ذلك بان تمنع الشر الواصل اليه في حضرته وفي غيبته في دمه وفي نفسه وفي ماله وفي عرضه وفيه من الفوائد ان اذى الجار من كبائر الذنوب فانه لا ينفى الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن قالوا من يا رسول الله قال من لا يأمن جاره بوائقه وفي رواية لمسلم لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه هذا الحديث الشريف اصل في بيان حق الجار من جهة كف الاذى عنه فان حق الجار يدور على امرين الاحسان اليه وكف الاذى عنه فالاحسان اليه حق اوصى به النبي صلى الله عليه وسلم ودلت عليه الادلة ومن حقه ان يكف ان يكف الشر عنه والاذى فكف الاذى عن الجار من اكد حقوق الجوار فان الانسان مندوب الى الاحسان فاذا عجز عن الاحسان فلا اقل من ان يكف شره عن جاره فان ذلك ادنى ما يكون من حقوق الجوار والجار هو كل من جاورك قريبا كان او بعيدا مسلما كان او كافرا من ذوي رحمك او من الاجانب عنك فان النصوص في حق الجار عامة لكل مجاور وليست خاصة احد من اوصاف المذكورة من اسلام او ذي رحم او قرابة او نحو ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يقول والله لا يؤمن يقسم صلى الله عليه وسلم بالله عز وجل على نفي الايمان فقل والله لا يؤمن كرر ذلك ثلاثا والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن وهذا دليل على عظيم ما يخبر به وان الذي يخبر به في هذا النفي امر مؤكد ومغلظ وشديد حيث اقسم عليه صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وكرر نفي الايمان عنه ثلاث مرات وكل ذلك بيان عظيم ما سيتحدث عنه من الوصف المنافي للايمان فلما كرر ذلك صلى الله عليه وسلم قال الصحابة من يا رسول الله من الذي اقسمت بالله الا يؤمن؟ فقال صلى الله عليه وسلم من لا يأمن جاره بوائقه من لا يأمن الامن ضد الخوف فمن امنته اطمأننت اليه وسكنت نفسك له ولم تخشى منه شيئا من الضرر او الاذى فمن لا يأمن جاره بوائقه يعني الذي يخاف جاره شره. فالبوائق هي الشرور والغوائل و الاذى الظاهر والباطن فالبوائق اسم للشر ظاهرة ظاهرا او باطنا فقوله صلى الله عليه وسلم من لا يأمن جاره بوائقه يعني الذي يخاف جاره من شره هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم الذي لا يأمن جاره بوائقه وانظر يا اخي كيف جعل النبي صلى الله عليه وسلم الايمان منفي عمن يخاف جاره شره فكيف اذا كان يصل اليه الشر بمعنى انه النبي صلى الله عليه وسلم نفى الايمان عمن يخاف جاره شره ولو لم يصل الجار منه شر لكن وجود الخوف معناه احتمالية ايقاع الاذى فلما كان الوعيد على احتمالية ايقاع الاذى الذي يخاف منه موجبا لنفي الايمان فكيف اذا وقع الاذى سواء كان الاذى في النفس او كان الاذى في المال او كان الاذى في العرض واعظمه ما كان في العرض والنفس فان النبي صلى الله عليه وسلم سئل اي الذنب اعظم كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال ان تجعل لله ندا وهو خلقك يعني ان تشرك بالله قال عبد الله بن مسعود ان ذلك لعظيم ثم اي يعني ما الذي بعد هذا قال ان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك يعني خوف الفقر قلت ثم اي؟ يعني ثم ماذا بعد هذا؟ قال ان تزاني حليلة جارك ان تزاني حليلة جارك فجعل الزنا بحليلة الجار في هذه المرتبة والمنزلة من الغلظ والعقوبة انه يلي الشرك وقتل النفس التي حرم الله قتل الولد خشية ان يطعم معه ولهذا قال العلماء ان يزني الانسان بمئة امرأة اهون من ان يزني بحليلة جاره وذلك لعظيم حق الجار ولان الذنوب تعظم بما يرافقها من الاوصاف الزنا غليظ وهو من كبائر الذنوب لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فاذا كان الزنا بحليلة الجار عظم ذنبه واثمه. فان كان بحريرة جار غائب في طاعة كغائب في صلاة او حج او جهاد او عمل صالح كان اعظم ذنبا واكبر اثما ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا حليلة الغازي انه يوقفه يوم القيامة. يوقف يوقف الزاني. يوقفه الغازي فيقال له خذ من حسناتك فيما شئت وهذا يدل على عظيم الجرم والاثم الحاصل. فالذنوب تتفاوت بقدر ما يكون فيها من الاوصاف والمقصود ان النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث رتب العقوبة بنفي الايمان على خوف شر الجار. فكيف اذا وقع شره كان الذنب اعظم ونفي الايمان اكد فقوله صلى الله عليه وسلم والله لا يؤمن اي الايمان الواجب الذي ينجو به الانسان من النار ولا يعني هذا ان من اذى جاره او من خاف جاره بوائقه انه يكفر لا فنفي الايمان هنا لا يثبت الكفر. لان الايمان له اصل وله شعب وخصال انتفاء بعض خصاله لا ينفي اصله فقوله صلى الله عليه وسلم والله لا يؤمن يعني الايمان الكامل الواجب فلا يستحق هذا الذي يخاف جاره بوائق لا يستحق هذا الوصف الممدوح وهو الاسم المطلق اسم الايمان المطلق فانه لا يوصف به الا من كمل في خصال الايمان وشعبه. ولهذا ينبغي للمؤمن ان يحذر وان يخاف ان يقع في شيء من ما ينفى به الايمان الحديث فيه جملة من الفوائد من فوائده شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الامة حيث اكد هذا الخبر بالقسم والتكرار والله والله والله والمقسم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمقسم والمقسم عليه نفي الايمان وهذا يدل على شفقته وحرصه ان يجنب امته الوقوع في هذا الذنب وفيه تأكيد الكلام بتكراره اذا اقتضت الحاجة الى ذلك. وفيه التشويق عند الحديث عن الامور المهمة بما يلفت الانظار ويجلب الاسماع فانه لما كرر ذلك صلى الله عليه وسلم قالوا من يا رسول الله سألوه ليستكشفوا حتى يسلموا من هذه الخصلة التي اقسم النبي صلى الله عليه وسلم ان صاحبها لا يؤمن وفيه من الفوائد ايضا عظم حق الجار فان النبي صلى الله عليه وسلم رتب العقوبة بنفي الايمان على خوف شر الجار فكيف اذا وقع شره وفيه انه ينبغي للمؤمن ان يتحرى في حق جيرانه بكل ما امكنه ان ان يكف شره عنهم. وهذا اقل حقوق الجار اقل حقوق الجار ان تكف شرك عنه الايمان الا في كبيرة من كبائر الذنوب فان من علامات الكبائر نفي الايمان وهذا فيه ان نفي الايمان لا يكون الا على المغلظ من المعاصي والسيئات ولكن ينبغي ان يعلم ان هذا النفي لا يخرج الانسان عن الاسلام ولا يستتاب صاحبه بمعنى انه يطلب توبته والرجوع الى الاسلام انما هي من المعاصي التي تكفر بالتوبة وبأداء الحقوق الى اهلها هذه جملة من الفوائد اسأل الله تعالى ان يرزقني واياكم البصيرة في الدين والعمل بالتنزيل. وان يعيننا على اداء الحقوق والامانات وصلى الله وسلم على نبينا محمد