المكتبة الصوتية لمعالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد بن ابراهيم بن عبداللطيف ال الشيخ. شروحات كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله شرح كتاب التوحيد. الدرس الثالث والثلاثون. قال المصنف رحمه الله تعالى باب قول الله تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. وقوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم. واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون. وقوله يا ايها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين. وقول ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال حسبنا الله ونعم الوكيل. قالها ابراهيم صلى الله عليه وسلم حين القي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. رواه البخاري والنسائي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهداه. اللهم انا نسألك علما نافعا دعاء وعمل صالحا اللهم نور قلوبنا بطاعتك والهمنا ذكرك واجعلنا من الشاكرين لنعمك المتبعين يا ارحم الراحمين اما بعد فهذا باب قول الله تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. وهذا الباب عقده الامام المصلح المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذا الكتاب العظيم كتاب التوحيد عقده لبيان ان التوكل على الله فريضة من الفرائض وواجب من الواجبات ان افراد الله جل وعلا به توحيد وعنا التوكل على غير الله شرك مخرج من من الملة التوكل على الله شرط في صحة الاسلام. وشرط في صحة الايمان. فالتوكل عبادة عظيمة. فعقد هذا باب لبيان هذه العبادة وحقيقة التوكل على الله جل جلاله ان العبد يعلم ان هذا الملكوت انما هو بيد الله جل وعلا يصرفه كيف يشاء فيفوض الامر اليه ويلتجئ بقلبه في تحقيق مطلوبه وفي وفي الهرب من ما يتوبه يلتزم في ذلك ويعتصم بالله جل جلاله وحده فينزل حاجته بالله ويفوض امره الى الله ثم يعمل السبب الذي امر الله به فحقيقة التوكل في الشرع تجمع تفويض الامر الى الله جل وعلا وفعل الاسباب بل ان نفس الايمان سبب من الاسباب التي يفعلها المتوكلون على الله بل ان نفس التوكل على الله جل وعلا سبب من الاسباب. فالتوكل حقيقته في تجمع عبادة قلبية عظيمة وهي تفويض الامر اليه والالتجاء اليه والعلم بانه لا امر الا امره ولا شيء الا بما قدره واذن به كونه. ثم فعل السبب الذي اوجب الله جل وعلا فعله او امر بفعل فترك فعل الاسباب ينافي حقيقة التوكل الشرعية. كما ان الاعتماد على السلف وترك تفويض الامر الى الله جل وعلى ينافي حقيقة التوكل الشرعية. فالمتوكل في الشرع هو من عمل السبب وفوض الامر الى الله جل وعلا في الانتفاع بالسبب وفي حدوث المسبب من ذلك السبب وفي توفيق الله واعانته فانه لا حول ولا قوة الا به جل وعلا والتوكل كما قال الامام احمد عمل القلب. فالتوكل عبادة قلبية محضة ولهذا صار افراد الله جل وعلا بها واجبا وصار صرفها لغير الله جل وعلا شرك والتوكل على غير على غير الله جل وعلا له حالان الحالة الاولى ان يكون شركا اكبر وهو ان يتوكل على احد من الخلق فيما لا يقدر عليه الا الله جل جلاله. يتوكل على المخلوق في مغفرة الذنب يتوكل على المخلوق في تحصيل الخيرات الاخروية. او يتوكل على المخلوق في تحصيل الله او في تحصيل وظيفة له يتوكل عليه بقلبه وهو لا يقدر على ذلك الشيء. وهذا يكثر وعند عباد القبور وعباد الاولياء فانهم يتوجهون الى الموتى بقلوبهم يتوكلون عليهم بمعنى امر صلاحهم فيما يريدون في الدنيا والاخرة على اولئك الموتى وعلى تلك الالهة والاوثان التي لا تقدر من ذلك على شيء فهذا عبادة صرفت لغير الله جل وعلا وهو شرك اكبر بالله جل وعلا. مناف لاصل التوحيد والنوع الثاني ان يتوكل على المخلوق فيما اقدره الله جل وعلا عليه يتوكل على مخلوق فيما اقدره الله عليه وهذا نوع شرك بل هو شرك خفي. وشرك اصغر. ولهذا قال طائفة من اهل العلم اذا قال توكلت على الله وعليك فان هذا شرك اصغر. ولهذا قالوا لا يجوز ان يقول توكلت على الله ثم لان المخلوق ليس له نصيب من التوكل فان التوكل انما هو تفويض الامر والالتجاء بالقلب الى من بيده الامر وهو الله جل وعلا. والمخلوق لا يستحق شيئا من ذلك. فاذا التوكل انا المخلوق فيما يقدر عليه هذا شرك خفي. ونوع شرك اصغر. والتوكل على المخلوق فيما لا يقدر عليه المخلوق وهذا يكثر عند عباد القبور والمتوجهون الى الاولياء والموتى هذا شرك مخرج من الملة وحقيقة التوكل الذي ذكرناه لا يصلح الا لله جل وعلا. لانه تفويض الامر الى من بيده الامر والمخلوق ليس بيده الامر. التجاء القلب وطمع القلب ورغب القلب في تحصيل المطلوب انما يكون ذلك ممن يملكه وهو الله جل وعلا. اما المخلوق فلا يقدر على شيء استقلالا وانما هو سبب اذا كان سببا فانه لا يجوز التوكل عليه لان التوكل عمل القلب. وانما يجعله سببا بان يجعله شفيعا جعله واثقة ونحو ذلك فهذا لا يعني انه متوكل عليه. فيجعل المخلوق سببا فيما اقدره الله عليه ولكن يفوظ امر النفع بهذا السبب الى الله جل وعلا. فيتوكل على الله ويأتي بالسبب الذي هو الانتفاع من هذا المخلوق بما جعل الله جل وعلا له من الانتفاع او من القدرة ونحو ذلك قال الامام رحمه الله باب قول الله تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. هذه الاية فيها الامر بالتوكل ولما امر به علمنا انه من العبادة ولما قدم الجار والمجرور في قوله وعلى الله قدمه على ما يتعلق به وهو الفعل توكلوا وهو توكلوا دل على وجوب افراد الله جل وعلا بالتوكل. وان التوكل عبادة يجب ان تحصر وتقصر في الله جل وعلا هذا وجه الدلالة من الاية ودليل دليل اخر في هذه الاية وهو قوله ان كنتم مؤمنين جعل الايمان لا يصح الا بالتوكل. قال وعلى الله فتوكلوا يعني افردوا الله بالتوكل وحده ان كنتم مؤمنين فجعل الشر ان كنتم مؤمنين فافردوا الله بالتوكل. فجزاء الشر هو افراد الله بالتوكل فصارت دلالة الاية من جهتين. وكذلك قوله جل وعلا في اية سورة يونس ان كنتم امنتم بالله فعليه فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين. قال فعليه توكلوا ابرد التوكل به جل وعلا وامر به فقد الجارة والمجرور بما يفيد الحفر والقصر والاختصاص بالله جل وعلا. ثم جعل افراد التوكل به جل وعلا شرط في صحة الاسلام. فقال ان كنتم مسلمين فهذه الايتان دلتا على ان التوكل عبادة وان افراد الله به جل وعلا واجب وانه هو شرط في صحة الاسلام وشرط في صحة الايمان وهذا كله يدل على ان انتفاءه مذهب لاصل التوحيد ومناد لاصله اذا توكل على غير الله فيما لا يقدر عليه الا الله جل جلاله قال وقوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون وجه الدلالة من الاية انه وصف المؤمنين بهذه الصفات الخمس. واخرها قوله وعلى اخرها قوله وعلى ربهم انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم وظاهر من دلالة الاية حيث قدم الجار المجرور على انهم افردوا التوكل بالله جل وعلا. فوصف المؤمنين بهذه الصفات فدل على ان هذه هي اعظم مقامات اهل الايمان وان هذه العبادات الخمس هي اعظم المقامات وهذا عظيم التنبه له اذ كل امور الدين والعبادات والفروع العملية التي يعملها العبد انما هي فرع عن تحقيق في هذه الخمس التي جاءت في هذه الاية. انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم وهذه الصفة تجمع الكلمات الشرعية وتجمع الدين جميعا لان ذكر الله فيه القرآن وفيه السنة قال وقوله يا ايها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين. قوله يا ايها النبي حسبك الله يعني كافيك الله وكافي من اتبعك من المؤمنين لان اسماء هو الكافي والكلمة المشابهة لها حسب تقول هذا بحسب كذا يعني بناء على كذا واما الكافي فهو الحسد في سكون السين. يا ايها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين يعني كافيك الله وكافي من اتبعك من المؤمنين. وجه مناسبة هذه الاية لهذا الباب ان الله حسب من توكل عليه قال جل وعلا ومن يتوكل على الله فهو حسبه. فالله حسب من توكل عليه. فدل على ان الله جل على امر عباده بالتوكل عليه حتى يكون كافيهم من اعدائهم وحتى يكون جل وعلا كافي المؤمنين من المشركين. قال جل وعلا يا ايها النبي حسبك الله يعني كافيك الله. ولهذا بالاية الاخرى وهي قوله جل وعلا ومن يتوكل على الله فهو حسبه. والتوكل على الله جل وعلا كما ذكرنا لك يرجع الى فهم توحيد الربوبية والى عظم الايمان بتوحيد الربوبية فان بعض المشركين قد يكون عنده من التوكل على الله شيء الشيء العظيم. والتوكل على الله من العبادات التي تطلب من المؤمن ومن العبادات الواجبة والعبادات العظيمة. لهذا نقول ان احداث التوكل في القلب يرجع الى التأمل في اثار الربوبية. فكلما كان العبد اكثر تأملا في الله وفي السماوات والارض وفي الانفس وفي الافاق كان علمه بان الله هو ذو الملكوت وانه هو وان نصره لعبده شيء يسير جدا بالنسبة الى ما يجريه الله جل وعلا في ملكوته. فيعظم المؤمن بهذا التدبر الله جل وعلا ويعظم التوكل عليه ويعظم امره ونهيه وينظر ان الله جل جلاله لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء سبحانه وتعالى قال ومن يتوكل على الله فهو حسبه رتب الحسب وهو الكفاية بالتوكل عليه وهذا فضيلة التوكل وفضيلة المتوكلين عليه. قال وعن ابن عباس قال حسبنا الله ونعم الوكيل. قالها ابراهيم عليه السلام حين القي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. هذا يبين عظم هذه الكلمة وهي قول المؤمن حسبنا الله ونعم الوكيل. فاذا تحقق العبد التوكل على الله وحققه في القلب معناه انه حقق هذا النوع من التوحيد توحيد التوكل في النفس فان العبد اذا اعظم رجاءه في الله وتوكله على الله فانه وان كادته السماوات والارض ومن فيهم ومن فيهن فان الله سيجعل له من امره يسرا وسيجعل له من بينها مخرجا. حسبنا الله يعني كافينا الله ونعم الوكيل. يعني ونعم الوكيل ربنا هذه كلمة عظيمة قالها ابراهيم عليه السلام في الكرب وقالها النبي عليه الصلاة والسلام واصحابه في الكرب لما قال لهم الناس ان الناس هل جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وذلك