بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة الثامنة عشرة من هذه الحلقات التي اشرح فيها معلقة امرئ القيس قال وهو يصف مغامراته في الوصول الى بيضات الخدور وبيضة خدر لا يرام خبائها تمتعت من لهو بها غير معجل تجاوزت احراسا اليها ومعشرا علي حرصا لو يسرون مقتلي كنت قد انتهيت من شرح هذين البيتين في الحلقة السابقة. وفي هذه الحلقة اقول انه اتباع هذين بيتين ببيان وقت تجاوزه الاحراس والمعشر الحرص في هذه المغامرة فقال اذا ما الثريا في السماء تعرضت تعرض اثناء المشاح المفصل الثريا عنقود من النجوم يرى معظم الناس باعينهم المجردة منه سبع نجوم ولذلك سمتها العرب الشقيقات السبع وقد يرى الناظر بعينه اقل من ذلك او اكثر حسب حدة بصره ومع انها عند عامة العرب سبع نجمات لا غير سميت عندهم الثريا والثريا من الثروة والثروة معناها الكثرة الكثرة في المال او الحلال او العلم او غيرها وقد يبدو في ذلك شيء من التناقض والتضاد والتعارض ولذلك علل اهل اللغة هذه التسمية فمنهم من قال سميت بذلك لغزارة نوئها فالمطر المصاحب لظهورها غزير كثير. ومنهم من قال سميت بذلك لانها بالنسبة الى صغر مرآتها في السماء تعد كثيرة وان كانت سبعا. نظرا لضيق محلها ومنهم من قال بل سميت بذلك لان نجومها كثيرة العدد ولكن معظمها خفية لبعدها ولا ترى العين منها الا سبعا او اقل من ذلك بقليل او اكثر منه بقليل وقد اثبت العلم الحديث ذلك فالثريا مكونة من مئات النجوم والثريا تصغير ثروة وثروة مؤنث ثروان. وقد سمت العرب الرجل ثروان والمرأة ثريا بالتصغير وقد نص عدد من اهل اللغة على انه تصغير على جهة التعظيم والتكبير لا على معنى التحقير والتقليل لما يعلمونه من منزلة لهذا النجم عند العرب عظيمة واقول انه قد يحمل على التقليل ايضا. فيقال ان العرب اختارت لهذا العنقود الساطع من النجوم اسما من اصل لغوي معناه الكثرة وهو الثراء ليقينها ان عدد نجومه كثير ثم صغرت هذا اللفظ لانه لا يظهر للعين المجردة من هذا العدد الكثير الا القليل. فقالت ثريا فتكون العرب بذلك قد لمحت ما تعتقده من كثرة نجومها بالاصل اللغوي ولمحت قلة العدد الظاهر للعين منها بالبناء الصرفي اذا ما الثريا في السماء تعرضت تعرضت اختلف الشراح في اصل معناها فمنهم من رجعها الى التعرض بمعنى الاستقبال. من قولهم تعرض له اذا استقبله بوجهه ومنهم من رجعها الى التعرض بمعنى ابداء العرض وهو الناحية من قولهم تعرض الفرس لذا ابدى للناظر جانبا منه وهو يجري ومنهم من رجعها الى التعرض بمعنى التعوج وعدم الاستقامة في السير من قولهم تعرض الجمل في الجبل اذا اخذ يسير فيه عرظ يمينا وشمالا لصعوبة الطريق وسيأتي بيان الوجه في ذلك بعد قليل اذا ما الثريا في السماء تعرضت تعرض اثناء الوشاح المفصل. الوشاح قيل هو خرز يعمل من كل لون. ويفصل بالزبرجد او الذهب او اللؤلؤ او غيره. بان يوضع بين كل خرزتين فاصل وقيل هو نسيج عريظ من اديم او قماش يرصع بالجواهر وتشده المرأة على عاتقها وكشحها والجمع او شحة ووشوح ووشائح تعرض اثناء الوشاح اثناء قيل هي نواحي الوشاح ومنقطعه واواسطه وقيل هي معاطفه وطياته ومفرد اثناء وثنى وثنى ومثلها الاء وهي النعم مفردها الي والى والى اذا ما الثريا في السماء تعرضت تعرض اثناء الوشاح المفصل تعددت اقوال الشراح في هذا البيت فمنهم من قال معناه ان الثريا تستقبلك بوجهها اول ما تطلع فاذا ارادت ان تغرب تعرضت اي ارت الناظرة عرضها كما ان الوشاح اذا طرح تلقاك بناحيته العريضة ومنهم من قال معناه ان الثريا تتعوج في مسيرها وتميل ولا تستقيم كالوشاح المعوجي اثناؤه على جارية توشحت به. ومنهم من قال ان المراد هو ان الثريا تأخذ وسط السماء كما ان الوشاح يأخذ وسط المرأة المتوشحة فشبه اجتماع الكواكب في الثريا ودنو بعضها من بعض بالمشاح المنظم بالخرز المفصل بينه ومنهم من قال ان الثريا لا تعرض لها لانها تطلع في الافق الشرقي ولا تعترض في السماء انما عن امرؤ القيس بالثريا الجوزاء لان الجوزاء تطلع في الجهة الشمالية من السماء فهي تسطع في عرض السماء وقال ان العرب قد تفعل ذلك فتعبر عن الشيء بنظيره لضرورة الشعر ومن ذلك قول زهير فتنتج لكم غلمان اشأم كلهم كأحمر عاد ثم ترضع فتفطمي فقال كاحمري عاد وهو يريد كاحمر ثمود. فجعل عادا مكان ثمود لضرورة الشعر والاظهر ان تعرضت تفعلت من قولهم عرض الشيء يعرض عرضه اذا بدا وظهر وعرض له الامر يعرظ وعرظ يعرظ اذا بدا له وظهر دون تعمد وقصد وعرض الشيء له يعرضه اذا ابداه له وابرزه اليه وعرض الشيء عليه يعرضه اذا اراه اياه ومن هذا المعنى قول الله تعالى وعلم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين. اي ارى الملائكة اياهم وعلى هذا تكون تعرضت بمعنى تصدت وتبدت لعين الناظر الا ان نجومها لبعدها تناوبوا الظهور والخفاء فتظهر هذه النجمة تارة وتختفي تارة فاذا ما اختفت ظهرت اختها فهي وهي تتعرض لعين الناظر بهذه الحال تشبه تعرض وشاح المرأة حين تتلألأ واهره لعين الناظر بظهورها تارة واختفائها في اعطاف الوشاح وطياته تارة فهي لا تظهر جميع بل تتناوب فيسد بعضها مكان بعض اذا اختفت جوهرة ظهرت اختها اذا نقول امرؤ القيس في ذكر مغامرته للقي احدى حبيباته من بيظات الخدور انه تجاوز اليها احراسا ومعشرا حراسة ونجوم الثريا تتعرض لنظره كتعرض وشاح امرأة مفصل الجواهر فوصل الى خدرها الذي لا يرام وتمتع باللهو معها دون عجلة ثم بدأ في ذكر تفصيلات هذا اللهو فذكر لحظة وصوله اليها فقال فجئت وقد مضت لنوم ثيابها لدى الستر الا لبسة المتفضل واقفوا عند هذا البيت وبه ابدأ ان شاء الله تعالى في الحلقة القادمة والى ذلك الحين استودعكم الله واسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد