تجد عنه معلوماتٍ وصورًا على الشبكة العنكبوتية تحتَ عنوانِ: هيومن زوز "Human Zoos"، أي حدائقِ الإنسان، [الإلحاد وعالم القرود] الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، هذا ما سنعرِفه في هذه الحلقة (مؤثرات صوتية) تَصوَّر أنّنا في بلدٍ يكثُر فيها القرود، ويُشاطرون السكان البشريِّين لقمة العيش. ومع ذلك، أطعَمنا هذه القرود، زوَّدناها بالمساكن، عالجناها وعاملناها كالبشر تمامًا وكان هذا كلُّه على حسابِ البشرِ الحقيقيِّين فلم نُوازن بين الرِّفق بالحيوان والرِّفق بالإنسان، فتكاثرت القرود، وتلاشى البشر. هل يكون هذا تصرُّفًا أخلاقيًا؟ وما علاقة هذا بالإلحاد؟ رأينا في الحلقةِ الماضيةِ دلالةَ النَّزعةَ الأخلاقيّةَ على وجودِ اللهِ، وأنَّ المُنكِر لوجوده تعالى يَفقدُ أيَّ أساسٍ للأخلاق. اليوم، سنرى أنَّ هذا الإنكار -أي هذا الإلحاد- لا يقفُ عند هذا الحدِّ، بل هو سببٌ في الإجرامِ والعدوان. الملحِدون حين أنكروا الله، لَجأ مُعظَمُهم إلى ما يُعرف بنظرية التطوّر لداروين "Charles Darwin"، كتفسيرٍ لوجود الإنسان، وسنُناقش هذه النظرية نقاشًا علميًا في الموضِع المناسب بإذن الله، وإنّما يَعنينا هنا الإشارةُ إلى بعضِ النتائج الأخلاقيّةِ للتطّور الدارويني، لِنرى، هذا الذي تبنَّى التطوّر كبديلٍ عن وجود الله، هل زوَّده هذا البديل بأيّ أساسٍ للأخلاق؟ أَمْ على العكسِ تمامًا؟ التطوُّر الدارويني يقوم على أنَّ الكائنات جاءت عَبْر تطوُّر خليةٍ أولية بطَفراتٍ عشوائيِّة وانتخاب طبيعي. الانتخاب الطبيعي يعني أنَّ البقاءَ في هذه الطبيعةِ هو للكائنِ الأصلحِ في قدرتِه على التكيُّف مع الطبيعة، و البقاء للأصلح يعني الصّراع مع الكائناتِ الأخرى الأحطّ في السُّلَّم التطوُّريّ. فالصراعُ هو قانون الطبيعة حَسْب داروين، نَشَرَ ذلك في كتابه (أصل الأنواع)، ثُمَّ في كتابه "The Descent of Man" (أصل الإنسان). سحب داروين نظريّته على الإنسانِ، واعتبر أنّه تطوَّرَ من أصلٍ شبيهٍ بالقرود، وحين يتكلَّم داروين عن الإنسان الأرقى تطوُّريًا، فإنَّما هو يقصد الأوروبيّ الأبيض، أمّا باقي الأجناس، فهم عند داروين في مرحلةٍ وسطى بين القرود والغوريلّا وسلفِهم وبين الإنسان، يعني لم يكتمل تطوُّرهم بعد. بنى داروين ذلك على كونِ هذه الأجناس أقربَ من الأوروبيِّين إلى القرود في نظره في بعض الصفات كلَون البشرة، أو محيط الرأس، أو تَفلْطُحِ الأنف، أو بروز الجبهة للأمام، أو كِبَرِ حجم الفكّ أو الشفتين، ثم استنتج داروين أنَّ الأعراقَ الراقية من الإنسان لن تُتابع الارتقاءَ التطّوريَّ إلّا من خلال الصراعِ لإبادةِ الأعراقِ المُنْحَطَّة، وهذا هو أساسُ الداروينيّةِ الاجتماعيّةِ "Social Darwinism" والتي تعني تنزيلَ قوانين داروين في الأحياءِ على علمِ الاجتماعِ. وعليه، فلا مانعَ أنْ تَقوم الأجناسُ التي تَعتبر نفسها أكثر تطورًا داروِينيًّا باصطيادنا في الطرقاتِ، وسلبِ مُمتلكاتنا وتسخيرِنا لِمنفَعتِهم، تمامًا كما نفعلُ نحن بالحيواناتِ، لأنَّنا حسبَ داروين مُجّرَّد حيواناتٍ أكثَرُ تطوُّراً من سائر الحيوانات، فما نفعله نحن بالحيوانات، يمكن أن يفعله بنا من هم أكثَرُ تطورًا مِنَّا. لحظة!! هذا ليس مُجرَّد افتراض، هذا حَصَلَ بالفعل.. كيف؟ يقول تشارلز داروين في كتابِه (أصلُ الإنسانِ) في الفصلِ السادسِ: (بالإنجليزيَّة) "في فترةٍ مستقبليّةٍ ما ليست ببعيدة -إذا ما قِيست بالقرون- ستَقوم الأجناس المتحضِّرة من الإنسان، وبشكل شِبه مُؤَكَّد بإبادة واستبدال الأجناس الهَمَجيِّة عَبْر العالَم" أَطلق داروين بأفكاره هذه الرصاصة على إنسانيّة الإنسان، واستند عليها الأوروبيّون للقيام بإباداتٍ جماعية وحملات تطهيرٍ عِرقيّ، خاصَّةً ضد الإفريقيِّين، وسُكَّان الأمريكتين وأستراليا الأصليين، فهؤلاء أقربُ للحيواناتِ في نظرِ الداروينيِّين. صحيحٌ أنَّ كثيرًا من المُمارساتِ الإجراميّةِ كانت تَتِمّ قبل انتشار فكرةِ التطوّرِ الداروينيِّ، لكنَّ هذه الفكرةَ أراحَتْ ضمائرَ المجرمينَ، فقد أصبح لِجَرائمهم مبرِّرٌ علميٌّ، فاسْتَمرّوا في أفعالهم، بلْ وتَصاعدَت وتيرتُها. مَلَفّ الإجرام الذي مُورِسَ كبيرٌ جدًا، لا يتَّسِع له المقام، لكن، إشاراتٌ سريعة تُقَرِّب لك الصورة.. بعد فكرة التطوّر الداروينيّ، بدأت حملاتُ إبادةِ سُكّانِ أستراليا الأصليّينَ في أواخرِ القرنِ التاسعِ عشر، وقالَ نائبُ رئيسِ الجمعيّةِ المَلكيّةِ في تاسمانيا "Tasmania" -إحدى جزرِ أستراليا- جيمس برنارد "James Bernard" عام 1890: " لقد أصبح مُسَلَّمَةً بديهيّة أنّه ووِفقاً لقانونِ التطوّرِ والبقاءِ للأصلح، فإنَّ الأعراقَ الأحطَّ من الجنسِ البشريّ يجب أن تُفسِح المجال للأنواعِ الأعلى" وسنقومُ بوضعِ روابطَ للتوثيقِ عندَ ذِكر المعلومةِ وفي التعليقاتِ، لأنّ الحقائقَ صادمةٌ، تكادُ لا تُصدّق. وشمِلت الحملات سرقةَ أعدادٍ كبيرة من الأطفالِ الأستراليّين الأصليّين، وتمّ إرسالُ أعدادٍ كبيرةٍ منهم إلى متاحف التاريخ الطبيعيّ في أمريكا وبريطانيا، لتحديد ما إذا كانوا يُشَكِّلون الحلقةَ المفقودةَ في طريقِ تطوّرِ الحيوانِ إلى إنسانٍ. وقد اعتذرَ رئيسُ وزراءِ أستراليا كيفن رود "Kevin Rudd" للأجيال المسروقة، قبل 9 سنوات فقط، في 13 فبراير 2008. وانتشرَ الخبرُ بعنوانِ: "الإعتذارُ الرسميّ من كيفن رود للأجيالِ المسروقةِ" هذا بالاضافةِ إلى إحداثِ العقمِ بشكلٍ قَسريٍّ جَبريٍّ، والذي كان يمارسه الداروينيّون عَبْر العالَم على العِرقيَّات التي يعتقدون أنّها أحطُّ تطوُّريًا، أو الذين يحملون صفاتٍ وراثيّة غير مرغوبٍ بها. وبالتالي، فهؤلاء عِبءٌ على الطبيعة، فوَجب إحداث العُقم فيهم لينقرضوا ويَتحقَّق تحسين النسل أو ما يعرف بالـ "Eugenics". وللعلم... فقبلَ عامينِ فقط في فبراير 2015، وافق نوّاب البرلمان الأمريكي على حصول كلّ ضحيّةٍ ما زال حيًا من ضحايا التعقيم القسري على 25 ألف دولار، وذلك بعد مَاراثون طويل نتيجةَ ما أقَرَّته المحكمة العليا الأميركية في 1927 من قانونِ التعقيمِ لتحسينِ النسلِ في ولايةِ فرجينيا. يَعتذرون عن الأجيال المسروقة، ويُعوِّضون عن التعقيم، لكن السؤال الذي يَطرح نفسه: هل هم بذلك يَتبَرَّأون من التطوّرية الداروينيّة ويَتراجعون عنها؟ هل هم باعتذارهم يُقرُّون بأنّ النّاس جميعًا سواسيةٌ من الناحية البيولوجيّة؟ أبدًا. بل لا زالوا يَتَبنَّون الداروينيّة، ولا زالت عقيدتها في نفوسهم. وبدافع الداروينيّة أيضًا، أقنع البِيضُ بعضَ القبائلِ الإفريقيّةِ أنّها أرقى تطوُّريًا من قبائلَ أخرى، لِاختلاف طول الأنف أو ارتفاع القامة، إلى آخره... وكان ذلك أحد الدوافع لحروب إبادةٍ بين هذه القبائل التي كانت تعيش بسلام، كما في مأساةِ رواندا "Rwanda" بين التوتسي والهوتو"Tutsi and Hutu". في الأخلاقيّات الداروينيّة، فإنّه لا مانع لأمّةٍ أن تضع مَنْ تَراهم أقلّ منها تطوّراً في حدائقِ إنسانٍ، تمامًا كما نضعُ الحيواناتِ في حديقة الحيوانِ. والمفاجأةُ أنَّ هذا ليسَ افتراضًا، بل حصل بالفعل، بل وشكّل ظاهرةً في أمريكا ودولٍ أوروبيّة عديدة، هناك أرشيفُ صورٍ مؤلمٍ، ومقالاتٍ كثيرةٍ عن الموضوعِ، مثل الذي بعنوان: "التاريخُ المَنسيّ لحدائقِ الإنسانِ"، لكنّها مقالاتٌ تحتوي صورًا مكشوفة، لأنّ بعض حدائق الإنسان كانت تَمنع هؤلاء البشر من ارتداء الملابس، بل تَتركهم عراةً تمامًا، رجالًا ونساءً، والمطلوب منهم أن يخرجوا لزوّار الحديقة، ويَستديروا ليتأمّل هؤلاء "الرَّاقون" تلك المخلوقاتِ على اعتبارِ أنّهم حيوانات. هذه طفلةٌ في بروسيلز "Brussels" في بلجيكا عاملها البِيضُ على أنّها أحطَّ منهم في السلُّمِ التطوّريِّ، فكانوا يحتفظون بها في قفصٍ، ويطعمونها كالحيوانات. وهذا أوتا بنغا "Ota Benga" عام 1906، والذي قتل التجّارُ أهلَه وقبيلتَه في إفريقيا، ليبيعوه إلى الداروينيّن الذين اعتبروه دليلًا على التطوّر، وكان مطلوبًا منه أن يَتصوّر مع الشامبانزي في حديقة برونكس "Bronx" في نيويورك "New York" ومِثلُه كثير... وهذه الصورة في فرنسا، امرأةٌ مع طفلها في حديقةِ إنسانٍ، وهذه صورةٌ من قريةِ زنوجٍ في فرنسا، حيث كان السُّود يُستعرَضون مع الحيوانات، وقائمةُ المآسي الداروينيّة تطولُ.. بل لم يَسلم الداروينيّون من شرّ أنفسهم، و بِاسم الداروينيّة أيضًا، فبعضهم رأى نفسَه أرقى من البعضِ الآخر تطوُّريًا، فبعد 40 عامًا من كتاب داروين (أصل الإنسان)، قامتِ الحربُ العالميّة الأولى. ما علاقة الحربُ العالميّة الأولى؟ أليس سببُها حسبما تعلّمناه في المدارس هو اغتيالَ وليِّ عهد النمسا وزوجتِهِ مِنْ قِبَل طالب صربيّ؟! هذه كانت مُجرَّد شرارة، لا تُفسِّرُ اشتعال أوروبا كلِّها خلال أيّام لتنخرطَ في هذه الحربِ. إنّما كانت هناك عواملٌ شحنتِ النّفوسَ للحرب، أسبابٌ دينيّة، سياسيّة... ومن أهمّ الأسباب انتشارُ الداروينيّة الاجتماعية، التي هَيّأت كثيرًا من الأوروبيّين المؤمنين بها لدخول الحرب، والتصرُّفِ فيها كحيواناتٍ برِّيَّةٍ، فالصراع وسفك الدماء هو قانون الطبيعة عندهم، وقد ذكر هذا الدور الداروينيّ في الحرب، كثيرٌ من الكُتَّاب كالكاتب البريطاني جيمس جول"James Joule" في كتابه (منابِع الحرب العالميّة الأولى)، وكذلك ريتشارد هفستاتر "Richard Hofstadter"، في كتابه: (الداروينيّة الاجتماعيّة في الفكر الأمريكي)، والذي أُلِّف أثناء الحرب العالمية الثانية. بل وأنتجَ الفكرُ الداروينيّ كبارَ السفاحيّن كهتلر "Hitler" الذي أسَّس النازيّة على تَمَيُّز العرق الآريّ الألمانيّ، كما في كتاب: (الداروينيّة وهولوكوست العِرقيّة النازيّة)، وستالين "Stalin"، كما في كتاب (علامات في حياة ستالين) ليرسلافسكي "Yaroslavsky"، والذي جاء فيه: "في سنٍّ مبكِّرةٍ جدًا، وبينما كان لازال تلميذًا في المدرسة الكَنَسِيَّة، نضجَ لدى الرفيق ستالين العقل النَّقدي والمشاعرُ الثَّورية، حيث بدأَ القراءةَ لداروين وأصبح ملحدًا". وقبل عامين، نشرت السي إن إن "CNN" الأمريكية تقريرًا بعنوان : "الحربُ مظهرٌ من مظاهر الداروينيّة الاجتماعية" خَلُص الى العبارة التالية: "عندما تَلعب الداروينيّة الاجتماعية في غابةِ السياساتِ الدوليّةِ، فإنّ الحروبَ تبدو حَتميّةً" هنا سيقولُ لكَ الملحدُ: "هناكَ في المقابلِ حروبٌ لا تُحصى بدوافعَ دينيّة" أولًا- لا يعنينا المقارنةَ بالأديان بعُمومها، فمِنها الحقُّ، ومنها المُحرَّفُ، ومنها الباطلُ، لكن نقول هنا: نحن نتكلَّم عن داروينيّةٍ الحربُ فيها هدفٌ بِحدِّ ذاتها، ولا أخلاقَ لها ولا ضوابطَ، وليس هذا سُوءَ ممارسةٍ لها، بل هي كذلك.. هذا فِكرُها.. أمّا الحروبُ في الإسلامِ، فسنناقشُ لاحقًا بالتفصيلِ بإذنِ اللهِ، إنْ كانت هدفًا بحدِّ ذاتها، وما أهدافُها وضوابطُها وأخلاقيّاُتها، وحتى ذلكَ الحينِ، سنَضعُ في التعليقاتِ محاضرةً كنّا نشرناها عن الموضوع.