بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة الخامسة والعشرين من هذه الحلقات التي اشرح فيها معلقة امرئ القيس كنت قد ذكرت لكم في الحلقات السابقة ان امرئ القيس وصف بيضة الخدر بانها عظيم الكشح ري المخلخل مهفهفة بيضاء غير مفاوضة ترائبها مصقولة كالسجنجل خدها اسيل وثغرها شتيت ونظرتها واسعة حانية وجيدها كجيد الريم. منشأة في الحلية شعرها اسود فاحم اثيث متعثكل منه ما هو مظفر ومنه ما هو مجعد مثنى ومنه ما هو مرسل على متنها كأن خصرها الحبل المفتول وكأن ساقها ساق قصبة سقي ثم ذكر صورة اخرى من تنعمها وخفض عيشها فقال وتضحي فتيت المسك فوق فراشها نؤوم الضحى لم تنطق عن تفضلي وتضحي فتيت المسك فوق فراشها روي وتضحي وروي فتضحي وروي ويضحي وروي فيضحي تضحي اي تدخل في وقت الضحى وهو من حين ان تشرق الشمس ويصفو ضوئها الى ما قبل الظهر فتيت المسك فتيت فعيل من قولهم فت الشيء يفته فتا وفتته اذا اخذه بين اصابعه ثم جزأه وكسره فصيره فتاتا. اي دقاقا. والدقاق هو الجزيئات الدقيقة فهو بعد تكسيره مفتوت وفتيت ففتيت المسك هو دقائق المسك التي تفت منه فالمسك يفت في فراشها قبل ان تنام وتدخل في وقت الضحى في اليوم التالي وما زال فتيت المسك فوق فراشها وهذا دليل تنعمها ودعة عيشها روي فوق فراشها وروي فوق ردائها وروي فوق ثيابها وهي ايضا نؤوم الظحى لم تنطق عن تفضلي. نؤوم الظحى وروي نؤوم الضحى قم فعول بمعنى فاعل منا ما ينام نوما ونيام وانا اقوم صفة يستوي فيها المذكر والمؤنث فيقال رجل نؤوم وامرأة نؤوم ولا يقال نؤومة كما يقال لهما ظلوم ونصوح. لانهما بمعنى ظالم وناصح وانا اقوم فيها مبالغة وكثرة فالعادة عند هذه المرأة هو انها تنام في وقت الضحى. لا ان نوم الضحى يعرض لها في ايام قليلة نادرة. وهذه كناية في غاية الجمال عن تنعمها فهي لا تصحو باكرا لتنجز اي عمل كغيرها فهي تخدم ولا تخدم. مكرمة لها من يكفيها عناء العمل وقد اكد هذه الكناية العجيبة بقوله لم تنطق عن تفضلي لم تنطق اي لم تلبس النطاق والنطاق والمنطق والمنطقة هو حزام يشد به الانسان وصفه ليكون اعون له على مل يقولون تنطق وانتطق وتمنطق اذا لبس النطاق لم تنطق عن تفضلي اي لم تنطق بعد تفضل والتفضل هو لبس ثوب واحد للنوم. وكنت قد ذكرت ذلك عند شرح قوله فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر الا لبسة المتفضل ومن اهل اللغة من قال التفضل ايضا لبس ثوب واحد للعمل فهي اذا نؤوم الضحى لها من يخدمها فليست من النساء الكادحات العاملات اللواتي يخلعن ان ثياب النوم باكرا ويرتدين ثياب العمل وينتطقن من فوقها ليكون ذلك اخف لهن اعون على العمل والخدمة بقي ان انبه الى ان من اهل اللغة من قال في معنى قوله وتضحي فتية المسك فوق فراشها ان المراد ليس ان المسك يفت فوق فراشها. بل المراد وتدخل في وقت الضحى وفراشها طيب الرائحة كانما فت فيه المسك كناية عن طيب جسدها واستدل على ذلك بقول امرئ القيس في قصيدة اخرى خليليا مرا على امي جندبي لتقضي حاجات الفؤاد المعذبين الم ترى اني كلما جئت طارقا وجدت بها طيبا وان لم تطيبي والذي اراه هو ان المراد ان فراشها يطيب بالمسك قبل نومها فهذا اوفق لبقية البيت. نؤوم الضحى لم تنطق عن تفضلي. لما فيهما معا من صور قمي ورغد العيش ولويونة الحياة ثم قال وتعطوا برخص غير شثن كانه اساريع ضبي او مساويك اسحيل ليه تعطوا تفعل من قولهم عطى الشيء يعطوه عطوة اذا تناوله بيده وعطى بيد الى الاناء يعطوا اليه اذا تناوله وهو محمول قبل ان يوضع على الارض ومن ذلك اعطيتك اي ناولتك ومنه العطاء لانه النول الذي يناوله المعطي تناوله المعطى له بيده. ومنه يتعاطى ان يتناول وتعطوا برخص رخص فعل من قولهم رخص يرخص رخاصة ورخصة فهو رخص ورخيص والانثى رخصة ورخيصة اذا تنعم. فالرخص هو الشيء الناعم اللين. فاذا وصفت به المرأة او اناملها فالمعنى نعومتها ولينها غير شثن شاسن فعل من قولهم شفنت وشثنت كف الرجل وقدمه شثنا وشثونا. فهي اي غلطت وخشنت وجفت وهو اكمل للرجل وضده اكمل للمرأة يقول امرؤ القيس في بيضة الخدر انها تناول وتتناول بكف الرخص غير شتم اي باصابع ناعمة لينة دقيقة ملس غيري خشنة ولا غليظة كانها اساريع ضبي او مساويك اسحلي الاساريع جمع اسروع او يسروع او يسروع وهو اليرقة التي تمثل المرحلة الثانية من مراحل الفراشة. وظبي واد في تهامة فاصاب بيعوها كانها يرقات فراش هذا الوادي في نعومتها ودقتها. او كأنها مساويك اسحلي الاسحل شجر يشبه الاثل له غصون دقاق ينبت في السهول في منابت الاراك ويستاك باعواده فاصابعها كانها المساويك في دقتها ونعومتها ونقائها واستوائها. وهي ايضا كبكر مقاناة البياض بصفرة غزاها نمير الماء غير المحلل كبكر المقاناة البياض بصفرة وروي كبكر المقاناة البياض بصفرة. وروي كبكر المقاناة البياضة وروي كبكر مقاناة البياض بصفرة. البكر بكر كل شيء اوله وكل فعل او شيء لم يسبق بمثله فهو بكر ولذلك سمي اول الولد بكرا وسميت الجارية التي لم يسبق لها ام مست بكرا والمقانة مقاناة مفاعلة من قولهم قال الشيء اذا خالطه وقانيت الشيء بالشيء اذا الته به ودمجته معه ومن ذلك قال النسيج اذا جمع فيه خيوطا ذات الوان مختلفة او خلط الصوف بالوبر والشعر ثم برمها في المغزل والف بينها يقول هذه المرأة مثل بكر التي خلط بياضها بصفرة. غداها نمير الماء غير محللي وروي غير المحلل وروي غير محلل نمير الماء الماء النمر والنمير هو الناجع النامي عذبا كان ام غير عذب والناجع النامي هو الذي ينتفع به الكائن الحي فينمو به وغير المحلل تحتمل وجهين الاول ان تكون محلل مفعلا من قولهم حل بالمكان يحل حلولا ومحلا حلا وحللا اذا نزل فيه واحله المكان واحله به وحلله به اذا جعله يحل به فهو محلل اي محلول به فالماء غير المحلل هو الذي لم ينزل به احد من الناس او لم يكثر نزول الناس به والثاني ان تكون محلل مفعلا من قولهم حل الشيء يحل حلا وحلالا. اي جاز ولم يحرم واحل الشيء وحلله اجازه وجعله حلالا فهو محلل اي غير محرم فالماء غير المحلل هو الماء الممنوع الذي يحمى فلا يرده احد وعلى هذا الوجه تحمل رواية غير محللي نسب التحليل الى الماء نفسه فهو لانه ممنوع لا يحلل لاحد ان يرده وتعطوا برخص غير شتم كانه اساريع ظبي او مساويك اسحلي كبكر المقاناة البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير المحلل يقول امرؤ القيس هذه المرأة مثل بكر التي خلط بياضها بصفرة ونمت بماء النمير لم يحل الناس عليه او بماء محروز لا يحل لكل احد وروده ولكن ما هي التي خلط بياضها بصفرة ونمت بهذا الماء اجيب عن هذا السؤال ان شاء الله تعالى في الحلقة القادمة والى ذلك الحين استودعكم الله. واسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد