بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا لجميع المسلمين نقل الشيخ الحاكم النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب وجوب الانقياد لحكم الله تعالى وما يقوله من دعي الى ذلك وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لله ما في السماوات وما في الارض وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله. الاية اشتد ذلك على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب. فقالوا اي رسول الله كلفنا من الاعمال ما نطيق. الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد انزلت عليك هذه الاية ولا نطيقها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتريدون ان تقولوا كما قال اهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير. فلما فلما اقترأها القوم ودلت بها انزل الله تعالى في اثرها امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون. كل امن بالله وملائكته وكتبه لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير. فلما فعلوا ذلك الله تعالى فانزل الله عز وجل لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. ربنا لا تؤاخذنا ان نسيت واخطأنا قال نعم ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا؟ قال نعم ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا قال نعم واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. قال نعم رواه مسلم بسم الله الرحمن الرحيم. تقدم الكلام على اول هذا الحديث. وبلغ من الكلام على قوله تبارك وتعالى امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون امن الرسول بما انزل اليه من ربه. والذي انزله الله عز وجل عليه هو الكتاب والسنة. كما قال عز وجل وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم. والمؤمنون اي كذلك. فالمؤمنون يؤمنون امور ثلاثة اولا بالمرسل وهو الله عز وجل. وثانيا بالمرسل اليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وثالثا بالمرسل وهو الكتاب والسنة. ولهذا قال امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله كل يعني من ومن المؤمنين امن بالله والايمان بالله يتضمن امورا اربعة. الاول الايمان بوجوب لان غير الموجود عدم والعدم ليس شيئا فضلا عن ان يكون الها. وثانيا اي يؤمنون بالوهيته سبحانه وتعالى وانه لا احد يستحق العبادة الا الله عز وجل. ثالثا يؤمنون بربوبيته وانه الخالق الرازق المالك المدبر. رابعا يؤمنون باسمائه وصفاته. فيثبتون لله ما اثبته لنفسه في كتابه. او اثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في خطابه من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل. كل امن بالله وملائكته والملائكة جمع ملك. والملائكة عالم غيبي. خلقهم الله عز وجل من نور ومنحهم الانقيادة التامة لامره والقوة على تنفيذه. فهم عباد لله عز وجل. بل عباد لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون. ووظيفتهم عبادة الله. كما قال عز وجل ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون. وملائكته وكتبه والكتب جمع كتاب وهي الكتب التي انزلها الله عز وجل على رسله. لتكون حجة على العالمين. وما حجة للعالمين للعاملين وهذه الكتب منها ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه. فالذي نعلمه منها هو القرآن والتوراة والزبور وصحف ابراهيم وموسى. وربما وهنا وهناك كتب اخرى الله اعلم بها. ولهذا قال امن الرسول وبما انزل اليه من ربه والمؤمنون. كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله. اي امنوا برسله. والرسول هو من اوحي اليه بشرع وامر بتبليغه. فنؤمن بجميع الرسل ولهذا قال لا فرقوا بين احد من رسله. فلا نفرق بينهم في الايمان بهم. وبصحة وباعتقاد صحة رسالتهم. اما في الشرائع فاننا نفرق بينهم. لاننا امرنا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم. فالرسل عليهم الصلاة والسلام في اصول الدين. لان رسالتهم جاءت لتحقيق التوحيد. وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون. ولكنهم يختلفون في الشرائع لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. ولهذا قال ابن القيم رحم الله في النونية فالرسل متفقون قطعا في اصول الدين دون شرائع الايمان كل له شرع ومنهاج وذا في امرنا التوحيد فافهمتان. غفرانك ربنا واليك المصير. اي نسألك يا ربنا ويا خالقنا ويا رازقنا ويا مدبرنا نسألك المغفرة واليك المصير اي المرجع والمآب. فلما قالوا ذلك نسخ الله عز وجل ذلك هو رفع حكم دليل شرعي او لفظه بدليل شرعي متراخ عنه من الكتاب والسنة. ثم انزل الله عز وجل قوله لا يكلف الله نفسا الا وسعها. والتكليف هو الزام ما فيه كلفة ومشقة. هذا من حيث الاصل فلا يكلف الله نفسا الا وسعها يعني الا طاقتها. فالتكاريف الشرعية التي كلف الله عز وجل بها هي في وسعهم. فان الله تعالى لا يكلف نفسا الا ما اتاها. ولا يكلف نفسا الا بما تقدر عليه وتستطيعه لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت اي ما عملت من اعمال الخير فلا ينقص منه شيء وعليها ما اكتسبت اي ما اقترفت من الاثم فلا يزاد فيه شيء. فما يعمل الانسان من خير او شر كله سيحاسب عليه عند الله عز وجل لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا هذه الجملة فيها مقول قول محذوف اي قولوا ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا. ربنا لا تؤاخذنا اي لا تحاسبنا ولا تعاقبنا. ان نسينا او اخطأنا. يعني ان وقع منا النسيان او وقع منا الخطأ والنسيان هو ذهول القلب عن امر معلوم. والخطأ هو المخالفة من غير قصد. فالخطأ هو ارتكاب الانسان ما نهي عنه من غير قصد. ويدخل في ذلك يدخل فيه الجهل. ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا لو اخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا والاصل هو الشيء الثقيل. كما حملته على الذين من قبلنا فخفف الله عز وجل عن هذه الامة الاصال والاغلال التي كانت على الامم السابقة من اليهود والنصارى. ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة ما لا طاقة لنا به. فلم يحمل الله عز وجل هذه الامة ما لا تطيق كما قال عز وجل لا لا يكلف الله نفسا الا وسعها. وثم قال واعف عنا واغفر لنا وارحمنا. اعف عنا اي تجاوز عما حصل منا من تقصير في الواجب. واغفر لنا اي تجاوز عنا ما حصل منا من ارتكاب للمحرم. وارحمنا اي افض علينا من رحماتك. بترك المحظور وفعل المأمور. ومن ذلك ان يوفقك الله عز وجل للعمل الصالح واغفر لنا وارحمنا انت مولانا يعني انت الذي تتولى امورنا وشؤوننا. فانصرنا على القوم الكافرين اي اجعل النصر لنا على القوم الكافرين وهذا عام في كل كافر. وفي هذه الاية عقب كل عقب كل لدعاء وكل سؤال قال الله عز وجل هنا نعم. وفي رواية اخرى قد فعلت. وهذا دليل على ان الله عز وجل قد استجاب هذا الدعاء وهذا الدعاء او اجابة هذا الدعاء ليست خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين الذين نزلت فيهم هذه الاية بل هي عامة لكل مؤمن اخلص لله واتبع رسوله صلى الله عليه وسلم فان الله تعالى يجيب دعوته ويعطيه سؤله. ولهذا في هذه الاية كان كان معاذ رضي الله عنه اذا قرأ هذه الاية قال عقبها امين. كما يختم بها سورة الفاتحة. ويأتي ان شاء الله تعالى بقية الكلام على ما يتعلق هذا الحديث من المسائل فوائد في الدرس القادم ان شاء الله وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله على نبينا محمد