الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين اما بعد فهذا اليوم هو اخر يوم من لقاءاتنا في تفسير سورة طه اسأل الله جل وعلا الا يحرمني واياكم الاجر والثواب وبعد كنا قد اخذنا ما يتعلق بقصة ادم عليه السلام حيث ذكر الله جل وعلا ان ادم لما كان منه ما كان من اكل الشجرة طاعة للشيطان كان ذلك من اسباب زوال ما فيه من النعيم كان ذلك سببا من اسباب ذهاب وعد الله له حينما قال له ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى وانك لا تظمأ فيها ولا تضحى وهكذا كل مخالفة لامر الله جل وعلا فهي سبب من اسباب زوال النعم ومن اسباب ورود الشقاء على الناس ولذلك طبع الله جل وعلا الدنيا على كدر وادم عليه السلام وان كان في اول امره في الجنة الا ان الله قد قدر عليه في الازل ان يهبط منها وان يكون في الارظ كما قال تعالى واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة فقال ذلك قبل ان يخلق ادم عليه السلام ومن هنا فانما قدر على ادم فشيء مكتوب في القدر سنة الله في الكون ان العبد قد يكون بالتوبة بعد المعصية احسن حالا منه قبلها ولذا فان الطاعة قد تورث استكبارا وعجبا في نفس صاحبها فتكون وبالا عليه بخلاف المعصية قد تورث العبد ذلا لله سكينة له فيكون ذلك من اسباب انابته الى الله وخوفه من ربه جل وعلا ومن ثم يكون سببا لرفعة درجته في الدنيا والاخرة ولذا اذا تاب الله على العبد وهداه كان ذلك من اسباب صلاح احواله ولذا فان من اسباب التوبة ولذا فان من اسباب الهداية التوبة الى الله جل وعلا وفي هذه الايات ان من سار على وفق الشريعة فلن يكون عنده ظلال في الفكر ولن يكون عنده شقاء في الحياة بخلاف من اعرض عن ذكر الله سبحانه وتعالى فان الله يقدر له المعيشة الظنكا اما في الدنيا واما في القبر وفي هذه الايات ان الجزاء من جنس العمل وذلك ان ذلك المعرض يحشر يوم القيامة اعمى لانه كان في الدنيا اعمى البصيرة فجوزي بان جعل اعمى البصر في يوم القيامة وهكذا لما نسي الله نسيه الله جل وعلا وفي هذه الايات التحذير من الاسراف في جنب الله عز وجل بيان ان عقوبة الاخرة اشد وابقى. بمعنى انها اعظم وافظع من عقوبات الدنيا ولذا ورد في الحديث ان نار الدنيا بمثابة جزء من سبعين جزءا من نار الاخرة واما كونها ابقى فان الدنيا مؤقتة. وزائلة بخلاف الاخرة فانها دائمة ابد الاباد وفي هذا اليوم باذن الله جل وعلا نأخذ اواخر هذه السورة ابتداء من الاية المئة والثامنة والعشرين من قوله افلم يهدي لهم كما اهلكنا قبلهم من القرون الى اخر السورة في هذه الايات يعرض الله جل وعلا على المنكرين والمكذبين ويعرض ايضا على المؤمنين عرظا بان يستفيدوا من تجارب الامم السابقة وان يكون من اسباب هدايتهم ما يشاهدونه من العقوبات التي نزلت بالامم السابقة فان الانبياء الذين ارسلهم الله الى اممهم فكذبوهم وعارظوهم كان ذلك من اسباب نزول العقاب والعذاب بتلك الامم ولذا قال تعالى افلم يهد لهم اي ليكن من شأنهم ان يهتدوا بالنظر في هلاك الامم السابقة. كم اهلكنا كم للتكثير لان الامم التي هلكت مم كثيرة اهلكنا اي استأصلهم الله بالعقوبة ولم يبق منهم احدا من القرون اي من الامم السابقة التي عاشوا في الازمنة الغابرة يمشون في مساكنهم اي ان هؤلاء المخاطبين من اهل مكة ومن العرب لا زالوا يمشون ويسيرون في مدن اولئك المعذبين. وفي قراهم ويشاهدون اثارهم كيف انزل الله بهم العقوبة فهؤلاء قوم صالح واولئك قوم شعيب واولئك قوم هود لا زالت ديارهم في بلدان بلاد العرب تدل على ما اهلكهم الله به وما انزلهم وما انزله عليهم من العذاب ويمكن ان تكون يمشون في مساكنهم ان الضمير في يمشون يعود الى تلك القرون. اي ان اصحاب القرون الاولى كان عندهم قدرات وامكانات فكانوا يمشون في مساكنهم ومع ذلك اهلكهم الله مع ما لديهم من القدرة العظيمة والمساكين الكثيرة قال تعالى ان في ذلك اي في اهلاك تلك الامم الكثيرة المعاندة المكذبة للرسل لايات اي لدلائل وبراهين وعلامات يستفيد منها اصحاب العقول اولي النهى. فاولي يعني اصحاب وها هي العقول سميت بذلك لان العقل ينهى عن صاحبه عما لا يليق به ثم قال تعالى ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما واجل مسمى اي ان الذي يمنع من نزول العقاب على هؤلاء المكذبين كلمة من عند الله عز وجل بانه يمهل ولا يهمل. وبالتالي يستأني بهم فقد سبق في علم الله انهم لا يموتون في ذلك الزمان. وبالتالي لولا تلك الكلمة من قدر الله انهم يبقون لا كان لزاما اي لكان عذاب الله ملازما لهم يأتيهم فيهلكهم ولكان هناك اجل مسمى اي وقت محدد لنزول العقوبة التي تنزل عليهم حينئذ هذا اخبار من الله بان عقوبة هؤلاء الاقوام المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم لن الى في ذلك الوقت وقد تتأخر. وهكذا تأخرت حتى جاءتهم العقوبات في يوم بدر وجاءتهم العقوبات بعد ذلك في الاحزاب وفي فتح مكة فان قال قائل بان هؤلاء المشركين لا زالوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بالاقوال والافعال يكذبونه ويصدون الناس عن اتباعه فنقول كل ذلك بقدر من الله جل وعلا. وحينئذ على العبد ان يطيع الله في كل امر متعلق بقدره. ومن ذلك ان يشكر على النعماء وان يصبر على الشدة والبلاء. ولذا قال فاصبر على ما يقولون. اي ما يأتيك من اقوالهم التي يقدحون بها فيك ويشتمونك ويؤذونك ويصدون الاخرين عن اتباعك عليك انت تصبر فيها بحيث لا تقوم بمجازاتهم وانما تصبر وتحتسب بالاجر ويكون من شأنك الا تتجزع او تتسخط من اعراضهم وصدهم عنك وعليك حينئذ ان تسبح بحمد ربك قيل المراد بذلك الصلوات المفروضة. لانه قال قبل طلوع الشمس يعني صلاة الفجر وقبل غروبها يعني صلاة المغرب ومن اناء الليل يعني صلاة العشاء قبل اه فسبح واطراف النهار. يعني صلاتي الظهر والعصر وقال اخرون بل التسبيح هنا على وجهه. فيراد بذلك ان تنزه الله جل وعلا من الظنون الفاسدة. ومن ذلك ان تنزه الله عن ان يظن به انه لن ينصر اولياءه ولن قوم معهم ولذا قال وسبح بحمد ربك فان الله لاتصافه بصفات الكمال فانه قد اشتمل على المحامد كلها واوصى بان يكون التسبيح قبل طلوع الشمس اي ما بين صلاة العشاء وطلوع الشمس وقبل غروبها ومن اناء الليل يعني ساعات الليل فسبح يعني نزه الله جل وعلا واطراف النهار لعلك ترظى اما ان يكون المراد بذلك ان الله جل وعلا سيعطيك الخير الكثير. وبالتالي ترضى بما الله عليك او ان المراد ان الله جل وعلا ينزل في قلبك عبادة الرضا فترضى عن الله ربا ومعبودا فيكون ذلك من اسباب طمأنينة قلبك ثم قال تعالى ولا تمدن عينيك اي لا تشاهد بعينيك مشاهدة تمد بها بصرك و تركز فيها نظرك الى ما متعنا به ازواجا منهم. اي لما اعطيناه بعض الناس في الدنيا من المآكل والمشارب او المساكن او الملابس او المراكب او نحو ذلك من امتعة الدنيا فكل ذلك ليس مما يطمع العبد فيه لانه مملوك لغيره امر المؤمنون بان يشكر الله على ما انعم به عليهم. وان لا ينظروا الى من هو فوقهم في امور الدنيا. وان ينظروا الى من من هو تحتهم ولذا قال ولا تمدن عينيك اي بمشاهدتك وبصرك وتأسف قلبك الى ما متعنا به قيل ما اعطيناه بعض الناس في الدنيا ازواجا منهم اي اناسا يصاحب بعضهم بعضا او ازواجا وزوجات فانهم انما اعطوا الشيء اليسير. ولذا قال تعالى زهرة الحياة الدنيا اي ان ما اوتيه هؤلاء بمثابة الزهرة والوردة التي تذبل سريعا ومنظرها اعظم من مخبرها. ولذا قال زهرة الحياة الدنيا فانهم انما اوتوا من اجل ان يختبرهم الله جل وعلا. ولذا قال لنفتنهم فيه اي لننظر هل يقومون بشكر هذه النعم ام يكفرونها ولا يشكرون الله عليها ولئن ظننت ان الانسان قد بلغ منتهى درجات السعادة فانه مع ترك الايمان او مع الاقدام على المعاصي ستجد في حياته ما ينغص عليه هذه الحياة. ولو لم يكن من ذلك الا انه يخشى زوال ما لديه من نعم الله جل وعلا في اي لحظة من حياته ولذا فلا يغتر الانسان بها. واذا طلبها المرء فيطلبها من اجل الاخرة ليكون سببا من اسباب ادائه لاعمال صالحة تنفعه في الاخرة فان اكتسب المؤمن او تاجر فانه بذلك يريد اكتساب ما يعينه على امر دنياه امور اخرته. ولذا قال تعالى ورزق ربك خير وابقى الرزق هنا قيل بان المراد به رزق الاخرة وهو الذي يبقى ابد الاباد وهو خير مما لدى الاخرين ومما في الدنيا وقيل بان المراد هنا الرزق الذي يعطيه الله عز وجل للعبد. فان من كان قانعا به كان سعيدا به رضي نفس به وبالتالي يكون ذلكم الرزق من اسباب الخيرية وبقاء تلك النعمة ولذا فان من اعظم العبادات الرضا عن الله عز وجل. والرضا قد يكون رضا عنه في ربوبيته فلا نتجزع ولا نتسخط من اقدار الله وقضاءه. مما يقضيه في الدنيا ولذا قال تعالى وامر اهلك بالصلاة اي ليكن من شأنك ان تحث اهلك من الاولاد والزوجة والقرابة من اجل ان يؤدوا الصلاة وان يحافظوا عليها في مكان واصطبر عليها. اي ليكن من شأنك ان تصبر وتحتسب الاجر. في الاتيان الى الصلوات وفي امر الاهل والذرية بالصلاة فان العبد قد يلحقه شيء من المشقة بسبب ذلك ثم قال تعالى لا نسألك رزقا اي ان الله جل وعلا لا يريد من عبده ان يدفع له مالا من او ان يؤتيه جزءا من ما له. فالله غني سبحانه وتعالى وهو الرزاق الذي يؤتيه من شاءوا من عباده ولذا على العبد ان يتوجه الى الله كما قال تعالى هنا نحن نرزقك فالرزق بيد الله يؤتيه من يشاء. وقد تكفل الله للعباد بارزاقهم. فقال جل وعلا وما من داء في الارض الا على الله رزقها. ويعلم مستقرها ومستودعها الاية ثم قال تعالى والعاقبة للتقوى اي ان الفلاح والنجاح والرضا والسعادة في اخر الامر سيكون لاهل التقوى. فان الله وعلا سيغدق عليهم من الخيرات الدنيوية والاخروية. قال تعالى ان المتقين في جنات ونهر ان المتقين في جنات وعيون وفي امور الدنيا قال ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. والاية الاخرى ومن يتق لا يجعل له ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا. وحينئذ على الانسان ان يجعل التقوى بين يديه لان العاقبة تكون لاهلها وقالوا يعني ان المشركين اعترضوا على النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته. اذ قالوا بان الانبياء دي مين؟ كان عندهم ايات باهرة ومعجزات فائقة فهذا عيسى كان يحيي الموت ويبرئ لكمها والابرص كان يفعل ما يفعل وموسى قد اتى بايات من القاء العصا لتكون حية. ومن ادخال اليد في الجناح في ليكون ذلك من اسباب بياضها الى غير ذلك من الايات. قالوا فكما اتى انبياء الله السلام بايات وعلامات تدل على صدقه. فليكن ذلك من شأنك فرد الله عليهم بان الله قد اتاه معجزة عظيمة وبرهانا صادقا واية وعلامة فلذا قال جل وعلا فلذا قال الله جل وعلا اولم تأتهم بينة ما في الصحف الاولى. اي ان هذا الكتاب من دليل اعجازه انه قد جاء مصدقا لما في الكتب السابقة ثم قال تعالى ولو ان اهلكناهم اي لو قدر الله عز وجل انه اهلكهم قبل ان يأتيهم الرسول ولو انا هلكناهم بعذاب من قبله اي من قبل ارسال الرسول وانزال الكتاب لاعترض هؤلاء المشركون ول قالوا لولا ارسلت الينا رسولا. اي بعثت نبيا الينا يعلمنا بامرك وشرعك. فحين اذ نتبع اياتك اذا جاءت مع نبي من قبل ان نذل ونخزى فرد الله عليهم حينما قالوا سنتربص بك فانك عما قريب ميت وسيندثر ذكرك بموت ذريتك. فقال تعالى قل كل متربص اي كل منا ومنكم ينتظر. فتربى صويفا انتظروا. فستعلمون من الصراط السوي ومن اهتدى اي من يكون لهم الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه حينئذ تعرفون من اهتدى فهذه ايات عظيمة فيها احكام وفوائد كثيرة منها ان الجزاء من جنس العمل. وان ضيق القبور وظلمتها يخشى على العبد ان يكون من اهلها. ولذا عليه ان يبذل الاسباب في الوقاية منها. وفي هذه الايات الترغيب في جعل الانسان يقوي مهارته في الذاكرة ليقل نسيانه وفي هذه الايات التحذير من عدم الايمان بايات الله جل وعلا. وفيها التذكير بان عذاب اشد عذابا وانه سيبقى مددا طويلة وفي هذه الايات الترغيب في المشي في الارض وتفقد اطرافها واخذ العبر مما فيها على الانسان عند اسفاره هذه ان يرتبط بالله مؤديا للواجبات الشرعية في اوقاتها وفي هذه الايات دلالة على ان اهلاك القرون السابقة علامة واضحة على صدق هذا النبي حيث اقبر عن كثير من احوالهم واقوالهم وفي هذه الايات ان القوم مهما بلغوا من القوة والشدة فانهم لا يستطيعون ان يتجاوزوا ان يتجاوزوا قدر الله جل وعلا وفي هذه الايات ان الله قد جعل علامات تدل على صحة الرسالة وعلى صدق الرسول وعلى ان هذا الكتاب كلام من عند الله عز وجل وفي هذه الايات ان الرزق بيد الله جل وعلا. وان الله ييسره لمن شاء من عباده وفي هذه الايات ان من اعظم الادلة الدالة على صدق هذا النبي وهذا الكتاب القرآن العظيم المشتمل على مصالح الدنيا والاخرة. ولذا لما قالوا لولا يأتينا باية ربه اي هل احضر لنا دليلا وعلامة وحجة من الله جل وعلا على صدق هذا الكتاب فرد الله عليهم بقوله او لم تأتهم اي الم يأتهم برهان بين الا وهو القرآن المشتمل على اخبار الامم السابقة وفيها من الانباء عما في كتب الانبياء الاوائل. الشيء الكثير وفي هذه الايات ان المشركين يعترضون على النبي صلى الله عليه وسلم يريدون شيئا من الخير الذي مع هذا النبي وفي هذه الايات ان الكافرين قد يقول قائلهم يوم القيامة بان هناك بانه كان هناك رسول و وبالتالي لا يصح لكم ان تعترضوا بانه لم يأتيكم رسول يدلكم على شرع الله عز وجل وفي هذه الايات ان من سار على مقتضى الشريعة فانه يبقى رافع الرأس شامخة واما من استولى على اموال الخلق واخذها من غير وجهها فانه حينئذ عليه ان يرد تلك الاموال لاصحابها ومن العلامات تلك الامم السابقة التي اهلكوا عذاب من عند الله عز وجل وبالتالي يمتن الله على اهل مكة انه لم يسارعهم بالعقوبة ولم يبدرهم بانواع الاذان وانما تأنى بهم وفي هذه الايات ان العبد ينبغي به ان يترفع عن مقام الذل والخزي وفي هذه الايات ان ما طلبه المشركون من بقاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى يسألوا اهل الاقطار هذا نوع من انواع التربص حينئذ جاء التوجيه فستعلمون من اصحاب الصراط السوي ومن اهتدى في هذا ان الله جل وعلا يهدي اهل الايمان ويجعله هديا مستمرا معهم وفي هذه الايات ان انتظار المشركين لحدوث ما يمكن ان يحدث من البشارة بنجاة من نجا فهذا طريق من طرق الهداية ولكن هناك طرق اخرى ومن ذلك مواظبة الانسان على اعماله الصالحة ونفقة على اهل الخير في غير ذلك البلد. بارك الله فيكم وفقكم الله لكل خير وجعلنا الله واياكم من الهداة المهتدين. كما نسأله جل وعلا ان يصلح احوال الامة وان يردهم الى دينه ردا حميدا. وان شاء الله نقرأ في درسنا القادم سورة مريم بارك الله فيكم. ووفقكم الله لكل خير. وجعلني الله واياكم من الهداة المهتدين. هذا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله واصحابه واتباعه وسلم تسليما الى يوم الدين