حسنًا، مهما فعلتم لتفسِّروا هذا الفرق بمئات الآلاف من السنوات، أو ما يسمونه (الإنسان الماهر)، ويقولون أنه شبه إنسان أحد المراحل الانتقالية بين القردة الجنوبية والإنسان المعاصر: السلام عليكمْ "تطوَّرَ الإنسان عن كائناتٍ أدنى" هكذا تقول نظرية التطور، لكنَّ القرآن يقول أننا بنو آدم الذي خَلقَه الله بيديه وخَلقَ منه زوجَه، هنا تنوَّعت اتجاهات المؤمنين بنظرية التطور من أبناء المسلمين: فمنهم من قال: إذن نعيد تفسير آيات القرآن بما يتناسب مع نظرية التطور. ومنهم من قال: نقول أن قصة آدم في القرآن قصة رمزية. ومنهم من قال: بل نُكذِّب القرآن ونؤمن بالعلم. في هذه الحلقة سنناقش بالأبحاث العلمية هذه المقدِّمةَ التي اعتبروها مُسلَّمة أن تطوُّر الإنسان حقيقةٌ علمية، ونحاول أن نرسم معًا ملامح المنهج العلمي القَويم؛ لعلنا نكون من أهل قوله تعالى: ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ... وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [القرآن 2: 213]. فتابعوا معنا... ما يُشِيعُه أتباعُ نظريَّة التطوُّر في أشهر مجلاتهم وكتبهم ومواقعهم "العلمية" والمحاضرات "التثقيفية" لعموم الناس، هو أن الإنسان تطور عن أصولٍ مشتركة مع الحيوانات، مرَّت بمراحل انتقالية من كائناتٍ شبه بشرية وصولًا إلى الإنسان الحديث الذي يسمونه بالـ(Homo sapiens)، وأنَّ هذا الإنسانَ الحديث ظهر أوَّل ما ظهر في إثيوبيا قبل حوالي 195 ألف سنةٍ -كما في هذه الورقة المنشورة في Nature عام 2005- كان أول ظهور لنا قبل 195 ألف سنة في إثيوبيا… أليس كذلك؟ ثم بعد عشرات الآلاف من السنوات خرج نسلُه إلى بقية أنحاء العالم، = "بلى، تقريبًا أقصد ±5 آلاف سنة". وأنَّ هذه الكائنات المزعومةَ التي يُفترضُ أن الإنسان تطوَّر عنها من حيث شكل الجمجمة وحجمها والهيكل العظمي والمادة الوراثية، لها خصائصُ انتقالية تناسب النطاق الزمني الذي اكتُشِفت فيه ويضع المروجون لنظرية التطوُّر من العرب هذه الصور خلفيةً لمحاضراتهم. - آها! إذن أنتم تقولون أننا -معاشرَ البشر- بشكلنا الحالي - آها! وهناك تسلسلٌ واضح في أسلاف الإنسان بما يناسب النطاق الزمني في الخط التطوري؟ = "طبعًا طبعًا". - وكلُّ أحفورةٍ نجدها تدعم التسلسل الذي افترضناه قبل وجودها ولا تخرج عن ذلك الإطار أليس كذلك؟ = "بلى طبعًا". - آها! حسنًا ماذا تفعلون بالحفرية البشرية المكتشفة عام 2017 في المغرب والتي تعود لـ 300 ألف سنة حسب تقديرات المختصين، بحيثُ عُنْوِن لها بعنوان: (حفريةٌ مُكتشَفَةُ في المغرب تُعيد ترتيب شجرة عائلة الـ(Homo sapiens). = "آآ… لا مشكلة، سنعمل Stretch (تمديدًا) للخلف ونقول أن الإنسان الأوَّل ظهر قبل حوالي 300 ألف سنة كما في موقع Smithsonian. - حسنًا، تعالوا نَعُد إلى الوراء: ماذا عن الحفرية المكتَشفة عام 1995م في إسبانيا لبقايا جمجمةٍ وهيكلٍ عظميٍّ قدَّروا أنها أقدم من 780,000 سنة؟! أي أقدم بكثير من الـ 300 ألف سنة المزعومة بحيث أن الإنسان ظهر قبل الكائن شبهِ البشري الذي كان يُفترض أن الإنسان تطوَّر عنه، حتى قال مكتشِف الجمجمة Juan Arsuaga: "إن هذا مفاجئٌ جدًّا، علينا أن نعيد النظر في تطور الإنسان ليناسب هذا الوجه المكتَشف، فعمره 800 ألف عام، ومع ذلك فمن الواضح أنه كوجوهنا". احتاروا كثيرًا في التفسير، وقرَّروا اعتباره كائنًا شبه بشري وأطلقوا عليه اسم (Homo antecessor)، وأطلقوا العنان لخيالهم لإظهاره بدائيًّا كهذا التمثال في المتحف الأسترالي. ولا زالت الحيرة في تفسيره قائمةً، فمن شهور قليلة نشرت مجلة Nature دراسة تعيد التأكيد على أن وجه ما سموه Homo antecessor هو كوجوهنا، وتكلَّمت مجلة Science عن الحيرة في مكان وضعه في التسلسل التطوري. ماذا ستفعلون بالجمجمة المكتشفة في كينيا عام 2001؟ والتي أطلقوا عليها اسمًا يعني (رجل كينيا مسطح الوجه) وقدروا عمر الجمجمة بـ3.5 مليون سنة، حتى أبدت مقالة في مجلة Nature صدمتها الشديدة بها وصدَّرت المقال بقولها: "إن التاريخ التطوري للإنسان معقَّدٌ وغير واضح المعالم، إنه يبدو اليوم على شفا الإلقاء في المزيد من الارتباك بسبب الاكتشاف لنوعٍ جديدٍ يعود لثلاثة ملايين ونصف مليون السنة". وكذلك مجلة Science في مقالٍ بعنوان: (جمجمة تُضيف المزيد من الغموض على أصول الإنسان)، تقول في مقدِّمته: "إن اكتشاف جمجمةٍ وبقايا أحافير عمرها 3.5 مليون سنة في شمال كينيا يَهُزُّ شجرة تطور البشر من جذورها". ونشرت Science أيضا في مقالٍ آخر قائلة: "إن الخبراء مُجمِعون على الرأي أن هذه الحفرية سوف تُعقِّد الجهود لتتبع المسار الملتوي لتطور الإنسان". "مجمعون"... بينما مُروِّجو نظرية التطور العرب يوهِمُ كلامهم بأن الخبراء "مجمعون" على تسلسل واضح لتطور الإنسان. وبالمناسبة، فالداروينيون -في المحصلة- لم يُصنِّفوا هذه الأحفورة ضمن الجنس البشري، لكنهم محتارون في أن خصائصها لا تناسب هذه المرحلة الزمنية حسب الخطّ التطوري المزعوم. لم يستفِق الداروينيون من هذه الصفعة عام 2001 حتى جاءت الصفعة الأخرى عام 2002 باكتشاف جماجم في تشاد سمَّوها توماي (Toumai)، قدَّروا عمرها بـ 6-7 مليون سنة كما نُشِرَ في Nature، بخصائص لا تناسب هذه المرحلة الزمنية حسب الخطِّ التطوُّري المزعوم، فقُربها من الجماجم البشرية يجعل من المُفترَض أنها ظهرت متأخِّرة نسبيًّا، فإذا قبلوا بأن عمرها 6-7 ملايين من السنوات فلن يمكن القبولُ بكون العديد من الأنواع المتأخرة بعد Toumai أسلافا للبشر وتنتمي لنفس السلالة التطورية، لأن هذه الأنواع أقلُّ شبهًا بالجمجمة البشرية المعاصرة من Toumai. أي لا يصلح أن يكون الجنس الأقدم أقربً للإنسان من الجنس الوسيط، حتى قال هذا المقال في Nature: "إن Toumai هي رأس قمَّة هذا الجبل الجليدي، الذي قد يُغرق لنا أفكارنا الحالية عن تطوُّر الإنسان". وقال المختص في الأنثروبولوجي Bernard Wood: "عندما ذهبت إلى كليَّة الطب في عام 1963،... كان تطور الإنسان يظهر كالسلم... يُعقّب المقال: "الآن يظهر التطوُّر كشجرةٍ متفرِّعةٍ... ما العلاقة بين هذه الأحافير؟ وأي منها هو سلف الإنسان؟ كان يُعتقد أن التاريخ التطوُّريَّ لنوعنا البشري مباشرٌ وبسيطٌ إلى حدٍّ ما... إن كان أي منها أصلا سلفًا للإنسان! كل هذا لا زال محلَّ خلاف". لاحظ مرة أخرى: هذا من مقال في Nature، إحدى أشهر المجلات العالمية، إذ قُدِّر عمرها بأكثر من 1.84 مليون سنة، ونشرت عنها Nature. وهي أكثرها دعما لخرافة التطور: "ما العلاقة بين هذه الأحافير؟ وأي منها هو سلف الإنسان؟ إن كان أيٌّ منها أصلًا سلفًا للإنسان! كل هذا ما زال محلَّ خلاف". لذلك -أخي- عندما ترى من يعرض لك مثلَ هذه الرسومات الفكاهية التي تُظهر تطوُّر الإنسان كخطٍّ رصين، فاعلم أنه لم يُحدِّث معلوماته من عام 1963، من أيام ما ذهب برنارد وود إلى كُلِّيَّة الطبِّ. وبعدها في 2005 نشرت Nature مقالًا صدَّرته بالقول: "حتى سنواتٍ قليلةٍ مَضَت، إلى أن قال: لكن مؤخَّرًا، بُذر الارتباك في شجرة تطوُّر الإنسان". ثم شرع المقال في بيان الاكتشافات التي أحدثت هذا الارتباك. ثم في عام 2015 اكتشفت عظام في (تنزانيا) تشبه عظام يد الإنسان الحديث وزادتهم ارتباكًا، وفي العام نفسه -في 2015- اكتُشفت أحفورةٌ في إثيوبيا بخصائص لا تناسب الخط التطوُّريَّ المزعوم، ونشرت عنها Nature، وعلَّق عليها بروفيسور الأنثروبولوجي Colin Groves قائلًا: "لا نعلم كم نوعًا تواجد -يعني من أسلاف الإنسان المزعومة- ولا نعلم أيُّها يتبع لأيِّها". وقال عن هذه الأحفورة: "really upsets the apple cart" يعني: "كأنَّ عربةَ التفاح قُلبت رأسًا على عقِب". =حسنًا، أليس محتملًا أن الصورةَ اتضحت أكثر في السنتين الثلاث الأخيرات؟ -لا، بل اكتُشف العديد من الاكتشافات المُربِكة حتى علَّق المحرِّر العلميُّ في موقع BBC بول رينكون Paul Rincon في المقال المنشور من شهور في 2-4-2020 قائلًا: "في وقتٍ ما، كنا نتصوَّر أن تطوَّر البشر يسير في شكل خطِّي، حيث يظهر الإنسان الحديث في نهاية الخطِّ باعتباره ذِروةَ التقدُّم التطوري، لكنْ أينما ننظر الآن نرَ بشكل متزايد أن الصورة الحقيقية كانت أكثر فوضويَّة من هذا بكثير (much messier)". كان محسومًا لدى الداروينيين ولفترةٍ طويلةٍ من الزمن أن الإنسان الأول ظهَر في إثيوبيا، ورسموا قصَّةَ خروجِ سُلالتِه وانتقالِها لأنحاءٍ أخرى في العالم، لكن هذا الحسمَ تبعثر تماما بهذه الاكتشافات التي ظهرت في المغرب وكينيا وتشاد وتنزانيا. قالوا: إذن فلنقل أن أصل الإنسان كان في إفريقيا بشكل عام، فهذه الدول كلها في إفريقيا. - في إفريقيا؟! ماذا تقولون إذن عن هذه الأحافير في الصين التي نُشِر عنها في 2017، وقالت عنها NewScientist: "أحافير غريبةٌ من الصين تُظهِر أصولًا آسيوية لنوعنا الإنساني وتعيد كتابة قصة تطوُّر الإنسان". = الصين؟! لا مشكلة، صحيح أنها ليست من نفس القارة مثل إثيوبيا، لكن من نفس الكوكب على الأقل!. وهذا مقالٌ منشور من شهور في 2020، تحت عنوان: (اكتشافاتٌ حديثةٌ تعمل إصلاحاتٍ رئيسة لتصوُّرنا عن: من أين جاء البشر؟ ومتى؟) ويقول أنه: "مع الاكتشافات الحديثة فكثيرٌ من أفكارنا السابقة عن: من نحن؟ ومن أين أتينا؟ ظهر أنها خطأٌ". هذه كلها أبحاثٌ وتصريحاتٌ من أفواه التطوريين وفي أَشْهَرَ مجلَّاتهم، وهذا هو واقع السيناريوهات التطوُّرية للإنسان: مبعثرة، غرقانة، مربِكة، ملتوية، معقدة، غامضة، فوضويَّة، مُهتزَّة من جذورها، "كعربة تفاحٍ مقلوبةٌ رأسًا على عقب"، بتعبيرات التطوُّريين أنفسهم! تعبيراتهم تجعلني أتصوَّر أتباع الخرافة يركضون كالكائنات الوهمية التي افترضوها، يجرون لاهثين خلف سراب خرافتهم. حسنًا ماذا يفعلون بما أن كلَّ خطٍّ تطوُّري للإنسان ينهار مع كل اكتشاف جديد؟ أصبحوا يلجؤون لرسم أشجارٍ مُتَفَرِّعة، بحيث إذا تم اكتشاف شيء جديد فرَّعوا فرعًا من الشجرة ووضعوا الأحفورة عليه، وانتهى الموضوع. ويتجنبون رسم علاقةٍ مباشرة بين كائن وكائن، وهو التفافٌ من المهمِّ جدا الوقوف عنده. أي أنَّ الأحافيرَ التي أفسدت عليهم خيالاتهم السابقة وأعرَبوا عن انزعاجهم منها أصبحوا يضيفونها في مكان ما في الشجرة، تنظر أنت، فترى أسماءً كثيرةً ووجوهًا تخيُّليَّةً كثيرةً، فتظُنَّ أن هذه كلَّها "أدلَّةٌ على تطوُّر الإنسان"، مع أنها على العكس تمامًا، فحوَّلوا الدليل الهادمَ للتطور إلى دليل للتطور، على طريقتهم التي جئنا عليها بشواهد كثيرةٍ. وهذه الأشجار تتباين من موقع لموقع بحسب ما تنطلق خيالاتهم، كما في هذه الصور من (human origins) و(Nature) و(Science) ومجلة (Earth) المعروفة والموسوعة البريطانية (Encylopaedia Britannica) وموقع المتحف الأسترالي وغيرها. ماذا يعني التَّشجير؟ يقولون مثلاً: "الإنسان والشمبانزي تطوَّرا عن أصلٍ مشتركٍ، فيظنُّ البعض أن هذا الأصل المشترك هو كائنٌ معروفٌ لديهم يوجد أحافير تدلُّ على وجوده تاريخيًا، أبدًا، إنما هو الكائن الافتراضي (A) كما في Nature افترضوا وجودَه وأعطوه اسمًا (HC-LCA): (آخر سلَفٍ مشتَرك بين الإنسان والشمبانزي). هل هناك أي دليل علمي عليه؟ أي معلومات عنه؟ أبدا، وإنما لا بد من اختراع وجوده تطوريا. هذا مع أن بحثًا نُشر من شهورٍ في (Science Advances) التابعة لمجموعة Science افتُتح بجملة: "إن دماغ الإنسان أكبر بثلاث مرَّاتٍ ومرتَّبٌ بشكل مختلف عن دماغِ أقرب أقربائه الأحياء -وهو الشمبانزي- وهي خصائص مهمَّةٌ للقوة الإدراكية للإنسان وسلوكِه الاجتماعيِّ، إلَّا أن الأصول التطورية لهذه الخصائص غير واضحة". فالإنسان مختلف عن الشمبانزي اختلافا كبيرا، وكيف استطاع "التطور" عمل ذلك؟ غيرُ معروف، والسلف المشترَك بينه وبين الشمبانزي غير معروف، المهمُّ أنه تطوَّر وحسب. حفرية Ardi من عائلة (Ardipithecus)، أو حفرية Lucy من عائلة (Australopithecus) التي اعتبروها سابقًا أسلافًا للإنسان ورموزًا لتطوُّره، يتجنَّبون الآن رسْمَ علاقةٍ مباشرةٍ بينها وبين الإنسان وادِّعاءَ أنها أسلافٌ له، وإنما يدعون أنها ربما تفرعت هي وأسلاف "ما" للإنسان عن أصل مشترك "ما" كما في Science، وكل ما تَرَوْنه من أرقامٍ هي كائناتٌ تطوُّريةٌ يُفترض أنها وُجدت؛ "hypothesized to have occurred". فأصبحت أشجارهم عبارةً عن مجموعاتٍ من الأعشاش المنفصلة لا تربطها إلا أصولٌ موهومة لا دليلَ عليها. ولذلك أصبحوا كثيرًا ما يتجنَّبون كلمة (human ancestors - أسلاف الإنسان)، ويستخدمون بدلًا منها (relatives - أقرباء). = هناك قرابة ما - كيف؟ متى؟ ما الدليل؟ = لا نعرف، لكن لا بدَّ أن هناك قرابةً ما. الآن وبعد أن بينا لكم إخواني أن الاكتشافات الحديثة تُبَعْثِرُ الخطَّ التطوري المزعوم، تعالوا نبين لكم أن عناصر هذه الخطوط أو هذه الأشجار أي ما كانوا يسمونه "رموز التطور"، الأحافير الدالَّة دلالةً دامغةً على حصول التطور أنها لا علاقةَ لها بتحوُّلٍ تطوُّريٍّ ولا كائنات انتقالية ولا أشباه بشر ولا ما شابه، وإنما -ببساطة- عندنا أحافير (لقردةٍ) وأحافير (لبشرٍ). أحافير القردةِ هي لقردةٍ متنوِّعةِ الأشكالِ، لكنها تبقى قردةً، وأحافير ما زعموا أنهم أشباه بشر هي أحافير بشر بينها من التنوع كما بين البشر الحاليين وعندنا أجزاء من جماجم وهياكل عظمية لا يمكن الجزم بأنها تابعةٌ لبشر أو قردة أو غيرهم تُبنى عليها قصصٌ ورسوماتٌ بمحض الخيالات والتوهمات كجمجمةِ الحمار وسنِّ الخنزير، وقد تكون لمخلوقاتٍ منقرضةٍ. ونقصد بالقردة هنا الـ(Apes)، وهناك فرق بينها وبين الـ(Monkeys)، والكلمتان تترجمان في العربية لـ(قردة)، والداروينيون يدَّعون أننا نشترك مع الـ(Monkeys) في أصلٍ مشتركٍ ما، ثم يختلفون في شأن الـ(Apes): هل هي أسلاف للإنسان، أم تشترك معه في أصلٍ مشترك "ما" آخر. إذن دعونا نأخذ قصَّة (رموز التطور)، ولنأخذ هذا الخطَّ التطوُّريَّ الموجود حتى اليوم في آب (أغسطس) من العام 2020 في موقع الموسوعة البريطانية بعنوان (الخط التطوري للإنسان): أولا: (Australopithecus afarensis) القرد الجنوبيُّ العفاريُّ، والذي سُمِّيَ أشهرُ أحافيرِه بـ(Lucy). ما لا يعرفه الكثيرون هو أن لوسي هي عبارة عن مجموعة عظامٍ متناثرة في سفح تلّة تتعرّض لعواصفَ مطريّة، عظامٌ لم تكن مرتبطةً ببعضها جُمعت على مدى ثلاثة أسابيع… فكٌّ من هنا، عظمة فخذ من هناك، وبعد أسابيع فقرةٌ من العمود الفقري من موقع آخر… وهكذا فاستنتج الباحثون أن هذه العظام تعود لنفس الكائن، كما في كتاب (لوسي: بداية الجنس البشري) لمكتشف العظام: Donald Johanson، وكما في موقع جامعة أريزونا. فهذه العظام قد تكون لنفس الكائن وقد لا تكون، افترَضوا أنَّها لنفس الكائن، وأنَّه يحمل صفاتٍ انتقاليةً بين البشر والقرود، فانطلق خيال أتباع الخرافة ليَرسُموا بناءً على هذه العظام عددًا ضخمًا جدًا من الرسومات والتماثيل في المتاحف والأفلام الوثائقية والكتب المدرسية والجامعية، وعملوا لها صورا تجعلك تشعر بالحنين لأمِّك الأولى المفترضة. ونشروا وثائقياتٍ وبرامجَ عن كيف ماتت لوسي، ليصبح وجودُها حقيقةً مسلَّمًا بها ويبقى التساؤلُ فقط عن تفاصيل حياتها، وبحيث إذا سمعتَ (لوسي) تصوَّرتَ أنهم استخرجوا في الحفرية هذا الكائن مُحَنَّطًا مُكتمل الشحم واللحم، ومعه فيديو عمره 3 ملايين سنة يُظهر تفاصيل حياة لوسي، بينما ما هي في الحقيقة إلا عظامٌ مبعثرةٌ مشكوكٌ في أنها تابعةٌ لنفس الكائن. وما لا يعرفه الكثيرون أن إعلام الخرافة تعامَى في ذلك كلِّه عن الكثير من الأبحاث التي تُشكِّك في جزئياتٍ كثيرةٍ من الاستنتاجات التي بُنِيتْ مبكِّرًا عن لوسي، والأبحاثِ التي تنفي بالكلِّية أن تكون لوسي وعائلتها من القردة العفارية سلفًا للإنسان، حتى أن المجلة الفرنسية (Science &vie) جعلت العنوانَ الرئيس لغلاف عددها الصادر في الشهر الخامس من عام 1999: (وداعًا لوسي) وذكرت في المقال الأدلة أن كل عائلة (Australopithecus) التي تنتمي إليها لوسي لا بُدَّ أن تُزَال من شجرة عائلة الإنسان. وفي عام 2007 نشرت المجلة الأميريكية المعروفة PNAS مقالا تبين الأسباب التي تشكّك في كون القرد العفاريِّ -الذي منه لوسي- سلفًا للإنسان. وحديثًا -من شهور قليلة- في إبريل 2020، نشرت مجلَّةٌ تابعةٌ لمجموعة Science بحثًا اعتمد على جمجمةِ لوسي ومجموعةٍ من جماجم القردة العفارية لتخيل شكل الدماغ، وقال الباحثون في النتيجة: "بخلاف الادعاءات السابقة فإن بنية دماغ القرد العفاريِّ هي كأدمغة القردة وليس هناك خواصُّ تتَّجه نحو الصفات البشرية"؛ أي أنه لا انتقالي ولا ما شابه. وهناك الكثير من الأبحاث الأخرى تنفي كون القردة العفاريَّةِ ومنها لوسي أسلافًا للإنسان، وأصبحت المجلات العلمية ترسمها مُشَجَّرَةً على أن لها مع الإنسان سلفًا مشتركًا ما، كما رأينا في Nature وScience، ومع ذلك ما تزال الكتب الجامعية والمدرسية والمواقع "العلمية" و"مثقَّفو" العرب يستخدمونها كـ(رمز) لتطوِّر الإنسان. التالي... ثانيا: Homo habilis ومرةً أخرى، ما وجدوه ليس هذا الكائنَ، بل عظامٌ أَطلَقوا العنانَ بعدها لخيالاتهم. نشرت مجلة Science عام 1999 بحثًا يبيِّن أن خصائصَ هذه الأحافير -التي صُنِّفت سابقًا على أنَّها لشبه إنسان- هي كخصائص القردة الجنوبية، ومن ثمَّ يجب إزالتُها من تصنيف الـ(Homo) أي (أشباه البشريين) المفترضين. ثم عام 2000 نشرت مجلة البيولوجيا الجزيئية والتطور بحثا ينفي صلاحية الـ(Homo habilis) كحلقةً وسيطةً بين القردةِ الجنوبية والبشر، مع أن هذا الاعتقاد ساد لمدة ثلاثين عامًا كما يقول البحث. ثم في عام 2011 نشرت Science بحثًا بعنوان: من كان الـ(Homo habilis)؟ وهل كان من أشباه البشر بالفعل؟، أوَّلُ جملةٍ في البحث تقول: "في السنوات العشرة الأخيرة،... تضعضعت مكانة الـ(Homo habilis) كأول فرد من نوعنا". ثم تحدَّث البحث عن تشابه الـ(Homo habilis) مع القردة الجنوبية. عشرات السنين من نفي الأبحاث لفكرة شِبه الإنسان هذا، ولا زالت صوره تُتَداول كرمز لتطور الإنسان. التالي... ثالثا: (Homo erectus)، ما يسمونه (الإنسان المنتصِب) ويقولون أنه شِبه إنسان: هذا الكائن الافتراضي يعتبرونه مِحوَرِيًّا ومُهِمًّا في التطوُّر. والعديد من أشباه الإنسان المزعومة سابقًا مثل (Homo rudolfensis) و(ergaster) هناك من يُلحِقها بشِبْه الإنسان المُنتَصِب المزعوم كما في هذا البحث في Science، فهل هو رمزٌ للتطور ودليل دامِغٌ لا يُردُّ بالفعل؟ هذا بحث منشور في المجلة الألمانية الإنجليزية (Courier Forschungsinstitut Senckenberg) عام 1994 بعنوان: (المبرِّرات لإغراق الإنسان المنتصب)؛ أي إلغاء فكرته. يقول فيه الباحثون -وهم من أمريكا، وأستراليا، والصين والتشيك: "ليس هناك حدودٌ فاصلةٌ بين الإنسان المنتَصِب والإنسان العاقل، لا في الزمان ولا في المكان. ليس هناك عملية انتواع (speciation) في تحدر الإنسان العاقل من المنتصب، هذه الأسباب تتطلب اعتبارهما نوعا تطوريا واحدا" وهذا بحثٌ منشورٌ في مَجَلَّةِ Nature يتكلم عن احتمالية تصنيف (Homo erectus) على أنها سلالة أو عرقية (race) من جنسنا البشري المعروف، أي لا مرحلة انتقالية ولا ما شابه. سيقول قائل: لكن لحظة! هل هذه الأبحاث حسَمت الموضوع؟ أم أن هناك أبحاثًا أخرى ردَّت عليها؟ هل اتَّفق علماءُ التطوُّر على إزالة (Homo erectus) مثلا من مسار تطور الإنسان؟ فنقول -إخواني: هؤلاء الداروينيون لا يكادون يتفقون على شيء، بل يُخطّئ بعضهم بعضا ويُسخّف بعضهم بعضا، وإنما يتَّفقون على شيءٍ واحد؛ نفيِ الخلق. في هذا المقال في موقع (LIVESCIENCE) الدارويني أيضًا يتكلَّم عن خلافِ الداروينيين على الإنسان المنتَصب، فيقول: "النسب والتاريخ التطوُّري للإنسان المنتَصب وباقي أشباه الإنسان غيرُ واضحٍ وأصبح موحِلًا أكثر بالاكتشافات الحديثة (muddied further)". موحِلٌ، مُطيَّن، (ملطخ بستمائة طينة) على رأي إخواننا المصريين، ثم يستخدم المقال عبارات: "هناك الكثير من الاختلاف"... "المزيد من الارتباك"... "العلماء ليسوا متفقين"... فنعم، هناك خلافٌ على كل شيء، والأبحاث التي نعرضها لك -والتي تضرب رموز التطور- هي من أعلى المجلات تصنيفًأ كـ(PNAS) و(ٍScience) و(Nature)، بينما كلام مروِّجي نظريَّة التطوُّر العربِ يوهم بأنَّ السيناريو تام، والأدلةَ محكمة، والعلماء مجمعون. التالي... رابعا: إنسان نياندرتال: كنَّا في حلقة (نظرية البانكيك) قد استعرضْنا معكم هذه الورقةَ العلمية التي أجرت مراجعةً شاملةً لـ151 بحثًا عن النياندرتال، وأثبتتْ أنهم لا يقِلّون عنا في شيء، وليسوا أسلافا غبية همجيّة للبشر كما كان يُدّعى، وقد أصبح هذا مقبولًا لدى عامة الداورينيين، ونُشرت فيه أبحاثٌ كثيرة، من آخرها بحث جيني نشر من حوالي شهرين يُظهر أن الفروقات الجينية في (الميتوكندريا) بين النياندرتال والبشر الحاليين هي أقلُّ من الفروقات بين الدبِّ القطبي والدبِّ البنِّيِّ، وأنَّه حصل تزاوج بين الإنسان المعروف والنياندرتال. ففي الخلاصة: الـ (Australopithecus afarensis) هي كالقِرَدَة الجنوبية، ليست فيها خصائص انتقاليةٌ للإنسان، وما سُمِّيَ بالـ(Homo habilis) هو أيضا ليس شِبهَ إنسانٍ بل من القِرَدةِ الجنوبيَّةِ فيما يظهر. وكل ما زُعم سابقا أنهم أشباه بشر غيره هم بشر، الفروقاتُ بينهم وبين الهياكل البشرية التي تتم المقارنة بها هي كالفروقات بين سلالاتِ البشر الحاليَّة أو قريبٌ منها، وهكذا ترى مرَّةً أخرى لماذا السيناريوهات التطوريَّةُ للإنسان مبعثرةٌ، غرقانةٌ، مربكةٌ، ملتويةٌ، معقَّدةٌ، غامضةٌ، فَوْضَوِيَّة، مُهتزَّة من جُذُورِها، "كعربة تفاح مقلوبةٍ رأسًا على عَقِبٍ" وتَرى لماذا هذه الرسوماتُ التخيُّليَّةُ الغبيَّةُ لا قيمةَ لها، مجردُ خداعٍ وتضليلٍ ودجلٍ بالعلم الزائف، تنامُ عليه الكتبُ الجامعيَّة والمدرسية ومواقع تبسيط العلوم الأجنبية والعربية لعشرات السنين، تمامًا كما نامت على كِذْبة (العظام الخلفية بلا فائدة في الحوت) كما بيَّنا في حلقة (صح النوم)، أو (رسومات هِيكِل للأجنة) كما بيَّنا في حلقة (طرزان). كلُّ الأبحاث التي استشهدنا بها -إخواني- هي لداروينيين، ولا يَعتَرِفُ أيٌّ من كاتبيها بسقوط خرافة تطوُّر الإنسان، ففي كل مرة تسقط فيها إحدى رموزهم فسيقولون: = لا يُهِمُّ، هناك أدلة كثيرة على التطور، كما بيَّنا في (حلقة طرزان)، فالبديل -وهو الخلق الحكيم- مرفوضٌ مسبقًا ولا يمكن التّفكير به. ما نعمله هو تجميع الصورة الكليَّةِ التي لا يعترفون بها، وبيانُ ارتباكهم، وأنهم لا يفكِّرون أصلًا بالخروج من صندوق الإيمان الأعمى الدارويني؛ فهم قد ألزموا أنفسَهم بإيجاد قصَّةٍ "ما" بديلةٍ عن الخَلْق، فلا بد من إعادة كتابة سيناريو القصة كما يعبِّرون هم بأنفسهم، ورسمِ الأشجارِ عديمةِ الفائدةِ والثمار، وإطلاقِ العنان للتخيُّلاتِ والأساطيرِ وعملِ أيِّ شيء! ولا أن يعترفوا بوجود خالق. (Ernst Mayer) من جامعة هارفرد، وهو من كبار الداروينيين يقول في كتابه: (ما الذي يجعل علم الأحياء فريدًا) طبعةَ عام 2004: "إن أقدم الأحافير للـ(Homo) -يعني للبشر وأشباههم المزعومين-... وهي أحافير (Homo rudolfensis) و(Homo erectus)... مفصولةٌ عن القردة الجنوبية بفجوةٍ كبيرةٍ خاليةٍ من الأحافير،... كيف يمكننا أن نفسِّر ذلك؟ في غياب الأحافير التي تلعب دور الشكل الانتقالي،... فإنَّ علينا الرجوع إلى الطَّريقة المتعارَف عليها في علوم التاريخ،... ألا وهي بناء رواية تاريخية (historical narrative)". "بناء رواية تاريخية" أي: اختراع قصَّة "ما" لِسَدِّ الفجوة، ثم النظر إن كانت هذه القصة ستأتي أدلةٌ تعارضها أم لا، ومن ثمَّ فكثيرٌ مما يعرِضُه الداروينيون هو رواياتٌ تاريخية لسَدِّ فجوات. لا عجبَ، فـ(Mayer) نفسه يقول أن البيولوجيا التطوُّرية هي في كثير من جوانبها أقرب للإنسانيات من العلم الرصدي التجريبي الحقيقي (exact sciences). حصروا تعريفَ العلمَ الحقيقيَّ في العلم الرصدي التجريبي، وأنكروا الغيبَ لأنه ليس في متناولِ هذا العلمِ، ثم لمَّا فشَلوا في تفسير الخلقِ به راحوا يلجأون إلى غيبيات افتراضية لا دليل عليها من رصدٍ ولا تجريبٍ ولا عقل ولا فطرة. كلُّ هذا ونحن لا نريدُ أن نعيد ما بيَّناه من مدى سُخفِ فِكرةِ رسم كائنٍ كاملٍ وعملِ أفلامٍ ووثائقياتٍ عنه بناءً على أجزاءٍ من جُمْجُمَةٍ أو عِظامٍ مُتناثرةِ كما بَيَنَّا سابقًا في فضيحةِ رسمِ (شبهِ إنسانِ نبراسكا) بناءً على ضِرسٍ، ونَشرِ بحثٍ عنه في Science، ثم عودةِ المجلَّة لنشرِ بحثٍ آخر بعده بسنوات أنَّ هذا السِنَّ هو سِنُّ خنزير، لا شبهُ إنسانٍ. هنا مسألة مهمة جدًّا جدًّا… جدًّا… جدًّا: هي أن كلَّ ما ذُكِرَ ليس هو أهمَّ ما في الأمر؛ أعني: حتى لو وجد هؤلاء أحافيرَ لكائناتٍ بصفاتٍ مشتركةٍ، ما الذي يثبتُ علميًّا أننا تطوَّرنا عنها؟ هذه مسألةٌ مهمَّةٌ جدًّا -إخوانِي؛ لأننا كثيرًا ما نضيع في التفاصيل، بحيث يظنُّ المتابع أنه إذا ثَبَتَ مثلًا أن (لوسي) كان لها صفاتٌ مشتركةٌ، فإنَّ هذا يثبتُ أننا تطوَّرنا عنها، وكأنَّ الجدال على حفرية معينة هو جدالٌ إذا حُسِم فإنه يُحسَم لصالح تطوُّرِ الإنسان أو ضدَّه، أبدًا!... وعلينا ألا نضيع في التفاصيل عن الصورة الكلية. سيقول أتباع الخرافة: هناك أشياءٌ أخفى يعرفها المختصُّون، كالتسلسل المتدرِّج في المادَّة الوراثية، فنقول: وهذا أيضًا ليس صحيحًا؛ هذا البحث في مجلَّةِ البيولوجيا الجزيئية والتطور يُبيِّنُ أن هناك فروقات جينية ضخمة بين الجنس البشري والقردة الجنوبية لا تتماشى مع التطوُّر التدريجيِّ البطيء، وأن هناك توليفةً من الصفات ظهرتْ فجأةً لم تظهرْ من قبل. حسنًا ما التفسير لديكم إذًا؟ قالوا: حصول ثورة جينية (Genetic Revolution). وهي تسمية تبدو علميةً لفكرة هزلية تكلَّمنا عنها، مفادُها أن تغيراتٍ عشوائيةً كثيرةً جدًّا حصلت بشكل متناسق دون تخريب باقي المادة الوراثية لتُكسب الكائن صفات راقية حوّلته إلى الجنس البشري، وأن هذا كله حصل بالصدفة. إذًا ولماذا تتكلَّفون فكرة الثورة الجينية أو ما يسميه البعض (rapid evolution) التطور السريع؟ بأيِّ حقٍّ تفترضون أن الإنسان تطوَّر عن كائناتٍ أدنى مع أن الأحافير لا تُسعِفُكم ومع أن الإنسان مختلِفٌ في خصائصه وجيناتِه اختلافًا كبيرًا عن الكائنات الأخرى؟! = "لأنه يجب أن يكون الإنسان تطوَّر عن غيره". - لماذا؟ = "حتى يكتمل التفسير العلمي… الكائنات الأدنى تطوَّرت عن غيرها، وهذه بدورها تطوَّرت عن الخليَّة البدائيَّة التي نشأت صدفةً بطريقةٍ ما". - آها، إذن فتطور الإنسان عن غيره هو افتراض مسبَقٌ (prejudice) تُطَوِّعونَ الاكتشافات له وتُلبِسونه لباسَ العلم، وليس نتيجةً علميةً قادتكم الأدلة العلمية إليها. = إذًا، وما البديل عن تطوِّر الإنسان عن كائناتٍ أدنى؟ - أن الله خلقه خلقًا مستقِلًّا عن علمٍ وإرادةٍ. = هذا ليس تفسيرًا علميًا - ما معنى التفسير العلمي؟ = هو ما يخضع للرصد والتجربة وإعادة الإنتاج. - آها، وهل تَطَوُّرُ الإنسان عن كائناتٍ أدنى هو شيءٌ رصدتموه أو جرَّبتموه أو أعدتم إنتاجه؟! بيَّنّا سابقا أن الظهور الأول للكائنات هو أمر غيبي لا يمكن أن يخضع للحسّ ولا للتجربة وبالتالي فليسَ من مجال عمل العلم الرصدي التجريبي -الـ(Science)، ليس من اختصاصه، وبالتالي فالبحث عن دليل من الـ(science) لتفسير الظهور الأول للكائنات هو استخدامٌ للأداة الخطأ في الاستدلال. وبينا في الحلقات (49-51-52) من رحلة اليقين لماذا العلم ليس محصورا في الـ(Science)؛ فالغيب الذي جاء به الخبر الصحيح هو من العلم. كيف نعرف أن هذا الخبر صحيح؟ بإثبات صدق القرآن والسنة بالأدلَّة الفطرية والحسيَّة والعقليَّة، فالدليل على أصل الإنسان الأوَّلِ لا يُطلَب من الـ(Science)؛ لأنه ليس من اختصاصه، أمرٌ لا يقَعُ تحت الرصد ولا التجريب، ولا يمكن إعادة إنتاجه، فلا بدّ أن يكون الدليل علميّا خبريّا، يُخبر عما كان في هذا الزمان المُغَيَّبِ عنا. قد تقول لي: أنا لم أقرَّ لك بعدُ بصحَّة القرآن والسنة، ولم تُثبِتْ لي ذلك. لا بأس، لكن إلى أن نصلَ تلك المحطَّةَ من (رحلة اليقين) لا تقل لي أنَّ تطوُّر الإنسانِ علمٌ مؤيَّدٌ بالأدلَّة العلمية، بل إيمانٌ أعمى بتفسيراتٍ تخيُّليَّةٍ ضاربةٍ في عُمْقِ التاريخ فحسب. أمرٌ آخرُ مهمٌّ جدًّا جدًّا: هو أنَّ تحوُّلَ كائنٍ إلى آخر يجب أن ينبني ضِمْنِيًّا على أن هناك من يُجري هذا التحويلَ عن قصدٍ وإرادةٍ، لأنَّ التطوُّر الصُّدفي بلا قصدٍ ولا غايةٍ لا يُحوِّل كائنًا لكائنٍ، ولو امتلأت الأرض والسماء بالمحاولاتِ العشوائية، كما بيّنا بالتفصيل في حلقة (خاطبهم كأطفال) عندما ذكرنا ما يتطلَّبُه تغيُّر بسيطٌ في الكائن نفسِه كاستطالة عنق الزرافة، وربطنا ذلك بمثال الأطفال الذين يضربون بعشوائيَّةٍ على لوحات المفاتيح، والتغيراتِ المطلوبةَ في ملفاتِ الـ(Word) بشكلٍ متزامنٍ دون تخريب الفقرات الأصلية. وكما بيَّنا في حلقة (من سرق المليون) بأنه حتى إذا تجاوزنا ذلك فإن طبقات الأرض ستعُجُّ بأحافيرِ الكائناتِ الانتقاليةِ المفترَضة ومعها أحافيرُ الكائناتِ الفاشلةِ لبيان سُخفِ فكرةِ التحول من كائنٍ لكائنٍ بالصُّدَف الناتجةِ عن التغيُّراتِ العشوائية، وهما حلقتان في غاية الأهمية عبر التغيُّرات العشوائية والانتخاب الأعمى، وسُخفِ الحفاوة بحفريَّةٍ كدليل على حصولِ التطوُّر، وأنَّ عباراتٍ مثلَ (كائن انتقالي) و(حلقة وسيطة) هي عباراتٌ مضلِّلَةٌ لأنها مبنيةٌ على القصدِ والإرادة في تحويل كائنٍ لآخر، بينما هم ينفون القصد والإرادة. هذا كلُّه -يا كرام- ونحن لم نتكلم عن هزلية التعامل مع هذه التقديرات لأعمار الكائنات بملايين السنين وكأنها أرقامٌ مُقدَّسَة فيها قَدْرٌ عالٍ من الدقة، لكن يكفيك مثالٌ واحد: حوالي عام 1992 وجدُوا حفريَّةً في إثيوبيا، وبعد 17 عامًا ضخَّم الإعلام هذا الاكتشاف فجعلتها Science موضوعَ غلافِها بعنوان: (اكتشاف العام: Ardipithecus ramidus) واشتهرت بـ(Ardi) ونَشَرتْ عنها Science مَقالًا، ونَشَرت عنها National Geographic بعنوان: (العثور على أقدم هيكل عظميّ لسلف للإنسان)، ووضَعوا لها مكانًا في الخطِّ التطوُّريِّ المزعوم قبل 4.4 مليون سنة، وهو للأمانة 4.387 مليون سنة ±0.031 مليون سنة كما في Nature؛ في النطاق الزمني المناسب لتطوُّر الإنسان. لكن ما لبثت مجلة Science في العام التالي أن نشرت مقالًا يطعَن في أدلةِ أنَّ آردي سلفٌ للإنسان، ونشرت Times مقابلةً مع مُختَصٍّ بيَّن فيها أن أصحاب الدعوى استخدموا أساليب غير علميَّةٍ لتمريرِ دعواهم، ونشرت Nature أيضًا بحثًا يُعارض هذه الدعوى -أن آردي سلفٌ للإنسان. مَحلُّ الشَّاهد: كلَّفتُ نفسي أن أعود إلى البحث الذي ذكروا فيه تقديرَ عُمُرِ آردي في مجلة Nature، فوجدت الباحثين يُقدِّرون عمرها بحسب الطبقات الرسوبية التي وجدت فيها ويقولون: "أكثر العينات ملوَّثة، بما يعطي عُمُرًا مُبكِّرا يُقدَّرُ بحوالي (23.5) مليون سنة… إحدى العينات -مع أنَّها مُلوَّثَةٌ أيضًا- أعطت عمُر (4.387) مليون سنة… إن هذا العمُر يبدو أفضلَ تقديرٍ للعيِّنةِ، وبالتالي يُعطِي الحدَّ الأعلى لهذه البقايا،... البذورُ التسعة الأخرى من العينة نفسِها تمثل مُلَوِّثَاتٍ عمُرها 23.6 مليون سنة". هكذا بكل بساطة: نحنُ نرى أن 4.4 مليون سنة أنسب، ونستثني عينات الـ23.6 مليون سنة مع أنَّ كلا العينتين -باعترافنا- ملوَّثة، فعُمُر حفريَّة آردي قد يكون 4.4 مليون سنة، قد يكون 23.6 مليون سنة، أي حوالي خمسة أضعاف، قد يكون أقلَّ وقد يكون أكثر، وسنضع لكم في التعليقات روابطَ لمقالاتٍ تبيِّن مدى هزلية فكرةِ أن هذه التقديراتِ -بملايين ومليارات السنين- هي أرقامٌ دقيقةٌ. هذا هو واقع "الدليل العلمي" على تطور الإنسان. قد تقول: =لا، لا، ليس الأحافير فقط ، هناك الدليل الجيني،... فالإنسان تتشابه مادَّتُه الوراثيَّة بنسبة 98.8% مع جينات الشمبانزي. بيَّنا بُطلانَ هذه الدعاوى بالتفصيل العلمي في حلقتي (الغشاش) و(أكل زيد لحم الكلب). قد تقول: =لكن هناك دليلُ التشابه بين تشريح الإنسان والكائنات الأخرى. بيَّنَّا عدمَ دلالةِ ذلك على الأصل المشترك بالتفصيل في حلقة (ذيلك الذي لا تعرف عنه الكثير). هذا إذن هو واقع الدليل العلمي على تطور الإنسان عن كائناتٍ أدنى: قد تقول: = لكن هناك دليل الأخطاء في تصميم بعض أجزاء الإنسان كشبَكِيَّة العين. بيَّنَّا بُطلان ذلك بالتفصيل في حلقة: (أحرجتك). نحن -يا كرام- بينا عبر عشرات الحلقات بطلان "نظرية التطوّر" من جذورها بالتفصيل العلمي، وبيَّنا بُطلانَ مبادئها، والأساليب التي اتبعها أتباعها لترويجها على الناس، فالذي لم يُتابع الحلقات الماضية عليه أن يَعْلَم أن ما نعرضه اليوم ليس إلا جُزءًا يسيرًا من مناقشةٍ مُفَصَّلةٍ مطوّلة. 1. سيناريوهات نَقَضَتها الاكتشافاتُ الحديثةُ حتى أصبحت مبعثرةً، غرقانةً، مُهتزَّةً من جُذورها بتصريحات التطوريين أنفسهم. 2. ورموز هذه السيناريوهات مُفَنَّدة واحدةً واحدةً بلا استثناء. 3. أدلَّةٌ تُوَظِّف خيالاتِ الـ(fotoshop) وأفلامَ هوليوود بناءً على عظامٍ مبعثرةٍ. 4. تفترض تَعسُّفًا أن الإنسان تطوَّر عن غيرِه بلا دليلٍ عِلميٍّ. 5. مَبنِيَّةٌ على مُحاولةِ إنكارِ فكرةِ الخَلْقِ بأيِّ ثمنٍ. 6. وعلى طَلبِ أداةِ الاستدلالِ الخطأ على قضيَّةٍ غَيْبِيَّةٍ. 7. وتتجاهلُ تَبِعات الصُّدفية واللاقصديَّة التي لا يُمكن أن تُحوِّل كائنًا لكائن. 8. وتتجاهل عدم الدقَّة بشكل كبير في عُمُر الأحافير. ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ... وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ [القرآن 24: 40] عقيدة داروينية عمياء. تعالوا الآن -يا كرام- نرى تعامل بعض المتكلِّمين العرب مع الموضوع. واسمحوا لي بدايةً أن أؤكِّد على أمر: الشخصيات الثلاثة الأولى التي سنذكر كلامَها نحسب أنَّها لم تتعَمَّد مُخالفةَ الحقِّ في هذه المسألة، لكنَّها لم تَبذُل ما ينبغي للوصول للحق فأخطأتْه، وقد تواصلتُ معهم واحدًا واحدًا طلبا للنقاش إكرامًا لما يجمعنا من انتسابٍ للإسلام، وقد ردَّ بعضُهم بأدبٍ وخُلُقٍ مُعتذِرًا عن النقاش حاليًّا، واختار البعض الآخر عدمَ الردِّ أصلًا؛ بل اللجوءَ إلى الطعنِ والافتراءِ. فليعذِروني جميعًا أني اضطُرِرتُ للخروج بهذه المادة على العلن، فإن الأخطاء التي وقعوا فيها في هذا الموضوع على العلن كبيرةٌ جدًّا، ولها أثر سلبيٌّ للغاية. ومع ذلك فأسأل الله أن يهديَنا وإياهم لما يحب ويرضى، وأرجو من إخواني أن يحاولوا التأثيرَ على الشخصيات المذكورَةِ بالنّصح والتذكير، لا بالتهجّم ولا التجريح. الدكتور (نضال قسُّوم) في حلقةٍ له من برنامجه (تأمَّل معي) بعنوان: (نظريَّةُ التطوُّر وأدلَّتُها العلميَّة) يقول: "يقول لك: (حسنًا، أين هذه الحلقات المفقودة بينهم؟ أين هذه الأجناس؛ الهياكل،... التي تقولون أنها بين الإنسان وبين القرد القديم؟ أين؟ أرني أنت الحالة التي تبين... أن الإنسان كان شيئًا قبل الإنسان،... وأنه انحدر فعلا من قردة أو القردة الكبيرة -أحيانًا تسمى Apes،... لدينا عددٌ كبيرٌ من هذا النوع من الأحافير، صدَّقوا أو لا تصدِّقُوا!" "نجد أن هذه الجماجم تتراوح في الأعمار بين قرابة مليوني سنة إلى أحدثها الأخير، ربما تقريبًا ثلث مليون سنة (300,000)... وفعلا عندما نأتي إلى كل واحدةٍ من هذه الستة وننظرُ إلى حجمها وعمرها... نجدها أنها فعلا تتسَلسَل من الأقدم إلى الأحدث وتصير تقترب إلى البشر". لا عفوًا يا دكتور… هذه الدعاوى لأتباع التطور قديمة جدًا، من عام 1963 كما أوضحنا، وأنا لا أدري -حقيقة- من أين تأخذ معلوماتك، خاصَّةً أنك لا تضع مراجعَ عند كلِّ معلومة. حسنًا، ماذا نفعل -يا دكتور نضال- مع آيات الله في القرآن، التي تتكلم عن خلق آدم بيدي الله تعالى؟ يجيبك الدكتور: "أوّلا أنا أحكم على أي نظريَّة سواءً تطور أو (بيج بانج) أو جاذبية آينشتاين... أو (كوانتم ميكانيكس) أو ذرية أو نووية… أحكمُ عليها بأدلَّتها العلمية،... لا أحكمُ عليها بكتبٍ دينيَّةٍ، وإلا فستصير العملية مفتوحةً على كل الاحتمالات… يأتيني كتاب آخر، واحدٌ يحكم لي من كتاب هندوسي، واحدٌ يكتب لي من التوراة،... واحدٌ من التلمود، واحدٌ يحكم على النظرية بالقرآن، واحد... لن ننتهي هكذا". لا يصِحُّ أن يُوضع القرآنُ في سلَّةٍ واحدة مع كتبِ الأديان الباطلة والمحرَّفةِ، ككتب الهندوسِ والتوراةِ والتلمودِ، أليس كذلك يا دكتور؟ ويقول لك: "عندنا حل من حلين: نقول له: (لا لا، هو صحيح أن كتابك يقول هذا، ولكن كتابك غلطان)، أو نقول له: (لا، لا تفهمها بهذه الطريقة، الذي اختاره البشر، سواء المسلمين أو حتى النصارى أو اليهود، ألا نفهم هذه الآيات بهذه الطريقة… بل نعيد تفسيرَها) وهل اليهود والنصارى أُسوةٌ للمسلمين؟ وهل القرآن ككتبهم في الاحتواء على المغالطات ومصادمة العقل والعلم لتطالبنا أن نفعل مثلهم يا دكتور نضال؟ - "فهذه النظرية… فهذه الحقائق عن التطور ثابتةٌ في الأرض… ما لها علاقة بـ(تَقبلُ، لا تَقبلُ) أنت حر، الآن -كما قلت لك آنفًا- تأتي في الكتب الدينية -في القرآن وغيره- يتكلم عن الإنسان وأصل الإنسان وخلق الإنسان... فيأتي الناس، ومن الطبيعي أن يسألوا: حسنًا، هذه الآيات كيف أفهمها على ضوء ما تقولون أنتم يا علماء؟... هل هناك إمكانية أن نفهم هذه الآيات على منوال... بطريقة تكون متناغمة مع ما يقوله العلم؟... أنا أقول: نعم" = "أن نُؤَوِّل النص". - "نُؤَوِّل الأجزاء التي يبدو أنها -إذا فُهِمتْ حرفيًّا- تتناقضُ مع العلم". ماذا يعنى بـ(نُؤَوِّل القرآن)؟ يعني أن الدكتور يَعدُّ القولَ بخلقِ الإنسان كما هو واضحٌ من القرآن والسُنّة وكما فهمته الأمَّة عبر القرون، يعدُّ ذلك فهما سطحيًا. "عندما ننظر إلى الآيات القرآنية -وإذا نظرنا إليها بسطحيَّةٍ وحَرْفِيةٍ- نرى وكأنَّ الإنسان هذا خُلق بشكل مستقل تمامًا عن باقي الخليقة". ويتكلم (د.نضال) عن إنسان بدائيٍّ كما في الأفلام الهوليوودية التطورية، فيقول: "وهذا هو تاريخ الإنسان، في الأول كان إنسانًا بدائيًّا، لا يفهم شيئًا، لا يفهم، يظن أن الأشياء تصير حواليه هكذا... كلها مخيفة، وهناك آلهات كثيرة، وكل آلهة ... تتعارك في السماء هذه الآلهات ... وكذا... وبعدها ابتدأ يتطوَّر قليلًا مع نفسه، وابتدأ يفكر: أنا لي معنى، وجودي له معنى، حياتي هنا لها ضوابط، ما هؤلاء الأشخاص... حسنٌ، وهذا الذي يقول شيئًا آخر عني و...و…". هذه محاور اختلافنا مع المروِّجينَ لفكرَةِ تطوُّر الإنسان عن كائنات أدنى: 1. لا منهجيَّةَ للتفريق بين العلم الحقيقيِّ والخرافات. 2. لا منهجيَّةَ في التعامل مع القرآن، بل وجرأةٌ على الخوض فيه بغير علم. 3. ولا منهجيةَ في التوفيق بين الوحيِ والعلومِ الطَّبيعيَّة. والنتيجة بالنسبة لهم: تطوّر الإنسان حقيقة، والطريقةُ الوحيدة لتحافظَ على القرآن هي أن نُعيد تفسيرَه بما يتوافق مع "حقيقة التطور" كما فعل أصحاب الأديان الأخرى، ولعلَّ الدكتور يطَّلعُ على هذه الحلقةِ وسابقاتِها ليعلم أن "العلم" الذي يريد إعادةَ تفسير القرآن من أجلِه ما هو إلا خيالات هوليوودية وسيناريوهات رأينا ظُلُمَاتِها المُتراكمة. من أشكال إعادة التفسير هذه ما ذكرته إحدى الدكتورات في مجال البيولوجيا، والتي كرَّرَت في مقطع من ثماني دقائق عبارة (التطوّر حقيقة… التطوّر حقيقة) ثماني مرات! ثم قالت: "إذن، من هو آدم؟ ﻻ أحد يعرف إجابة هذا السؤال، وبالتأكيد ليس لدي الإجابة على هذا السؤال، ولكن ما أقترحه هو -وهذا هو رأيي الشخصي- أنَّ آدم المذكورَ في القرآن هو كنايةٌ أو مجازٌ عن الإنسانية ومثالٌ عامٌّ لها". إذن فتعتقد الدكتورة أن آدم -عليه السلام- ما هو إلا كنايةٌ (metaphor)، رمزٌ للبشريَّة بشكل عامّ، وليس كائنًا حقيقيًّا مستقِلًّا محدَّدًا. سُئلتْ مُجَدَّدًا فأكدَّت وقالت: "ربما… ولهذا أقول أنه مجازٌ، فآدم يمُثِّل مجموعةً من البشر تطوَّرتْ… وعندما نقول أنها مجموعةٌ تطوَّرت من أسلافِهم السابقين، فنحن في الغالب نتحدَّث عن تطوِّر القدرةِ الإدراكيَّةِ، والتفكيرِ المجردِ، والوجدان، لذا... فنعم، من الممكنِ جِدًّا القولُ بأنَّ هذه المجموعة قد تطورت، وأصبح لديها هذه القدرة العقلية العالية، الإدراكُ العالي، أو إن أحببت أن تطلق عليها (الروح)". إذن بحسب الدكتورة فآدم قد يكون مجازًا عن مجموعةٍ من البشر تطوَّرت لديهم القدراتُ العقليَّة والإدراكُ وما إلى ذلك. ولنا أن نسأل الدكتورة: إذا كان آدم كنايةً أو مجازًا يا دكتورة وليس كائنًا محدَّدًا حقيقيًّا، فكيف سنفهم قول الله -تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ﴾ [القرآن 7: 27] وقولَه تعالى: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ﴾ [القرآن 20: 117] وغيرُ هذه الآياتِ الكثيرُ الكثيرُ، وغيرُها الكثيرُ الكثير من الأحاديث الصحيحة في الحديث عن آدم -عليه السلام. ولا شك أن الذين يتجرَّؤون على القرآن بهذه الطريقة فَهُمْ على السُنة أجرأُ، ما الذي يمنعُ أصحاب التفاسير الباطنيَّةِ للقرآن من تفسيرِ القرآن كما يشاؤون، حيث يخترع من شاء ما شاء من المعاني، ويزعُم أنَّها هي المقصودةُ بهذه الآيات وليس معانيها الواضحة الظاهرة، كَمَا حصل مع الحركات الباطنية في التاريخ الإسلامي؟! إذا كان آدم -الذي فصَّل القرآن في قصَّته تفصيلًا- مجرَّدَ رمزٍ أو مجازٍ، فما الذي يمنع أن تكون الجنَّة مجرَّد مجاز؟ والنار: مجازٌ، والآخرة: مجازٌ… بل ولماذا لا يكون الله -عز وجل- مجرَّد مجازٍ؟! تذكروا -إخواني- من أجل ماذا يتمٌّ الخوض في القرآن بهذا الشكل. من أجل خرافات؛ ظلماتٍ بعضها فوق بعض. الدكتور الروائي (أحمد خيري العُمري) يروِّج أيضا لفكرة فهم آيات بناء على نظرية التطور، وقد أصدر كتابه: (ليطمئنَّ عقلي) الذي أعاد فيه نفس استدلالات المواقع الشَّعْبَوِيَّةِ على صحَّة التطوَّر، غيرَ ملتفتٍ طبعا إلى ردودِنا وردودِ الكثيرين العلميةِ المفصَّلةِ على كلٍّ منها، ثم أتبع هذه الأدلة بقوله: "ولعله من نافلة القول أنه لا يمكن لأي نظرية علمية أن تكون بديلةً لنظرية التطوُّر... دون أن تأخذها أوًّلاً على محمل الجد التام والدراسة العلميَّة المكثَّفةِ... خصوصًا أنَّ سِجِلَّ الأحافير الذي تستخدمه نظريةُ التطوُّر... يضمُّ ملايين الأحافير إن لم يكن المليارات منها". جُملةٌ مُصاغةٌ بطريقةٍ توهِم أن هناك الملايين أو الملياراتِ من الأدلَّة على الخرافة من الأحافير، "سجل الأحافير الذي تستخدمه نظرية التطور". بعيدًا عن المبالغةِ الشديدةِ في الأرقامِ فهذا السِجِلُّ مليءٌ بأحافيرَ لهياكلَ بشريَّةٍ وحيوانيةٍ مثيلةٍ للمخلوقات المعروفة الموجودة حاليًّا بيننا، ولم يدَّعِ ولا حتَّى كبارُ مروِّجي الخرافةِ الأجانبِ أنها دليلٌ على التطوَّر، وإنما الحديث عن أحافيرَ محدودة أريناكم -اليوم وفي حلقاتٍ ماضيةٍ بالتفصيل العلمي ومن أوراقهم- ما يُكذِّب دلالتها على التطوُّر. في المقابل الدكتور العمري الذي أصدر سلسلته في التحصين من الإلحاد بعنوان (Anti-إلحاد) عنده مشكلةٌ في تعريف الإيمان نفسه، فهو يقول: "في الحقيقة الإيمانُ بأيِّ شيءٍ يحتاجُ إلى هذه القفزة؛ الـ(Leap)، أن تؤمن بشيءٍ دونَ كل الأدلَّة القاطعة الحاسمة". ومثلَ هذه العبارات وغيرَها من العبارات التي تجعل الإيمان بوجود الله -وبالغيب عمومًا- أمرًا أغلبيًّا لا قطعيًّا يقينيًّا، وهو ما وضَّحنا بُطلانه تمامًا في حلقة (الله غيب، هل معناه أن وجوده غير يقيني؟) وحلقة (هل يمكن إثبات وجود الله علميًّا؟) وغيرِها من رحلة اليقين. فعندما يكون تطوُّر الإنسان مؤيَّدا بالأدلة العلمية القويَّةِ -كما يقول الدكتور العمري، بينما الإيمان بالله نفسِه لا يمكن البرهنة عليه بشكل قطعي، ويحتاجُ قفزة في الفراغ فلا عجَبَ أن يتأوَّل القرآنَ ليناسِب تطوُّر الإنسان. أما الدكتور عدنان إبراهيم فقد بيَّنَّا طريقتَه في ترويج خرافة التطوُّر عمومًا في حلقة: (لماذا يلحد بعض أتباع عدنان إبراهيم؟)، وفي حلقة اليوم ما يُفنِّد دعاواه عن تطوُّر الإنسان. وأنا ختاما أسأل من يروِّجون لهذه الخرافة من العرب: هل أنتم تقرؤون الأوراق العلمية؟ هل تعودون إلى الأبحاث الأصلية وتقرؤونها بلغتها الأصليَّة للتحقُّق من صحَّة المعلومات وصحَّة الاستنتاجات؟ أم أن مصادرَ معلوماتكم هي المواقعُ التي يَضحك بها أتباع الخرافة على الناس، والرسوماتُ التي يستخدمها مروِّجو الخرافة الشَعْبَوِيُّون؛ فتنقلون عنهم كأنهم أناسٌ ثقاتٌ مُؤتَمنُون؟ أَلِأَجْلِ هذه الخرافات المُهتَرِئة تريدوننا أن نعبث بتفسير كتاب الله -تعالى- ونتجاهل الأحاديثَ الصحيحة؟ عندما تعود إلى القرآن لتطَوِّع نصوصَه بما يناسب العِلم الموهوم، وكأنَّ القرآن مائعُ الدلالة، قابلٌ للتشكُّل حسب الطلب، هل أنت بذلك تُوفِّقُ حقيقةً بين العلم التجريبي والقرآن؟ أم تسقط هيبةَ القرآن من قلوب المسلمين بجَعْله تابعًا هُلاميًّا؟ هذا القرآن عزيز؛ ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ۝ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [القرآن 41: 41-42] لا يلتبس بباطل، ولا يُفسر بباطل، ولا يُطوَّع لباطل، كتاب مُهيمِن، حاكمٌ غير محكومٍ، قائدٌ لا مقودٌ؛ ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ۝ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ [القرآن 86: 13-14] إذا أدركت هذا كلَّه -أخي وأختي- فانفضْ عنك تخاريفَ العلم المُزيَّف، وأصغِ بسمعك وكيانك إلى قول ربك -سبحانه- وهو يذكِّرك بأصلك، بكلامٍ فصْلٍ لا لبسَ فيه ولا غموضَ، ليَجعل من بعد ذلك لحياتك معنًى، ويبنيَ عليه منظومةً أخلاقيةً، إذ تعلم أنك عائدٌ إليه فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا۝ وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ [القرآن 4: 1-2] نسأل الله -تعالى- أن يهدينا جميعًا ومن يخالفُنا لما يحبُّ ويرضَى. والسلام عليكم ورحمة الله .