الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين نقل النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين في باب بر الوالدين وصلة الرحم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال اقبل رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ابايعك على الهجرة والجهاد ابتغي الاجر من الله تعالى قال له النبي صلى الله عليه وسلم فهل لك من والديك احد حي قال نعم بل كلاهما قال النبي صلى الله عليه وسلم فتبتغي الاجر من الله تعالى؟ قال نعم. قال فارجع الى والديك فاحسن صحبتهما متفق عليه هذا الحديث الشريف تضمن هذا الخبر الذي فيه ان رجلا اقبل الى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله قال ابايعك على الهجرة والجهاد اي جئت مبايعا لك على الهجرة والجهاد والبيعة هي عهد والتزام و وهي من الاعمال الصالحة في ما كان من عمل اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في معاهدتهم ومعاقدتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى ان الذي ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله. يد الله فوق ايديهم فبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل صالح وكانت على اعمال صالحة متنوعة فقد بايع اصحابه على السمع والطاعة وبايعهم على النصح لكل مسلم وبايع منهم من بايع على النصرة وبايع منهم على الجهاد وبايع منهم على الهجرة هذا رجل جاء فقال يا رسول الله ابايعك على الهجرة وهي الانتقال من بلاد الكفر الى بلاد الاسلام والجهاد وهو قتال اعداء الله المحادين لله ورسوله ثم بعد ان ذكر العمل الذي اراد معاهدة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاقدته عليه ذكر الباعث على ذلك فقال ابتغي الاجر من الله تعالى يعني الذي حملني على هذه البيعة وهي متظمنة مجافاة ما تميل اليه النفس من الاقامة في الاوطان والقرب من الاهل اخوان و ايضا بذل النفس في سبيل الله بتعريضها تلفي او للاصابة والاذى والمشقة والعناء الحامل على ذلك كله هو طلب ما عند الله تعالى. ابتغي الاجر من الله تعالى يعني اطلبه وهذا بيان حسن القصد مع صلاح العمل فالبيعة على الهجرة والجهاد عمل صالح وذكر الباعث له وهو ابتغاء الاجر من الله عز وجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان سمع منه ما سمع ظاهر حالة انه جاء من غير المدينة لانه بايعها على الهجرة وهي الانتقال من بلاد الكفر الى بلاد الاسلام قال صلى الله عليه وسلم فهل لك من والديك احد حي والمقصود بالوالدين الاب والام هل لك من والديك؟ يعني من ابيك او وامك احد حي قال نعم بل كلاهما يعني ابوه وامه حيان قال له النبي صلى الله عليه وسلم فتبتغي الاجر من الله تعالى اي تطلب الثواب والاجر بعمل صالح يقربك الى الله عز وجل. وتنال به اجرا ومثوبة قال نعم اي هذا الذي اطلبه وهذا الذي ابتغيه وقال له النبي صلى الله عليه وسلم فارجع الى والديك فاحسن صحبتهما ارجع الى والديك من البلد الذي انتقلت منه وهاجرت الي منه فاحسن صحبتهما اي فاحسن لهما في المصاحبة والمرافقة والمعاشرة والمعايشة فالصحبة تشمل كل ذلك والاحسان وبذل المستطاع من الاحسان والخير والبر لوالديه وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث ان رجلا جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد فقال له احي والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد وهذا يبين ان الاحسان المأمور به في قوله صلى الله عليه وسلم فاحسن اليهما يكون بالمال ويكون بالنفس. لان الجهاد يبذل فيه الانسان نفسه وماله لله عز وجل فقوله صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل ففيهما فجاهد اي فابذل نفسك ومالك في كل ما يحسن به حال والديك من حسن الصحبة والاحسان اليهما و كف الاذى عنهما ودفع الشر ما امكن عن ان يصل اليهما مع احتمال ما يمكن ان يكون من سوء اخلاقهما او سوء يصدر عنهما فان ذلك كله يدخل في احسان الصحبة. اذ احسان الصحبة يتضمن الاحسان ويتضمن الصبر اه ويتضمن كف الاذى عنهما ويتظمن ايظا الصبر على ما يكون من المكروه منهما يعني ما يصدر منهما من شيء تكرهه سواء كان ذلك في قول او في عمل واذا احتسب الانسان الاجر عند الله في ذلك فتح الله تعالى له او ابواب خير عظيم هذا الحديث فيه جملة من الفوائد من فوائده عظيم حرص الصحابة رضي الله عنهم على الاحسان و العمل الصالح فيه ايضا عظيم حرصهم على ان تكون تلك الاعمال لله خالصة فانه لم يذكر ذلك العمل الا وقرنه بالقصد والغرض حتى يصحح نيته وليبين ايضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم غايته وغربه وفيه فظل الهجرة والجهاد الهجرة منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب وهي عمل صالح والواجب هو ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة من مكة الى المدينة للمستطيع واما غير هذا مما يمكن فيه اظهار الدين واقامته فان هذا الحديث مما استدل به على عدم وجوب الهجرة على كل احد لان النبي صلى الله عليه وسلم امره بالرجوع وترك الهجرة لانها لم تكن واجبة عليه او لانها تزاحمت الواجبات في حقه حيث له والدان وهما محتاجان اليه فجعلت حق والديه مقدما على الهجرة التي لا يتعسر فيه ان يقيم الدين اي يستطيع اقامة ما يستطيع اقامته من دينه وفيه من الفوائد استحضار النية الصالحة في العمل وانه ابتغاء وجه الله عز وجل وطلب الاجر منه وهذا ينبغي ان يكون حاضرا بكل عمل يعمله الانسان وفيه ان السائل ينبغي له ان يشرح ليه من يسأله بلفظ موجز مستوعب فالرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كلمات معدودات لكنها استوعبت وصف حاله من جهة العمل المطلوب السؤال عنه ومن جهة القصد والغرض وفيه ان المفتي والمجيب والمرشد قد يستفيد من سؤال السائل ما يكون عونا له على توجيهه الى ما هو افضل فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجبه مباشرة بل استفصل اولا فقال هل لك من والديك احد حي وهذا لاستجلاء الامر واستكشافه وهكذا ينبغي ان ان يكون الناصح ومن يفتي ومن يرشد ينبغي ان يبين للمسترشد والمستفتي والمستنصح بناء على معرفة حاله. فاذا خفي عليه من شأنه شيء فليسأله يستبن منه وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم نصح هذا الرجل باعلى ما يكون من العمل الصالح المناسب له. فالهجرة والجهاد عملان صالحان لكن هذا الرجل عنده من العمل ما قدمه على الجهاد والهجرة وهو بر والديه ولذلك سأله صلى الله عليه وسلم فقال فتبتغي الاجر من الله تعالى؟ قال نعم يعني اذا كنت تريد الاجر في اعلى صوره واوفى مواطنه ترجع الى والديك فاحسن صحبتهما فامره بالرجوع الى والديه وفيه من الفوائد عظيم منزلة بر الوالدين وانه في المنزلة اذا لم يكن الجهاد متعينا والهجرة متعينة يفوق ويتقدم على الهجرة والجهاد حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم ارجع الى والديك فاحسن صحبتهما وفيه من الفوائد عظيم حق الوالدين فان النبي صلى الله عليه وسلم ارجع هذا الذي جاء يبتغي الاجر الى والديه وامره بالاحسان اليهم هذا بعضنا في هذا الحديث من الفوائد ونسأل الله تعالى ان يبلغ بنا الذروة في كل بر وخير وان ييسر لنا يسرا وان يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. وصلى الله وسلم على نبينا محمد