اهبوا اهبة عدوهم واخبرهم بوجهه الذي يريد. هذا لفظ البخاري وانت تسمع كما سمعت قبل قليل ان اللفظ واضح في حكاية كعب يقول ما كان يخرج عليه الصلاة والسلام في غزوة اعلم فقال انا. فعتب الله عليه اذ لم يرد العلم اليه. فاوحى الله اليه ان لي بمجمع البحرين هو اعلم منك. قال موسى يا رب فكيف لي به؟ قال تأخذ معك حوتا فتجعله في الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الارض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد. احمد الله تعالى واشكره واستعينه واستغفره. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله صلوات وتربي وسلامه عليه وعلى ال بيته وصحابته. ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين صلاة وسلاما كل وقت وان صلاة وسلاما اكد ما تكون في هذه الليلة المباركة الشريفة. التي يقول فيها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم اكثروا من الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة. فان صلاتكم معروضة علي جرت اليك رسول الله اشواقي نهرا من الحب دمعا ملء احداقي صلى عليك الهي ما قمر في الليل او شع نور وقت اشراقي. فيا رب بلغنا بالصلاة والسلام عليه منازل الفردوس وسكناها وصحبته وشفاعته يوم نلقاك. يا اكرم الاكرمين. وحسب مجلسكم هذا ايها المباركون ان يحملكم الليلة على الاستكثار من الصلاة والسلام عليه. صلى الله عليه وسلم وانتم تنعمون بالجلوس في مجلس يذكر فيه شأنه وحقوقه وشمائله صلوات ربي وسلامه عليه تجمعون الى شرف هذه الليلة بركة المكان في بيت الحرام وشرف هذا المجلس بذكر النبي المصطفى صلى الله عليه واله وسلم. في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم للامام القاضي عياض ابن موسى الي رحمة الله عليه ما زال حديثنا موصولا في فصول القسم الاول من الباب الثالث من الكتاب في ذكر العصمة. وما الذي حبى الله به الانبياء عليهم السلام جميعا نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة. وكيف فضلوا على البشر بهذا المعنى الالهي من العصمة والحفظ والصيانة ان يكون في شأنهم واحوالهم وعقائد قلوبهم عليهم السلام ان يكون فيها نقص او خلل او شك او اضطراب لا يليق من اختارهم الله واصطفاهم لرسالته وتبليغ العباد وحيه وشريعته. وقف بنا الحديث ليلة الجمعة الماضية في الفصل الذي عقده الامام القاضي عياض رحمه الله لذكر بعض الاعتراضات والشبه الواردة على الاصل الذي في عصمتهم عليهم السلام من الكذب. والاخبار بخلاف الواقع. فلما قرر ذلك الاصل اورد جملة من النصوص التي ربما اوهم ظاهرها شيئا من خلاف ذلك الاصل المتقرر. واورد اولا حديث قصة سهوه عليه الصلاة والسلام في الصلاة. وليس الشأن في الحديث عن السهو وجوازه من عدمه. فذلك ات ان شاء الله لكنه في اثناء ما دار من الحوار بين رسول الله عليه الصلاة والسلام وذي اليدين في قصة السهو في الصلاة لما سأل له اقصرت الصلاة ام نسيت يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام كل ذلك لم يكن. وفي رواية ما قصرت الصلاة وما نسيت فاخبر بشيء والواقع كان خلاف ذلك. وتبين بعدة اجابات ساقها المصنف رحمه الله تعالى فيما مر معنا ليلة الجمعة الماضية انه ليس شيء من ذلك اخبارا بخلاف الواقع. وانما اخبر بما اعتقد له وكان يظنه من نفسه عليه الصلاة والسلام واما حديث اني لانسى او انسى لاسن فقد تقدم انه فيما اخرجه الامام مالك رحمه الله في الموطأ بلاغا عن النبي عليه الصلاة والسلام والتي قال فيها الامام الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله لا اعلم هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا ولا مقطوعا من غير هذا الوجه وهو احد الاحاديث الاربعة التي في الموطأ التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة ومعناه صحيح في الاصول وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله لا اصل له فانه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد والاكتفاء بذلك الجواب مقنع ان شاء الله. لكن القاضي عياض كما جرت عادته رحمه الله يسوق من الاجابات الواردة التي يذكرها اهل العلم. ما كان قويا منها وما كان ضعيفا فانه كان بصدد جمع مثل هذا الكلام لاهل العلم في هذا المقام. ولذلك غدا كتابه الشفاء كتابا عظيما مرجعا لاهل العلم ممن جاؤوا بعده الى زمان الناس هذا. وعامة كبار شراح الاحاديث والمفسرين في مثل هذه المسائل يعدون كتاب الشفا للقاضي اليوم رحمه الله مرجعا فيما قرره وحرره وجمعه من الاقاويل وما يسوقه رحمه الله من الاثار في تلك الواردة في هذا الكتاب وقف بنا الحديث عند موضع اخر من مواضع الاستشكال التي ربما اثارت شبهة اشكالا على ذلك الاصل المتقرر. عدم جواز الكذب على الانبياء. وانه لا يكون منهم بحال ابدا اخبار في الواقع فساق في الموضع الثاني قصة ابراهيم عليه السلام والحديث الذي ورد فيه كذباته الثلاث صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم وقف بنا الحديث في اثنائها والمصنف رحمه الله قد اوردها وجاء ايضا فيما يتعلق باجاباتها بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال المصنف رحمه الله تعالى فصل في رد بعض الاعتراضات والشبه كسه صلى الله عليه وسلم في الصلاة وقول ابراهيم اني سقيم الى ان قال واما قصة كلمات ابراهيم عليه السلام المذكورة في الحديث انها كذبات الثلاث المنصوصة في القرآن منها اثنتان. قوله اني سقيم. وقوله قالوا اانت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم؟ قال بل فعله كبيرهم هذا. وقوله للملك عن زوجته انها اختي فاعلم اكرمك الله ان هذه كلها خارجة عن الكذب. لا في القصد ولا في غيره وهي داخلة في باب المعاريظ التي فيها ممدوحة عن الكذب. هذا الجواب اجمالا عما يتعلق بشأن الخليل ابراهيم عليه السلام واعلموا يا كرام ان الحديث الوارد المشار اليه فيما ساقه المصنف هنا اختصارا وقد اخرجه الائمة في السنن كما هو في الصحيحين عند البخاري ومسلم. وموجز ذلك كما في حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يكذب ابراهيم النبي عليه السلام قط الا ثلاث كذبات. وهذا هو موضع الشاهد في الاشكال. النبي عليه الصلاة والسلام يصف ما صدر عن ابراهيم عليه السلام بالكذب. قال لم اذ ابراهيم النبي عليه السلام قط الا ثلاث كذبات. ثنتين في ذات الله قوله اني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وواحدة في شأن سارة قوله ثنتين في ذات الله يعني كانت منه عليه السلام حمية وغضبة ونصرة لله عز وجل فانه ما قال اني سقيم الا لما اراد التخلف عن قومه اذ خرجوا في عيدهم وانما بقي عليه السلام لاجل تكسير الصنم. والاخرى كذلك لما قال بل فعله كبيرهم هذا. فانما كان ايضا في ذات الله لانه اقام الحجة بها عليهم. لما قالوا اانت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم. قال بل فعله كبيرهم هذا اسألوه ان كانوا ينطقون فقامت كانت حجة فرجعوا الى انفسهم فقالوا انكم انتم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم. لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال افتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم اف لكم. ولما تعبدون من دون الله افلا تعقلون هذا المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم ثنتان في ذات الله قال وواحدة في شأن سارة ثم بين عليه الصلاة والسلام في حديث الصحيحين قصة سارة والمقولة التي كانت احدى الكلمات الثلاث التي كانت من ابراهيم عليه السلام. قال فانه قدم ارض جبار ومعه سارة وكانت احسن الناس قال لها ان هذا الجبار ان يعلم انك امرأتي يغلبني عليك فان سألك فاخبريه انك اختي. فانك اختي في الاسلام فهذا الشاهد فيه فقال لها اذا وقعت في يده فليكن منجاتك قولك انك اختي. لانه لو علم انها زوجته لضرها عليها واساء اليها وربما كان ذلك شيء يقع في عرض الخليل ابراهيم عليه السلام. قال فاخبريه انك اختي فان انك اختي في الاسلام فاني لا اعلم في الارض مسلما غيري وغيرك. فلما دخل ارضه رآها بعض اهل الجبار. يعني رأى سارة وليس المقصود بالجبار هنا فرعون كما صح في روايات اخر. فلما رآها بعض اهل الجبار اتاه فقال له لقد ارضك امرأة لا ينبغي لها ان تكون الا لك. فارسل اليها فاتي بها. فقام ابراهيم عليه السلام الى الصلاة لما يستغيث بالله ويسأله العون والفرج فان زوجته في قبضة الجبار وليس له ملجأ الا الله ولا مخرج الا الدعاء. فزع الى الصلاة عليه السلام. قال وقام ابراهيم عليه السلام الى الصلاة. فلما دخل عليه لم يتمالك ان بسط يده اليها فقبضت يده قبضة شديدة فقبضت يده قبضة شديدة فقال لها ادعي الله عز وجل ان يطلق يدي ولا اضرك ففعلت فعاد فقبضت اشد من القبضة الاولى فقال لها مثل ذلك. ففعلت فعاد فقبضت اشد من القبضتين الاولى فقال ادع الله ان يطلق يدي فلك الله الا اظرك ففعلت. واطلقت يده ودعا الذي جاء بها فقال له انك انما اتيتني بشيطان ولم تأتني بانسان. فاخرجها من ارضي واعطها هاجر قال فاقبلت تمشي فلما رآها ابراهيم عليه السلام انصرف يعني انطلق من صلاته واتمها. فقال لها ما هي يعني اخبريني بشأنك وقد رأى شيئا يدل ظاهره على البشارة فقالت فقالت سارة لابراهيم عليه السلام خيرا كف الله يد الفاجر واخدم خادما. يعني ان الله لم يكرمنا بكف بلائه عنا فحسب بل وساق الينا سبحانه نعمة. فالرجل قد كف شره واذاه وزاد على ذلك كأن وهب خادما والمقصود بها هاجروا التي اتى بها ابراهيم عليه السلام وهي ام اسماعيل عليه السلام قالت كف الله يد الفاجر واخدم خادما. قال ابو هريرة رضي الله عنه فتلك امكم يا بني ماء السماء هذا لفظ مسلم كما في الصحيح والمقصود يا بني ماء السماء قيل العرب كلهم فانهم يقال لهم بنو ماء السماء وقيل ان صاروا من اهل المدينة في الاوس والخزرج خاصة لان لهم جدا في انسابهم يقال له ماء السماء هذا الحديث ولما عرفت المواقف الثلاثة التي قال فيها انها كذباته الثلاث. ثنتان منها في القرآن. قوله اني سقيم وقوله هل فعله كبيرهم هذا لما سألوا عن تكسير الاصنام والثالثة قد ثبتت في الصحيحين وقد سمعت القصة في شأن سارة لما قدم ارظ الجبار وعلمت ايضا ان ثنتين منها كانت في ذات الله والثالثة تنجى بها ابراهيم عليه السلام وزوجه سارة من قبضة وشره واذاه والجواب اجمالا قبل الدخول في تفصيل الحكاية عن الكلمات الثلاث ان يقال ان ابراهيم عليه السلام من خيرة انبياء الله بل هو من صفوة اولي العزم من الرسل عليهم جميعا وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام. وابراهيم عليه السلام الموصول في كتاب الله باعظم المناقب واجل الاوصاف منها قوله سبحانه وتعالى في سورة مريم واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا والصديق كثير الصدق واذا كان الله قد وصف نبيه الخليل ابراهيم عليه السلام بالصديق ايتصور عقلا ان يكون في شأنه اياته عليه السلام خلاف هذا الوصف الذي اثنى به الله عليه من فوق سبع سماوات ايثني الله بالصدق؟ بل بوصف الصديق على نبي كريم كان قد وقع في كذبات على الحقيقة هذا جواب اجمالا ان يقال هذا. قال المصنف رحم الله تعالى في جواب اجمالي ايضا قال فاعلم اكرمك الله ان هذه كلها خارجة عن الكذب لا في القصد ولا في غيره. وهي داخلة في باب المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب. المعاريظ جمع ومعراظ من التعريض في الكلام وهو الاكتفاء بالكناية عن التصريح. فيفهم من ظاهر الكلام معنى ويقصد المتكلم في الباطن معنى سواه لكنه ما كذب ومثل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام للصحابي الذي جاء يستحمله في غزوة يطلب ظهرا يركبه. قال انا حاملوك على ولد الناقة فقال الرجل وما افعل بولد الناقة يا رسول الله؟ قال وهل تلد النوق الا الابل؟ قصد بعيرا عليه الصلاة والسلام. وانصرف فهم الرجل في قوله به ولد الناقة ان يكون صغيرا قاعودا لا يستطيع الركوب عليه ولا يقوى على حمله. فهذه عبارة كان ظاهرها ما فهم الرجل وباطنها صحيح ليس فيه كذب قط. هذا التعريض بالكلام هو الاستغناء به عن التصريح الذي يفهم منه الكلام صراحة. وايضا من هنا جاء ان المعاريض ممدوحة عن الكذب يعني بوسع المسلم الصادق الذي لا يريد ان ان يكذب او تسجل عليه كذبة ان يكون في استعماله للتعريض من الكلام استغناء عن الوقوع في الكذب ومندوحة عنه يعني سعة وفسحة. فالذي كان من ابراهيم عليه السلام في قوله اني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله عن سارة انها اختي كان في الثلاثة المواضع كان فيه تعريض بالكلام وليس كذبا ما قال اني سقيم لم يكن كاذبا فيها. ولما قال عن الاصنام بل فعله كبيرهم هذا لم يكن كاذبا. وسيأتي تفصيل هذه مواضع الثلاثة او الكلمات الثلاثة تفصيلا واحدة تلو الاخرى فاعلم اكرمك الله ان هذه كلها خارجة عن الكذب. لا في القصد ولا في غيره. وهي داخلة في باب المعاريف التي فيها ممدوحة عن الكذب. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى كما في فتح الباري قال ابن عقيل دلالة العقل تصرف ظاهر الكذب عن ابراهيم يقول بالعقل من غير ان تحتاج الى جواب عالم والى تقرير فقيه. يقول دلالة العقل تصرف ظاهر الكذب على ابراهيم وذلك ان العقل قطع بان الرسول عليه السلام ينبغي ان يكون موثوقا به. ليعلم صدق ما جاء به عن الله. ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه فكيف مع وجود الكذب منه؟ انما اطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع وعلى تقديره فلم يصدر ذلك من إبراهيم عليه السلام يعني اطلاق الكذب على ذلك الا في لشدة الخوف لعلو مقامه والا فالكذب على ذلك والا فالكذب المحظوظ في مثل تلك كالمقامات يجوز يقول ارأيت ان ابراهيم عليه السلام في الثلاثة المواقف ما استعمل الكذب ولا وقع فيه ومثله وقد كان في حال خوف واضطرار لو كذب لكان كذبه جائزا اليست تجوز كلمة الكفر عند الاضطرار من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان اذا كانت كلمة الكفر وقد كان سبب نزول الاية ان قريشا كانت تعذب بعض المستضعفين الاوائل بمكة حتى ان جعل يمر من امام احدهم تحت التعذيب فيقولون له هذا الهك يعني الذي عبدته وامنت به مع محمد الله عليه وسلم فربما قال قائلهم تحت وطأة التعذيب الذي كانوا يسومونهم به نعم. فكانوا يجدون الحرج كيف تلفظوا بكلمة كفر فنزلت الاية الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان فالمقصود ان كلمة الكفر وهي كفر بالله عز وجل. اذا كانت تجوز حال الاضطرار لدفع ما قد يصيب الانسان من اذى او خوف ان يناله فكيف بالكذب فمواقف ابراهيم عليه السلام شرعا كانت مما يجوز فيها للعبد المؤمن ان يستعمل الكذب للنجاة مما قد يصيبه من من ضرر واذى ومع ذلك ليست مقامات الكمل من البشر كالانبياء عليهم السلام بالتي تحملهم على الرخص والاستخفاف في المواقف بنيل اقرب المخارج لقد كانوا يأخذون بالعزائم فما كذب. وهذا معنى الكلام المنقول عند الحافظ ابن حجر رحمه الله يقول انما اطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع. وعلى تقديره يعني على تقدير ان يكون كذبا. فلم يصدر ذلك من ابراهيم عليه السلام يعني اطلاق الكذب المحض في مثل تلك المقامات. قال يعني اطلاق الكذب الا في حال شدة الخوف وفي العلو المقام والا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز. وقد يجب لتحمل اخف الظررين دفعا لاعظمهما واما تسميته اياها كذبات فلا يريد انها تذم. فان الكذب وان كان قبيحا مخلا لكنه قد يحسن في مواضع وهذا منها. على تقدير ان ذلك كذب. لكن المقصود كما تقدم ان المواضع الثلاثة التي سيأتي تفصيلها ليس على الكذب حقيقة بل هي خارجة كما قال القاضي عياض عن الكذب لا بقصد ولا بغيره اما قوله اني سقيم. فقال الحسن وغيره معناه ساسقم. اي ان كل مخلوق معرض لذلك فاعتذر لقومه من الخروج معهم الى عيدهم بهذا. هذه واحدة قوله اني سقيم اي سقيم مستقبلا. باعتبار ان كل بشر معرض للمرض والسقم فما كان في ذلك مخبرا بخلاف الواقع وليس المقصود بقوله اني سقيم يعني الان في تلك الحال التي اخبر فيها قومه لما ارادوا الخروج وعرضوا عليه ان يشاركهم فقال اني سقيم وقيل بل سقيم وقيل بل سقيم بما قدر علي من الموت هذا جواب ثان سقيم باعتبار ان مآلي الى الموت فمن كانت نهايته الموت فهو سقيم ليس صحيحا ولا معافى اذا كان الموت نهاية الحياة. فقوله سقيم يعني بما قدر علي من الموت وقيل سقيم القلب بما اشاهده من كفركم وعنادكم هذا جواب ثالث ان السقم الذي اعتذر به ابراهيم عليه السلام لم يكن حسيا بل كان معنويا ليس سقم بدن بل سقم روح وقلب وفؤاد منه عليه السلام من شدة ما اصابه وهو يرى الكفر بالله والاوثان التي تعبد من دون الله مرض وكلنا يجد ذلك الشعور ان يصيبه المرض حقيقة ليس لاذى يحل ببدنه لكن لهم عظيم يغشى قلبه فترتفع حرارة بدنه ويلزم الفراش وليس به علة ولا افة لكنه جرح القلب وداؤه الذي قد يصيبه فهذا الذي كان من إبراهيم عليه السلام كان يحمل هما في الحياة اعظم من مرض البدن وعلل الابدان واسقامها كان يحمل هم العباد الحق لله عز وجل وصفاء توحيد فكان يؤذيه عليه السلام ويضره حد المرض ان يرى ما يرى من قومه من الكفر بالله عز وجل وقيل بل كانت الحمى تأخذه عند طلوع عند طلوع نجم معلوم. فلما رآه قال هذا اعتذر بعادته يعني علم انه يمرض عادة في وقت بعينه وحل ذاك الوقت في ذلك الموقف فقال اني سقيم يعني انا عادة امر في مثل هذا الوقت فاعتذر بذلك وكل اجابة من الاجابات المذكورة محتملة وليست من التكلف الذي يلوى فيه ظاهر النص او موقفه لكنه يحتمل هذا او ذاك. والاجابات المتعددة كلها تشتغل في كونها ليس فيها كذبا صريحا منه عليه السلام وهذا وكل هذا ليس فيه كذب بل هو خبر صحيح صدق وقيل بل عم قوله اني سقيم فهي مما قاله الحسن البصري رحمه الله تعالى وغيره اني سقيم وقاله الضحاك ايضا يعني ان كل مخلوق معرض للمرض والسقيم باسم الفاعل يستعمل على المستقبل كثيرا جدا فمثل هذا وارد ايضا لا لا اشكال فيه. نعم وقيل بل عرظ بسقم حجته عليهم وظعف ما اراد بيانه لهم من جهة النجوم التي كانوا يشتغلون بها. وانه اثناء نظره في ذلك وقبل استقامة حجته عليهم في حال سقم ومرض حال. مع انه لم يشك هو ولا ضعف ايمانه ولكنه ضعف في استدلاله عليهم وسقم نظره. كما يقال حجة سقيمة ونظر معلول حتى الهمه الله باستدلاله وصحة حجته عليهم بالكوكب والشمس والقمر. ما نصه الله تعالى وقد قدمنا بيانه هذا اخر الاجابات التي اوردها المصنف في قوله اني سقيم. ليس المراد ليس المراد سقم البدن بل المراد سقم الحجة والبرهان والدليل. اني سقيم يعني سقيم الحجة يظهر في فيه عدم قدرته عليه السلام عن الاتيان بحجة بليغة سديدة يستطيع بها اثبات ما يريد عند حظ شبهتهم الباطلة في عبادة الكواكب وصرف التوحيد لغير الله عز وجل وهذا ما يقال لغة حجة سقيمة ونظر عليل او معلول. فيظاف العلة والمرض والسقم الى هذه الامور المعنوية الى الحجة الى النظر الى الدليل. يقال هذه حجة سقيمة. وهذا دليل عليل. او نظر معلول. حجة هو دليل ونظر هذه امور معنويات. فيضاف اليها السقم والمرض كناية عن الضعف الذي لا تقوى به لتحقيق المطلوب وانه عليه السلام انما قال ذلك لما لم يبلغه بعد حجة التي مكن الله تعالى له بها كما في سورة الانعام وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم. فقبل ان يؤتى تلك الحجة عليه السلام كان يجد الضعف وعدم القدرة في اقامة ما يريد من تحقيق المطلوب واثبات البيان ودحض الشبهة التي كانوا يعيشون عليها فقال اني سقيم في تلك ومعنى السقم هنا الحجة وليس البدن ويكون صادقا ايضا عليه السلام في قوله اني سقيم في الحجة لم يقوى بعد على اثباتها لتحقيق المراد واقامة المطلوب. واما قوله بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون. فرغ عليه فرغ فرغ المصنف رحمه الله تعالى. من الكلام عن الجملة الاولى وهي قوله اني سقيم فانتقل الى الجملة الثانية ايضا لتحقيق الجواب عنها. وهو انهم لما خرجوا الى عيدهم وفرغ ابراهيم عليه السلام الى الهتهم اقبل عليها ضربا باليمين كما قال الله عز وجل. فجعلهم جذاذا قطعا متناثرة الا كبيرا لهم الا صنما كبيرا لعلهم يرجعون. جاء قومه فوجدوا الاصنام المتكسرة والجذاذ المتناثرة. فاصابهم الهول. قالوا من فعل هذا بالهتنا انه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم فتى يذكرهم يقال له ابراهيم. قيل اي يذكرهم بسوء يعني يذكر الالهة ويعيش فغلب على ظنهم ان يكون هو الفاعل. لانهم لا يعلمون احدا يعارضهم في عبادة تلك الاصنام سوى ابراهيم عليه السلام قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم. قالوا فاتوا به على اعين الناس. لعلهم يشهدون. يعني يشهدون المحاكمة الاستجواب والسؤال قالوا اانت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم؟ هذا السؤال ومن الذي فعل ذلك بالاصنام هو ابراهيم عليه السلام فكان الجواب قال بل فعله كبيرهم هذا الصنم الذي ابقاه لانه هو الوحيد الباقي قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون فظاهر السياق في الجملة ان ابراهيم عليه السلام اخبر بخلاف الواقع نعم افهمك ما تفهمون انه اراد اقامة الحجة عليهم يعني اما زلتم تعبدونها؟ تظنونها الهة اولا كيف اله يتحطم؟ ويكسر؟ ثانيا هذا احد الالهة وهو لا زال موجودا فلعله ان كان لقوته امتنع عن التكسير والتحطيم واستطاع الثبات. اذا لديه الجواب اما كان معهم حاضرا فهو الذي يعلم من الذي كسرها. قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون. كلنا يعلم ان سياق الكلام المقصود منه اقامة الحجة عليهم. حتى يرجعوا الى عقولهم ويحكم قدرا مما جعل الله في رؤوسهم من العقل ليعودوا الى الرشد والصواب. كلنا يفهم هذا انما موضع الاشكال كما قلنا مرارا لو ان مغرظا او كافرا او معاندا جاء فقال تزعمون العصمة لانبياء الله وهذا موقف يحكى فيه او ينسب فيه الكذب الى ابراهيم الخليل عليه السلام. فماذا ستقول؟ قال هذا واضح هو يكسر الصنم ولما يسأل يقول بل فعله كبيرهم هذا. وظاهر الكلام اخبار بخلاف الواقع. وانتم تقولون ان الانبياء يقومون من الكذب والاخبار بخلاف الواقع. نعم. واما قوله واما قوله بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون. فانه علق خبره بشرط نطقه. بشرط فانه علق خبره بشرط نطقه كانه قال ان كان ينطق فهو فعله. على طريق تبكيتي لقومه وهذا صدق ايضا. ولا خلف فيه. هذا احد الاجابات. علق خبره بشرط نطقه. قال بل له كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون. يعني ان كان ينطق فالذي فعله هو كبيرهم. وان كان لا فليس هو الذي فعله كبيرهم غيره وقد يكون انا فظاهر الكلام صدق لا خلاف فيه. لانه علقه على الخبر. وقد جمع عليه السلام بهذه الطريقة بين التبكيت الذي هو على الباطلين والوهم الذي يعيشون فيه والكفر الذي ما زالوا يقيمون عليه وبين اقامة الحجة عليهم ليعودوا الى عقلهم ورشدهم وصوابهم. قال رحمه الله علق خبره بشرط نطقه كانه قال ان كان ينطق فهو فعله على طريق التبكيت لقومه وهذا صدق ايضا. والجواب الثاني ان يقال ما تقدم قبل قليل ان ابراهيم عليه السلام انما قال هذا الكلام وقد ختمه بقوله ان كانوا ينطقون من اجل ان يوصلهم الى الاقرار بانهم لا ينطقون ولا ينفعون ولا يظرون فيكون الجواب في التالي مباشرة في مقام المناظرة فلما تعبدونهم؟ قال اتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم ولا يضركم افتعبدونهم بهذه الطريقة؟ لا يملك نفعا ولا ضرا؟ فاراد بهذا الكلام اقامة الحجة ولم يكن الجواب مقصودا لان يقول انا فعلت او انت الذي فعلت فقوله بل فعله كبيرهم هذا هو بهذا المقام ليقوم عليهم بالحجة عليه السلام. ولهذا يجوز فرض الباطل مع الخصم في مقام المناظرة كما يقول الجدليون فرض الباطل يعني انت لا تعتقده لكنك تقوله افتراظا وافتراضه من اجل ان تسوق الخصم في مقام المناظرة الى الوصول الى بطلان ما يقوله او يعتقده او يستدل به حتى يرجع الى الحق من ذات نفسه فهذا اقرب للحجة واقطع للشبهة. والله قد اثنى على ابراهيم عليه السلام بقوله تلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه. وجواب ثالث ان ابراهيم عليه السلام انما قال هذا على جهة عليهم غيرة وغضبا من ان يعبد كبيرهم من الاصنام ويعبد الصغار معه. ففعل هذا بالاصنام من اجل ذلك ان كانوا ينطقون فاسألوهم فعلق فعل الكبير بنطق الاخرين تنبيها لهم على فساد اعتقادهم كأنه قال بل هو والفاعل ان نطق هؤلاء. يعني الاصنام التي تحطمت جذاذا. وعلى كل حال ففي الكلام من سياقه ايضا ما يظهر منه عدم الكذب الذي قد يوهم ظاهر الكلام نسبته الى ابراهيم الخليل عليه السلام واما قوله اختي فقد بين في الحديث وقال فانك اختي في الاسلام وهو صدق والله تعالى يقول انما المؤمنون اخوة فان قلت هذا الحديث في قوله اختي وقد قدم في صدر المجلس رواية الامام مسلم رحمه الله بقول ابراهيم عليه السلام لما قال لها فقولي انك اختي قالها صراحة ابراهيم عليه السلام كما جاء في لفظ رواية مسلم قال ابراهيم عليه السلام فان سألك فاخبريه انك اختي. فانك اختي في الاسلام فاني لا اعلم في الارض لمن غيري وغيرك وهذا واضح وصريح وهذا لا كذب فيه بوجه كما قال المصنف وهو صدق فان الله يقول انما المؤمنون اخوة فان قلت فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قد سماها كذبات وقال لم يكذب ابراهيم الا ثلاث كذبات وقال في حديث الشفاعة ويذكر كذباته. فمعناه انه لم يتكلم بكلام صورته صورة الكذب. وان كان حقا في الباطل الا هذه الكلمات ولما كان مفهوم ولما كان مفهوم ظاهرها خلاف باطنها اشفق ابراهيم عليه السلام من مؤاخذة بها هذان سؤالان ان كنت قد فهمت رعاك الله. الجواب عن الثلاث الكلمات وانها ليست كذبة. هذان سؤالان كيف يقول ابراهيم عليه السلام عن نفسه انها كذب واشفق كما في حديث الشفاعة. لما يأتي الخلق كلهم الى ادم فنوح فابراهيم فموسى فعيسى فالى نبينا صلى الله عليه وسلم حتى يقول انا لها انا لها وتعلمون في حديث الشفاعة الطويل وهو الصحيح كما في الصحيح ان كل نبي كريم يعتذر عن قبول الشفاعة لامر يراه قد وقع فيه لا يليق به ان يقوم بين يدي الله في ذلك الموقف بالعظيم موقف الشفاعة للخلائق وهو امر اختص الله به نبي امتنا صلى الله عليه وسلم فيكون من جواب ابراهيم لما تأتيه الخلائق تطلب الشفاعة انه يذكر مواقفه قال ويذكر كذباته فيقول نفسي نفسي فيقول هذا هو انتم تقولون ليست كذبات وابراهيم عليه السلام في حديث الشفاعة يقول ويذكر كذباته والسؤال الثاني ان النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الذي سمعت في صدر المجلس لم يكن من ابراهيم الا كذبات ثلاث. فسماها كذبات. قال رحمه الله فان قلت فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قد سماها كذبات وقال لم يكذب ابراهيم الا ثلاث كذبات. وقال في في حديث الشفاعة ويذكر كذباته فمعناه انه لم يتكلم بكلام صورته صورة الكذب اذا كذب يعني كما يبدو في ظاهره لا انه في الحقيقة كذلك. وقد علمت بالتفصيل وجه ذلك في كل واحدة من الثلاث قال فانه لم يتكلم بكلام صورته الكذب وان كان حقا في الباطن الا هذه الكلمات. اما ابراهيم عليه السلام فان كان لم يقع منه الكذب فلم يتبرأ من الشفاعة يوم القيامة الجواب ان الموقف عظيم. وان الانبياء عليهم السلام في ذلك الموقف العظيم يستحضرون عظمة الله وهم والله قد علم كل واحد منهم ما الذي اختصه الله به واصطفاه به وجعله في حياته في مقام الثناء والتبجيل والثناء عليهم من بين سائر الامم كلهم يعلم ما له من المناقب. لكن عظمة موقفي يتلاشى عندها كل ذلك. ويقف احدهم من شدة الخوف من الله والتعظيم للجليل في ذلك اليوم العظيم. ان ينسى كل شيء ولا يستحضر الا عظمة الله ويرجو النجاة لنفسه فحسب فانما حمل ذلك ابراهيم عليه السلام كما قال ان لما انه لما تكلم بكلام كان مفهوم ظاهره خلاف باطنه اشفق من مؤاخذته بتلك المواقف والا فما فعل شيئا الا بوحي عليه السلام ولا كان له من المواقف الا نصرة للدين كلمتان من الثلاث يقول النبي عليه الصلاة والسلام ثنتان منها في ذات الله. افيؤاخذه الله بشيء كان قد وقف به في حياته عليه السلام نصرة للدين وغيرة على حرمات الله ان تنتهك. لم يكن شيئا يخاف لكن مقامات العلا للبشر من الانبياء عليهم السلام تجعلهم يتخوفون مما لا يخاف منه غيرهم. هذه عظمة هذا الكمال البشري هذه الدرجات السامية الرفيعة. تماما كما هو شأن الصالحين من العباد. فانه يستعظم الذنب ولو كان قليلا فيما يراه الفساق وارباب الفجور شيئا هينا يسيرا تتفاوت المسألة في انظار العباد بقدر صلاحهم وتقاهم وبقدر منزلتهم عند الله. اما الانبياء عليهم السلام الذين قد تربعوا على عرش الولاية والصلاح والتقى والقرب من الله عز وجل فانهم كانوا اعلى البشر كمالا في تحقيق هذه المعاني فاذا جاء يوم القيامة تبرأوا من الشفاعة وكلهم يرجو السلامة لنفسه. واما تصدي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لها. فهي كرامة اختصه الله بها شرف لنا معشر امته ان يكون نبينا عليه الصلاة والسلام الشفيع الاعظم في الشفاعة العظمى للخليقة كلها يوم القيامة ياما نفرح بذلك ولا زلنا نطلبها عقب كل اذان. وفي كل موقف ودعاء نصلي ونسلم عليه صلى الله عليه وسلم. ونسأل الله له الشفاعة ان يعطاها وان يخص بها وقد خصه الله تعالى بها ونحن نقول اتي محمدا الوسيلة والفضيلة هذا ابو المحمود الذي خصه الله تعالى به. فهذا ايضا وجه اخر ان الانبياء ان من حجزوا عن الشفاعة لان الله اراد لمحمد صلى الله عليه وسلم فتخلص اليه فيتصدى لها فيذهب فيسجد تحت العرش ويحمد الله بمحامد اياها حتى يقال له يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع صلوات الله وسلامه عليه. اللهم صلي وسلم واما الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا اراد غزوة اذا اراد غزوة ورى بغيرها فليس فيه الف في القول انما هو ستر مقصده. لان لا يأخذ لان لا يأخذ عدوه حذره. وكتم وجه هذه بذكر السؤال عن موضع اخر. والبحث عن اخباره والتعريض بذكره. لا انه يقول تجهزوا الى غزوة كذا او وجهتنا الى الى موضع كذا خلاف مقصده. فهذا لم يكن. والاول ليس فيه خبر يدخله الخلف انتهى رحمه الله من الجواب عن شأن ابراهيم عليه السلام والكذبات الثلاث كما انتهى عن قصة السهو في الصلاة وقال ما نسيت وما قصرت. اتى الى موضع ثالث يشير الى حديث الصحيحين بالرواية كعب بن ما لك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول كعب بن مالك كما في البخاري ومسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد قلما يريد غزوة يغزوها تورى بغيرها قلما كان يريد غزوة الا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك. فغزاها رسول الله صلى الله عليه في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل غزو عدو كثير فجلى للمسلمين امرهم الا ورى بغيرها. ورى من التورية وهو اخفاء الكلام الصريح خلف كلام يرى ظاهره وخلاف ما يقصده المتكلم في الباطن التورية ليست كذبة لكن التورية استعمال للكلام على وجه يظنه السامع بمعنى وهو في الحقيقة عند المتكلم بمعنى اخر وهذا بابه كبير ايضا. واستعماله في مواقف يحتاج اليها الانسان من المواقف التي ينأى بها عن الوقوع في الكذب وقد نقل عن بعض الائمة في فتنة القول بخلق القرآن زمن الخليفة المأمون. وقد استجوب العلماء وامتحنوا واوذوا في ذلك اذى شديدا ان بعضهم لما استجوب في قضية القول بخلق القرآن. فبعضهم اجاب تحت التهديد والاذى. وبعضهم امتنع فيها الائمة كما حصل للامام احمد ان بعضهم لما جيء به فامر ان يقول بان القرآن مخلوق كان مما استخدمه وتورية في الجواب ليسلم من الاذى والعذاب. قال انا لا اقول ان القرآن مخلوق بل اقول التوراة والانجيل والزبور والقرآن كل هذه مخلوقة يقصد اصابعه رحمه الله. فاستخدم تورية والسامع يظن انه يقصد كتب الله السماوية المنزلة. وهو اشار الى اصابعه وقال كل هذه مخلوقة. فمثال هذه المواقف من التورية يسلم بها الانسان من الكذب الصحيح. قال قلما انا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة الا وراء بغيرها من اجل التكتيم على العدو لئلا ينتشر الخبر فيعرف العدو مقدمه عليه الصلاة والسلام. والحرب خدعة كما يقول صلى الله عليه وسلم فيسير جيش يخرجون من المدينة ولا يعرف احد وجهته عليه الصلاة والسلام. حتى في فتح مكة وفيه عشرة الاف مقاتل يتجهزوا للقتال ولا يعلمون الى اين يذهبون وما اخبر عليه الصلاة والسلام الا نفرا يسيرا من صحابته من اجل ان تكون الشورى بينهم ويستشيرهم في الترتيبات عليه الصلاة والسلام كان منهم حاطب بن ابي بلتعة فكتب الكتاب الى اهل مكة ان محمدا يقصدكم الى مكة للغزو ولذلك ارسل عليه الصلاة والسلام حتى اخذوا المرأة التي حملت الخطاب في القصة التي نزلت فيها ايات سورة ممتحنة. فما كان يعلم الصحابة ولا فاذا وصلوا المكان علموا الموقف الذي هم فيه والوجهة التي يريد. هي سياسة عسكرية اذا وتخطيط للقتال يحتاج اليه القائد. فاما التورية فهي مطلب. وليست كذبا. هذا القصد منه كما قال المصنف ستر مقصده لئلا يأخذ عدوه حذره ويكتم وجه الذهاب بالتورية. كيف يعني؟ هل يقول لهم سنذهب الى نجد ويأخذهم الى ابوك يقول سنذهب مثلا لغزوة بني سليم فيأخذهم مثلا الى نجد لما يفعل هذا لو فعل هذا كان كذبا ليس هذا تورية دورية عندما يسأله احدهم اين المسير يا رسول الله؟ يصرف الجواب الى امر اخر او يعرض سؤالا ينحو به عن اجابته صراحة فتكون تورية في الكلام ليس فيها كذبا. قال يكتم وجه الذهاب بذكر السؤال عن موضع اخر والبحث عن اخباره والتعريض بذكره لا انه يقول تجهزوا الى غزوة كذا او وجهتنا الى موضع كذا خلاف مقصده فهذا لم يكن يقول كعب بن مالك ما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم يعني في التورية في خلاف التورية الا مرة واحدة في كل في غزواته كان يستخدم التورية الا في غزوة تبوك فانه اخبرهم من المدينة صراحة انه يريد تبوك لم؟ قال كعب بن ما لك حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد. واستقبل طفرا بعيدا ومفازا يعني فيها اماكن انقطاع وصحراء واستقبل غزو عدو كثير فجلى مسلمين امرهم ليتأهبوا اهبة عدوهم واخبرهم بوجهه الذي يريد. ما عدا غزوة تبوك ما كان عليه الصلاة والسلام يخبرهم بمراده ولا بقصده في المسير. هذا موقف اخر واجابك عنه. هل هذه التورية في غزواته صلى الله عليه وسلم بخلاف الواقع؟ قال كلا هي سياسة عسكرية ومنهج في الحروب يستعمله القادة في الوقت الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام يستغني بالتورية عن الكذب صلى الله عليه واله وسلم اللهم صلي وسلم فان قلت فما معنى قول موسى عليه السلام؟ وقد سئل اي الناس اعلم؟ فقال انا اعلم عتب فعتب فعتب الله عليه ذلك كتب وعتب صحيحا فعتب الله عليه ذلك اذ لم يرد العلم اليه الحديث وفيه قال بل عبد لنا بمجمع البحرين اعلم منك وهذا خبر قد انبأنا الله انه ليس كذلك في الحديث الصحيح من رواية ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان موسى عليه السلام قام خطيبا في بني اسرائيل فسأل اي الناس مكتل ثم انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع ابن نون حتى اذا اتي الصخر وضع رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المقتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا وامسك الله عن الحوت الماء فصار عليه مثل الطاق. فلما استيقظ نسي صاحبه ان يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما او ليلتهما حتى اذا كانا من الغد قال موسى لفتاه اتنا غداءنا. لقد لقينا من سفرنا هذا قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي امر الله به. فقال له فتاه ارأيت اذ اوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا الى اخر القصة التي تقرأون في سورة الكهف كل جمعة. والمقصود ان منشأها منشأ لقاء موسى عليه السلام بالخضر هو هذا السؤال كان يخطب في بني اسرائيل قومه فسئل اي الناس اعلم؟ قال موسى عليه السلام انا قالها تكبرا افتخارا من اين قال انا هو نبي زمانه عليه السلام انذاك. فمن سيكون اعلم بالله منه وهو النبي الذي يوحى اليه؟ فقوله انا ما كان التكبر ولا عجبا بالنفس ولا افتخارا ولا غرورا منه عليه السلام وحاشاه لكن قال انا بناء على ما هو ظاهر السؤال فكانت القصة قال الله عز وجل له وكانت هذه منشأ قصة التقاء موسى عليه السلام بالخضر كما في سورة الكهف. فلما قال انا اعلم قال النبي صلى الله عليه وسلم فعتب الله عليه ذلك ووجه العتب ما ذكره هنا بقوله اذ لم يرد العلم اليه. لانه قال اي الناس اعلم فما قال الله اعلم قال انا. قال فعتب الله عليه ذلك اذ لم يرد العلم اليه الى اخر الحديث. وفيه ان الله عز وجل قال له بل عبد لنا بمجمع البحرين اعلم منك والمقصود به الخضر. وهنا سأل موسى عليه السلام ان يلقاه. قال يا ربي كيف السبيل اليه فكانت القصة التي تقرأون في سورة الكهف وانطلق موسى عليه السلام يطلب العلم بادب العلماء الانبياء حتى كانت القصة في الامور الثلاثة فلما كان هذا موضع العتب اورده المصنف موضع اشكال موسى عليه السلام قال انا اعلم والحق انه لم يكن هو الاعلم بل كان الخضر بنص كلام الله عز وجل قال بل عبد لنا بمجمع البحرين اعلم منك ففي ظاهر هذا الحديث ان موسى عليه السلام اخبر بخلاف الواقع جعل نفسه الاعلم والحق والواقع ان الخضر كان اعلم كما في هذه الرواية قال بل عبد لنا بمجمع البحرين تعلموا منك ثم كان سياق القصة ما مضى فيه. نعم وهذا خبر وهذا خبر قد انبأنا الله انه ليس كذلك فاعلم انه قد وقع في هذا الحديث من بعض طرقه الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنه هل تعلم احدا اعلم منك فاذا كان جوابه على علمه فهو خبر حق وصدق ولا خلف فيه ولا شبهة. يقول ان بعض يلقي الحديث وصححها المصنف هل تعلم احدا اعلم منك؟ فكان السؤال منحصرا في علم موسى عليه السلام. ولم لم يكن هو في علمه ان احدا اعلم منه فنفى ذلك ونسب العلم اليه فيكون الجواب مطابقا للسؤال لانه السؤال لم يكن مفتوحا بلا حد قال هل تعلم وفي حدود علمه لم يكن ذلك خارجا عنه عليه السلام وفي الحديث والتعليق عليه والاجابة عنه بقية ناتي عليها ليلة الجمعة المقبلة ان شاء الله تعالى فلئن كان مجلسكم الليلة ايها الكرام قد انقضى فان ليلة الجمعة بساعاتها ودقائقها وبركاته لم تنقض يبعدوا وفيها فسحة ومتسع واسع لمحب كثير الصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم يلهج ويشغل وقته ولسانه الليلة بالصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام. يا رب صل على الحبيب محمد ما هاج شوق في فؤاد محبه يا ربي هذا شوقنا بحنا به يا ربي فابعثنا غدا في ركبه صلى الله عليه وسلم. اللهم صلي وسلم وبارك عليه صلاة وسلاما دائمين ابدا. صلي يا ربي وسلم وبارك عدد ما صلى عليه المصلون. وصلي وسلم وبارك عليه عدد ما غفل عن الصلاة عليه الغافلون. اللهم انا نسألك علما نافعة ورزقا واسعا وشفاء من كل داء يا رب العالمين. اللهم يا رحمن يا رحيم ارحم موتانا واشف مرضانا واهدي ضالنا وتقبل توبتنا اللهم انا نسألك من الخير كله عاجله واجله ما علمنا منه وما لم نعلم. ونعوذ بك ربنا من الشر كله واجله ما علمنا منه وما لم نعلم. اللهم انا نسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه واوله واخره وظاهره وباطنه ونسألك الدرجات العلى من الجنة يا رب العالمين. اللهم اصرف عنا وعن المسلمين جميعا شر اشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار انت خير حافظا وانت ارحم الراحمين. اللهم احفظ علينا امننا وايماننا وسلامتنا واسلامنا ووفقنا الهي لما تحب وترضى وخذ بنواصينا الى البر والتقوى. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل يا ربي وسلم وبارك على النبي المصطفى والحبيب المجتبى محمد ابن عبدالله وعلى اله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين