن من السير عليها ومن الانتقال فيها ومع انها كروية الشكل الا انه جل وعلا قد جعلها عظيمة من اجل ان يتمكن الناس من الانتقال فيها. فقال والارض مددناها والقينا في فيها رواسي اي جعلنا فيها جبالا عظيمة ترسو بها هذه الارض من الاختباط في مشيها وسيرها او عدم الانضباط فيها. وعلامة اخرى في هذه الارض الا وهي انبات النبات فيها. فانظر كيف مد الله الارض وانظر كيف جعل فيها الجبال العظيمة التي ترسو بها الارض وانظر كيف جعل فيها من انواع النبات فقال وانبتنا فيها من كل شيء موزونا. اي جعلنا النباتات والاشجار تنمو فيها بقدر مقدر من عند الله عز وجل. وانظر كيف يصطلح الناس على حساب حبوبها وثمارها اوزان معلومة كيلا ووزنا وقد وقد ادخل بعض المفسرين في معنى هذه الاية ما جعل في الارض من عروق المعادن بانواع انواعها كالذهب والفظة وغيرها. ثم قال تعالى وجعلنا لكم فيها معايش اي قدر الله عز وجل للناس معيشتهم في هذه الدنيا. وجعل لهم اشياء تمدهم بالحياة باذن الله جل وعلا. فكان ما في هذه الحياة من انواع النعم التي انعم الله بها على الناس ما يكون سببا لعيشهم وحياتهم قال وجعلنا لكم فيها معايش. ومما يدخل في المعايش انواع المهن والاعمال التي يوديها الناس فتستجلب لهم باذن الله عز وجل ما يحتاجون اليه في دنياهم هكذا جعل الله عز وجل في الكون كائنات لا يرزقها الناس. وانما الله جل وعلا لها ارزاقها. من انواع الحيوانات والاسماك والحشرات مما هو من اعظم الايات عجبا. ثم وان من شيئين لا يوجد شيء من المقادير والارزاق الا عندنا خزائنه فالله جل وعلا يملك الارزاق بقدرته سبحانه وتعالى على العباد لحكم يراها جل وعلا. ولذا قال وما ننزله الا بقدر معلوم ومما يدخل في هذه الاية الامطار التي ينزلها الله جل وعلا وتكون سببا لمعايشهم. فهي تنبت انواع النبات الذي ترعاه البهائم وهو الذي يخزنه في الارض وبالتالي يستطيع الناس اخراجه ليسقوا انفسهم وبهائمهم ويزرعوا به انواع الحبوب والثمار. ثم قال وما ننزله اي ان انزال الله تعالى للامطار والارزاق مقادير معلومة وفي محددة لحكم يراها جل وعلا. ثم فكأنه اولا ذكر السماء وما يتعلق بها. ثم ذكر الارض وما فيها. ثم ذكر شيئا يكون علاقة بين السماء والارض. الا وهو ذلكم النبات الذي يكون بمطر من السماء وينبت على الارظ. وذكر اية اخرى ايظا لها بهذين الامرين الا وهي الرياح. فقال وارسلنا الرياح لواقح. الرياح انواع الهبوب والهواء الذي يرسله الله جل وعلا لحكم يراها. فهي تسوق السحاب اب منها تلقيح السحاب وذلك ان السحاب يحتاج الى شحنات متعددة مختلفة اذا جمعت كانت سببا من اسباب نزول الامطار فيسوقها الله جل وعلا لتكون سببا من اسباب تلقيح السحاب بعضه ببعض فيكون هذا من اسباب نزول الامطار وقد ذكر اهل الهيئة بان نزول الامطار يكون بتكون جزيئات من انواع من انواع الهوى من الاكسجين والهيدروجين يجمعها ما يسوقه الله جل وعلا من الرياح تجتمع على هيئة معينة فيكون هذا من اسباب نزول الامطار ولذا قال فانزلنا من السماء ماء اي جعل المياه الامطار تنزل من العلو فيكون هذا من اسباب شرب الناس وسقياهم وسقيا دوابهم وكذلك من اسباب ملء الابار والمياه الجوفية التي يتمكن الناس من اخراجها من اخراج الماء منها في الابار ونحوها. ومن معاني قوله وارسلنا الرياح لواقع ان الله جل وعلا يرسل الرياح فتلقح النباتات بعضها من بعضها الاخر. فان كثير من انواع النبات فيها