بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رسالته العقيدة الواسطية وقوله الرحمن على العرش استوى وقوله ثم على العرش في ستة مواضع ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فقد عاد المؤلف رحمه الله الى ما كان قد سار عليه من بيان الصفات التفصيلية او بيان بعض منها واعترض هذا ايراده بعض الادلة التي دلت على النفي في الصفات اورد المؤلف رحمه الله هاتين الايتين اللتين تدلان على ثبوت صفة الاستواء على العرش لله سبحانه وتعالى وهذه مسألة من كبريات المسائل التي حصل فيها الخلاف بين اهل السنة والجماعة والمعطلة والكلام في هذا الموضوع يكون في مقامين المقام الاول هو الكلام عن العرش والمقام الثاني هو الكلام عن صفة الاستواء اما ما يتعلق بالعرش فان العرش في اللغة هو سرير الملك يعني السرير الذي يجلس عليه الملك هذا الذي تعرفه العرب في لغتها لكلمة العرش وهذا ما جاء في القرآن قال سبحانه ولها عرش عظيم وقال نكروا لها عرشها وقال ورفع ابويه على العرش اذا هذا هو العرش في اللغة العربية والقرآن نزل بلسان عربي مبين اما العرش في الاصطلاح الشرعي وهو المخصوص باستواء الله تعالى عليه فانه سرير مخلوق عظيم ذو قوائم تحمله الملائكة وهو سقف العالم هذا الذي نستخلصه من النصوص في معنى العرش الذي خصه الله تبارك وتعالى باستوائه عليه فقال الرحمن على العرش استوى وقال ثم استوى على العرش واستواؤه على العرش جاء كما سنتكلم عنه لاحقا ان شاء الله في سبعة مواضع وهذا العرش تكرر ذكره في القرآن فقد ورد في احدى وعشرين مرة موصوفا صفات تدل على عظمته فالله عز وجل وصفه لانه عظيم فقال ذو العرش العظيم ووصفه بانه كريم فتعالى الله الملك الحق لا اله الا هو رب العرش الكريم ووصفه بانه مجيد فقال تعالى تبارك اسمه النعمة ذو العرش المجيد قال ذو العرش المجيد على قراءة الكساء وخلف وحمزة وعلى قراءة الجمهور فالمجيد مرفوع على انه صفة لله سبحانه وتعالى قلنا في هذا التعريف ان العرش سرير يعني خصه الله سبحانه وتعالى باستوائه عليه وذلك لان الشأن كما ذكرت لك ان هذا هو الذي تعرفه العرب في لغتها لا يعرفون العرش الا هذا وبالتالي فنحن نفهم ما جاء في ادلة الكتاب والسنة في ضوء هذه اللغة العربية كيفيته مادته التي خلق منها الله تعالى اعلم بها انما يتكلم اهل السنة والجماعة في حدود ما دلت عليه الادلة ويفهمونه في ضوء لغة العرب قلنا سرير مخلوق خلقه الله جل وعلا لان كل ما سواه فهو مخلوق. الله خالق كل شيء والله جل وعلا ربه قال رب العرش العظيم فهو مربوب مخلوق لله سبحانه وتعالى وقلنا انه عظيم لان الله عز وجل وصفه بذلك وصفه بالعظمة ووصفه بالكرم ووصفه بالمجد وكلها صفات تدل على انه ذو فضل وقدر وشرف عظيم هذه صفات جاءت في القرآن تدل على عظمة هذا العرش وعلى قدره وعلى شرفه والله جل وعلا قد مدح نفسه بانه ربه فدل هذا على ان له قدرا عظيما وعظمة وعظمة وشرفا قلنا ايضا ان هذا العرش له قوائم يدل على هذا ما ثبت في صحيح البخاري من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الناس يصعقون يوم القيامة فاكون اول من يفيق فاجد موسى اخذا بقائمة من قوائم العرش قال صلى الله عليه وسلم فلا ادري افاق قبلي ام جوزي بصعقة الطور وجاء هذا الحديث ايضا بمعناه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري ايضا ولكنه جاء بلفظ فاجد موسى باطشا بجانب العرش المقصود ان هذا دليل على ان العرش له قوائم والله تعالى اعلم بعددها ايضا قلنا ان هذا العرش له حملة من الملائكة وقد بين الله سبحانه ذلك في موضعين من كتابه قال جل وعلا الذين يحملون العرش ومن حوله اذا له حملة وله ايضا ملائكة تكون حوله الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين امنوا وكذلك قال جل وعلا ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية والصحيح ان الثمانية يعني ثمانية ملائكة وليس انهم ثمانية صفوف من الملائكة وعددهم لا يعلمه الا الله للسلف قولان بعدد الملائكة قبل يوم القيامة الذي جاء الدليل عليه هو انه يحمل عرش الله عز وجل يوم القيامة ثمانية يعني من الملائكة وهذا الذي قال آآ هذا الذي آآ جاء الدليل عليه مخصوص بيوم القيامة فماذا يكون الامر عليه قبل يوم القيامة ذهب طائفة من السلف الى ان العرش يحمله قبل يوم القيامة ويوم القيامة ثمانية وقال طائفة من السلف ان العرش محمول قبل يوم القيامة من اربعة من الملائكة ثم يوم القيامة يؤيدهم الله سبحانه وتعالى باربعة فيكونون ثمانية وهذا القول رجحه ابن كثير وذكر ابن الجوزي انه قول الجمهور ولا اعلم حديثا يصح فيه عدة احاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا اعلم منها اسنادا صحيحا فالله تعالى اعلم هؤلاء الملائكة ملائكة عظام عظام الخلقة في صحيح في سنن ابي داوود باسناد صحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذن لي ان احدث عن ملك من حملة العرش من ملائكة الله ما بين شحمة اذنه الى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ما اعظم هذه الخلقة التي خلق الله عز وجل هؤلاء الملائكة عليها والله تعالى اكبر واوسع واعظم هؤلاء الملائكة كما جاء في هذه الاية التي تلوتها قبل قليل يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين امنوا هم والملائكة الذين حول العرش واخرج الذهبي في كتابه اه العلو باسناد وصفه بانه قوي من طريق الاوزاعي عن حسان بن عطية التابعي رحمة الله عليه انه قال حملة العرش ثمانية يسبحون ربهم بصوت حسن رحيم فيقول اربعة سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك ويقول الاربعة الاخرون سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك هذا عن حملة العرش وقلنا انه سقف العالم العرش عال على المخلوقات وهو كما سيأتي فيما يبدو والله اعلم من ظواهر النصوص انه اعلى المخلوقات يدل على هذا ما ثبت في صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم فاذا سألتم الله فسلوه الفردوس فانه فانه اوسط الجنة واعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة العرش للعالم كالسقف وسيأتي الكلام ان شاء الله على ذلك وانه كالقبة عليه سنتكلم عن هذا ان شاء الله اذا وصلنا الى الكلام عن الاحاديث التي اوردها المؤلف رحمه الله ومنها حديث يتعلق باستواء الله تعالى على العرش المقصود ان هذا هو عرش الله تبارك وتعالى الذي خصه بالاستواء عليه مخلوق عظيم وعظمته تدلك على ان خالقه اعظم سبحانه جل في علاه هذا هو الحق الذي دلت عليه الادلة ومضى عليه السلف واجمع عليه اهل السنة والجماعة وخالف في هذا اهل البدع والضلال قالوا اقوالا املتها اهوائهم في حقيقة هذا العرش واشهر ما قيل قولان الاول منهما ان العرش هو الملك وبالتالي فانهم فسروا استواء الله عز وجل على العرش يعني استيلاءه على الملك ولا شك ان هذا تأويل مقيت وباطن من القول ويدل على بطلانه ما يأتي اولا انه قول لا دليل عليه ويكفي كما ذكرنا برد الاقوال التي لا دليل عليها يكفي عدم التسليم بها كل قول لا دليل عليه يكفي في رده عدم التسليم به وثانيا انه مخالف لاجماع اهل اللغة فلا تعرف العرب في لغتها ان العرش هو الملك وثالثا هو مخالف لاجماع السلف فلا يعرف عن احد من السلف قط انه قال ان العرش هو الملك ورابعا ان هذا القول ترده شرائح النصوص ردا واضحا المتر الى ان الله تعالى يقول ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية اترى ان ملك الله عز وجل يحمله ثمانية من الملائكة الم تر الى ان الله جل وعلا يقول وكان عرشه على الماء اترى معنى ذلك ان ملكه كان على الماء الم تر الى ان النبي صلى الله عليه وسلم قد اخبرنا ان عرش الرحمن اهتز لموت سعد ابن معاذ رضي الله عنه وارضاه اترى ان الذي اهتز هو الملك الم تر الى ان موسى عليه السلام يوم القيامة يأخذ حينما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان الناس يصعقون في ذلك اليوم العظيم فيجد موسى اخذا بقائمة من قوائم العرش اترى ان موسى كان اخذا بقائمة من قوائم الملك الى غير هذا من النصوص التي تدل على ان هذا تأويل باطل لا صحة له القول الثاني هو قول الفلاسفة الذين زعموا ان العرش هو الفلك الاعلى او كما عبروا الفلك التاسع او كما قالوا هو الفلك الاطلس يعني الذي لا نجوم له والفلك هو يعني واحد الافلاك يعني آآ مجال مسير النجوم في السماء كل في فلك يسبحون فعفوا قالوا هو الفلك وليس الفلك الفلك اما الفلك هو السفينة. قالوا هو الفلك التاسع او الفلك الاعلى او الفلك الاطلس. وهو آآ المكان الذي تجري فيه وتسير فيه النجوم كما قال سبحانه وتعالى كل في فلك يسبحون ولا شك ان هذا القول اظهر في الشناعة والبطلان من القول السابق وما ذكرناه في القول السابق صريح في ردي هذا القول بقي عندنا خصائص العرش دلت الادلة على ان هذا العرش مخصوص بخصائص اولا انه مختص او ان الله عز وجل خصه باستوائه عليه فان الادلة صريحة في الكتاب والسنة على ان الله جل وعلا انما استوى على العرش الرحمن على العرش استوى وثانيا انه اعلى المخلوقات كما مر بنا قبل قليل وثالثا انه اكبر المخلوقات فلا نعلم في ضوء ما جاء في النصوص شيئا من المخلوقات اكبر منه ويدل على هذا ايضا ما مر بنا في درس سابق من حديث ابي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ما السماوات والارض في الكرسي الا كحلقة ملقاة في فلاة قال وفضل العرش على الكرسي كفضل الكرسي على السماوات والارض فدل هذا على ان العرش مخلوق عظيم وانه اكبر المخلوقات وعند ابن جرير باسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره الا الله رابعا ذكر شيخ الاسلام رحمه الله في الرسالة العرشية ان العرش اثقل المخلوقات واستدل على هذا بما ثبت في صحيح مسلم من حديث ام المؤمنين جويرية رضي الله عنها في حديث التسبيح او التسابيح آآ الاربعة آآ الاربعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته قال رحمه الله ان المقام مقام ذكري اعظم الاشياء فلما وصل المقام الى ذكر الثقل والزنا ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العرش فقال وزنة عرشك فالذي يبدو والله تعالى اعلم ان العرش على ما ذكر رحمه الله انه اثقل المخلوقات بقيت مسألة تتعلق اه اسبقيتي خلق السماوات اه خلق العرش او خلق القلم. قلم التقدير الذي كتب الله سبحانه وتعالى به آآ اه مقادير كل شيء قبل خلق السماوات والارض بخمسين الف سنة كتب بهذا القلم كل شيء الى قيام الساعة اختلف العلماء باسبقية هذين المخلوقين هل العرش خلقه الله عز وجل قبل القلم او خلق القلم قبل العرش مما لا شك فيه ان العرش مخلوق قبل السماوات والارض يدل على هذا ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والارض بخمسين الف سنة وعرشه على الماء. اذا كان العرش مخلوقا قبل خلق السماوات والارض بقينا الان في مسألة القلم والعرش والاظهر والله تعالى اعلم ان العرش مخلوق قبل قلم التقدير وذلك لان الحديث السابق صريح في ان العرش خلق قبل التقدير اليس كذلك قال وعرشه على الماء وظاهر النصوص يدل على ان التقدير يعني كتابة اه مقادير الخلائق انما كان عقيبة خلق القلم فانه قد قال صلى الله عليه وسلم اول ما خلق الله القلم قال اكتب دل هذا على ان الكتابة كانت عقيب خلقه فتحصن من الجمع بين الحديثين ان العرش سابق في الخلق للقلم والله تبارك وتعالى اعلم وهذا ما لخصه ابن القيم رحمه الله في النونية بقوله والناس مختلفون في القلم الذي كتب القضاء به من الديان هل كان قبل العرش ام هو بعده قولان عند ابي العلا الهمداني؟ والحق ان العرش قبل لانه قبل الكتابة كان مدى اركانه والحق ان العرش قبل لانه قبل الكتابة كان ذا اركانه وانبه الى ان هذه المسألة البحث فيها في اسبقية مقيدة يعني ما هو الاسبق في الخلق؟ او ما هو آآ اول المخلوقين فالاسبقية او الاولية ها هنا مقيدة وليست وليست مطلقة بعض الناس يظن ان هذه المسألة هي مسألة اول الخلائق على الاطلاق والذي لا شك فيه وهو الذي عليه مذهب اهل السنة والجماعة ان الله تبارك وتعالى لم يزل خالقا لان الله جل وعلا هو الاول الذي لا بداية له سبحانه وتعالى وهو الرب يعني الخالق اذا لم يزل الله عز وجل خالقه لم يكن معطلا عن الخلق ثم ابتدأه ولم يزل الله عز وجل الها يعني معبودا اذا لابد من وجود عابد اذا لم يزل الله تبارك وتعالى خالقا فكل مخلوق مسبوق بالعدم خلقه الله عز وجل بعد ان لم يكن موجودا. ومع ذلك فكل مخلوق قد خلق قبله مخلوقا. والذي قبله خلق قبله مخلوقا. وهكذا الى ما لا بداية. كما ان الله جل وعلا والذي خلق المخلوقات كل مخلوق يخلقه فانه سيخلق بعده مخلوقا وهكذا الى ما لا الى ما لا نهاية هذا هو الذي عليه مذهب اهل السنة مذهب اهل السنة والجماعة في هذه المسألة. اختم باثر ابن عمر رضي الله عنهما آآ وهو اثر حسن جيد آآ اورده الذهبي رحمه الله في كتابه العلو وغيره وهو ان ابن عمر رضي الله عنهما قال خلق الله اربعة بيده سبحانه وتعالى خلق العرش والقلم وادم وجنة عدن وقال لسائر المخلوقات قال لسائر المخلوقات كوني فكانت اذا مما يضاف الى ما سبق ان الله سبحانه وتعالى خص العرش مع هذه الامور الثلاثة بانه آآ خلقه بيده سبحانه وتعالى هذا بعض ما تيسر من الكلام عن معتقد اهل السنة والجماعة بموضوع العرش ونكمل ان شاء الله غدا ما يتعلق بصفة استوائه جل وعلا عليك. والله تعالى اعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله واصحابه واتباعه باحسان