بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة السابعة عشرة من هذه الحلقات التي اشرحوا فيها معلقة امرئ القيس كنت قد ذكرت لكم ان امرئ القيس بدأ معلقته بمقدمة مشحونة بالذكريات المؤلمة ثم تخلص منها بقوله الا رب يوم لك منهن صالح ثم سرد مجموعة من الايام المعينة وهي اربعة ايام يوم دارة جلجل ويوم عقر الناقة للعذارى ويوم دخول خدرعنيزة وختمها بيوم دلال فاطمة ثم اتبع هذه الايام الاربعة المعينة باستحضار ذكرى جديدة الا انها هذه المرة ليست ذكرى يوم واحد معين بل ذكرى ايام متشابهة مع بيظات الخدور ذكر فيها مغامراته في الوصول الى بيظات الخدور في ثمانية ابيات يقول فيها بيضة خدر لا يرام خبائها تمتعت من لهو بها غير معجل تجاوزت احراسا اليها ومعشرا. علي حرصا لو يصرون مقتلي اذا ما الثريا في السماء تعرضت تعرض اثناء الوشاح المفصل فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر الا لبسة المتفضل فقالت يمين الله ما لك حيلة وما ان ارى عنك الغواية تنجلي فقمت بها امشي تجر وراءنا على اثرنا اذيال مرق مرحلي فلما اجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل. هصرت بفوضي رأسها ايلت علي هظيم الكشح ريا المخلخل وبيضة خدر لا يرام خبائها الواو في قوله وبيضة خدر تسمى واو ربا فالاصل ورب بيضة خدر ثم حذف رب وابقى عملها وبقيت الواو دليلا عليها وهذا الموضع يعيدني لما قلته سابقا حين شرحت قوله الا رب يوم لك منهن صالح من ان رب قيل ان معناها التقليل وقيل بل هي للتكفير وقيل بل تأتي للتقليل قليلا وللتكثير كثيرا والذي اراه هو ان التقليل والتكثير فيها هو معنى سياقي لا ذاتي فالسياق هو الذي يوجه معناها ولا شك ان سياق ابيات امرئ القيس يصرفها الى التكثير فهو يفتخر بكثرة مغامراته مع بيظات الخدور. وبيضة خدر الخدر هو كل محيط خاص يستر صاحبه وهو هنا مخدع الفتاة العذراء داخل البيت كغرفة النوم في هذا الزمان وقد شبه الفتاة داخله بالبيضة فقال وبيضة خدر فهي كالبيضة في صفائها ونقائها ونعومتها وملستها وهي في خدرها كالبيضة في من حيث قرارها وصيانتها فيه فهي مكنونة في منأى عن الشمس وعن انظار الناس لا يرام خبائها وروي ما يرام خبائها الخباء بيت من قطن او وبر او صوف او شعر يقوم على عمودين او ثلاثة وجمعه اخبية يرام يفعل من قولهم رام الشيء يرومه روما ومراما اذا طلبه فمعنى لا يرام خباؤها لا يطلبه احد ولا يخطر بباله ان يناله او يصل اليه. لعزتها وهيبة قومها ثم قال تمتعتم باللهو بها غير معجل فمع انها بيضة خدر ملازمة لخدرها ليست بالخراجة الولاجة ومع ان خبائها لا يرام ولا يجترأ على التفكير في الاقتراب منه لعزتها ومهابة اهلها وخشية قومها فقد تمتع بها لاهيا دون ان يكون في عجلة من امره تمتعت من لهو بها تمتع تفعل من قولهم متع الشيء يمتع ومتع متعة ومتوعا فهو ماتع اذا بلغ الغاية في الجودة وطال بقاء جودته وامتع بالشيء وتمتع به واستمتع دام له ما يستمده من جودته ولذته ومتعه الله وامتعه بكذا اي ابقاه ليستمتع به فالشيء الماتع هو الزائد في معناه طويل البقاء فهو قد تمتع باللهو معها اي طال تلذذه باللهو معها. واللهو اللعب وكل ما لعبت به فشغلك من هوى او طرب فهو له غيري معجلي معجل مفعل من قولهم عجل يعجل عجلا وعجلة اذا اسرع فهو عجل وعجل وعاجل وعجيل وعجلان من قوم عجالا وعجالة وعجال واعجل غيره يعجله فهو معجل وذاك معجل. اذا حثه على سرعة الفراغ مما هو فيه فغير معجل معناها ليس عندي ما يجعلني اسرع في الفراغ من اللهو بها من خوف او حذر او نحوه فامرؤ القيس لم يصل الى خدرها خائفا يترقب بل هو في غاية الامان والاطمئنان فهو وهو في هذا الموقف الحرج على غيره يلهو بلذة طويلة ماتعة دون عجلة او اضطراب او خوف فهو يفعل ذلك على تمهل وتمكث فقد فعل ذلك مرارا كثيرة حتى اعتاد عليه والفه وزال ما يصاحبه من خوف او ترقب مع انه يصف معاناه في طريقه اليها بقوله تجاوزت احراسا اليها ومعشرا وروي تخطيت اهوالا اليها ومعشرا وروي تجاوزت احراسا واهوال معشر فهو لم يتجاوز حارسا ولا حرسا بل احرسا فهو جمع الجمع يقول الصرفيون هنا يجوز في احراس وجهان الاول ان تكون احراس جمع حارس مباشرة كصاحب واصحاب والثاني ان تكون احراس جمع حرس كحجر واحجار وتكون حرص جمع حارس كخادم وخدم فتكون احراس على هذا الوجه جمع الجمع وحمله على هذا الوجه اولى لانه انسب للمعنى الذي يريده امرؤ القيس فهذه الفتاة عليها احراس لعزة اهلها ولمكانتها عندهم ولعزة قومها ومغامرة امرئ القيء قس على هذا اقوى واخطر فهو قد تجاوز من اجلها احراسا كثيرة والمعشر القوم وهو اسم جمع لا واحدة له من لفظه والجمع معاشر وهؤلاء المعشر لهم اهوال والاهوال جمع هول والهول هو المخافة من الامر العظيم لا يدري ما يهجم عليه من ان كهول الليل وهول البحر فهم معشر كالليل او البحر تخشى اهوالهم التي لا يدرى من اين تأتي فتحذر تجاوزت احراسا اليها ومعشرا علي حراصا لو يسرون مقتلي. حراسا جمع حريص ككريم وكرام ولئيم ولئام. لو يسرون مقتلي يسرون مضارعوا اسرا واسر من الاضداد فهي ترد بمعنى اخفى وبمعنى ضده اظهر والسياق يوجه المعنى وربما احتملهما معا فاما ورودها بمعنى اخفى فظاهر ومنه قوله تعالى فاسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ويكون معنى البيت على هذا الوجه تجاوزت احراسا اليها وقوما علي حراصا لو يخفون مقتلي لان من كان مثلي في عزته لا يجترئ قوم على قتله جهارا واما ورود اسر بمعنى اظهر فمنه قول الشاعر ولما رأى الحجاج جرد سيفه اسر الحروري الذي كان اظمرا فالمعنى قطعا اظهر الحروري الذي كان اظمر لانه من المحال ان يراد اخفى الحروري الذي كان اظمر ومن اهل اللغة من حمل على هذا المعنى قول الله تعالى واسروا النجوى الذين ظلموا اي واظهروا النجوى مع احتمالها المعنى الاخر وهو الاخفاء وايضا من اهل اللغة من حمل على هذا المعنى قول الله تعالى واسروا الندامة لما رأوا العذاب اي واظهروا الندامة لما رأوا العذاب مع احتمال الاية للوجه الاخر واسروا الندامة اي اخفوها ويكون معنى البيت على هذا الوجه تجاوزت احراسا اليها وقوما علي حراصا لو يظهرون مقتلي ويشهرونه لاكون عبرة لغيري فلا عليهم احد بعدي وهذا المعنى الثاني وهو ان تكون يسرون بمعنى يظهرون تؤيده رواية اخرى في البيت هي علي حراصا لو يشرون مقتلي بالشين والاشرار هو الاظهار والاشهار لا غير من قولهم شرره واشره اذا اشهره وشهره ومنه قول الشاعر يذكر يوم صفين فما برحوا حتى رأى الله صبرهم وحتى اشرت بالاكف صاحب اي رفعت واظهرت ونشرت واشهرت الا ان حمله على المعنى الاول اولى. وهو يسرون بمعنى يخفون. لانه انسب لحال امرئ القيس في فهو ملك ابن ملك وانسبوا له في سياق ابياته فهو يفتخر بجرأته وقوته واقدامه واقتحامه الاهوال لا يرومها احد سواه تجاوزت محراسا اليها ومعشرا علي حراصا لو يسرون مقتلي بقي ننبه في هذا البيت على امرين. الاول تقديم علي على حراصا. فقد كان اصل التركيب ان يقول تجاوزت احراسا اليها ومعشرا حراصا علي. لكنه قدم الجار والمجرور عليه على قول حراصا فقال علي حراصا لو يسرون مقتلي ولهذا التقديم دلالة فهم حراص عليه دون غيره. لانه لا مثيل له في الاقدام والشجاعة وركوب الاهوال لو في قوله لو يسرون مقتلي فهي لو المصدرية التي بمعني ان فالمراد علي حرصا اي يسرون مقتلي كالتي في قوله على ودوا لو تدهنوا فيدهنون اي ودوا ان تدهن اقف عند هذا الحد والى ان التقيكم في الحلقة القادمة استودعكم الله واسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد