بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة السابعة من هذه الحلقات التي اشرح فيها معلقة امرئ القيس كنت في الحلقة السابقة قد فرغت من شرح قوله وان شفائي عبرة مهراقة فهل عند رسم دارس من معول قال بعد ذلك كدأبك من ام الحويرث قبلها وجارتها ام الرباب بمأسل وفي رواية اخرى كدينك من ام الحويرث الدأب والدين والديدن والديدبون العادة والشأن والحالة الملازمة ومن ذلك قول الله تعالى ان الذين كفروا لن تغني عنهم اموالهم ولا اولادهم من الله شيئا واولئك هم وقود النار. كدأب ال فرعون والذين من قبلهم كذبوا باياتنا الله بذنوبهم والله شديد العقاب. اي حالهم كحال ال فرعون والذين من قبلهم كدأبك من ام الحويرث قبلها وجارتها ام الرباب بمأسل. ام الحويرث وام الرباب امرأتان ومأسل موضع في عالية نجد هذا كله واضح ولكن ما مراده من هذا التشبيه؟ وما هي حالته التي تشبه حالته مع ام الحويرث وام الرباب للعلماء اقوال فمنهم من قال حالتك مع محبوبتك في سقط اللوا وما اصابك من التعب والنصب والحزن والاسى لرحيلها منه كحالك مع هاتين المرأتين ومنهم من قال بل المراد حالتك في هذه الديار بسقط اللوا حين وقفت عليها فهاجت احزانك واشواقك تذكرك اهلها كحالتك في مأسل. حين وقفت عليها فاذكرتك ام الحويرث وام الرباب ومنهم من قال بل المراد قفا نبكي كدأبك من ام الحويرث وام الرباب وهذا الوجه مبني على ان الامر في قفال واحد. فكأنه قال قف نبكي من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوا كدأبك من ام الحويرث وام الرباب بمأسل اي ليكن حالنا في سقط اللوا من الوقوف على رسوم الديار والبكاء من ذكرى الحبيب والمنزل الذين كانا لنا فيه كحالنا في مأسل الذي لنا فيه ذكرى مع ام الحويرثية ايواء من الرباب ومنهم من قال بل المعنى وان شفائي عبرة وهراقة كدأبك من ام الحويرث وام وباب بمأسل وكان الاصل ان يقول كدأبي ولكنه قال وان شفائي ثم التفت على نفسه او قلبه مخاطبا فقال كدأبك وهذا الوجه الاخير هو الاظهر. يقول كان شفائي مما انا فيه من الاسى والحزن هو ان اسفح عبرتي بالبكاء طلبا للراحة لا تعظيما لرسوم الديار ولا طلبا للعون منها فلا طائل من البكاء عليها حالي هنا يشبه حالي في مأسل حين شفيت نفسي من ذكرى ام الحويرث وام الرباب ابي فيه بالبكاء طلبا للراحة لا تعظيما لمأسل ولا طلبا للعون منه فتجاربه اذا مع كثرة محبوباته ومغامراته قد اثبتت له ان البكاء هو الدواء ان كل نوبة حزن تجتاحه مع كل ذكرى مؤلمة تهيجها في نفسه مشاهد رسوم الديار الخالية وان شفائي عبرة مهراقة فهل عند رسم دارس من معول كدأبك من ام الحويرث قبلها وجارتها ام الرباب بمأسلي اذا قامتا تضوع المسك منهما نسيم الصبا جاءت بري القرنفل اولي تضوع المسك المسك ظرب من الطيب يؤخذ من غدة تتكون في بطون ذكران غزال مسك وطيب المسك تسميه العرب المشموم. تضوع تفعل من قولهم ضاع الشيء يضوع ضوعا. اذا تحرك كفى انتشرت رائحته وضاعت الرائحة وتضوعت نفحت فتضوع المسك اي نفح رائحته فانتشرت وتفرقت وسطعت واختلف اللغويون في المسك ام مذكر هو ام مؤنث فمنهم من قال يذكر ويؤنث ومنهم من قال بل يذكر وما جاء فيه المسك مؤنثا من الشواهد فالمراد بالتأنيث رائحته وقد روي هذا البيت بتذكير المسك. تضوع المسك منهما. وروي بتأنيثه اذا قامتا تضوعوا المسك منهما اي تتضوع رائحة المسك منهما ثم حذف احدى تائي الفعل المضارع تتضوع فقال تضوعوا المسك. يقول اذا ام الحويرث وام الرباب تضوعت منهما رائحة المسك فملأت المكان وعن امرئ القيس اخذ الشعراء هذا المعنى العاطر فاكثروا منه ومن اشهر ذلك قول النميري تضوع مسكا بطن نعمان ام مشت به زينب في نسوة خفيرات اذا قامتا تضوع المسك منهما نسيم الصبا. جاءت بري القرنفل النسيم ابتداء كل ريح قبل ان تقوى والصبا كما قلت من قبل ريح معروفة مهبها من جهة الشرق اذا استوى الليل والنهار جاءت بري القرنفل القرنفل والقرنفل نبات عطري قوي الرائحة بذوره اعواد صغيرة للواحد منها تاج رباعي الاجزاء فوقه حبة كروية صغيرة وهو ما يسميه الناس اليوم المسمار. لان عوده يشبه المسمار الصغير. ويسمونه ايضا العويدي كأنهم نسبوه الى عويد تصغير عود لان حبوبه كما قلت تكون محمولة على عويد صغير يشبه المسمار له تاج رباعي الاجزاء ري القرنفل ريا كل شيء طيب رائحته يقول اذا قامت ام الحويرث وام الرباب تضوعت منهما رائحة المسك فكأنما هب نسيم الصبا على قرنفل فنشر طيب رائحته في المكان والاصمعي لم يروي هذا البيت بهذا اللفظ ولم يثبته في هذا الموضع بل رواه هكذا اذا التفتت نحوي تضوع ريحها نسيم الصبا جاءت بري القرنفل واخره بعد البيت التاسع والعشرين من المعلقة بعد قول امرئ القيس عن بيضة الخدر فلما اجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن حقف ذي ركام عقنقل. اذا التفتت نحو وتضوع ريحها نسيم الصبا جاءت بري القرنفلي فهذا موقف الاصمعي من هذا البيت اعود فاقول يقول امرؤ القيس اذا قامتا تضوع المسك منهما نسيم الصبا جاءت القرنفل ففاضت دموع العين مني صبابة على النحر حتى بل دمعي محملي الصبابة كما قلت حرارة الشوق ورقته. والنحر اعلى الصدر. جمعه نحور. وبل فعل ماض من قولهم بلغوا يبله بالماء او اللبن بلا وبلة وبلله فابتل اذا نداه به وكل ما يبل به الحلق من ماء او لبن فهو بلال اي يندى به الحلق ويرطب بعد جفافه. والمحمل علاقة السيف وهو السير الذي يحمل به السيف ويعلق وبه يتقلده المتقلد وجمع محمل محامل وحمائل يقول ليكن حالك في سقط اللوا كدأبك في مأسل حين وقفت به بعد اهله منه فاذكرك ام الحويرثي وام الرباب حين كانتا اذا قامتا تضوعا المسك منه هما فكأنما مر نسيم الصبا على القرنفل فاتى برائحته الطيبة ونشرها في ارجاء المكان فالمتك الذكرى وهاجت في نفسك الصبابة والاحزان والاشواق فشفيت نفسك من ذلك كله بالبكاء اذ فاضت دموعك بفعل حرارة الشوق على نحرك. وكانت دموعك حينها غزيرة. حتى انها بلت مل سيفك وهذا البيت ففاضت دموع العين مني صبابة على النحر حتى بل دمعي محملي. جاء في بعض نسخ جمهرة اشعار العرب في غير هذا الموضع. اذ اخر بعد قول امرئ القيس الا رب يوم لك منهن صالح ولا سيما يوم بدارة والاولى اثبات هذا البيت في هذا الموضع من مقدمة المعلقة وبه تنتهي هذه قدمه وعنده اقف والى ان التقيكم في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى استودعكم الله تالوا الله تعالى لكم التوفيق والسداد