كما يصوِّر عدنان إبراهيم. فيقول المخدوع في نفسه: بماذا تُباهي يا ربُّ؟! قاد التَّطوُّر لغاياتٍ أنبل. حسنًا، المسألة واضحةٌ إذن، أقول له خذها، وعلى أساسه قال إنَّ الجزء الأوَّل من سلسلته السَّلام عليكم كنَّا في الحلقةِ الماضية قد شرحنا لماذا تتعارضُ نظرية التَّطوُّر مع الإسلام، وذكرنا اتجاهاتٍ عديدةٍ لمدَّعي إمكانيَّة التَّوفيق بينها وبين الإسلام. أحدُهم هو الدُّكتور عدنان إبراهيم، الَّذي بدأَ عام (2014) بنشر سلسلةٍ عن نظريَّة التَّطوُر، يروِّجُ فيها النَّظريَّة بكُّلِّ أركانها من أنَّ الكائنات جاءت بالتغيُّراتِ العشوائيَّة، والانتخابِ الأعمى، ودون قصد، فنتج عنه أخطاء في التَّصميم، وأعضاء بلا فائدة. كيف استطاع أن يُقنِع مسلمين بهذا الكلام؟ وكيف يؤدِّيهم هذا شيئًا فشيئًا إلى الكفر أو الشَّك والاضطراب؟ هذا ما سنعرفه اليوم، فتابعونا... بدأ الدُّكتور عدنان إبراهيم سلسلته تحت عنوان أنَّه يريد لمتابعيه أن يَفهموا نظريَةَ التَطوُّر حتى لا يردُّوها بجهل، وحتى لا يتخلَّفوا عن رَكْب العلم الغربيِّ ويكونوا أضحوكةً للآخرين. سيكون استعراضًا للمؤيِّدات والأدلَّة على النَّظريَّة، ثم في الجزء الثَّاني النُّقود والمعارضات. [نحن نريد أنْ ننفيَ الجهالةَ عن أنفسنا -على الأقلِّ- إذا تحدَّثنا في هذا الموضوع، وافَقنا أم خالَفنا]. ويُشْعِرك بأنَّ ما سيتمُّ عرضُه من أدلَّة على هذه النَّظريَّة يمكن التَّوفيق بينه وبين الإسلام؛ فتعالَ استمعْ، ولا تخفْ! [لن نستبق، ونحرِقَ الأحداث، ونقولَ الآن ما رأينا نحن في التَّطوُّر نفسه، ممكن أن تكون النظرية صحيحةً حتَّى دينيًا، وما فيها أيّ مشكلةٍ، ولا تشكِّلَ أيَّ إرهاقٍ لنا -بإذن الله-، لكن هذا في وقته -كما قلت-] تأتي أنت وتفتحُ قلبك وتبدأ تستمعُ متعطشًا للتَّوفيق بين العلم والإيمان، فتَرى الرَّجل يؤكِّدُ لك أنَّ مخلوقات الله جاءتْ بالصُّدف والعشوائيَّة وفيها أخطاء تصميمٍ غبيةٌ، وأنَّ القائلين بهذا كلِّهِ هم علماء عظماء. -كيف؟! أستغفر الله! فيقول لك: اصبرْ! سنوفِّقُ بين هذا والإسلام في السِّلسلة الثَّانية، لكن حتَّى ذلك الحين أطمئنُك بأنَّ لله دورًا ما في ظهور الكائنات. [أسلوبُ الله في الخَلْق هو: التَّطوير؛ إذن هو ليْس تطوُّرًا "Evolution"، إنَّما ماذا؟ تطوير "Evolization". -ممكن أن نسمِّيَه هكذا- وليس ارتقاءً إنما هو ترقية. من الَّذي يطوِّر؟ الله، من الذي يُرقِّي؟ الله] خرافةُ أنَّ الكائنات جاءت بالصُّدف ساقطةٌ تافهةٌ في حسِّ كلِّ عاقل، لكن عندما يُقال: "اللهُ له دورٌ في العمليَّة" فإنَّ ذلك يمَنح الخرافة بعضَ المصداقيَّة، ويُنقِذُها من السُّقوط في نفوس النَّاس؛ فالنَّاظر إليها من بعيد يقول: "هناك معقوليَّةٌ ما في الموضوع"، فَترى من يقول: قد يكون اللهُ خلقَ الخليَّةَ الأولى، وترَكَ التَّطوُّر ينتجُ منها الكائنات، قد يكون الله يوجِّهُ التَّطوُّرَ توجيهًا عامًا. وجودُ كلمة (الله) في هذا كلِّه يَكسِرُ حدَّةَ الاستنكار والاستغباء للخرافة؛ فما دامَت العمليَةُ تتمُّ ضمنَ أقدارِ الله بشكلٍ عامٍّ، فما المشكلة؟ إذن يَرى صاحبُنا أنَّ: [أسلوبُ الله في الخَلْق هو التَّطوير]. تعالَوا نرَ بماذا يصِف هذا الأسلوب: [نظريَّةُ التَّطوُّر حين تقرأها وتتعمَّق فيها وهذه القيُّوميَّةُ من الله، وتقرأ أدبيَّاتِها فيها جاذبيةٌ "attractive"، نظريَّةٌ جاذبةٌ، فيها سحرٌ وجمالٌ حقيقةً، سحرتني مذ كنتُ غلامًا صغيرًا أيها الإخوة، وقرأتُ (أصلَ الأنواع)، سحرني، تعرفون لماذا؟ تتحدَّث عن مداومة، عن استمراريَّة، عن انتقاء، صحّ أنه غبي كما رأيتم، لكنْ نتائجُه ذكيَّة، مع أنه غبيٌّ، هذا الانتقاء! صح أنه غبي كما رأيتم، لكنْ نتائجُه ذكيةٌ، مع أنه غبيّ، هذا الانتقاء!]. والسَّؤالُ: لو قيل لك: أنت تستخدم أسلوبًا غبيًّا في عملِك وصناعتِك، تَقْبلُها لِنفسِكَ؟ إذن، في المحصِّلة، هل كان ظهورُ الكائنات مقصودًا يا دكتور عدنان؟ تعالَوا نرَ... [هل هو تطويرٌ؟ ماذا هو التطويٌر؟ تطوُّر موجَّه. ماذا فعل الخالق بعد ذلك؟ في الحقيقة نحن في هذا الأخير، الذي نؤمن به، -أقولها لكي ترتاحوا- وهذا الَّذي سيفسِّر لنا أشياء يعجز التَّطوُّر عن تفسيرها، وهكذا ننتهي إلى أنَّه حقًّا هذا التَّطويرُ هو أسلوب الله في الخَلْق، هو أراد أن يخلقَ الكائنات بهذه الطَّريقة]. إذن الله أراد أنْ يخلُق الكائنات بهذه الطَّريقة؛ أي أن هناك إرادةً ربَّانيَّةً. في المقابل، تعالَوا نر كلامَه عن أسلوب الله في هذا الخلق -حسْب قوله-، ألا وهو الانتخاب أو الانتقاء الطَّبيعيُّ: [الانتخاب بلا شك أعمى، بلا شك ما هو؟! هو عابث أي "thinkiller"، (بالإنجليزية) المفكر الأعمى "blind thinkiller" "thinkering" ماذا يعني؟ العابث، المرقِّع، وقلت لكم في حلقة سابقة، من أكبر التَّشبيهات، التي يعتمدها التَّطوُّريُّون لتوضيح عمل الانتخاب الطَّبيعيِّ أنَّه عابث. الانتخاب الطَّبيعيُّ ليس مصمِّمًا يا إخواني، ليس مصمِّمًا؛ لا يوجد تصميٌم بالانتخاب الطَّبيعيِّ، ولذلك -حقّا- يكون الانتخاب أعمى، مؤكدٌ أنه أعمى ليس قوى عاقلة ولا ذاتًا، ولا لديه مبدأ وقانون يشتغل عليه ولا خطة ولا برنامج عمل؛ لا، لا، لا يوجد ذلك مطلقًا.] إذا كنَّا والكائناتُ قد جئنا من طريق هذا العابث المرقِّع الأعمى، الَّذي لا يعرف ما يفعل، فلا تستغربْ حينئذٍ أنْ تسمع صاحبَنا يقول: [ولذلك، توجد عيوبٌ في الخليقة، مثلًا ستجد حتَّى في تركيب الإنسان عيوبًا، في تركيب الحيوانات عيوب، ستقولون: أستغفر الله! يوجد، يوجد عيوب، وإلى الآن، ليس ثابتًا إلَّا أنَّها عيوب "imperfections" عيوبٌ، أشياء غير تامَّةٍ، غير صحيحةٍ، في غير موضعِها.] ومع ذلك يقول لك عدنان إبراهيم؛ ليوهمَك أنَّ الخرافة لا تتعارضُ مع الإيمان: [ما المشكلةُ إذا كان الله يريد أن يَخْلُقَ الأنواع، وأن يُنْسِل بعضَها من بعضٍ بطريقة الانتخاب الطَّبيعيِّ؟! لا توجد أيَّة مشكلة!] ما المشكلة؟! اسألوا صاحبَ السُّؤال: إذا قيلَ لك إنَّك تستخدم في عملكَ أسلوبًا غبيًّا أعمى، بلا تصميم، ولا خُطَّة، ولا برنامج عمل، ويؤدِّي إلى عيوب، وأشياء غير تامَّة، وفي غيرِ موضعها، هل ترضاها لنفسِك؟ ﴿وَيْجعَلُونَ لله مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ [النَّحْل 16: 62] اِنْظُر، مَا أَقبَحَ الجملةَ الصَّريحة، الَّتي يؤدِّي إليها الكلام بأنْ يُقال: اللهُ خلَق بعشوائيَّة على العَماية بلا غاية! تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا. المفاجأة -إخواني- هي أنَّ هذه الطَّريقة، الَّتي يسْلُكُها عدنان إبراهيم من ذكر دورٍ ما مجهولٍ لله في ظهور الكائنات؛ لتمرير خرافة العشوائيَّة والصُّدفيَّة، هذه الطَّريقة ما هي إلَّا اسْتنساخٌ لما فعله داروين من قبل. استخدام عباراتٍ متعارضةٍ متضاربةٍ هو أيضًا تَكرارٌ لأسلوب داروين. وصدق رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذ قال: «لَتتَّبعُنَّ سَنَنَ مَنْ كانَ قبْلَكم» (صحيح البخاري). كيف أوهَمَ (داروين) النَّاسَ أنَّ خرافته لا تتعارض مع الإقرار بوجود خالق؟ استقصيتُ المواضع الَّتي ذَكَر فيها (داروين) الخالق في كتابه (أصل الأنواع)، وكان واضحًا وجودُ حالةٍ من التَّناقُض في وصف أفعال هذا الخالق. هل كان هذا مكرًا من (داروين) يمارس فيه الإرباكَ المتعمَّد والمدَّ والجزر؛ ليهيِّئ النَّاس رويدًا رويدًا لِتقبُّلِ خرافته؟ أم أنَّه كان يُعاني -هو شخصيًّا- تخبُّطًا وحَيرةً وصراعًا نفسيًّا؟ لا يعْنينا. إنما يعنينا: إظهارُ أنَّ أسخفَ وأغبى فكرةٍ في التَّاريخ تسرَّبتْ في البداية إلى النُّفوس تحت غطاء: (الخالق له دورٌ ما)، إلى أنْ تقبَّلتها النُّفوس ففسدَ مَنْطِقُها وعقْلُها؛ وسارتْ نحو الكفرِ شيئًا فشيئًا. في قسم الاستنتاجِ من كتابه (أصل الأنواع) -الطَّبعة الأولى- كتب دارون: "أستنتجُ من التَّشابهات أنَّه لَرُبَّما كلُّ الكائنات العضويَّة الَّتي عاشتْ على هذه الأرض قد انحدَرت من شكلٍ بدائيٍّ واحد نُفِخَتْ فيهِ الحياة". نُفِخَتْ فيه الحياة؟! - من نفخها يا داروين؟ - الخالق. - حسنًا، هلّا تصرِّح بهذا الكلام. - حسنًا، سأضيفها لكم في الملحق. يقول النَّاشر: "الإضافاتُ والتَّغييراتُ التَّالية، الَّتي جُهِّزت من قبل المؤلِّف لهذه الطَّبعة، تمَّ استلامُها متأخِّرةً كثيرًا عنْ أنْ يمكنَ وضعُها في أماكنِها المناسبة". إحدى هذه الإضافات: تعديلٌ على الجملة المذكورة مِن "نُفِخَت فيه الحياة" إلى "نَفَخَ فيه الخالقُ الحياة" (by the creator). وحافظ (داروين) على هذه العبارة: "نفخ فيه الخالقُ" في الطَّبعات اللَّاحقة من كتابه. - نشكرك يا سيدنا، -لا، تمام ، انتهى دورُه عند هذا الحدِّ. -كيف؟! أتعني أن الخالق -يا داروين- لمْ يخلُقْ الكائنات عن قَصْدٍ وإرادةٍ؟! -مطلقًا. -حسنًا، لعلَّك تقْصِدُ إِذن أنَّ الخالق وضعَ -على الأقلِّ- خطَّةً عامَّةً لِتكَوُّنِ الكائنات، أي أنه تركَ صُدَفًا تُحْدِثُ التَّغيُّراتِ؛ والانتخابُ الطَّبيعيُّ ينتقي، مع علم الخالق بما سيقودُ إليهِ هذا كلُّه في النِّهايةِ، أَلَيْسَ كذلك؟ حسْب (داروين) مطلقًا، لم تكن هناك أيَّةُ خطَّةٍ لِلخَلْقِ "plan of creation"، ولا حتَّى مقاصدُ عامةٌ أو غاياتٌ نهائيَّةٌ للخلق "general proposition"، - أيعني أنه لم يقصد أحدٌ أنْ تَنتُجَ الكائناتُ على هذا النَّحو؛ صُدف في صُدف؟ يقول لك: نعم. لكن لحظة! ها هو (داروين) يقول في الطَّبعة الأولى من كتابه عام (1859): "علينا أنْ نفترضَ أنَّ هناك قوَّةً تراقب باهتمامٍ -دائمًا- كلَّ تغيُّرٍ صُدَفيٍّ صغيرٍ". مَن هذه القوَّة؟! لا شكَّ أنَّه يقصد الخالق. مرَّ عامان، تشرَّبت فيهما العقولُ سخافةَ تكوُّنِ الكائناتِ بالصُّدَف، إذ إن هذا كلَّه يتمُّ وَفْق مراقبة الخالق بعنايةٍ واهتمامٍ. فإذا داروين يُغيِّر العبارةَ بعدها بعامين في طبعة (1961) إلى: "علينا أنْ نفترضَ أنَّ هناك قوَّةً -بين قوسين- (الانتخاب الطبيعيُّ) تراقب باهتمامٍ -دائمًا- كلَّ تغيُّرٍ صُدَفِيٍّ صغيرٍ". وفي طبعة (1969) صرَّح بوضوح: "علينا أنْ نفترض أنَّ هناك قوةً ممثَّلةً بالانتخاب الطَّبيعيِّ أو البقاءِ للأصلحِ، تراقبُ باهتمامٍ -دائمًا- كلَّ تغيُّرٍ صُدَفيٍّ صغيرٍ". إذن ليس للخالق أيَّةُ علاقةٍ بالخلْق حسْب داروين. - لكن لحظة! (داروين) لم يُنكِر أنَّ الخالقَ خلَق الطَّبيعةَ، فَلعل قصدَه أنَّ الطَّبيعةَ وَكيلةٌ عن الله في خلقٍ حكيمٍ مقصودٍ؟ - مطلقًا! بل ذكرَ (داروين) أنَّ كثيرًا من علماء الطَّبيعة يعدُّون الطَّبيعةَ مظهرًا لخطَّة الخالق، وعدّ أن هذا الظَّنَّ لا يُضيفُ شيئًا إلى معلوماتنا. الَّذين يقولون: الصُّدفة تأتي بتنظيمٍ معقَّد، وإليكم -مثالًا على إصرار (داروين) بأيِّ ثمن على أنَّه لم يُخْلَق أيُّ شيءٍ عن قصدٍ- ألفريد والاس "Alfred Wallace"، كان من أوائل من قالوا بالانتخاب الطَّبيعيِّ، وكان (داروين) يرى أنَّه و(والاس) يعملان معًا على إنتاج النَّظريَّة. كتب (والاس) في مقالٍ له عن خواصٍّ وتراكيبَ في الإنسان، يُستبعدُ أن تكونَ ظهرَتْ بالانتخاب الطَّبيعيِّ، مع تركيزِه على الدِّماغ، وأنَّه يبدو أنَّ هناك قوةً وجهَّت التَّطوُّر باتجاهاتٍ محدَّدةٍ لغاياتٍ معيَّنةٍ. واستخدم عبارة (بالإنجليزية) ذكاء عُلوي "Higher Intelligence" لمَّا صدر هذا المقال غَضِبَ داروين وكتب بعصبيَّةٍ بجانب هذا الرَّأي لوالاس: "No" (بالإنجليزية) لا، بخطٍ كبير مع علاماتِ تعجُّبٍ! وأرسل إلى والاس يقول له: "أخشى أنَّك تقتلُ طفلي وطفلك بشكلٍ كامل!" يعني نظريَّةَ التَّطوُّر. كأنَّه يقول لوالاس: توجيه مَن؟! غايات مَن؟! ذكاء مَن؟! افهمْ يا والاس، هذا ما أريدُ نفيَه تمامًا. كلُّ نظريَّتي هدفُها تحجيمُ دورِ الخالقِ ونفيُ الخالقيَّة، أنتَ بإشارتِك إلى تدخُّلِ الخالق تهدمُ النظريَّةَ من أساسِها وتُلغي ما صنعتُها مِن أجْلِه. حسنًا يا (داروين)، أنت رفضتَ كلام (والاس)، هل عندك تفسيٌر بديل للدِّماغ الذي ركَّزَ عليه والاس؟ لا مطلقًا، بل (داروين) نفسُه أعربَ عنْ أنَّ سؤالَ الدِّماغ وموثوقيَّة العقل يُحيِّرُه، حيث قال: "ينتابُني دائمًا شكٌّ فظيعٌ حول قناعاتِ عقلِ الإنسان -الَّذي بدورِه تطوَّر من عقولِ كائناتٍ أدْنى- إن كانت تتمتَّع بأيَّةِ قيمة أو تستحقُّ أدْنَى ثقة". أي أن: (داروين) نفسُه أدرك أنَّ خرافته تقودُ إلى الطَّعن في مصداقيَّة العقل، وتُدْخِلُنا -من ثَمَّ- في حلقاتٍ مُفْرَغةٍ من الاسْتدلالِ الدائريِّ، إذْ يجب علينا أنْ نصدِّقَ عقلًا ما هو إلَّا عمليَّاتُ دماغٍ جاء بالصُّدفِ؛ فقط لأنَّ عقلَنا هذا أخْبرنا أنْ نُصدِّقه، وهي معْضلةٌ تْجعلُ كلَّ ما كَتبَهُ (داروين) عديمَ القيمةِ تمامًا؛ لأنَّه أوهامُ عقلٍ لا مصداقيَّةَ له. ومع ذلك يُصِرُّ (داروين) على أنَّ الدِّماغ لم يأتِ عن قصد. إذن، في المحصِّلة -يا (داروين)- دورُ الخالق انحصر في الخليَّة الأولى؟ حتَّى هذه عاد (داروين) فشكَّك فيها، حيث نصَّت مراسلاتِه أنَّ الكائنَّ الأوَّلَ قدْ يكونُ نشَأَ تَلقائيًّا في برِْكَةٍ دَافِئة، فأصبح لا نافخَ عنده للحياة، ولا حياة منفوخة ولا شيء؛ مادة في مادة. كأنَّ داروين كان يريد أنْ يرخيَ القبضة الإلهيَّة في تصوُّره عن الكون شيئًا فشيئًا -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا-، فتلاعب داروين بالألفاظ، وسار في خطواتٍ بتدرُّج، وخلال هذا كلِّه يحتفظ (داروين) ببعض العبارات، الَّتي تُشعر المؤمنين بوجود خالق أنَّه في صفِّهم، وأنَّه منهم، وأنَّه يعترف بدورٍ -ما- للخالق. قارن هذا كلَّه بعبارات تلميذه (عدنان إبراهيم)، الَّذي يعدّ التَّغيُّرات العشوائيَّة والانتخابَ الأعمى أسلوبَ الخالق، ثمَّ يصفُ هذا الأسلوبَ بالغباء! ثم يقول لك: "الله أراد أنْ يخلُق الكائنات"، ثمَّ ينفي أيَّ قصْدٍ للخَلق ويؤكِّد أنَّه ما هو إلَّا الترقيع الأعمى. أنَّ (داروين) يعادي الإيمانَ بالخالق وأنه لا عالِمٌ موضوعيّ ولا شيء من هذا القبيل، - لا، لا تُسئ الظَّن، بل هو ما يقولُ هذا كلَّه إلَّا تعظيمًا للخالق، وتنزيهًا للخالق عن النَّقص والعيب، - كيف؟! تعالَوا نرَ التِّلميذَ أولًا، ثمَّ نر الأستاذ... [فالآن الخلقويُّ أو التكوينيُّ لا يستطيع أن يفسِّر لنا لماذا هذه الطُّيور لها أجنحة ولا تطير؟ هل الله -تبارك وتعالى- هل الله -عزَّ وجلَّ- يخلُق شيئًا عبثًا؟ يخلُق شيئًا بلا "function" ، بلا وظيفة، بلا أهميَّة، بلا هدف؟ معاذ الله! إذن عليك أنْ تُقِرَّ بأنَّ الله -تبارك وتعالى- الخالق لمْ يخلُق هذه الطُّيور.] أؤكد أنا رددنا على فكاهة أجنحة بلا فائدة بالتَّفصيل في حلقة (الكوكتيل)، بما يجعل من ردَّدها من قبلُ كالببَّغاء يدسُّ رأسه في التُّراب -إن كان منصفًا-. وردَدْنا على الكثير غيرها مما ادَّعاه عدنان إبراهيم، فانظر ما فعله صاحبُنا! ساق لك أمثلةً على أخطاء في الخلق -حسب زعمه- كأنَّها أشياء مسلَّمٌ بها، ثُمَّ أَشْعرَكَ أنَّه لا سبيلَ لكَ لِتنزيهِ الله عن الخطأ إلا بنفي الخالقيَّة، ونِسبةِ هذه الأخطاء إلى العشوائيَّة والصُّدفيَّة، وكذلك ظهَر أستاذه داروين من قبل بمظهر المنزِّه للخالق المعظِّم له عن مشابهة المخلوقين، فيقول: "من الصَّعب تجنبُ مقارنة العين بالتِّلسكوب (telescope)، نحن نعلمُ أنَّ هذه الأداة -التِّلسكوب- وصلتْ إلى الكمالَ من خلال الجهود الطَّويلة المستمرَّة من أعلى مستويات الذَّكاء البشريِّ، ونحن -بطبيعتنا- نستنتج أنَّ العين تشكَّلتْ بطريقةٍ مشابهةٍ إلى حدٍ ما، لكن ألا يمكن أن يكون هذا الاستنتاج وقحًا؟ "Presumptuous" هل لدينا أيُّ حقٍ لافتراض أنَّ الخالق يعمل بقدراتٍ ذهنيَّة مشابهةٍ للإنسان؟ كيف تفترض هذا في الخالق؟! عار عليك! الخالقُ أعظمُ مِن أنْ يخلُقَ بهذه الطَّريقة؛ إن كان الإنسان يصنع التلسكوب عن قصدٍ وإرادةٍ، فإن الخالقَ يخلق بالعشوائيَّة والانتخاب الأعمى عبر ملايين السِّنين، وخلقُه مليءٌ بالأخطاء، أخطاءٌ في التَّصميم، وأعضاءٌ بلا فائدةٍ، ولم يقصد أن يخلُق شيئًا، ولا علاقةَ له بالخَلْقِ أصلًا! هكذا يجب أن تعتقد؛ حتَّى لا تكون وقحًا "Presumptuous" تجاه الخالق -حسب داروين-. تحت ذريعة تنزيه الله عن الخطأ يتمادى عدنان إبراهيم في الاستهزاء بخلق الله، ويستشهد لك بأقوال حثالات العلم الزَّائف، الَّذين يَعِيبون خلق الله، خب أنت وهي، ما هذا؟! أهذا جهازٌ؟! مدَّعيًا أنَّه بذلك كلِّه لا يَعيب خَلْقَ الله، بل على العكس هو يعيب خلق العشوائيَّة والعماية والصُّدفيَّة، الَّتي هي أسلوب الله في الخلق، وافهمْها كيف شئت! أتذكرون -إخواني- حديثنا عن العين وروعة تصميمها، وكيف أنَّ دكاترةً من أتباع الخرافة أنفسِهم كذَّبوا في أبحاثهم دعوى وجود أخطاءٍ في التَّصميم؛ تصميمِ العين، وسخروا هم أنفسُهم من القولِ بأنَّ الخلايا الحسَّاسة للضَّوء كان ينبغي أن تكونَ للأمامِ لو كانت مصمَّمة. صاحبُنا لا يعنيه هذا كلُّه، بل يعنيه قولُ أصحابه الَّذين يعيبون خلقَ الله: [العينُ البشريَّة، الَّتي يَظُنُّ كثيرٌ من غيرِ المُتَخصِّصين أنَّها آيةٌ في إبداع التَّصميم مُعجِبةٌ، مثيرةٌ، مدهِشةٌ، يظنُّون هذا! لكنَّ العلماءَ المتخصِّصين يرَوْن غيرَ هذا تمامًا]. أي يا مسكين، أنت تظنُّ أنَّ العين رائعةٌ لأنَّك غير متخصص، تعالَ اسمعْ ما يقوله المتخصِّصون! [بعيدًا عن موضوع التَّطوُّر وغير التَّطوُّر، هذا العلمُ نفسُه، وهذا مُدْرَك من القرن التاسع عشر، فالعالِم الألمانيُّ الفيزيائيُّ الكبير "Hermann von Helmholtz"، هذا هلمهولتز معروفٌ بكونه فيزيائيٍّا، لكن -مع الأسف- عوام النَّاس يجهلون أنَّه كان عالمًا في الأحياء، وعالمًا في علم النَّفس، إسهاماته في العلمين أعظم وأهمُّ من إسهاماته في علم الفيزياء؛ أي أن هذا عالمٌ موسوعيٌّ، موسوعيُّ العلم في الفيزياء أكثر منه في علم الأحياء، وفي علم أو أكثر من ذلك -عفوًا- أكثر من ذلك في علم الأحياء و في علم النَّفس]. وهذا أسلوب عدنان إبراهيم دائمًا بلا شك، عندما يريد أن يذكر لك قولًا غبيًا لأحد كهنة العلم الزَّائف، فلا بد أن ينفُخ ويضخِّم فيه حتَّى تستسلم أنت، وتتواضع بين يدي هذا العملاق، حتَّى لو قال لك شيئًا ترى أنت بعينيك أنَّه كلامٌ غبيٌّ. ماذا قال هذا العالم الموسوعيُّ الكبير؟ [له عبارة مشهورة، بدهيٌ أن يتَّكئُ عليها ويُشيدُ بها التَّطوُّريُّون؛ إذ تَفيد قضيَّتهم، في التَّسخيف من فكرة التَّصميم وإبداع العين وعظمة الصَّنعة في العين- يقول هلمهولتز: "لو ذهبتُ إلى عالِم بصريات -بمعنى أوبتيكال- أوبتكال "optical" لو ذهبتُ إلى عالِم بصريات، وأعطاني جهازًا صنعه بمثل كفاءة العين، كالعين، لقرَّعتُه على إهماله وعدم إتقانه الصَّنعة، وردَدْتُ إليه بضاعتَه أنا أصنع عدسة، أصنع آلة تصوير أحسن من هذا." لا شك أن التَّطوُّريِّين الملحدين، لا أقول يبالغون، بل بكلِّ بساطة يتجرَّأون فيقولون: هذا ليس تصميمًا فاسدًا، هذا تصميمٌ في منتهى الغباء -يقولون- إن قلت لي تصميم...؟ هذا غبيٌّ، تصميمٌ غبيٌّ هذا.] إذن فكلامهم هذا ليس مبالغةً، ولا كذبًا -بلا شك- ولا دجلًا، لا، لا، هو فقط جرأةٌ، هم تجرَّأوا على قول الحقِّ حسب عدنان إبراهيم. دوكنز "Richard Dawkins" الَّذي وضَّحنا نماذجَ كثيرة من كذبه وتزويره للعلم في سبيل محاربة الإيمان بوجود الخالق، وإقناع الناس بأن الإله وهمٍ، يقول عنه عدنان إبراهيم: [عالم -سبحان الله- تختلف معه، تتفق معه، الرجل عالمٌ، وعنده نفسيَّة عالمٍ ومشاعر عالمٍ، يقدِّس العلم، مبتهجٌ بالعلم، يفرح بالعلم، شيءٌ عجيب!]. ما دام (دوكينز) عالمًا؛ إذن فصدِّقْه حين يقول عن عصب الزَّرافة الحُنجُريِّ: [لماذا التفَّ هذا العصب هذه اللَّفة الطَّويلة، التي تبدو -فيما يظهر- لفَّةً غبيَّةً حمقاءَ؛ أي لا حاجة لها، لماذا فعل هذا؟] إيَّاك أن تنفعل أو تشكَّ في نيَّة الرجل، ها هو يقول في السِّياق نفسه: [طويلٌ وحقًّا راجع -لا إله إلا الله- وراجع إلى الحُنجُرة] فهي عنده لفَّةٌ غبيَّةٌ حمقاء لكن لا إله إلا الله، سبحان الله. ويقول عن العمود الفقريِّ: [يقول لك روبن وليامز"Robin Williams": "لأنَّ هذا ليس تصميمًا، هذا مسارٌ تطوُّريٌّ، ترقيع غبيَّ إلى الآن؛ ليس جيِّدًا"] وكذلك بينَّا لك أيضًا في حلقة (صحِّ النُّوم) فيما يتعلق بقوله عن العظام الخلفيَّة في الحوت: [مؤكد أن هذه لا تفيد بإجماع علماء الأحياء على الإطلاق]. بينَّا أنَّ علماء الأحياء وضَّحوا -بالتَّفصيل- ضرورةَ هذه العظام للتَّكاثر، قبل أكثر من (130) عامًا، أي أنها لا تفيد الحيتان إلَّا في بقاء جنسها ومنع انقراضها. [لأجل ذلك لا ينفع في العلم أن تُحضر كتابًا من (100) سنة، وتقول لي: أنا أنتقد التطور! العلم لا بدَّ فيه من تحديث مستمرّ، إذا اعتمدت اعتمادًا كليًّا على كتابٍ مؤلفٍ قبل حتَّى (5) سنواتٍ و(4) سنواتٍ، يمكن أن تقع في فضائحَ علميَّة؛ لكي تتكلَّم في العلم لا بدَّ أن تتابعه باستمرار، العلم لا نوم فيه، لا أحد ينام عن العلم ثم يقوم فيتابع فيه، لا ينفع] ومع ذلك... يبحث عدنان إبراهيم عن أيِّ قولٍ لأغبياء العلم الزَّائف، يصفون فيه الخلق بالغباوة، ويذكر أقوالهم على أنَّها علمٌ، مع أنَّ هذه الدَّعاوى تكون مكذَّبةً بأبحاثٍ علميَّةٍ مفصَّلةٍ لأناسٍ من أتباع التَّطوُّر أنفسهم، كما بينَّا مرارًا وتَكرارًا. ولا ينسى مطلقًا أن يفتتح حلقاته هذه بقوله: [بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم. اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علمًا. أحبَّتي في الله، إخواني وأخواتي السَّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته] إذن اطْمئن، كلُّ هذه التَّغبية والاستهزاء بخلق الله هي درسٌ إيمانيٌّ، ويمكن التَّوفيق بينها وبين الإيمان بالله، لكن لا تستبق الأحداث! في السَّلسلة الثَّانية -إن شاء الل،ه تعالى-، تعالى عن ماذا بالضَّبط؟! إن كان الله لا يتعالى عندك عن النَّقص يا عدنان إبراهيم. وضَّحنا سابقًا أنَّ العاقل يستدلُّ بخلق الله على حكمته -سبحانه- حتَّى إن لم يدرك الحكمة من جزئيَّةٍ معيَّنة، فيَكفيه الأدلَّة والشَّواهد الَّتي لا تُحصَى على حكمة الله. عند عدنان إبراهيم: لا! الَّذي يفكِّر بهذه الطَّريقة خلقويٌّ كلامه لا يفسِّر شيئًا؛ الذي يفهم هو التَّطوُّريُّ، الَّذي يبحث عن أيِّ شيءٍ يجهل وظيفته؛ ليعيب به خَلقَ الله: [هنا الخلقويُّ تَعضُل به المسألة صعبٌ أن يقدِّم تفسيرًا، اسكت إذن... سيقول لك: لله الحكمة في كل شيء يا أخي. مؤكد أن عنده نموذجًا تفسيريًّا عامًّا، يقول كلَّ شيء ولا يفسِّر شيئًا نعم! أؤكد أنه لأنك لا تفهم لماذا، التّطوّريّ يفهم السّبب! هي بلا شك قصّة طويلة، إن أحببتم قراءتها بالتّفصيل، فهنالك كتب كثيرة فصَّلت فيها، منها كتاب دوكنز (أعظم استعراض على الأرض)] كتاب (أعظم استعراض) للملحد دوكنز الذي رأينا أنَّه أعظم استغباء يحشد فيه الأكاذيب ليقنع النَّاس أنْ لا خالق، ينصحكم فضيلة عدنان إبراهيم بالرُّجوع إليه، في حين يقول في رجال الدين الَّذين يخطئون حقًّا في دعوى أنَّ النَّظريَّة انقرضت... انظر كيف الحديثُ عنهم في مقابل دوكنز: [لا تسمحوا لأنفسكم أن تسمعوا للكذَّابين، رجالِ الدِّين، الَّذين يهرفون بما لا يعرفون وباسم العلم أحيانًا]. يُشعرك عدنان إبراهيم أنَّ الملحدين لديهم أدلَّةٌ قويَّة يصعُب الرَّدُّ عليها، مثل تجربة لنسكي "Richard Eimer Lenski" مرَّةً أخرى، لا بدَّ من إبهارك بالسَّادة العمالقة؛ حتَّى تبلعَ ما يقولون. [تجربة لنسكي هذه عجيبة! أكثر من (70)، (80) صفحة، لغةً علميَّة فنِّيَّةً معقَّدةً جدًا، (بالإنجليزية) جداول ورسومٌ بيانيةٌ وأرقامٌ ومعادلاتٌ رياضيَّةٌ شغلٌ شغلٌ متقن جدًا]. حسنًا، ما قصَّة هذه الدِّراسة؟ [ربَّما، هذا شيءٌ آخرٌ لا يزال محتملًا، لا نعرف! ربَّما تأتي طفراتٌ تمكِّن البكتيريا من استغلال غير الجلوكوز أيضًا، أي أنه لو -مثلًا- وقعت طفرة، أو أكثر من طفرة مركَّبة، وهذا شيء معقد جدًا هذا بالذَّات الَّذي ينكره التَّكوينيُّون]. مؤكد أن (التَّكوينيُّون) هم المؤمنون بالخالق، الَّذين يقولون إنَّ الكائنات الحيَّة معقَّدةٌ، تراكيبها متكاملةٌ متقنةٌ، ولا يمكن أن تأتي بالصُّدفة. [هذا بالذَّات الَّذي ينكره التَّكوينيُّون؛ يقولون لك: هذا الكلام لا يحصل بالطَّفرة، لا يحصل بالصُّدفة يستحيل، لا بدَّ من مصمِّم يقوم عليه؛ الله -تبارك وتعالى-؛ لأنَّ نسبة حدوثه -فيحسبونها مع ذلك- تبلغ (واحد على عشرة أس 150 أو 160 أو 300 ) وهذا يستحيل بل يساوي العدم]. أوكد أننا -للتَّوضيح- نرى أنَّ نسبة حصوله صفر بالمائة لا أكثر، وقد وضَّحنا هذا سابقًا. [حسنًا، فإن حصل هذا في الطَّبيعة، إن حصل في الواقع ماذا تفعلون؟ ومع الأسف هذا ما يثبته التَّطوُّريُّون، هذا يحصل]. إذن -مع الأسف- هذا ما يثبته التَّطوُّريُّون أنَّه يحصل، مع الأسف لأنَّنا في ورطة، نحن التَّكوينيِّين، الذين كنا نظنُّ أنَّه لا بدَّ من خالق لحدوث هذا، والآن التَّطوُّريُّون يُثبتون -بالعلم- أنَّ الصُّدف كافيةٌ في حصول هذا، ولا حاجة إلى الخالق. [بالتجربة هذه سوف يحصل، يحصل! تخيَّلْ! بحيث تتراكم طفرتان أو ثلاث طفراتٍ، كلُّ واحدةٍ وحدَها لا تنفع شيئًا، لكن إنْ جاءت طفرة، تبعتها بعدُ -بمحض الصُّدفة- (randomly) عشوائيًا طفرة أخرى، رَكِبَتْ عليها، ثمَّ جاءت طفرة ثالثة، والنَّتيجة في النهاية: يتطوَّر هذا الكائن بطريقةٍ مثيرةٍ جدًا، بحيث يمتاز الآن بأفضليَّة جديدة، تجعله أكفأ من ناحية ما. هل هذا يحصل؟! مع الأسف هذا يحصل. في هذه التَّجربة سوف ترون كيف حصل هذا، لذلك هذه التَّجربة من أقوى الأدلَّة بيد الملحدين، وأعني بيد التَّطوُّريِّين الملحدين بالذَّات، وتأتي بأشياءٍ لا يتخيَّل المؤمنون أو المؤلِّهة أو الخلقويُّون أنَّها تحصل، تحصل، تحصل، ورأيناها ونحن وثَّقناها، نعم إنَّها تحصل]. إذن -يا جماعة- الملحدون لديهم أدلَّةٌ قويَّةٌ جدًا على أنَّ الصُّدفة تخلُق ولا حاجةَ إلى خالقٍ: [سوف نرى أشياءً خطيرةً، أشياءً خطيرةً جدًا، سوف نرى هل هناك إمكانيَّة للرَّدِّ على هذا الشَّيء! كيف الرَّدُّ يعني؟ أنت لا تستطيع أن تردَّ التَّجربة؛ التَّجربة هذه محكَّمة علميًّا دون شك]. إذن فنحن الآن في ورطةٍ خطيرةٍ جدًا تهدِّد إيماننا؛ الملحدون معهم دليلٌ لا غبارَ عليه، هم أهلُ العلم، وسوف نرى إن كان يمكنُنا -معاشر المؤمنين بإله- أن نردَّ عليهم بشيءٍ يحفظُ ماءَ وجهِ إيماننا. [تأويل التَّجربة! قدْ تكون التَّجربة صحيحةً 100% لكن قد يكون الخطأ في ماذا؟ في تأويل ما حدث، في تفسير ما حدث. يبقى هنا هوامش علينا الاجتهاد، هوامش... سوف نرى هذا لكن كما أقول دائمًا في السِّلسلة الثَّانية، في السِّلسلة الثَّانية] إذن الملحدون عندهم أدلَّةٌ ليست قوية وحسب بل وساحقة. [وبدهيٌ -كما قلت لكم- أن يفتخر دوكنز به جدًّا ويعتبرًه دليلًا ساحقًا ماحقًا لكنَّه دليل قابل للكلام والنِّقاش كما سنرى في السِّلسلة الثَّانية -بإذن الله تبارك وتعالى-]. بدهيٌّ أن السِّلسلة الثَّانية -إخواني- لم تأتِ حتى الآن. نشر عدنان إبراهيم تشكيكاتِه وخرافاتِ العلم الزَّائف عبر أكثر من (30) حلقةً، بدءًا من عام (2014) على أساسِ أنَّنا سنفهمُ حجَّة َالقوم، ثمَّ نردُّ عليها، ونحاول التَّوفيق بين الإسلام والتَّطوُّر، ومرَّت (5) سنين ولم يأتِ موعد الرَّدِّ بعد. تجربة لنسكي هذه التي يتكلَّم عنها عدنان إبراهيم تناولناها -بالتَّفصيل- في حلقةٍ مستقلَّة، حيث بيَّنَّا ما حصل في البكتيريا من ورقة لنسكي نفسِه في مجلة نيتشر"Nature"، وأثبتنا لكم -إخواني- من بحثهم أنَّ ما حصل لا مكانَ فيه للصُّدفةِ مطلقًا، بل عمليَّةٌ منظَّمةٌ، محكمةٌ، بديعةٌ، وأنَّ لنسكي وفريقَه تعمَّدوا التَّلاعب بالألفاظ واستخدامَ عبارة "exaptation" لنفي القصديَّة عن العمليَّة، فعرضوا النَّتائج بطريقةٍ علميَّة، لكن حرَّفوا التَّفسير، وبسَّطنا لكم نتيجة التَّجربة في رسوماتٍ تجعل غيرَ المختصِّ يفهم ما حصل، مع الافتقارِ من المخلوقات وبيَّنا لكلِّ عاقلٍ أنَّ هذه التَّجربة دليلٌ عظيمٌ على صُنع الله الَّذي أتقن كلَّ شيءٍ، وعلى الإحكام في كلِّ زاويةٍ من زوايا الكون من أصغر كائنٍ إلى أكبر كائنٍ، وأنَّ هذه التَّجربة هي ككلِّ شيءٍ في الكون، ورطةٌ محرجةٌ للملحدين لا لنا -معاشر المؤمنين بالخالق- المؤلم -إخواني- أنِّي -قبل البدء بسلسلة الحلقات عن الخرافة- كنت أتحدَّث مع طبيبٍ يخبرني أنَّه معجبٌ بعدنان إبراهيم وأطروحاته، أردتُ أن أبيِّن له نموذجًا من التَّزوير بالحديث عن هذه التَّجربة، وشرحِ بحث لنسكي في مجلة "Nature". قلت له: أتعرف البروموتر "Promoter"؟ سكت الطبيب. قلت له: البروموتر! أتعرفه؟ قال لي: لا بصراحة. أؤكد إخواني: البروموتر ووظيفته يُذكران في أساسيَّات علوم الأحياء والكيمياء الحيويَّة في السَّنوات الأولى في الجامعات لطلَّاب الطِّبِّ والصَّيدلة والأحياء وغيرهم، من أبجديَّات العلوم. صاحبنا هذا طبيبٌ في أرقى مستشفًى لدينا هنا، ومع ذلك يجهل البروموتر! وجاز عليه كلام عدنان إبراهيم، ثم يقول النَّاسُ: الأطباء في المستشفيات الرَّاقية يؤمنون بالتَّطوُّر! كم هو مؤلمٌ أنْ ترى أناسًا جهلةً -تمامًا- بهذه العلوم، يُعلِّقون بعد كلِّ حلقةٍ من حلقاتنا محتجِّين على خوض أمثالي من الشِّيوخ الخلقويِّين -كما لقِّنوا- في هذه العلوم. مع أنَّ هؤلاء المعلِّقين لا يعلمون شيئًا ولا يفهمون شيئًا في هذه المواضيع، لكنّ عقولهم حُشيَتْ بخرافات العلم الزَّائف وأصبح لديهم حصانةٌ ضدَّ الفهم وضدَّ التَّعلم؛ لأنَّهم جهلة، ولا يعلمون أنَّهم جهلةٌ. إذن بثَّ عدنان إبراهيم شبهاته عبر أكثر من ثلاثين حلقة، وهو يبرِّر لك هذا بقوله: [وأرجو أيضًا بين مزدوجين، أن يفهم الإخوة والأخوات الأعزَّاء أنَّني إلى الآن كما قلتُ لكم أتقمَّص دور من؟ دور مؤيِّد التَّطوُّر، المؤمن بالتَّطوُّر، أنا أريد أن أتقمَّص هذا الدَّور تمامًا، كأنَّني تطوُّريٌّ صميم، وأنْ أعلن وأعرض أيضًا بكلِّ النَّزاهةٍ وبكلِّ الحيادية العلميَّةِ أدلَّةَ وبراهينَ ودلائلَ التَّطوُّريِّين. فلذلك لا يستعجلْنا بعض النَّاس، ويبدأ يتكلَّم: إذا كنت تطوُّريًّا فكيف تقول في كتاب الله كذا؟ ماذا تقول في آدم؟ وهذا الكلامَ الفارغَ؛ هذا أسلوبٌ غير علميّ]. تقمَّص دور التطوُّريِّين على حدِّ تعبيره، وبثَّ كلَّ أكاذيبهم على أنَّها علمٌ، وسخَّف مَن يعارضهم، وألقى بذور الشَّكِّ في قلوب متابعيه، ثمَّ تركهم. هي مقتضى العقلِ كذلك، حسنًا، يأتي شهر رمضان على الشَّاب، الَّذي اقتنع بما يقوله عدنان إبراهيم، ولأوَّل مرَّةٍ بعد قناعته يَشْرعُ المخدوع في ختمةٍ جديدةٍ للقرآن جاء إلى قول الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل 16: 17] وقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية 88: 17] إنَّها العشوائيَّة والانتخاب الأعمى عبر مليارات السنين؛ فما مظهر العظمة في هذا الخلق؟! العشوائيَّة تخلُق؟! [هل هذا يحصل؟! مع الأسف، هذا يحصل]. [تحصل ورأيناها، ونحن وثقناها أنها تحصل]. جاء المخدوع إلى قوله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [القرآن 22: 73] فقال في نفسه: صحيح، لكن أعطِ الموضوع ملايين السِّنين، وسيتكون الذبابُ بالطَّفرات العشوائيَّة دون حاجةٍ إلى خالق. [هل هذا يحصل؟! مع الأسف هذا يحصل.] [قالوا: مثلما تحدث في ملايين السِّنين تغيُّرات صغيرةٌ جدًا، تتراكم حتى تصبح بعد ملايين السِّنين تغيُّراتٍ درامية واسعة كبيرة]. جاء المخدوع إلى قول الله -تعالى-: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [القرآن 51: 20-21] فقال في نفسه: آياتٌ على ماذا؟ كلُّ ما في الأرض نتيجةُ تراكم الصُّدف، أمَّا نفسي ففيها سوءُ تصميم وأعضاء بلا فائدة! [أستغفر الله موجودة! توجد عيوبٌ، وإلى الآن ليس ثابتًا إلَّا أنَّها عيوبٌ "Imperfections" عيوب، أشياء غير تامة، غير صحيحة، في غير موضعها]. الله -تعالى- في آياته المسطورة -القرآن- يشير إلى آياته المنظورة -الكون والحياة- للدلالة على عظمته وقدرته، لكنَّ صاحبنا اقتنع بأنَّ الآيات المنظورة فيها عيوب [ليس ثابتًا إلَّا أنَّها عيوب "Imperfections" أشياءٌ غير تامة، غير صحيحة، في غير موضعها]. وأنَّ هذا علمٌ، والقائلين به علماءٌ، الواحد فيهم [هذا عالم كبير، دراساته جميلة جدًا، قوية، وفيها أصالة، لدينا بلا شك عالم كبير مشهور جدًا]. فبدل ما تكون الآيات الَّتي تتحدَّث عن إتقان الخلق داعيةً إلى الإيمان، أصبحت عند المخدوع آياتٌ فيها شكٌّ من ناحيةٍ علميَّةٍ؛ لأنَّها تقول عن الخلق متقن، وهو غير متقن. كما بيَّنَّا في حلقة: (العظمة في كل مكان). ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾ [القرآن 14: 28 ] بهذه النفسيَّة أصبح المخدوع يقرأُ آياتٍ كثيرةً، مثل: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القرآن 54: 49] ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [القرآن 13: 8] ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [القرآن 32: 7] ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [القرآن 25: 2] ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [القرآن 27: 88] ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُون﴾ [القرآن 15: 19] ﴿فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقينَ﴾ [القرآن 23: 14] فأصبح المخدوع يتساءل في نفسه: "كيف أحسنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَه، وأتقنَ كلَّ شيء؟ ماذا عن الأمثلة العلميَّة الكثيرة على سوء التَّصميم؟ كيف كلُّ شيءٍ موزون وهناك أعضاء بلا فائدة؟ أيُّ تأويلٍ هذا الَّذي يُمْكنُني أن أؤوِّل به هذه الآيات كلَّها؛ لِتَتوافق مع الحقائق العلميَّة." كان يمكن لصاحبنا المخدوع أنْ يفعل العكس ويقول: إذن فنظريَّة التَّطوُّر باطلةٌ، لكنَّه كُرِّس في عقله عبَر الشُّهور الماضية أنَّها حقيقةٌ لا مناصَ منها، عليها أدلَّةٌ، ولا بدَّ من إخضاع النَّصِّ الدِّينيِ لها، وليس العكس، ووافق ذلك أيضًا هزيمةً نفسيَّةً وحضاريَّةً لديه، وتحرُّجًا من هويَّته الإسلاميَّة وما يمتُّ إليها بِصِلَة. ثمَّ انتقل صاحبنا إلى سؤال: لماذا أدعو الملحدَ إلى الإيمان بالله؟ إلى ماذا أدعوه أن ينظر ويتدبَّر ليصل إلى الله؟ إلى المخلوقات؟! يمكن للملحد ببساطةٍ أن يجيبني: "العشوائيَّة والصُّدفيَّة فعلت هذا كلَّه" بدأ صاحبنا يفكِّر في ترك الإسلام! لكن لحظةً! تذكَّرَ أنَّه ما زال هناك دورٌ ما لله؛ فالمادَّة لا بدَّ لها من خالق، العناصرُ الأساسيَّة، التي عمِلتْ عليها العشوائيَّة والانتخاب الأعمى، لا بدَّ لها من خالق، ونظريَّة التَّطوُّر لا تفسِّر إيجاد هذه المادَّة من عدم. لمْ يطُل تردُّد صاحبِنا حتَّى اكتشف أنَّ هناك "علماء" حَلُّوا له أيضًا لغز إيجاد الكون والمادَّة من عَدَم دون حاجةٍ إلى إله، مثل: هوكينغ "Stephen Hawking" وهوكينج هذا أيضًا: [هوكينغ عالم فذّ، عالم استثنائيّ وأين نحن من أرسطو؟! و أين نحن من هوكينج؟! نحن لا شيء! ما نحن بالقياس إليهم إلَّا كبقلٍ في أصول نخلٍ طوالٍ]، لكنَّ هوكينج هذا ملحد، ويقول إنَّ الكون أَوْجَدَ نفسَه بنفسِه، ألا يحقّ لي أن أسخِّف هوكينغ وأشكاله، وأقولَ إنَّهم مكابرون، كهنة علمٍ زائفٍ؟ عفوًا! من أنت؟ [ما الغباء الذي تقعون فيه؟! ماذا تفتح؟ وماذا تحرق؟ يا ساذج اذهب فابحث عن رزقك! أنت جوعان! أنت عريان! أنت تعبان! أنت لا تستطيع أن تحكم نفسك، تأتي لتهدد العالم، ماذا قدمت أنت إلى العالم؟ قدّمت له هذا: السَّلخ، والذَّبح، والنَّفخ، وهم يقدمون إلينا المايكروفون الذي أتكلم فيه، واليوتيوب الذي سأضع عليه هذه الخطبة، وهذه الكاميرا التي تسجِّل، وهذه الأنوار والتّهوية التي ننعم بها. كلّ شيء ننعم به، همّ قدَّموه] على طريقة عدنان إبراهيم في تكريس الهزيمة النفسيَّة لدى المسلمين، وإشعارهم بالدونيَّة أمام السَّيِّد الغربيِّ الذَّكيِّ المتعلِّم. وبالمناسبة فالعلماء المسلمون المعاصرون لا وجود لهم في سلسلة عدنان إبراهيم، انقرضوا، [العقول الضَّخمة للإسلامييِّن ذهبت، منقرضةٌ مع الأسف، المسلمون المنقرضون] منقرضون! إذا أردتم التعرُّف على بعض (المنقرضين) الذين ما زالوا أحياء بيننا -إخواني- فننصحُكم بالاطِّلاع على هذه الصَّفحة لإخواننا (الباحثون المسلمون) بعنوان: (الإسلام والعلم حديثًا)، وكذلك هذه الصَّفحة بعنوان: (علماء المستقبل المسلمون). وهذا الكتاب بعنوان: (إنجازات مسلمين في العصرالحديث). شاهدوا، وستفتخرون بإخوانكم، وتتألَّمون على عدم معرفة المسلمين بهم وبإنجازاتهم. بدهيّ أنّ عدنان إبراهيم لم يقُل في مديحه هوكينج أنَّه مصيبٌ في إنكاره لله، لكنَّه عظَّمه في نفس صاحبنا المخدوع، وجعل وجود الله قضيَّةً غيبية (ميتافيزيقيَّة) فلسفيَّة لا يسهُل الاهتداءُ إليها، وهوكنغ لعلَّه معذور؛ اجتهدَ فأخطأ، وكذلك داروين: [رجل له مصداقيَّة، رجل صافٍ، رجل واضح، صريح، مستقيم، شيء عجيب، غير متلاعب هذا الرَّجل، قلت لك شخصيَّة معجِبَة! هذا الرَّجل لو صحَّ لديه بطريقةٍ تقنعه أنَّ الله موجود وخالق ومصمِّم لَصدَعَ بهذا، ولتنازل مباشرةً عن نظريَّته، لكن كلُّ ما صحَّ لديه جعلَه يقف حائرًا يقول لا أدري! لست أدري!] فأدلَّة وجود الله قد لا تكون مقنعةً للإنسان الصَّريح المستقيم الصَّادق؛ في حين أن الملحدين عندهم أدلَّةٌ قويَّةٌ حسب عدنان إبراهيم. في حين أن التَّشكيكَ في الخالقيَّة مقدِّمةٌ للتَّشكيك في حاكميةِ نتيجةً لهذا كلِّه كانت القواعد المنطقيَّة عند صاحبنا المتابع لعدنان إبراهيم قد تهدَّمت تمامًا، ونفسه قد انهزمَتْ، وعقلُه قد مُسِخ بما فيه الكفاية ليتقبَّل هذه النَّظريَّة أيضًا؛ نظريَّةَ أنَّ الكون لا يحتاج إلى خالق بل أوجد نفسَه بنفسِه. ومن ثمَّ لم يعُدْ لدى صاحبِنا أيُّ سببٍ ليتمسَّك بفكرةِ وجودِ خالقٍ، أو على الأقلِّ أصبحَ الإسلام احتمالًا ووجودُ الله احتمالًا، ووجهاتُ النَّظر الأخرى تستحقُّ الاحترام. وننبِّه الَّذين لم يتابعوا الحلقات الماضيَّة إلى أنَّنا رددنا ردًا علميًّا مفصَّلًا على الكثير ممَّا ينقله عدنان إبراهيم عن كهنة العلم الزَّائف على أنَّه علم. هذه قصَّةُ العديد من الشَّباب، الَّذين تركوا كهنة العلم الزَّائف وعرَّابيهم من العرب يضلِّلونهم بالمغالطات المنطقيَّة والألاعيب النَّفسيَّة والعلم الزَّائف. بدأ الأمرُ بتغيير المسميَّات وادِّعاء أنَّ خرافة داروين علمٌ، ومن ثمَّ تطعيم شجرة الإيمان بالخالق بشجرة داروين، تحت عنوان: ﴿إِنْ أَرَدْناَ إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ [القرآن 4: 62] لا نريدُ أن يَترُكَ شبابُنا الإسلام إذا أحسُّوا بأنَّ هناك تعارُضًا بين العلم والإيمان. حسنٌ، وما الحلُّ عندكم؟ الإلحادُ في أسماءِ اللهِ وصفاته؛ أي ميلٌ بها عن أصلها؛ إلحادٌ في أنَّ الله هو الخالق، البارئ، المصوِّر، وإلحادٌ في قيُّوميَّة الله، في قيُّوميَّة الله على خلقه، وإحاطتِه بخلقِه، وإتقانِه لخلقِه. قال الله تعالى: ﴿وَللهِ الْأَسمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ﴾ [القرآن 7: 180]. أيْ: يميلون بها عمَّا جُعِلَتْ له. ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِه سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [القرآن 7: 180] وهكذا، قاد الإلحادُ في أسماء الله وصفاته تدريجيًّا إلى الإلحاد في وجودِ الله. والمسلمُ الَّذي يقرأُ كتابَ الله -تعالى- بفهمٍ وتعظيمٍ، متحرِّرًا من الهزيمة النَّفسيَّة يعلم أنَّ كلَّ صفحةٍ من صفحات القرآن تنفي هذه الصورةَ المشوَّهة، الَّتي توهمُ بأنَّ للهِ دورًا ما مجهولًا، على طريقة عدنان إبراهيم وأستاذه داروين؛ فالقرآن حافلٌ بالآياتِ الدَّالة على قيُّوميَّة الله المستمرَّةِ على خلقِه، وتصريفِ أقدارِهم، وربوبيتِه لهم، وعلى أنَّهم مُفتقِرون في كلِّ حالاتِهم إلى خالقٍ، عليمٍ، قيُّومٍ، حكيمٍ: ﴿أََوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْر فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَ﴾ [القرآن 67: 19] ﴿إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا﴾ [القرآن 35: 41] وأَحَقِّيَّةِ اللهِ -تعالى- المطلقة في التَّشريع لعباده. ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [القرآن 7: 54] فالتَّشكيك في أنَّ الخلقَ خَلْقُ الله مقدمةٌ للتَّشكيكِ في أنَّه لا أمر ولا نهيَ إلَّا لهُ -سبحانه-، وهو ما يفعلُه عدنان إبراهيم، الَّذي يروِّجُ الدِّيمقراطيَّة الغربيَّة على أنَّها أفضل من الخلافة الرَّاشدة، ويروِّج العلمانيَّة، ويمارس الطَّريقةَ ذاتَها بإشعارك بأنَّه في هذا كلِّه يقرُّ بوجود دورٍ ما لله. فنقول لمن تأثَّرَ بتشكيكاتِ عدنان إبراهيم: أنتَ تأذَّيتَ طويلًا من الَّذين يتكلَّمون بغير علمٍ، وهذا حقُّكَ، لكنَّك -يا مسكين- جئتَ تطلُب الشِّفاءَ عند من دخل إليك من مدخل استيائك هذا، فدسَّ لك السُّمَّ في الدَّسمِ، وأجْهزَ عليك بالكُليَّة، فكنت كالمستجير من الرَّمضاء بالنَّار. هل الدكتور عدنان إبراهيم في هذا كلِّه يعي ما يفعل؟ ويفعله عن تخطيطٍ سابق؟ أم أنَّ الشَّيطان يستغلُّ أمراضَ القلوب عند بعض، فيصبحون أداةً في يده، ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [القرآن 18: 104] لا يعنينا الجوابُ كثيرًا حقيقةً، ولا تختلف النَّتيجةُ، وإن كان طعنُه في ثوابت الأُمَّةِ الشَّرعيَّة وفي الصَّحابة من خلال كثيرٍ من التَّزوير -كما بيَّنَ إخوانُنا في قناةِ: (مكافح الشُّبهات)- يُصعِّب محاولةَ تلمُّسِ أيِّ عذرٍ له حقيقةً، ومع ذلك فالَّذي يعنينا هو أنْ نُبيِّن مداخل الشَّيطان إلى نفوس النَّاس، لنقولَ لهم: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [القرآن 2: 186]. لنرى بعدها كيف يحصِّننا القرآن من هذه الخطوات، ويحمينا من هذه المغالطات، ونرى معًا أنَّه بحقٍّ كما وصفه الله: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [القرآن 16: 89] هذا ما سنراه -بإذن الله- بعد أن نستعرض معًا النَّماذج الأخرى من دعاوى التَّوفيق بين الإسلام وخرافات العلم الزَّائف، فتابعونا، والسَّلام عليكم ورحمة الله.