ما هو ذكر وانثى من مثل ابن ادم. وبالتالي يلقح فحلها بقية انواع ثمارها. وذلك بارسال هذه الريح. ثم بين جل وعلا اية تتعلق بهذا الانسان الا وهي موت الناس بعد حياتهم. فبعد ان كنت حيا تتحرك وتمضي وتسعى يقلب الله حياتك فتنقلب الى حال الموت فتصبح لا تؤدي اي حركة. ولذا قال وانا لنحن نحيي نميت ومن معانيها ايضا ان الله جل وعلا يحيي الحيوانات والنباتات وما تجري عليه الحياة من انواع المخلوقات. ومما يدل على قدرة رب العزة والجلال وهذه الكائنات بين السماء والارض. ثم قال نحن الوارثون اي ان الله يذكر الناس بانه جل وعلا هو الذي تأول اليه الناس وهذه الاراضين والسماوات فهو الذي تعود اليه ملكية هذه ثم قال تعالى مذكرا الناس ورود الموت عليهم. فقال ولقد علمنا المستقدمين منكم. ولقد علمنا المستغفرين. اي ان الله عز وجل يعلم من ان تتقدموا وفاته فيموت وهو في ريعان شبابه. ويعلم سبحانه من تتأخر وفاته فلا يموت الا بعد الهرم وكبر السن وفي هذا تذكير للانسان بالموت الذي سيرده فيستعد لما بعده. ثم قال وان ربك هو يحشرهم اي يجمعهم اي يجمع الناس جميعا في يوم الحشر من اجل الحساب والجزاء. ثم ذكر انه حكيم عليم. فله الحكم بحيث اذا حكم في امر فلا بد ان يقع حكمه. وله الحكمة الباهرة فلا يقدر شيئا الا لمعنى واضح ظاهر. وهو العليم الذي يعلم جميع ما في هذه ما في هذا الكون فلا يخفى عليه شيء من واردات الكون او صادراته. ثم قال ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون كما ذكر في اول الايات بخلق الكون ذكر بعد ذلك بخلق الانسان و اول الحوادث التي وقعت عند خلق الانسان. من اجل ان يكون ذلك سببا من اسباب هداية الخلق وابتعادهم عن اتباع الشياطين. فانه في اول الايات قال وحفظنا اها يعني السماء من كل شيطان رجيم. ليبين ان الشياطين ضعيفة. وانها مبعدة عن الخير وان من ابعدها عن نفسه لم يكن لها سلطان عليه. مأوى ثم ذكرك ذلك بقصة ابينا ادم مع ابي الشياطين ابليس فقال ولقد خلقنا الانسان يعني ادم عليه السلام من صلصال طالب من حمأ مسنون. الصلصال هو نوع من انواع الفخار متى ضرب باليد كان له صوت فقيل له صلصال من حمأ مسنون الحمأ الطين المحمى الذي قد تغير لونه من طول مكثه. فيذكر هذا الانسان باصله من اجل ان يستشعر ان الله هو الذي خلقه. ومن خلقه يجب عليه ان يكون بامره طائعا له جل وعلا ويذكر بقصة خلق ابينا. ثم قال والجان خلقناه من قبل من نار السموم قيل بان الجان هنا يراد بها ابليس وقيل بان المراد بها جنس الجن. والاول اشهر عند المفسرين ولذا قال خلقناه ايوجدناه ابتداء بعد عدمه من قبل اي قبل وجود ادم فابليس والجن وجدت قبل الانس. ثم قال من نار السموم والسموم الريح او الهواء الحار ثم قال واذ واذ قال ربك اي اذكر تلك الواقعة العظيمة التي وقعت اول خلق ادم عليه السلام فقال واذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا من صلصال من حميم السنون فاذا سويته اي اكملت خلقه ونفخت فيه من روحي اي جعلت الريح تصير اليه بحيث يكون فيه روح يحيا بها. وقوله من روحي الروح هنا نسبت الى الله لان الله هو الذي خلقها وقدرها. وليست صفة من صفات الله جل وعلى فانما يضاف الى الله على نوعين. النوع الاول معاني فهذه المعاني اذا لله كانت صفة من صفاته والنوع الثاني مما يضاف الى الله الاعيان فهذه اذا اظيفت الى الله كانت اضافتها اضافة تشريف وليست صفة من صفات جل وعلا ولذا نقول بيت الله فبيت الله هذا من الاعيان فلا يعني انه صفة من صفاته. ولذا يقال سماوات الله وارض الله و خلق الله اما اذا اظيفت المعاني الى الله فانها تكون صفة من صفاته. فقال فقعوا له ساجدين. اي اذا سوى الله ادم ونفخت فيه الروح فان الملائكة مأمورون بان يقعوا له ساجدين يقع بمعنى يخر من علو وقيام الى حال السجود. وهذا السجود وجود تحية وتقدير وليس سجود عبادة. فهم يطيعون الله جل وعلا ذلك فسجد الملائكة كلهم اجمعون. اي ان الملائكة وهم مخلوقون من نور امتثلوا لامر الله عز وجل بالسجود لادم عليه السلام. فكان هذا من طاعة ايك لربهم ولم يتخلف منهم احد ثم قال جل وعلا الا ابليس ابى ان يكون مع الساجدين. فابليس تخلف عن تنفيذ بهذا الامر وابليس من الجن. ولذا قال في موطن اخر ابليس كان من الجن كما في سورة الكهف. فان قال قائل الامر متوجه الى الملائكة فكيف يعد ابليس عاصيا؟ وهو لم يكن من الملائكة الجواب عن هذا بان يقال بان ابليس كان معهم. وقد توجه الامر اليهم بالسجود قيل اسجدوا فلم يمتثل مع انه قد توجه الامر للمجموع بما فيهم ابليس. وقوله الا ابليس اي رفظ ولم يمتثل الامر فابى ان يكون مع الساجدين. فتوجه الخطاب اليه من الله جل وعلا. على جهة العتاب من من على جهة العتاب من طريق وعلى جهة التقريع واللوم والبحث عن العذر الذي يتعذر به من اجل قطع عذره. فقال الله تعالى يا ابليس ما لك اي ما السبب الذي جعلك لا تمتثل الامر؟ ما لك الا تكون مع الساجدين مع ان الامر قد توجه اليه وشملك هذا الامر. قال ابليس لما لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمى مسنون. اي انه تكبر ورأى ان نفسه اكبر واعظم من ادم ولذا ولذا عصى الله جل وعلا وابى ان يدا مع الملائكة. فقال لم اكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من اما ان مسنون اي من فخار يصوت عند ظربه قد اخذ من طين متغير فقال الله عز وجل على جهة الجزاء له فاخرج منها اي ان الله قدر عليه ان يخرج من الجنة. والا يكون من اهلها. فانه في اول امره كان انا صاحب عبادة فرقي فجعل مع الملائكة في الجنان. فلما عصى الله وما كان له من يعصي اخرجه الله جل وعلا من الجنة قال فاخرج منها فانك رجيم. اي مبعد عن الخير والهدى وعن الجنان وان عليك اللعنة الى يوم الدين. اي ستستمر عليك لعنة الله بابعادك من الى يوم الدين يعني يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة فما كان من ابليس الا ان تمادى في عناده طلب من الله عز وجل ان يبقى مدة ليغوي الناس. ولم يكن طلبه ليتوب او اعود للحق او ليغفر الله منه ما مضى. وما ذاك الا لحكم اراها رب العزة والجلال لينظر من الذي يطيع امره ويمتثل ما جاء عن ربه من من يعصي ربه جل وعلا. فقال ابليس قال ربي لا زال يعترف بان الله هو الذي يربيه ويتولى شؤونه ولذا دعا بهذه الدعوة. قال ربي فانظرني اي اخرني وابقني ولا تقدر علي موتا ووفاة الى يوم يبعثون. اي الى اليوم الذي يبعثون فيه يكون بعثهم وجزاؤهم. وقد اجاب الله دعوة فقال جل وعلا فانك من المنظرين. اي ستبقى وستؤخر وستجد باقيا على الارض الى قيام الساعة الى يوم الوقت المعلوم. فاذا نفخ في الصور وقدر الله الوفاة والموت على من على الارض يموت معهم هذا العدو قال ابليس ربي بما اغويتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم اجمعين. اي انه خاطب ربه جل وعلا على العناد له وعلى جهة معارضة امره وشرعه. فقال رب بما اغويتني اي قيل بان الباء هنا للقسم كانه اقسم بذلك. وقيل بان باء للسببية كانه قال بسبب اغوائك لي لازينن لهم في الارض ولاغوينهم اجمعين وهكذا شأن اهل المعاصي ينسبون شرهم ومعاصيهم الى غيرهم واعظم ذلك ان ينسبوا ما عندهم من الشرك والمعصية لله جل وعلا. كما قال ابليس بما اغويتني ولذا فكل من احتج بالقدر على مخالفة الشر ارعي فقد اتبع ابليس في ذلك. فالاحتجاج بالقدر على ترك الشرع انما ما هي طريقة عدونا الشيطان الرجيم. ثم قال لازينن لهم في الارض. اي ساحسن لهم المعاصي والذنوب والشرك ولاغوينهم اجمعين. ايبعدهم عن الهداية الى ضدها. والغاوي من عرف الحق فتركه. بينما قال لم يعرف الحق ولم ينقد له ولذا قال ولاغوينهم اجمعين. الا عبادك منهم المخلصين. علم ادم انه علم ابليس علم ابليس بان بعض بني ادم سيبقون على الحق هدى ولذا استثناهم فقال الا عبادك منهم المخلصين. فهؤلاء لا استطيع لا يستطيع عدونا الشيطان الرجيم اغوائهم وابعادهم عن الحق. فقال الا اي من قام بعبوديتك منهم المخلصين اي الذين منهم يعود الى الا عبادك منهم يعني من بني ادم المخلصين صفة العباد. وقيل الى الا عبادك منهم المخلصين. قيل بان المخلصين جزء من العباد والاخلاص هو نية العبد ارضاء ربه فعله وتحصيل اجره اذا الاخلاص يكون بنيتين ان يقصد العبد بعمله ان يرضي ربه وان يحصل على اجر اخروي على عمله. فقال الله عز وجل هذا صراط علي مستقيم اي هذا طريق واضح المعالم لا اعوجاج فيه ولا ميل ان عبادي اي من يقوم بعبوديتي ليس لك عليهم سلطان. اي لن تتمكن من غوايهم ولن تتسلط عليهم. الا من اتبعك من الغاوين. فمن سار على فتكبر عن الطاعة فهذا سنجعل لك سلطانا عليهم. لكن سيكون وجه الذل والعبودية لغيره. والسجود في شريعتنا قد ورد نسخه لم يعد السجود للاخرين على جهة التحية جائزا في هذه الملة. ولذا لما سجد من سجد للنبي صلى الله عليه وسلم وعلل ذلك بانه قد وجد مآلهم الى نار جهنم المحرقة العظيمة. وان جهنم لموعد اجمعين اي لموعد ومكان لاولئك الذين يستجيبون لك بترك توحيد الى الشرك. ومن صفة هذه النار انها دركات بعضها فوق بعضها الاخر لها سبعة ابواب. كل باب منها فوق الباب الاخر. يدخل من كل بباب منها جزء مقسوم اي مقدر يقدر الله جل وعلا عليهم ان يكونوا من اهل الضلالة باسباب تعود اليهم. فهذه ايات عظيمة فيها احكام متعددة وفوائده كثيرة فمن فوائد هذه الايات واحكامها جواز الانتفاع بالنجوم فيما يكون قد جعله الشرع لها ومن ذلك ان تجعل زينة الناظرين وفي هذه الايات حث الناس على النظر في بدائع الله في الكون ليكون ذلك من اسباب تعظيمهم لربهم سبحانه وتعالى. وفي هذه الايات دلالة على ان الغيب لله وحده وانه لا يتمكن احد من الناس ان يطلع على المغيبات. قال تعالى قل لا يعلم من في السماوات والارض الغيب الا الله ما يدعيه الكهنة والعرافون ونحوهم من معرفة الوقائع الاتية ادعاءات كاذبة يجب تكذيبهم فيها. وفي هذه الايات فضل الله جل وعلا على العباد بان جعل لهم الارض ممدودة. يتمكنون من السير والاسفار والانتقال فيها. ومن مقتضى مدها ان تكون كروية الشكل. فانها لو لم تكن كن كذلك لكان لها حد ونهاية تنتهي اليه فلا تكون حينئذ ممدودة فكان من مدلول هذه الاية كروية الارض وفي هذه الايات جواز الانتفاع بالجبال والصعود عليها واستخدامها فيما يعود على الناس بالنفع. وفي هذه الايات جواز الزراعة واحترافها وامتهانها نهى وجواز استعمال ما ينبت في الارض من انواع النبات. وفي هذه الايات ان الاصل في نبات البرية في الارض غير المملوكة ان يكون مباحا لكل من اخذ له وحازه. وفي هذه الايات ان الاصل في المهن والاعمال الجواز والحلم ولا يقال بمنع شيء منها الا بناء على دليل من ادلة الشرع. وفيها هذه هي الايات ان الله جل وعلا قد جعل في الكون انواعا من المخلوقات يرزقها جل او على بفضل منه واحسان. وفي هذه الايات طهارة مياه الامطار وحل متاع والانتفاع بها. وفي هذه الايات جواز الشرب من مياه الامطار جواز خزنها في الابار او في الخزانات بانواعها للانتفاع ذلك الماء وفي هذه الايات ان الحياة والموت يرجع امرهما الى الله جل وعلا. فهو الذي يقدر على من شاء موتا او حياة. وفي هذه الايات ان ما على الارض في يوم قبل يوم القيامة يزيلهم الله ليرث الله الارض ومن عليها. وفي هذه الايات ان وقت الوفاة وان وقت الوفاة معلوم عند الله جل وعلا. وانه لا يستطيع احد ان يؤخر وفاته او ان يقدمها فان قال قائل بانه قد ورد في النصوص ان بعض الاعمال تكون سببا من اسباب زيادة العمر كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم من احب ان يبسط له في رزقه وان ينسأ له في اجله فليصل رحمه. فنقول حينئذ بان الله جل وعلا يقدر الاسباب يقدر نتائجها. فلا يصل الى العبد الا من الا ما قدره الله جل وعلا كما ان الله عز وجل يقدر ان فلانا يتزوج فيأتيه اولاد فلا يقال بان الولد خارج عن قدر الله جل وعلا. وهكذا فيما يتعلق بالاسباب المتعلقة بزيادة العمر من مثل التداوي او من مثل اه اختيار الغذاء الحسن او نحو ذلك. وفي هذه الايات من الفوائد ان جميع العباد يحشرون في موطن واحد في يوم المعاد. وفي هذه الايات تذكير انسان بان ابا البشرية ادم عليه السلام قد خلق من الطين من صلصال فخار يصوت وضع من حمأ مسنون اي طين متغير وفي هذه الايات بيان ان ابليس والجن قد خلقت من نار السموم وفي هذه الايات فظل ابن ادم فضل ادم عليه السلام مما يفضل به بنوه بان الله جل وعلا قد خلقه بيده ولذا خصه بقوله اني خالق بشرا وبقوله فاذا سويته. وفي هذه الايات ان ابن ادم انما يكون حيا بعد نفخ الروح فيه. وفي هذه الايات ان ما يضاف الى الله من الاعيان لا صفة من صفاته بل يكون من مخلوقاته وفي هذه هي الايات التفريق بين سجود التحية وسجود العبادة. فسجود العبادة لا يكون الا لله جل وعلا وحده. ولا يجوز ان يصرف لاحد سواه. فصرف سجود العبادة لغير الله نوع من انواع الشرك والنوع الثاني من انواع السجود سجود التحية كما سجد اخوة يوسف له. وكما امر الله الملائكة بان تسجد لادم. فهذا السجود انما هو طاعة لله لا على الروما يسجدون لعظمائهم نهاه عن ذلك وقال له لو كنت امرا احدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها. فدل هذا على ان السجود للاخرين على جهة تحية ممنوع منه في شرعنا. ومثل هذا الركوع الذي يثني الانسان به جذعه ويخفض رقبته ورأسه الى جهة من يقابله وفي هذه الايات اه التحذير من الكبر والكبر بان يرى بان يرى الشخص انه اعلى درجة من غيره بما يجعله يحتقر الاخرين ولا يؤدي واجب الله تجاههم. وفي هذه الايات التحذير من طاعة ابليس والانقياد له فانه يورد العبد المهالك وفي هذه الايات ان من خالف ينبغي الا يعاقب حتى يعرف ما لديه من الاعذار وحتى يقرع على مخالفته. ولذا قال الله تعالى لابليس يا ابليس ما لك الا هنا مع الساجدين. وفي هذه الايات ان الجمع المعرف بال يفيد العموم اذا قال فسجد الملائكة فالملائكة جمع تكسير معرف بال الاستغراقية فافاد لقوله بعدها كلهم اجمعون وفي هذه الايات من الفوائد ان العقوبات التي تكون على مخالفة الامر الالهي قد تكون عقوبات دنيوية. ولذا عاقب الله ابليس لما لم امتثل لامره بان اخرجه من الجنة وفي هذه هي الايات ان الامر الموجه لجماعة المجتمعين يشمل كل من حضر معهم ولو لم يكن منهم وقد استدل بعضهم بالايات على جواز الاستثناء من غير الجنس فلو قلت لفلان علي مئة ريال الا ثوبا. فالثوب ليس من جنس المئة الريال. فهل هذا الاستثناء قال الجماهير لا يصح هذا الاستثناء لانه من غير الجنسي. وبالتالي تجب كاملة. وقال اخرون بتصحيح الاستثناء من غير الجنس. وبالتالي لم يوجبوا في هذا مثال الا مائة يخصم منها قيمة الثوب بعد تقييمه. وقالوا بان الاية فيها استثناء ابليس من الملائكة مع انه ليس منهم ولا من جنسهم واجيب عن هذا بان الامر قد توجه لمن حضر. وكان من الحاضرين فالاستثناء ممن توجه لهم الامر وكان ابليس منهم. وفي هذه الايات التحذير من ان تلحق الانسان اللعنة بسبب مخالفته لشرع الله وبعده عن تنفيذ امره وفي هذه الايات ان استجابة دعاء الانسان لا تعني حصول الخير له. فكم من شخص دعا الله بما فيه مضرة له فاستجيب له فلحقه الضرر بذلك. ولذا لما دعا ابليس بانظاره الى يوم القيامة استجيب له ليزداد اسمه بكثرة من يغويه وفي هذه الايات ان استجابة دعاء انسان لا تعني انه من اولياء الله بحيث يعظم او يقدس بل قد يستجيب الله دعاء اعدائه. لحكم يراها وقد يمتنع عن استجابة عن الاستجابة لدعاء اهل الخير والصلاح يراها سبحانه وتعالى. ولذا لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الله جل وعلى بان يهدي عمه ابا طالب لم يستجب الله له ونزلت الاية انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء. وبالتالي فاذا لم يستجب لك فلا تظن ان ذلك لنقصان درجتك عند الله جل وعلا. بل قد يكون عدم استجابة الله لدعائك لمصلحتك ولما يعود عليك من الخير بسبب ذلك وفي هذه الايات انه لا يجوز للانسان ان يحتج بقدر الله. فبعض الناس اذا قلت له بم عصيت؟ قال هكذا قدر الله علي وقدر الله قد مضى علي بذلك هذا الاحتجاج لا يفيد صاحبه شيئا. ولا ينقذه من الله سبحانه وتعالى ولذا قال العلماء عن هذا الاحتجاج بانه الحجة الابليسية لان اول من احتج بالقدر على الذنوب والمعائب والمعاصي هو ابليس والناظر في حياة الناس يجد انهم لا يقنعون بالاحتجاج بالقدر فلو ضربك واحد على وجهك ضربا شديدا فقال هذا امر قدره الله لم تقبل منه ذلك ولم يكن عذرا لفعله. وهكذا لو اخذ شخص من ما لك بدون علمك وبدون اذنك فانه لا يصح له ان يحتج جعل ذلك بالقدر. ولذا لما سرق سارق في عهد عمر فاوتي به فقال له لم سرقت؟ قال سرقت بقدر الله جل وعلا. فقال عمر ونحن نقطعك بقدر الله تعالى ومن فوائد هذه الايات ان المنكرات والمعاصي تزين للناس وتجمل في اعينهم ليقدموا عليها. وتكون عاقبتهم عاقبة السوء بسبب هذه المعاصي التي اقدموا عليها. فلا يغترن امرؤ بتزيين عدوه شيطان له بعض الاعمال وفي هذه الايات ان العبادات يجر بعضها بعضا. وتكون سببا من اسباب وقاية الانسان من عدوه الشيطان الرجيم. ولذا قال ابليس الا عبادك. فاهل العبادة لا يستطيعوا الشيطان ان يغويهم. خصوصا اذا كانت عبادتهم على جهة الاخلاص وحينئذ على الانسان ان يخلص ان يخلص في عبادته. فينوي بعباداته ان يرأى يرضي الله وان يحصل على اجر الاخرة. ولا يكن من شأنك ان تقصد بعبادتك امرا دنيويا. ولذا كان من يقدم على العبادات على اربعة انواع. النوع الاول من يعبد الله لينيله الاخرة. فهذا مأجور موحد والثاني من يعبد الله لينيله الدنيا. فهذا ليس له الا الدنيا وماله في الاخرة من خلاق. والثالث من يفعل العبادة لغير الله لا على وجه عبادتي له فهذا رياء وسمعة. والنوع الرابع من يفعل العبادة على جهة عبودية غير الله بها فهذا شرك يحبط جميع الاعمال. فالرياء يحبط العمل الذي دخل به فيه والشرك يحبط جميع عمل الانسان. كما قال تعالى لئن اشركت بطن عملك. ونضرب لذلك مثالا يرفع الناس ايديهم بالدعوات فيكون احدهم قد قصد ان يرضي الله وان يحصل على اجر الاخرة بهذه الدعوات تكون مأجورا مثابا والثاني دعا الله من اجل ان ينيله امرا دنيويا. قال اللهم ارزقني المال الوفير وزوجني الزوجة الجميلة الاول دعا بهذه الدعوات لانه يريد ان يرضي الله. والثاني انما دعا هذه الدعوات ليحصل عليها في الدنيا فقط من الله تعالى. فمن ثم لا يكون له اجر ولا ثواب والثالث دعا من اجل ان يشاهده الاخرون. ومن اجل ان تصور له الصورة تعرض صورته وقد رفعت يداه فهذا رياء. والرابع دعا غير الله فكان مشركا بذلك. قال تعالى وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا قال جل وعلا فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اباءكم او اشد ذكرا. فمن الناس من يقول ربنا اتنا في الدنيا وماله في الاخرة من خلاق. ومنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. اولئك لهم نصيب مما كسبوا. والله الحساب. ومن فوائد هذه الايات ايضا ان طريق الحق واضح ولذا قال هذا صراط علي مستقيم ومن فوائد هذه الايات ان العبد بمقدار عبوديته لله تعالى اجزوا الشيطان عنه. وكلما ازدادت عبادتك عجز عنك عدوك الشيطان الرجيم. ولذا قال تعالى ان عبادي ليس لك عليهم سلطان. الا من اتبعك من الغاويين وفي هذه الايات التحذير من نار جهنم وبيان ان سبب دخولها هو طاعة ابليس اعاذكم الله من طاعته وسلمكم الله من شروره. وفي هذه الايات ان نار جهنم ليست على رتبة واحدة. بل لها مراتب متعددة مما يعني تفاوت درجة العذاب لمن يدخل في نار جهنم. وفي هذا دلالة قول اهل السنة والجماعة بان الكفر على مراتب. وانه ليس مرتبة واحدة بل الناس متفاوتون في ذلك. فان بعض المخالفين قالوا الكفر رتبة واحدة. لا يزداد الناس فيه. وهذا مخالف للنصوص الشرعية الكثيرة الواردة في هذا الباب. قال الله تعالى ان الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا وقال جل وعلا في الاية الاخرى انما النسيء زيادة في الكفر الايات بارك الله فيكم واسعدكم في دنياكم واخراكم وجعلكم الله من عباده المخلصين كما نسأل جل وعلا ان يجعل هذه الوجوه في جنان الخلد وان يعيذها من نار جهنم. واسأله جل وعلا ان يصلح احوال الامة وان يردهم الى دينه ردا حميدا وان ينشر بينهم العلم النافع وان يوفقهم للعبادة الخالصة كما نسأله جل وعلا ان يغفر لامواتنا وامواتكم وان يجزيهم خير الجزاء وان يرفع درجات في جنان الخلد كما نسأله جل وعلا ان يصلح ذرارينا وابنائنا وبناتنا اللهم وفق ولاة امر لكل خير واجعلهم هداة مهتدين صالحين مصلحين برحمتك يا ارحم الراحمين. هذا والله وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين