والان مع الدرس الخامس والثمانين الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين اما بعد فقد ذكر الامام مالك في كتاب الموطأ عددا من التفاصيل والجزئيات المتعلقة باحكام السرقة والقطع فيها من ذلك ما يتعلق بما يحصل بين الزوجين اذا سرقت المرأة من مال زوجها وسرق الرجل من مال زوجته قال الامام مالك الرجل يسرق يسرق من متاع امرأته او المرأة تسرق من متاع زوجها ما يجب فيه القطع قل هنا تفصيل. الحال الاول ان كان الذي سرق كل واحد منهما من متاع صاحبه في بيت اخر سوى البيت كالذي يغرقان عليهما فيه وكان في حرز بسوى البيت الذي هما فيه. فحينئذ يجب القطع. اما اذا كانت السرقة من نفس البيت الذي يسكنان فيه اشتركان فيه فحين اذ لا يثبت القطع اما اذا سرق الصبي الصغير الصبي ليس مالا متقوما. وبالتالي لا يمكن ان يكون نصابا فحينئذ اذا سرق الصبي من حرزهما فهل يثبت اه القطع؟ قال الامام ما لك يثبت على سارق الطفل الصغير لماذا؟ قال لانه سارق فيصدق عليه الاية. والجمهور يقولون بانه لا يثبت القطع في هذه حال لان اه الصبي الصغير ليس بمتقوم ولا يمكن ان تعرف له قيمة لكن قد تطبق عليه اخرى من التعزير او حد الحرابة قال الامام ما لك فان خرجا من حرزهما او غلقهما يعني اذا كان الصبي الصغير في الطريق او في الشارع فهما حريصة الجبل يعني لا يثبت لا تثبت السرقة لان السرقة انما تكون باخذ المال على جهة الخفية مسألة اخرى فيمن يحفر القبور ويأخذ آآ الكفن الذي يكفن به الميت قال الامام مالك الامر عندنا في الذي ينبش القبور انه اذا بلغ ما اخرج من القبر ما يجب فيه القطع فحينئذ تقطع يده لانه سارق. قال لان القبر حرز لما فيه كما ان البيوت حرز لما فيها اما اذا اه حرك ما في القبر لكنه لم يخرجه او كان ما اخرجه اقل من النصاب فحين اذ لا يجب قال الامام مالك باب ما لا قطع فيه ثم روى عن يحيى عن محمد ابن يحيى ابن حبان ان عبدا سرق وديا وديا اي النخل الصغير. سرق وديا من حائط سيده المملوك سرق من سيده هذا النخل الصغار. فخرج صاحب الودي يلتمس وديه يبحث عنه نخلي الصغار فوجده فاستعدى على العبد مروان ابن الحكم ذهب الى والي المدينة مروان ابن الحكم وطلب فمنه ان يوقع العقوبة على هذا العبد. فسجن مروان العبد واراد قطع يده. فانطلق سيد العبد يعني ما لك هذا المملوك الى رافع بن خديج. فسأله عن ذلك ما الحكم في هذه المسألة وهو من الصحابة قال فاخبر آآ رافع بن خديج قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا المراد بالثمر آآ منتوج آآ النخيل والاشجار وذلك لانه لا آآ لم يتم ايوائها الى الجنين وليست في حرز ومن ثم لا يثبت فيها القطع لسارقها. اما المراد به الجمار وهو اللقاح الذي يكون في النخل ونحوه. ولذا قال والكثر الجمار. اي الذي به النخل. فقال الرجل فان مروان ابن الحكم اخذ غلاما لي وهو يريد قطع يده وانا احب ان معي اليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. لان هذا المملوك يريد سيده ان ينتفع به يريد ان يقطع يده واذا قطعت يده لم يتمكن سيده من الانتفاع به تمام الانتفاع قال فمشى رافع بن خديج مع هذا الرجل السيد الى مروان ابن الحكم فقال رافع لمروان اخذت غلاما لهذا؟ قال نعم. قال فما انت صانع به؟ قال اردت قطع يده لانه تارك فقال له رافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر قال فامر مروان فارسل اي تم اطلاقه. وهذا الحديث منقطع لان محمد ابن يحيى ابن حبان لم يسمعه من رافع ابن خديجة ثم روى مالك عن ابن شهاب عن السائب ابن يزيد ان عبد الله ابن عمرو ابن الحظرمي جاء بغلام الى عمر ابن الخطاب فقال له اقطع يدك غلامي هذا فانه سرق. فقال له عمر ماذا سرق؟ فقال سرق مرآة اي مراية لامرأتي ثمنها ستون درهما. فقال عمر ارسله اي اطلقه. فليس عليه قطع. خادمكم سرق متاعكم وفيه دلالة على ان المملوك اذا سرق من سيده فانه لا يثبت القطع عليه. ثم روى عن ابن شهاب ان مروان ابن الحكم اوتي بانسان قد اختلس متاعا والمراد بالاختلاس اه اخذ المال على جهة النصب والاحتيال وليس على جهة الاختفاء. قال فاراد مروان ان يقطع يده فارسل مروان الى زيد ابن ثابت الصحابي الجليل يسأله عن ذلك فقال زيد ابن ثابت ليس في الخلس قطع فيه دلالة على مشاورة اهل العلم في مسائل الدين والاحكام الشرعية وفيه ان الولاة اهلها يشاورون العلماء ويستشيرونهم فيما يحدث عندهم من الاقضية والاحكام ليحكموا بشرع الله سبحانه وتعالى وفيه دلالة على ان الاختلاس ليس فيه قطع وانما فيه التعزير الذي يراه صاحب الولاية مناسبا وان القطع انما يكون في السارق الذي يأخذ المال بخفية من اهله قال مالك او روى مالك عن يحيى ابن سعيد انه قال اخبرني ابو بكر ابن محمد ابن عمرو ابن الحزم انه اخذ نبطيا سرق خواتم من حديد فحبسه ليقطع يده. قال فارسلت اليه عمرة بن عبدالرحمن بنت عبدالرحمن مولاة لها يقال لها امية قال ابو بكر فجاءتني وانا بين ظهراني الناس. فقالت تقول لك خالتك عمرة يا ابن اختي اخذت تنبطيا في شيء يسير ذكر لي فاردت قطع يده قلت نعم. قالت فان عمرة تقول لك لا قطع الا في ربع دينار فصاعدا. قال ابو بكر فارسلت ضيع النبطي المراد به الرجل الاعجمي الذي آآ او من آآ طائفة معينة من الناس قوله سرق خواتم من حديد فيه دلالة على جواز لبس خاتم الحديد واتخاذه وانه لا حرج فيه وفيه دلالة على ان من سرق خواتم الحديد وكانت قد بلغت نصابا فان فيه القطع بخلاف اه خواتم الحديد اذا لم تبلغ النصاب ولم تكن قوامتها آآ تكون بقيمة ثلاثة دراهم او ربع دينار وفيه دلالة على ان من بلغه حكم شرعي شرع له ان يبلغه لغيره ليعمل فيه بشرع الله عز وجل قال الامام مالك والامر المجتمع عليه عندنا في اعتراف العبد انه من اعترف منهم على نفسه بشيء يقع فيه الحد والعقوبة في جسده فان اعترافه جائز عليه ولا يتهم على ان يوقع على نفسه هذا يعني ان المملوك لا يمكن ان يوقع على نفسه عقوبة آآ يترتب عليها قطع ويترتب عليها تأثير وايلام على بدنه الا اذا كان الامر كذلك اما اذا اعترف المملوك بامر يترتب عليه غرامة مالية فحين اذ لا يقبل اعترافه. لان الغرامة المالية هي لا يدفعها المملوك وانما يدفعها السيد. وبالتالي لا يقبل منه هذا الاعتراف وهناك طائفة من اهل العلم قالوا بان اعتراف المملوك اذا كان بما يوقع الجلد عليه ولا يؤثر على ملك جيد فانه يقبل اما اذا كان اعترافه بامر فيه قطع او فيه قصاص فانه لا يقبل او لا ينفذ عليه ذلك لان هذا يؤثر على ملك سيده قال الامام مالك ليس على الاجير ولا على الرجل يكونان مع القوم يخدمانهم ان سرقاهم قطع. اذا كان عندك اجير في بيتك فسرق منك لم يثبت فيه القطع لماذا؟ لانه لم يخرج المال من حرزه اذا سرق من المكان الذي يعمل فيه لكن اذا تعدى فوصل الى داخل البيت فحين اذ يثبت حكم القطع. قال الامام مالك لان حالهما احال الاجير او الخادم ليس بحال السارق. لانه لم يأخذ المال خفية. انما حالهما حال الخائن وليس على الخائن قطع ثم ذكر الامام مالك مسألة اخرى وهي من يستعير عارية ثم يجحدها ولا يقر بها فهل عليه قطع او لا يجب عليه قطع. قال الامام ما لك ليس عليه قطع. ومثل ذلك بمثال من كان عليه دين فجهد ذلك الدين فانه ليس عليه قطع قال هكذا اظاف العارية وهناك طائفة من اهل العلم قالوا بان جاحد العارية عليه القطع. واستدلوا على ذلك بما ورد في حديث فاطمة المخزومية انها كانت امرأة تستعير المتاع فتجحده فحكم النبي صلى الله عليه وسلم عليها بالقطع. قالوا واما هذا القياس الذي ذكره مالك فانه قياس فاسد الاعتبار لمخالفته للخبر ومن مذهب الامام مالك ان القياس اذا خالف خبر الواحد فان القياس مقدم والجمهور على ان اخبار واحد تقدم على قيسه ثم ذكر الامام مالك مسألة اخرى في السارق يوجد في البيت دخل في بيت السارق دخل في البيت الذي يريد ان يسرق منه قد جمع المتاع ولم يقم باخراج ذلك المال والمتاع المسروق من البيت فحينئذ هل عليه قطع؟ قال ليس عليه قطع. لماذا؟ لانه لم يخرج اه المال من حرزه. ومثل لذلك بمثل رجل وضع بين وضع بين يديه خمرا ولم يشربها بعد. فحينئذ لا نطبق عليه حد الشرب. هكذا في هذه مسألة ومثل ذلك بمثل رجل جلس من امرأة مجلسا وهو يريد ان يصيبها حراما ولم يفعل بعد فحينئذ لا نطبق عليه الحد فهكذا ايضا من جمع المال في البيت الذي يراد ان يسرق منه ولم يخرجه ليس عليه حد قال الامام مالك الامر المجتمع عليه عندنا انه ليس في الخلسة قطع. الاختلاس ليس فيه قطع وانما يجب فيه ارجاع المال وقد يطبق الوالي والقاضي التعزير المناسب آآ الذي يردع عن مثل تلك كالفعلة قال الامام مالك كتاب الاشربة شريعتنا كاملة لم تترك شيئا الا نظمته وبينت احكامه ليكون الناس على اكمل امورهم واحسنها ليسيروا على اختيار رب العزة والجلال لحياتهم لان الله يريد ان يرحمهم ويريد ان يحقق مصالحهم فاختيار لنا وشرعه ودينه اولى لنا من اهواء انفسنا واختيارنا لها ومن هنا جاءت الشريعة بتنظيم المآكل والمشارب. فحرمت علينا اشياء لمصلحتنا يسألونك ماذا احل لهم؟ قل احل لكم الطيبات. فما احله رب العزة والجلال فهو الطيب النافع. وما منعنا منه فانه مضر بنا ومن هذا ما يتعلق بالاشربة فالاصل في الاشربة انها حلال جائزة الا آآ انواع قليلة منع منها الشارع ومن امثلة ذلك الاشربة التي تكون مظرة بالبدن وكذلك الاشربة المحتوية على نجاسات. ومن ذلك ايضا الاشربة المسكرة. فان الشريعة قد جاءت بتحريم الخمر تحريما قاطعا لا مجال للتردد فيه. قال الله عز وجل يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون؟ واطيعوا الله واطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم فاعلموا ان ما على رسولنا البلاغ المبين ومن هنا جاءت الشريعة بتحريم شرب الخمر. وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان شارب الخمر اذا مات ولم يتب منها لم يشربها في الاخرة. وانه يسقى يوم القيامة من ردغة الخبال. وهي عصارة واهل النار من عرقهم وامورهم المستقبحة ثم قال المؤلف باب الحد في الخمر المراد بالحد العقوبة المقدرة شرعا. فالشريعة قد جاءت بايقاع عقوبة على شارب المسكر ولكن كما تقدم ان هذه العقوبة لا يقيمها الا اصحاب الولايات. وان افراد الناس لا حق لهم في اقامة مثل هذه العقوبة لان الحدود الى اصحاب اه الولايات وقد جاء قد اختلف اهل العلم في مقدار الحد في الخمر فذهب الامام الشافعي الى ان شارب الخمر يجلد ويجوز لصاحب الولاية ان يزيدها الى ثمانين ما ترى المصلحة في ذلك. والجمهور على ان حد الخمر ثمانون جلدة كما سيأتي ان شاء الله تعالى روى الامام مالك عن ابن شهاب عن السائب ابن يزيد انه اخبره ان عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال اني وجدت من فلان ريح شراب فزعم انه شرب الطلاء واني سائل عما شرب فان كان يسكر جلدته فجلد له عمر الحد تاما في هذا الاثر ان تطبيق الحدود للائمة والولاة وليس لافراد الناس. وفيه ان من وجد منه ريح الخمر فانه يجوز تقريره واستخراج الاعتراف منه بالطرق المناسبة لذلك واما المراد بالطلاء فهو الخمر الذي آآ يوضع على النار فيتبخر ثلثاه ولا يبقى منه الا آآ الثلث ومثل هذا قد آآ يكون اسكاره قليلا ولا يسكر الا الا من الناس. ولذلك تردد عمر رضي الله عنه فيه. وفيه ان صاحب الولاية اذا تردد في مسألة فانه يسأل الناس سواء كان هذا السؤال عن الحكم الشرعي او كان عن وصف واقع آآ ما يسأل عنه فان عمر هنا انما سال عن واقع هذا الشراب وفيه وقوله فجلده فجلده عمر الحد تاما اي انه لم يقتصر على التعزير وانما جلده اه تامة. ثم روى عن ثور ابن زيد الديلي ان عمر ابن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل لانهم كانوا يجلدون اربعين آآ اختلف او كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يجتمعون فيظربونه. قال ابو هريرة منا الظارب بيده ومنا الظارب بنعله فلم يكن هناك حد بين في ما يتعلق جلد شارب الخمر. فقال له علي بن ابي طالب نرى ان تجلده ثمانين جلدة لده فانه اذا شرب سكر اي ذهب عقله واذا سكر هذا اي تكلم بما لا يعرف معناه واذا هذا افترى اي قذف غيره بالزنا. او كما قال. فحينئذ نجلده حد القذف ثمانين جلدة. فجلد عمر في الخمر ثمانين مما يدل على جواز استعمال القياس في الحدود واخذ الجمهور من هذا الحديث ان شارب الخمر ثمانين خلافا للامام الشافعي رحمه الله كما تقدم. اسأل الله جل وعلا ان يوفقنا واياكم لخيري الدنيا والاخرة وان يجعلنا واياكم الهداة المهتدين هذا والله اعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين