بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة السادسة من هذه الحلقات التي اشرح فيها معلقة امرئ القيس. وكنت في حلقتي السابقة قد انتهيت الى ذكر المشهد الذي صور فيه اصحابه وقد وقفوا عليه مطيهم وقالوا له لا تهلك اسى وتجمل ودع عنك شيئا قد مضى لسبيله واقبل على ما غالك اليوم فقلت لهم عوجوا على ذي صبابة قليل التعازي هائم القلب منحلي عوجوا فعل امر من قولهم عاج على المكان وعاج اليه يعوج عوجا اذا مر به ومال اليه وانعطف فنحوه واقبل عليه ذي صبابة الصبابة رقة الشوق وحرارته قليل التعازي التعازي جمع تعزية. والتعزية التصبير من قولهم عزاه يعزيه اي صبره وواساه. فقليل التعازي هو قليل التصبر. وفي رواية اخرى قليل الهجود والهجود من قولهم هجد يهجد هجودا اذا نام. فقليل الهجود هو قليل النوم اسهره العشق والهم والصبابة. هائم القلب هائم اسمه فاعل من قولهم هام بالمرأة هيما وهيوما وهياما وهياما وهيا امانا وتهياما اي شغف بها حبا حتى هام على وجهه في الارض عشقا منحل اسمه مفعول من قولهم انحله الهم او العشق او المرض ينحله ان حال اذا ارق جسمه واظناه يقول حين قال لي اصحابي لا تهلك اسى وتجمل ودع عنك شيئا قد مضى لسبيله. واقبل على ما في يومك من الشدائد والمهمات قلت لهم اقبلوا على ذي شوق قليل التصبر ناحل الجسم كانه يدعوهم الى وقوفي معه في مصيبته والالتفاف حوله في محنته. اذا وقف امرؤ القيس في سقط اللوا يده مقفرا موحشا فالتقط صورة لبعر الجوافل فيه تدليلا على قدم خلوه ثم عرض صورة اخرى من ذاكرته لهذا المكان حين كان حيا يوم شدوا رحالهم منه في الغداء وهو يبكي لدى تسمرات الحي كأنه ناقف حنظل واصحابه قد وقفوا بمطاياهم من حوله ثم نقل في هذا المشهد الحوار الذي دار بينهم وبينه ثم قطع هذا المشهد الذي استحضره بذاكرته من سقط اللوا الحي وعاد الى واقعه مرة اخرى في سقطل والموحش المقفر فقال وقفت بها حتى اذا ما ترددت عماية محزون بشوق موكل ترددت اي توالت وتكررت وعادت مرة بعد مرة عماية محزون محزون اسم مفعول من قولهم حزن يحزن حزنا وحزنا. اذا اغتم والعماية والعمياء والعمياء والعمية الغواية والجهالة والطيش بشوق موكل الشوق حركة الهوى ونزوع النفس الى الشيء وتعلقها به جمعه اشواق مأخوذ من قولهم شاق الى الشيء يشوق شوقا اذا نزعت نفسه اليه وشاق الشيء اذا هاج نفسه الى طلبه موكل اسم مفعول من وكله بالامر اي وكله اليه. اذا سلمه اياه وفوضه فيه مكتفيا به معتمدا عليه وقفت بها حتى اذا ما ترددت عماية محزون بشوق موكل. يقول وقفت بهذه الديار في سقط اللوا حتى حتى اذا ما تكررت غواية الهوى في نفسي واثارتها الذكريات في قلبي فتحركت احزاني مدفوعة تم بشوق موكل بي لا هم له غيري ولا غاية له الا ان يهيج مشاعري. حتى فاذا ما حصل كل ذلك في داخل بكيت وهاجتني الصبابة والاسى لعرفان مغنى الدار والمتحول فوقوفه في سقط اللوا قد ردد غواية الهوى في نفسه فتحركت احزانه واشواقه الموكلة به فانفجر باكيا وهاجته الصبابة والاسى اي حرارة الشوق والحزن قوله هاجتني من قولهم هاجه الشيء يهيجه هيج. اذا اثاره فقد اثاره الشوق والحزن فبكى بكى لعرفان مغنى الدار والمتحول. اي بكى التامة بما كان عليه هذا المكان من الحياة سابقا وبما ال اليه الان من الوحشة والاكفار فهو يبكي لذلك لعرفان العرفان العلم من قولهم عرفه يعرفه عرفة وعرفانا وعرفانا ومعرفة اذا علم مغنى الدار المغنى هو المنزل الذي غني به اهله فاستغنوا به عن غيره لما فيه من خير ويسر والجمع مغان فمغان الديار مياسيرها ذات الخير والغناء والمتحول هنا المنقلب الذي ال اليه ذلك المغنى. من قولهم تحول تحولا تحول اذا انتقل من حال الى حال فهو يبكي لهذا المكان الموحش المقفر. لانه يعلم علم اليقين ما كان عليه من غنى وخير ويسار فهو محزون للمآل الذي انتهى اليه وروي هذا البيت لعرفان رسم الدار والمتحول والرواية الاولى اقوى واولى وبهذا البيت تنتهي الابيات الاربعة التي زيدت في نسخ جمهرة اشعار العرب بين قوله كاني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي ناقف حنظلي وقوفا بها صحبي علي اطيهم يقولون لا تهلك اسى وتجمل وقد شرحناهما سابقا وبين قوله وان شفائي عبرة مهراقة فهل عند رسم دارس من معول؟ وروي وان شفاء عبرة مهراقة عبرة مهراقة العبرة في معناها اقوال قيل هي الدمعة وقيل العبرة ان ينهمل الدمع ولا يسمع البكاء. وقيل هي الدمعة الساخنة قبل ان تفيض وقيل هي البكاء في الصدر. وقيل هي الحزن بغير بكاء وعبرت عينه واستعبرت اذا دمعت وجمع العبرة عبرات وعبر. بهراقة اسم مفعول من قولهم حراق الماء يهري هراقة اي صبة والهاء فيها راقا بدل من الهمزة في اراقة. وبعض العرب يقول اهراق الماء يهريقه اهرياقا فهو مهريق وذاك مهراك وتلك مهراقة. فعبرة مهراقة اي دمعة مصبوبة هذه اشهر الروايات في صدر هذا البيت ويروى وان شفائي عبرة ان سفحتها وروي وان شفائي عبرة لو سفحتها. وروي فان شفائي عبرة لو سفحتها فحتوها اي صببتها من قولهم سفح الدمع يسفحه سفحا وسفوحا اذا ارسله وصب قال الله تعالى اودما مسفوحا اي مصبوبا فهل عند رسم دارس من معول وروي؟ وهل عند رسم دارس من معول؟ الرسم الاثر ورسوم الديار اثارها ودارس اسم فاعل من قولهم درس الشيء يدرس دروسه اذا عفا ومحت اثاره معول فيها وجهان. الاول ان تكون مفعلا من العويل وهو رفع الصوت بالبكاء من خذهم اعول يعول اعوالا وعولا وعولة وعويلا اذا رفع صوته بالبكاء والصياح والثاني ان تكون مفعلا من التعويل. وهو الاعتماد على الشيء والاستعانة به. من قولهم بفلان وعولت عليه اعول تعويله اذا استعنت به في الامر واعتمدت عليه في قضاء اجا وعلى هذا يكون المعنى ان شفائي من هذا الالم والحزن والاسى الذي اصابني عند رؤية هذه الديار التي هاجت في ذهن ذكريات الحبيب والمنزل. ورجعت في نفسي غواية الهوى وحرارة الاشواق هو البكاء البكاء وسفح الدموع طلبا للشفاء والراحة لا تعظيما لهذه الرسوم الدارسة فليست في نفسها اهلا لان ابكي عندها واصيح. وليس فيها ما يمكن ان يستعان به او اعتمدوا عليه في طلب الشفاء والراحة. فقوله فهل عند رسم دارس من معول؟ استفهام انكاري معناه النفي ولكن كيف يقول عند رسم دارس وقد قال في البيت الثاني لم يعفر اسمها للعلماء في تأويل ذلك اقوال قال الاصمعي ان مراده درس بعضه وبقي بعضه. وقال ابو عبيدة بل نص على انه لم يدرس ثم رجع فاكذب نفسه وهذا مألوف عند شعراء الجاهلية ومنه قول زهير قف بالديار التي لم يعفها القدم. بلى وغيرها الارواح والديم وقال اخرون لم يعفوا رسمها اي لم يعفو رسمها من قلبي وان كانت في الحقيقة دارسة وعليه ايضا بيت زهير. وقال غيرهم قوله عند رسم دارس اي دارس في المستقبل. كأنه قال وهل عند رسم مآله ان يدرس وتم حي اثاره من معول وبجميع هذه الاقوال تندفع دعوة التناقض بين قوله في البيت الثاني لم يعفر اسمها وقوله هنا وهل عند رسم دارس من معول واقف عند هذا الحد والى ان نلتقي في الحلقة القادمة استودعكم الله. واسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد