الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فقد روى الامام مسلم في صحيحه من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال احتجت الجنة والنار فقالت النار في الجبارون والمتكبرون وقالت الجنة هي ضعفاء الناس ومساكينهم وقضى الله تعالى بينهما انك الجنة رحمتي ارحم بك من اشاء من عبادي وانك النار عذابي اعذب به من اشاء ولكليك هما علي ملؤها هذا الحديث الشريف الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم امرا غيبيا يتعلق بالجنة والنار. الجنة هي دار النعيم الكامل التي اعد الله تعالى فيها لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اللهم اجعلنا من اهل قال ليها والنار هي دار العصاة من اهل الكفر والفجور والفسوق والعصيان. اجارنا الله تعالى واياكم منها احتجت الجنة والنار اي كل منهما ذكر حجته في خصام بينهما عند رب العالمين وهذا على حقيقته فان الله تعالى انطق كل شيء وهو جل وعلا قادر على انطاق الجنة والنار فلا يقول فلا يقول قائل كيف يكون ذلك؟ فهذا من الامور الغيبية التي تستقبل بالقبول والايمان وعدم الرد والاعتراض فان الايمان يقتضي قبول ما اخبر به سيد الانام صلوات الله وسلامه عليه متى كانت هذه المحاجة؟ الله اعلم هي خبر ممن لا ينطق عن الهوى ان الجنة والنار كلا منهما احتج بين يدي الله عز وجل في ماذا كانت المحاجة؟ قيل في الفضل فكل فكل من الجنة والنار ذكر ما فضلت به فكيف ذلك يكون ذلك لان الجنة ذكرت ان الله فضلها بان جعلها دارا لضعفاء الناس ومساكينهم وهم اهل الرحمة والعطف والاحسان فكان فظلها في انها دار هؤلاء واما النار ذكرت فظلها في انها دار المتكبرين والجبارين. فقالت في الجبارون والمتكبرون ووجه الفضل فيها انها اذلت هؤلاء عاقبتهم بما يكون فيها من العذاب الاليم اجارنا الله تعالى واياكم منها وقيل ان المحاجة وقعت في المفاضلة فقالت النار اوثرت كما في رواية ابي هريرة في الصحيح اوثرت بالجبارين والمتكبرين وقالت النار ما لي؟ وقالت الجنة ما لي لا يدخلني الا الضعفاء الا ضعفاء الناس وسخطهم وعجزهم يعني ضعفاء منهم فيكون هنا المحاجة ان ان الجنة ظنت ان دخول هؤلاء في في من نقصها فسواء كان هذا او هذا فصل الله تعالى بين الجنة والنار في المحاجة فقال انك الجنة رحمتي ارحم بك من اشاء وهم اهل الرحمة الذين اصطفاهم الله تعالى وجعلهم من اهل الصلاح والاخيار واما النار فقالوا وانك النار اعذب بك من اشاء من حيث انها عقوبة يرغم الله تعالى بها اعداءه ومن خالف امره ما الاوصاف التي ذكرها الحديث لاهل الجنة قال ضعفاء الناس ومساكينهم والمقصود بهذا اهل الخشوع والتواضع وعدم العلو في الارض وليس المقصود بالظعف والمسكنة هنا عدم المال فان عدم المال لا يمدح به الانسان كما ان كسب المال ووفرته لا يمدح به الانسان. انما المدح في حال الانسان حال الفقر والغنى ففي الفقر ان كان صابرا محتسبا وفي الغنى ان كان باذلا حافظا حق الله كان ممدوحا وان كان خلاف هذا فقرا او غنى فانه مذموم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم يكلم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم قال فقير مختال من هؤلاء الثلاثة فقير مختال اي متكبر. وفي الرواية الاخرى قال عائل مستكبر فمع فقره مستكبر كان ذلك موجب لهذه العقوبة فليس المدح في الفقر ولا المدح في الغنى في ذاته. انما فيما يرافقه من حال الانسان فقوله صلى الله عليه وسلم في ما ذكر عن الجنة فيا ظعفاء الناس ومساكينهم يعني اهل الخشوع والتواضع وعدم العلو في الارض. هؤلاء ممدوحون قال الله تعالى تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا. والعاقبة للمتقين. واما اهل النار فقالت فيا البارون والمتكبرون الجبارون جمع جبار وهو من طغى واستكوى واعتدى على الخلق والجبار لا يوصف به الانسان على وجه المدح بل لا يوصف به الا على وجه الذنب وان كان يرد في بيان القوة فيقال نخلة جبارة اي قوية عالية لكن في ذكر الانسان لا يكون ذلك على وجه المدح انما يكون ذلك على وجه الذم ولذلك قال بنو اسرائيل ان فيها قوما جبارين اي اصحاب قوة واعتداء وبغي وظلم واما المتكبرون فالتكبر هو حال في النفس يرى الانسان فيها نفسه فوق غيره فيكون يرى لنفسه منزلة ويحتقر غيره فكان هذا من موجبات العقوبة ولهذا لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لانه لا يدخلها الا المتواضعون الاذلاء لله عز وجل ولعباده المؤمنين فينبغي ان يعلم ان المقصود بهذا الحديث هو بيان فضل التواضع والخشوع والذل لله عز وجل العلو على الخلق وليس المقصود وصف ففظل المسكنة بقلة ذات اليد او الظعف بقلة القوة خير كما قال النبي المؤمن القوي خير من المؤمن الظعيف وفي كل الخير واما قوله قوله جل وعلا للجنة والنار بعد ان ذكر ان الجنة محلها الرحمة وان النار محل العقوبة لكلايك ولكليكما علي ملؤها اي للنار ملؤها والجنة ملؤها. النار كلما القي فيها فوج قالت هل من مزيد حتى يزوي الله تعالى بعضها على بعض فتضيق على اهلها واما الجنة فانه كلما دخلها من دخلها كان فيها ساعة حتى ينشئ الله تعالى خلقا فيدخلهم الجنة من ساعتها نسأل الله من فضله وعظيم احسانه وبره. وانظر الفرق تلك تزوى وتضيق وتضيق على اهلها وهذه يبقى فيها من اماكن ما ينشئ الله تعالى خلقا حتى يشغلها فنسأل الله ان يجعلنا واياكم من اهل الجنة وان يعيذنا من النار. هذا الحديث فيه جملة من الفوائد من ابرزها الاختصام في الفضل وان الاغتصاب في الفضل حتى يكون بين الجمادات وان المفاضلة تكون في ما يجري من الانسان من احوال وان الله تعالى يفصل بين المختصين جل في علاه وانه عدل في ذلك وانه يحفظ لكل صاحب فضل ما يكون فيه من الفضل. فالجنة فظلها في انها رحمة فهي محل الانعام والاحسان والنار فظلها في انها عقوبة لاهل الاساءة والعصيان من الكفار والمنافقين ونحوهم وفيه ان الله تعالى يملأ الجنة ويملأ النار. فليس لاحدهما فظل على الاخر من حيث ملؤها نسأل الله ان يجعلنا واياكم من اهل الجنة وان يعيذنا من النار وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين