فما وجدوا الا ثوب رجل من المجاورين في المسجد. رجل يتعبد في المسجد فاخذوا ثوبه وكفنوه به كأنهم اشتغلوا في تنصيب الخليفة او من يخلفه حتى تم ذلك لولده رستم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته ما زال الحديث ايها الاحبة متصلا بهذه العبر من التاريخ والتاريخ مليء بالعبر لمن اعتبر وما زال الحديث ايها الاحبة متصلا الكلام على تقلب هذه الدنيا باهلها وان العاقل لا يغتر بما يكون تحت يده من المال او ما يكون عليه من الجاح او ما يكون له من عافية في بدنه او ما يكون له من شباب وقوة ونشاط او ما يكون له من غير ذلك من الامور التي يفرح بها الاغرار ويظنون ان ذلك نهاية في المطاف واعظم عبرة ايها الاحبة هو كلام الله تبارك وتعالى فقد قص الله علينا اخبار الامم وما الت اليه احوالهم منذ عهد نوح صلى الله عليه وسلم وهكذا الامم من بعده وضرب لنا الامثال وساق العبر من اجل ان يتذكر اولو الالباب وضرب الله لنا مثلا بسبأ وما كانوا عليه من النعم الدارة ثم بعد ذلك كيف الت حالهم وكيف كان مصيرهم وكيف تحولت نعمة الله وعافيته عنهم فالعاقل يخاف فاذا كان بيده شيء من هذا المتاع فانه يزداد شكرا لله تبارك وتعالى واذا كان الناس في نعمة وعافية من الله تبارك وتعالى فانهم يخافون الغيرة. فيراعون هذه النعم ويحفظونها من اجل ان تبقى فلا ترحل والامة تعيش في اوضاع لا تخفى على احد منا فما احوجنا الى اللجاء الى الله ومراقبته وحفظ حدوده وشكري نعمه وان نتقي الله تبارك وتعالى وان نعتصم بحبله وندع التفرق والاختلاف كل ذلك مما يجب على الامة ان تسعى اليه جاهدة. وهذا زمان ايها الاحبة لا يصلح ان يتكلم فيه الا العقلاء فكفى شغبا وكفى تراشقا وكفى عبثا وكفى ايضا اغترارا بالنعم ان مظاهر البطر التي قد نشاهدها ونراها لدى بعض من لا يمثلون الامة هذه مؤذنة بخطر اذا لم يؤخذ على يد هؤلاء السفهاء نحن ايها الاحبة كاننا في سفينة تتلاطمها الامواج فنحتاج الى مزيد من العقل ترشيد ونحتاج الى صلة بالله تبارك وتعالى قوية تجد في كتب التاريخ ايها الاحبة عبر القرون عبارات متكررة وغلت الاسعار فبيع كر الحنطة بثلاثمائة. وستة عشر دينارا والخبز بيع الرطلان بقيراطين ووقعت الفتن بين الناس تجد مثل هذه العبارات اشتد الغلاء بخراسان وعدم القوت حتى اكل الناس بعضهم بعضا وكان الانسان يصيح الخبز الخبز ويموت ثم تبعه وباء عظيم حتى عجز الناس عن دفن الموتى من العبارات المشابهة بلغ الكر من الحنطة مئتي دينار وعشرة دنانير. هذي في بلاد مختلفة وفي ازمنة مختلفة ومن الشعير مئة وعشرين دينارا ثم بلغ كر الحنطة ثلاثمئة وستة عشر دينارا واكل الضعفاء الميتة ودام الغلاء وكثر الموت وتقطعت السبل وشغل الناس بالمرض والفقر وترك دفن الموتى وشغل الناس عن الملاهي واللعب هذا كثير تجدون في اخبار بعض البلاد كبغداد في بعض القرون انه لربما عم الطاعون فاغلقت الابواب ابواب البيوت على من فيها موتى لم يتمكن الناس من دفن الاموات اغلقت الابواب على البيوت بمن فيها واصبحت الاسواق مهجورة ولا ترى في تلك الطرقات العامرة الا الواحدة بعد الواحد نسأل الله العافية تارة اوبئة وطواعين وتارة بطوفان وتارة بجوع وتارة بتسليط عدو من خارج الامة وتارة باشتغال بعضها ببعض عبارات تجدها مسطورة في كتب التاريخ تتكرر. وعندي من هذا شيء كثير ولكني لا اقضي الوقت به فانتم تشاهدون مشاهدات بصور حية باحوال تشبه هذا فهذا ايها الاحبة قد وقع ويقع ويتجدد وهو موجود الى يومنا هذا فمتى نعقل ومتى نفيق بنو امية خلق كثير وحصل لهم من اسباب القوة والمنعة والمال ما لا يخفى فجاء بنو العباس فوقع على ايديهم ظلم عظيم لبني امية دخل سديف وهو مولى للسفاح على السفاح وعنده سليمان ابن هشام ابن عبدالملك فقال سديف وهو شاعر العباسيين لا يغرنك ما ترى من الرجال ان تحت الضلوع داء دويا فضع السيف وارفع الصوت حتى لا ترى فوق ظهرها امويا فقال سليمان قتلتني يا شيخ فدخل السفاح واخذ سليمان فقتل ودخل الشبل ابن عبد الله مولى بني هاشم على عبدالله بن علي عم السفاح. وعنده من بني امية نحو تسعين رجلا على الطعام فاقبل عليه الشبل يحرظ كسديف كما فعل سديف. فقال اصبح الملك ثابت الاساس بالبهاليل من بني العباس الى ان قال لا تقيلن عبد شمس عثارا واقطعا كل رقلة وغراس الى اخر ما قال فماذا صنع عبدالله بن علي امر بهم فضربوا بالعمج حتى قتلوا وبسط عليهم الامطار مثل الجلود كالسفرة التي يوضع عليها الطعام فاكل الطعام عليها تحتها جثث بني امية وهو يسمع انين بعضهم حتى ماتوا جميعا. وامر عبدالله ابن علي نسأل الله العافية بنبش قبور بني امية بدمشق فنبش قبر معاوية ابن ابي سفيان رضي الله تعالى عنه فلم يجدوا فيه الا خيطا كالهباء لم يجدوا شيئا حفظه الله عز وجل بذلك لم يجدوا جثته رضي الله تعالى عنه وارضاه معلوم ان الذي يحفظ انما هو اجساد الانبياء عليهم الصلاة والسلام وقد يحفظ الله بعض اهل الايمان من غيرهم ولكن يكون ذلك على سبيل الكرامة والا فهو خلاف الاصل ونبش قبر يزيد بن معاوية بن ابي سفيان فوجدوا فيه حطاما كأنه الرماد. ونبش قبر عبد الملك ابن مروان فوجدوا جمجمته وكان لا يوجد في القبر الا العضو بعد العضو غير هشام بن عبدالملك فانه وجد صحيحا لم يبلى منه الا ارنبة انفه اعوذ بالله فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح انظروا ميت وخليفة ذراه في الريح وتتبع بني امية من اولاد الخلفاء وغيرهم فاخذهم. ولم يفلت منهم الا رضيع او من هرب الى الاندلس فقتلهم بنهر ابي فطرس قتل جماعة سماهم المؤرخون من مشاهير بني امية واستصفى كل شيء لهم من مال وغير ذلك وايضا قتل سليمان ابن علي ابن عبدالله ابن عباس في البصرة ايضا جماعة من بني امية عليهم الثياب الموشية المرتفعة يعني ثياب وامر بهم فجروا بارجلهم فالقوا على الطريق فاكلتهم الكلاب فلما رأى بنو امية ذلك اشتد خوفهم وتشتت شملهم واختفى من استطاع منهم الاختفاء. كان ممن اختفى عمرو بن معاوية ابن ابن سفيان ابن عتبة ابن ابي سفيان يقول كنت لا اتي مكانا الا عرفت فيه كان مشهورا يقول فضاقت علي الارض فقدمت على سليمان بن علي وهو لا يعرفني فقلت لفظتني البلاد اليك. ذهب الى من يطلبه الى عدوه ودلني فضلك عليك فاما قتلتني فاسترحت واما رددتني سالما فامنت. انظروا اقول ايها الاحبة هكذا هذه الدار ولكن الاخرة هي دار الجزاء ويجد الانسان فيها عمله وافرا فاذا كان تحت يدك زوجة او ولد او عامل او غير ذلك فاياك ان تظلمه اياك واذا كان تحت يدك نعمة فرعها واحفظها مظاهر الاشهر ايها الاحبة والبطر لا مكان لها الان ولا قبل الان لكن نحن الان في حال يجب ان تتظافر الجهود على حفظ نعمة الله عز وجل علينا والاخذ على يد السفهاء ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت تحدثنا في الاسبوع الماضي ايها الاحبة عن شغب والدة الخليفة العباسي المقتدر وقلنا بان ابنها لما قتل كانت مريضة فازدادت مرضا ابنها قتل في سنة عشرين وثلاثمائة ما الذي حل به اجتمعت العساكر على رجل معروف يقال له مؤنس في الموصل فقالوا اذهب بنا الى الخليفة فان انصفنا واجرى ارزاقنا والا قتلناه فانحدر مؤنس من الموصل الى بغداد فصار هؤلاء الجند يشربون ويطالبون بارزاقهم فصار يفرق عليهم الاموال. ولكن ذلك لم يكفي وكان العدد كثيرا فاراد ان ينحدر الى واسط ويكاتب العساكر في البصرة والاهواز وفارس وكرمان ويترك بغداد لمؤنس الى ان يجتمع عليه جنده ويعود الى قتاله فرده ناصح وهو في الواقع غير ناصح يقال له ابن ياقوت وزين له اللقاء وقوى نفسه بان القوم متى رأوه عادوا باجمعهم اليه فقبل وهو كاره ثم اشار عليه بحضور الحرب فخرج وهو كاره وبين يديه الفقهاء والقراء ومعهم المصاحف مشهورة وعليه البردة والناس حوله فوقف على تل عال بعيد عن المعركة فارسل قواد اصحابه يسألونه التقدم مرة بعد اخرى وهو واقف. يريد ان يكون في مكان بعيد غير مطمئن لهذا اللقاء. فلما الحوا عليه تقدم من موضعه فانهزم اصحابه قبل وصوله اليهم وكان قد امر ان ينادى من جاء باسير فله عشرة دنانير ومن جاء برأس فله خمسة دنانير فلما انهزم اصحابه لقيه رجل من اصحاب مؤنس يقال له علي ابن بليق. فلما رآه نزل من دابته من فرس وقبل الارض بين يدي المقتدر كانوا يفعلون هذا وهو فعل غير صحيح. كانوا يفعلونه بين يدي الخلفاء فقال له الى اين تمضي؟ ارجع فلعن الله من اشار عليك بالحضور فاراد الرجوع فلقيه قوم من المغاربة والبربر هؤلاء اللي كانوا يشربون فتركه علي معهم وسار عنه رفعوا السلاح في وجهه فقال ويحكم انا الخليفة فقالوا قد عرفناك يا سفلة انت خليفة ابليس تبذل في كل رأس خمسة دنانير وفي كل اسير عشرة دنانير فضربه احدهم بالسيف على عاتقه هنا فسقط الى الارض وذبحه بعضهم ثقيلة على كل حال في وصفه كان ثقيل البدن عظيم الجثة فلما قتلوه رفعوا رأسه على خشبة قطعوا رأسه. الخليفة ورفعوه على خشبة وهم يكبرون ويلعنونه واخذوا جميع ما عليه من الثياب الخليفة حتى سراويله وتركوه مكشوف العورة الى ان مر به رجل من الاكرة رجل يؤجر الدواب فستره بحشيش ثم حفر له موضعه ودفن وعفي قبره. لاحظ هذا الخليفة جاء رجل حن عليه حمال فستره بحشيش ما وجدوا كفنا عاري نسأل الله العافية اعوذ بالله من الفتن اجترأ الناس بعد ذلك على الخلفاء وعلى نوابهم في الاطراف وطمعوا فيهم وانخرقت الهيبة وضعف امر الخلافة فتح الباب لهؤلاء الغوغاء هذا كان له مقدمات يعني من نظر في سيرة المقتدر يجد في كلام المؤرخين كثيرا من الامور من اهمال احوال الخلافة وتحكم النساء والخدم في الخليفة والتفريط في الاموال وما الى ذلك كان الرجل مبذرا فاخرج من الاموال في اشياء من الترف او نحو ذلك كما يقولون اخرج نيفا وسبعين الف الف دينار سوى ما انفقه في الوجوه المعتبرة وكانت مدة خلافته اربعا وعشرين سنة واحد عشر شهرا وستة عشر يوما وكان عمره حينما قتل ثمانيا وثلاثين سنة ونحوا من شهرين شاب فخر الدولة في حوادث سنة ثلاثمائة وسبعة وثمانين للهجرة. علي ابن ركن الدولة ابن بويه الديلمي هذا يقولون في ترجمته بانه ملك بلاد الري ونواحيها. فلما مات اخوه مؤيد الدولة كتب الصاحب ابن عباد اليه بالاسم اليه فولاه الملك بعد اخيه واستوزر ابن عباد على ما كان عليه في ايام اخيه مؤيد الدولة هذا الرجل كان لديه من الاموال ما لا يحصيه الا الله يقول من ذلك من الذهب ما يقارب ثلاثة الاف الف دينار ومن الجواهر نحو من خمسة عشر الف قطعة يقارب قيمتها ثلاث الاف دينار وغير ذلك من اواني الذهب ما زنته الف الف دينار الف الف يعني مليون ومن الفضة زنته ثلاثة الاف الف درهم ومن الثياب ثلاثة الاف حمل وخزانة السلاح الفا حمل حمل بعير يعني ومن الفرش الف وخمس مئة حمل. ومن الامتعة ما يليق كبار الملوك ومع هذا ليلة توفي لم يكن لهم وصول الى شيء من المال. ولم يحصل له كفن. ما كانوا يستطيعوا الوصول الى ما له في المكان الذي توفي فيه بعد مدة يقول المؤرخون فانتنا علي بن ركن الدولة هذا فخر الدولة ولم يتمكن احد من الوصول اليه تفسخت جثته وانتنت قل فربطوه في حبال وجروه على درج القلعة فتقطع. فلا حول ولا قوة الا بالله العظيم. انظروا هذا الرجل ما استطاعوا الوصول الى امواله فكف بثوب لرجل مجاور في المسجد هذه الاموال ايها الاحبة التي في يدك لا تغتر بها وانما علينا ان نتقي الله تبارك وتعالى وان نسعى الى مرضاته وان نشتغل بطاعته اما ان يتهافت الانسان على هذه الدنيا ويسعى جاهدا من اجل تحصيل حطامها ولربما بذل دينه في هذا السبيل هذا التهافت هذا التسارع في طلب هذا الحطام الفاني هذا لا يبقى ايها الاحبة ثم يدرك الانسان بعد ذلك انه قد ضيع وفرط وانه كان في احلام حيث اشتغل عن طاعة الله وعبادته بطلب هذه الدنيا من حلها ومن الحرام منها. ليس المقصود الانسان يترك الدنيا ولا يكتسب لا يكتسب. ويستغني عن الناس لكن لا تكون الدنيا هي اكبر الهم. ولا غاية المطلوب ويتوقى الانسان الحرام منها وان يتصف بالقناعة فلا يضيع اخرته في سبيل تحصيل دنيا فانية انظروا الى هذا المثال الاخر في حوادث سنة ستمائة وتسع وثمانين للهجرة ما وقع لنائب السلطنة المنصورية بمصر حسام الدين طرنطاي. هذا الرجل لم ينقصه شيء من الدنيا اخذه الاشرف خليل ابن منصور قلاوون فحبسه في قلعة الجبل ثم قتله وبقي ثمانية ايام لا يدرى به ثم لف في حصير والقي على مزبلة وحن عليه بعض الناس فكفن كاحاد الفقراء. يقول المؤرخون بعد النعيم الكثير والدنيا المتسعة والكلمة النافذة وقد اخذ السلطان الاشرف من حواصله ست مئة الف دينار وسبعين قنطارا من الفضة ومن الجواهر شيئا كثيرا سوى الخيل والبغال والجمال والامتعة والبسوط الجياد والاسلحة الثمينة وغير ذلك من الحواصل والاملاك بمصر والشام ترك ولدين احدهما اعمى فدخل هذا الاعمى على الملك الاشرف فوضع المنديل على وجهه وقال شيء لله يسأل يشحذ شيء لله وذكر لي الاشرف ان لهم اياما لا يجدون شيئا يأكلونه بحال من الجوع والمسغبة انظر يأتي يسأل بعد هذا كله ولده يقول شيئا لله فمن يغتر بعد هذا بهذه الدنيا التي قد يتحول عنها في اي لحظة او تتحول عنه فالراشدون من الناس ايها الاحبة هم الذين يستغلونها بطاعة الله ولا يحصل لهم البطر اذا وجد بايديهم النعمة والمال والغنى بل يسخرون ذلك الى الوصول الى مرضاة ربهم ومليكهم جل جلاله وتقدست اسماؤه ومن قصر نظره وضعف رأيه فانه يبطر كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى في التاريخ ايها الاحبة حوادث كثيرة مخيفة تجعل العاقل اذا نظر فانه يدير هذه الحوادث والوقائع في ذهنه حينما يرى الوان النعم بين يديه فنسأل الله عز وجل ان يرزقنا واياكم شكر نعمته وان يحسن عاقبتنا في الامور كلها. وان يقينا شر انفسنا وشر الشيطان وشركه وان يعيذنا واياكم من مضلات الفتن. ما ظهر منها وما بطن. وان يصلح احوالنا واحوال المسلمين. والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه