وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين ثم امرهم تعالى بالمسارعة الى مغفرته وادراك جنته. التي عرضها السماوات والارض. فكيف بطولها التي اعدها الله فهم اهلها واعمال التقوى هي الموصلة اليها. ثم وصف المتقين واعمالهم. فقال والكاظمين الغيظ حاظمين الغيظ والعافين عن والله يحب المحسنين ان الذين ينفقون في السراء والضراء. اي في حال عسرهم ويسرهم. ان ايسروا اكثروا من النفقة. وان اعسروا لم يحتقروا من المعروف شيئا ولو قل والكاظمين الغيظ اي اذا حصل لهم من غيرهم اذية توجب غيظهم وهو امتلاء قلوبهم من الحنق. الموجب للانتقام بالقول فعل هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية. بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ ويصبرون على مقابلة المسيء اليهم. والعافين عن يدخل في العفو عن الناس. العفو عن كل من اساء اليك بقول او فعل. والعفو ابلغ من الكظم. لان العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء وهذا انما يكون ممن تحلى بالاخلاق الجميلة وتخلى عن الاخلاق الرذيلة وممن تاجر مع الله وعفا عن عباد الله رحمة بهم واحسانا اليهم وكراهة لحصول الشر عليهم. وليعفو الله عنهم. ويكون اجره على ربه الكريم. لا على العبد الفقير. كما قال تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله. ثم ذكر حالة اعم من غيرها. واحسن واعلى واجل وهي الاحسان. فقال تعالى والله يحب المحسنين. والاحسان نوعان. الاحسان في عبادة الخالق. والاحسان الى المخلوق. فالاحسان في عبادة الخالق طه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. واما الاحسان الى المخلوق فهو ايصال النفع الديني والدنيوي اليهم. ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم. فيدخل في ذلك امرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. وتعليم جاهلهم ووعظ والنصيحة لعامتهم وخاصتهم. والسعي في جمع كلمتهم وايصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة اليهم. على اختلاف احوالهم وتباين اوصافهم فيدخل في ذلك بذل الندى وكف الاذى واحتمال الاذى. كما وصف الله به المتقين في هذه الايات. فمن قام بهذه الامور فقد قام بحق الله وحق عبيده. ثم ذكر اعتذارهم لربهم من جناياتهم وذنوبهم. فقال لو ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم. ذكروا الله فاستغفروا يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم. اي صدر منهم اعمال سيئة كبيرة او ما دون ذلك بادروا الى التوبة والاستغفار. وذكروا ربهم وما توعدوا به العاصين ووعد به المتقين. فسألوه المغفرة لذنوبهم بهم والستر لعيوبهم مع اقلاعهم عنها وندمهم عليها. فلهذا قال ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري وجنة تجر اولئك الموصوفون بتلك الصفات جزاؤهم مغفرة من ربهم تزيل عنهم كل وجنات تجري من تحتها الانهار. فيها من النعيم المقيم والبهجة والسرور والبهاء والخير والسرور. والقصور والمنازل الانيقة العالية والاشجار المثمرة البهية والانهار الجارية في تلك المساكن الطيبات. خالدين فيها لا يحولون عنها ولا يبغون بها بدلا ولا يغير ما هم فيه من النعيم. ونعم اجر العاملين. عملوا لله قليلا فاجروا كثيرا. فعند الصباح يحمد القوم الصرى وعند الجزاء يجد العامل اجره كاملا موفرا. وهذه الايات الكريمات من ادلة اهل السنة والجماعة. على ان الاعمال تدخل في الايمان خلافا للمرجئة ووجه الدلالة انما يتم بذكر الاية التي في سورة الحديد نظير هذه الايات وهي قوله تعالى سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض. اعدت للذين امنوا بالله ورسله. فلم يذكر فيها الا لفظ الايمان به وبرسله. وهنا قال اعدت للمتقين. ثم وصف المتقين بهذه الاعمال المالية والبدنية. فدل على ان هؤلاء المتقين الموصوفين بهذه الصفات هم اولئك المؤمنون