الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته نواصل الحديث ايها الاحبة فيما ابتدأناه من ذكر تقلب هذه الدنيا باهلها وان العاقل لا يركن اليها وانما يرتبط بالله تبارك وتعالى فما حصل له منها من المحاب فانه يسخر ذلك في طاعة ربه جل جلاله وتقدست اسماؤه ولا يغتر واذا وقع له شيء من المكروه فانه لا يقنط ولا ييأس ولا يسوء ظنه بالله تعالى فيكون على حال من الاعتدال والاستقامة في السراء والضراء ما ذكرناه ايها الاحبة من تبدل احوال من النعمة والعافية الى الشدة من الغنى الى الفقر من العز الى الذل وراءه قائمة تطول مما يشبه ما ذكرت وقد يزيد عليه وليس المقصود هو التتبع والاستيعاب لما وجد من الوقائع في التاريخ وانما المقصود اخذ العبرة والعظة فاذا حصل ببعض ذلك حصلت الكفاية به من غير توسع واختم تلك النماذج بواقعة اشتهرت وعرفت وذلك فيما جرى للرميكية وهي كانت شاعرة اندلسية وكانت جارية لرميك ابن حجاج فنسبت اليه لكنها الت الى المعتمد ابن عباد وهو احد ملوك الطوائف بالاندلس كما هو معلوم فتزوجها وولد له منها عباد الملقب بالمأمون عبيد الله الملقب بن رشيد ويزيد الملقب بالراضي والمؤتمن وبثينة الشاعرة وهي صاحبة يوم الطين يوم الطين حيث رأت بعض نساء البادية باشبيلية يبعن اللبن ويحملن القرب وهن ماشيات في الطين وهي تطل من شرفة من القصر فاشتهت ان تفعل فعلهن وان تخوض في الطين فامر المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد وسيرها جميعا طينا عجنت في قصره وجعل لها قربا وحبالا من ابريسا من الحرير لتحمل القرد مثل اولئك الاعرابيات اللاتي يبعن اللبن لكن من الحرير فخاضت هي وبناتها وجواريها في ذلك الطين يوم مشهود ثم دارت الايام فجاء يوسف ابن تاشفين واغار على اشبيلية واسر المعتمد والرميكية وارسلهما الى اغماة من مراكش في المغرب بعد ان قتل ولديهما المأمون والراضي الرميكية هذي ماتت في ذلك الحبس في اغماة قبل المعتمد بايام بسنة ثمان وثمانين واربع مئة الشاهد ان هذه المرأة ضجرت منه في يوم من الايام فقالت له كلاما بنحو ما رأيت منك خيرا قط فقال لها ولا يوم الطين وجاءه بناته في يوم عيد يغزلن وقد ظهر عليهن من اثار الفقر والشدة شظف العيش يغزلنا في يوم عيد. يبعنا الغزل على الناس جئناه زائرات في ذلك اليوم يوم العيد وهو في حبسه في اغماة هذه الدنيا ايها الاحبة انظروا كيف الت بهؤلاء لكن دعونا نطوي هذه الصفحة وننتقل الى صورة اخرى وهي كثيرة الشواهد في التاريخ قديما وفي العصر الحديث يوجد كثير من ذلك وذلك في تحول الدنيا من شدة الى سعة ومن فقر الى غنى ومن كرب الى فرج ومن ذل الى عز فهذا ايضا كثير وقد قص الله تبارك وتعالى علينا خبرا الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام من لدن نوح صلى الله عليه وسلم ونوحا اذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه واهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا باياتنا انهم كانوا قوم سوء فاغرقناهم اجمعين وجعل الله تبارك وتعالى ذرية نوح صلى الله عليه وسلم هم الباقين وهكذا هود وصالح وشعيب وابراهيم ولوط وايوب عليهم الصلاة والسلام وايوب اذ نادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر واتيناه اهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين وكذلك ايضا يونس عليه الصلاة والسلام وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات دعا ربه تبارك وتعالى ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين كذلك الانجاء ننجي المؤمنين. وهكذا موسى عليه الصلاة والسلام نجاه الله تبارك وتعالى من فرعون وكذلك عيسى عليه الصلاة والسلام نجاه الله تبارك وتعالى من بني اسرائيل حيث ارادوا قتله فرفعه الله اليه وطهره من الذين كفروا وحكم بالظهور لاتباعه على هؤلاء الكفار من بني اسرائيل الى يوم القيامة وكذلك ما وقع لمحمد صلى الله عليه وسلم. اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار. اذ يقولوا لصاحبه اتحزن ان الله معنا فحصل له هذا الانتصار الكبير وعاد الى مكة صلى الله عليه وسلم فاتحا بعشرة الاف مقاتل ثم انطلق هؤلاء الى الافاق فظهر دين الله تبارك وتعالى على سائر الاديان هذا كله معلوم والعبرة الاعظم والاكبر والانفع والاجدى هي ما ذكره الله في هذا القرآن ففيه من العبر والعظات ما يفوق الوصف لكن انا اذكر من التاريخ ايها الاحبة بعض العبر وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في تاريخه البداية والنهاية عن عكرمة مولى ابن عباس قال وهذا يشبه ان يكون من اخبار بني اسرائيل ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج فهذا فيه عظة وعبرة. قال عكرمة بان ملكا من الملوك نادى في مملكته اني ان وجدت احدا يتصدق بصدقة قطعت يده فجاء سائل الى امرأة فقال تصدقي علي بشيء فقالت كيف اتصدق عليك والملك يقطع من يتصدق؟ قال اسألك بوجه الله الا تصدقت علي بشيء فتصدقت عليه برغيفين من الخبز فبلغ ذلك الملك فارسل اليها فقطع يديها ثمان الملك قال لامه دليني على امرأة جميلة لاتزوجها. فقالت انها هنا امرأة ما رأيت مثلها لولا عيب بها قال اي عيب قالت مقطوعة اليدين قال فارسلي اليها فلما رآها اعجبته وكان لها جمال فقالت ان الملك يريد ان يتزوجك. قالت نعم ان شاء الله فتزوجها واكرمها فنهد الى الملك عدو فخرج اليهم قصده جيش فخرج اليهم ثم كتب الى امه انظري فلانة فاستوصي بها خيرا وافعلي وافعلي معها فجاء الرسول فنزل على بعض ضرائرها الزوجات الاخريات للملك فحسدنها فاخذنا الكتاب فغيرناه وكتبنا الى امه انظري فلانة فقد بلغني ان رجالا يأتونها فاخرجيها من البيت وافعلي وافعلي. فكتبت اليه الام انك قد كذبت وانها لامرأة صدق فذهب الرسول اليهن الى الضرائر فنزل بهم فاخذنا الكتاب فغيرنه فكتبنا اليه انها فاجرة وقد ولدت غلاما من الزنا. فكتب الى امه انظري الى فلانة فاجعلي ولدها على رقبتها. لانها ليس لها ايدي اجعليه على رقبتها واضربي على جيبها واخرجيها قال فلما جاءها الكتاب جاء الى الام قرأته عليها وقالت لها اخرجي فجعلت الصبي على رقبتها وذهبت فمرت بنهر وهي عطشانة فنزلت لتشرب والصبي على رقبتها فوقع في الماء فغرق فجلست تبكي على شاطئ النهر فمر بها رجلان فقالا ما يبكيك؟ فقالت ابني كان على رقبتي وليس لي دان فسقط في الماء فغرق فقال لها اتحبين ان يرد الله عليك يديك كما كانتا قالت نعم فدعوا الله ربهما لها فاستوت يداها. ثم قال لها اتدرين من نحن؟ قالت لا. قال نحن الرغيفان اللذان تصدقت بهما هذا فيه عبرة وليس ذلك بمستبعد على قدرة الله عز وجل وبلائه وجزائه لكن يشبه ان يكون هذا من اخبار بني اسرائيل وقد ذكره الحافظ ابن كثير كما ذكرت بتاريخه فهو فيه معتبر ومن ذلك ايضا ما ذكره الحميدي بجدوة المقتبس في تاريخ الاندلس ان الوزير ابا عمر احمد كان جالسا بين يدي مخدومه المنصور ابي عامر وهو احد ملوك الاندلس محمد ابن ابي عامر يلقب بالمنصور فكان جالسا معه في بعض مجالسه العامة فرفعت اليه رقعة استعطاف لام رجل مسجون كان المنصور قد اعتقله حنقا عليه لجرم استعظمه منه وكتبت امه تستعطف المنصور ليطلقه فلما قرأها اشتد غضبه وقال ذكرتني والله به واخذ القلم واراد ان يكتب يصلب فكتب يطلق ورمى بالورقة الى وزيره المذكور احمد فاخذ الوزير القلم وتناول الورقة وجعل يكتب بمقتضى التوقيع الى صاحب الشرطة فقال له المنصور ما هذا الذي تكتب؟ قال باطلاق فلان فحرج يعني المنصور غضب وقال من امر بهذا تناوله التوقيع فلما رآه قال وهمت والله ليصلبن ثم خط على التوقيع واراد ان يكتب يصلب فكتب يطلق فاخذ الوزير الورقة واراد ان يكتب الى الوالي بالاطلاق فنظر اليه المنصور وغضب اشد من الاول وقال من امر بهذا؟ فناوله التوقيع رأى خطه فخط عليه واراد ان يكتب يصلب فكتب يطلق فاخذ الوزير التوقيع وشرع في الكتابة الى الوالي فرآه المنصور فانكر اكثر من المرتين السابقتين فاراه خطه بالاطلاق فلما رآه عجب من ذلك وقال نعم يطلق على رغمي فمن اراد الله سبحانه اطلاقه لا اقدر انا على منعه لاحظ كيف جاءت هذه لهذا الرجل في كل مرة ثلاث مرات يصلب في كتب يطلق فاذا اراد الله شيئا اجراه واجرى سببه بل اعجب من هذا كنت ذكرت لكم طرفا مما جرى لبني امية على يد العباسيين وانهم بطشوا بكل من وجدوه الا الرضيع فمن هؤلاء الذين اختفوا من العباسيين ابراهيم ابن الخليفة سليمان ابن عبدالملك حتى اخذ له داوود ابن علي ابن عبد الله امانا من ابي العباس فقال له ابو العباس حينما جلس معه وامنه حدثني عما مر بك في اختفاءك ما الذي جرى لك فقال كنت يا امير المؤمنين مختفيا بالحيرة في منزل شارع على الصحراء يعني يفتح على الصحراء فبين انا ذات يوم على ظهر بيت نظرت الى اعلام سود. الاعلام السود كانت شعارا العباسيين وهي من البدع يعني اتخاذ لون معين كالسواد شعارا في اللباس والرايات هكذا لا يلبسون الا السواد ولا يرفعون راية الا سوداء فقط هذا محدث النبي صلى الله عليه وسلم لبس عمامة سوداء وكانت له راية ايضا سوداء لكن اتخاذ هذا شعارا هذا من البدع ومحدثات الامور وجد قديما ويوجد حديثا الشاهد لما نظر الى الاعلام السود قد خرجت من الكوفة تريد الحيرة يقول فوقع في روعي انها تريدني طائف اذا رأى شيئا ظن انه يقصده يقول فخرجت من الدار متنكرا حتى دخلت الكوفة ولا اعرف بها احدا اختفي عنده فدخلت متلددا فاذا انا بباب كبير ورحبة واسعة. فدخلت الرحبة فجلست فيها فاذا رجل وسيم حسن الهيئة على فرس قد دخل الرحبة مع جماعة من غلمانه واتباعه فقال من انت؟ وما حاجتك فقلت رجل مختف يخاف على دمه واستجار بمنزلك قال فادخلني منزله ثم سيرني في حجرة تلي حرمه. يعني نساءه فمكثت عنده حولا في كل ما احب سنة كاملة في كل ما احب من مطعم ومشرب وملبس. ولا يسألني عن شيء من حالي ما قال منه انت لماذا جئت؟ ما هي مشكلتك ما هي جنايتك يقول ويركب في كل يوم ركبة. كل يوم يركب الفرس وينطلق فقلت له يوما اراك تدمن الركوب ففيما ذلك قال ان ابراهيم بن سليمان قتل ابي صبرا قتله صبرا يعني حبسه ثم اقاده للقتل يعني ليس مواجهة في معركة او نحو ذلك. يقال قتله صبرا. يعني صبره على القتل يقول وقد بلغني انه مختف فانا اطلبه لادرك ثأري ويذهب كل يوم وهذا عنده بداره يقول فكثر تعجبي من ادبارنا اذ ساقني القدر الى الاختفاء في منزل من يطلب دمي وكرهت الحياة وسألت الرجل عن اسمه واسم ابيه فاخبرني بهما فعلمت اني قتلت اباه فقلت يا هذا قد وجب علي حقك ومن حقك ان اقرب عليك الخطوة قال وما ذاك؟ فقلت انا ابراهيم بن سليمان قاتل ابيك فخذ بثأرك. فقال احسبوا انك رجل قد مضه الاختفاء فاحب الموت. يعني مل من الاختفاء فيريد ان يموت زعم ذلك فقلت بل الحق قتلته يوم كذا وكذا بسبب كذا وكذا فلما عرف اني صادق تربد وجهه واحمرت عيناه واطرق مليا ثم قال اما انت فستلقى ابي فيأخذ حقه منك واما انا فغير مخفر ذمتي فاخرج عني فلست امن نفسي عليك واعطاني الف دينار فلم اقبلها وخرجت من عنده فهذا اكرم رجل رأيته نجا وحصل له الامان من العباسيين وعاش بعد ذلك مدة ولاحظ اينك عند من يخرج كل يوم يطلب دمه فحصل له الامن في الموضع الذي واخوف ما يكون ومن العجائب ايضا والعبر ما هو جرى في سنة ثلاث وعشرين ومئتين وذلك ان محمد ابن علي الاسكافي كان يتولى اقطاع حجيف ابن عنبسة. حجيف ابن عنبسة من قواد المعتصم. قائد عسكري وكانت له اموال واقطاع وكان هذا يتولى الاشراف عليها فرفع اهله اهل عجيف الى عجيف يشتكون من هذا الرجل وانه قد ضيع امواله ويعبث بها فاخذه واوثقه واراد قتله حالا فبال هذا الرجل الاسكافي في ثيابه خوفا من عجيف وثقة وقال تضرب عنقه حالا فبال في ثيابه من الخوف فقام بعض من يحتف بعجيف من رجالاته وكتابه فرق لهذا الرجل لما بال في ثيابه وقال ان امير المؤمنين قد استنهضك الى هذا الوجه يعني من قتال الروم فاذهب وهذا حاصل لك دعه في حبسه فاذا رجعت قضيت فيه امرك فقبل فامر بي حبسه فحبس هذا الرجل عجيف سار الى الروم ووقعت امور فغضب عليه المعتصم وامر به وجماعة اخرين تخونوه فامر بقتلهم فقتل هذا الرجل المسمى بعجيف ثم امر المعتصم ان يطلق من في حبس عجيف وكانوا جماعة منهم هذا الرجل ثم دارت الايام فاستعمل هذا الرجل الاسكافي على نواح بالجزيرة. الجزيرة هي التي تقع ما بين الشام و العراق ومن جملتها ناحية قرية كبيرة اشبه بالمدينة حتى شبهت بدمشق اسمها باعيثان هذا الاسكافي يقول فخرجت يوما الى تل بعيفانا والان الوالي عليها فاحتجت الى الوضوء فجئت الى تل فبلت عليه. ثم توضأت ونزلت والشيخ باعثان ينظر وينتظرني فقال لي هذا التل قبر فيه عجيف فاراني قبره فاذا انا قد بلت على ذلك الموضع موضع القبر وهو لا يدري وكان بين الامرين سنة لا تزيد يوما ولا تنقص يوما افترت الايام بال في ثيابه خوفا من عجيف وبعد تمام الحول رأس الحول يبول على مكان لا يعلم وهو امير على تلك الناحية واذا بهذا المكان هو قبر او جيف انظر كيف الت به الحل لو قيل له حينما بال على ثيابه ستدور الايام وتكون اميرا على ناحية وتبول على موضع هو قبر لي او جيف بعد سنة لن يصدق مثل هذا الكلام من ذلك ايضا من العبر ما ذكره الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه ذيل طبقات الحنابلة بترجمة الشيخ عبد القادر الجيلاني الحنبلي يقول الشيخ عبد القادر كنت اقتات بخرنوب الشوك. يعني فقير يأخذ بعض النباتات التي تنبت على شط النهر وقمامة البقر وورق الخس من جانب النهر والشط وبلغت الضائقة في غلاء نزل ببغداد الى ان بقيت اياما لم اكل فيها طعاما بل كنت اتتبع المنبوذات اطعمها فخرجت يوما من شدة الجوع الى الشط لعلي اجد ورق الخس او البقل او غير ذلك فاتقوت به فما ذهبت الى موضع الا وغيري قد سبقني اليه وان وجدت اجد الفقراء يتزاحمون عليه فاتركه يقول فرجعت امشي وسط البلد فما ادرك منبوذا يعني طعام منبوذ او نحو ذلك الا وقد سبقت اليه. حتى وصلت الى مسجد ياسين بسوق الرياحين ببغداد وقد اجهدني الضعف وعجزت عن التماسك فدخلت الى المسجد وقعدت في جانب منه وقد كدت اصافح الموت اذ دخل شاب اعجمي ومعه خبز صافي يعني نقي وشواء وجلس يأكل فكنت اكاد كلما رفع يده باللقمة افتح فمي من شدة الجوع حتى انكرت ذلك على نفسي اذا رفع اللقمة يقول فتحت فمي من شدة امشوا فقلت ما هذا؟ وقلت ما ها هنا الا الله او ما قضاه من الموت اذ التفت الي العجمي فرآني فقال بسم الله يا اخي فابيت فاقسم علي فبادرت نفسي فخالفتها فاقسم ايضا فاجبته فاكلته متقاصرا يعني من غير شرح فاخذ يسألني ما شغلك ومن اين انت وبمن تعرف؟ فقلت انا متفقه من جيلان فقال وانا من جيلان فهل تعرف شابا جيلانيا يسمى عبد القادر يعرف بصدق ابي عبدالله الصومعي الزاهد؟ فقلت انا هو واضطرب وتغير وجهه وقال والله لقد وصلت الى بغداد ومعي بقية نفقة لي فسألت عنك فلم يرشدني احد ونفذت نفقتي ولي ثلاثة ايام لا اجد ثمن قوتي الا ما كان لك معي وقد حلت لي الميتة واخذت من وديعتك هذا الخبز والشواء فكل طيبا فانما هو لك وانا ضيفك الان بعد ان كنت ضيفي فقلت وما ذاك؟ فقال امك وجهت لك معي بثمانية دنانير فاشتريت منها للاضطرار فانا معتذر اليك يقول فسكنته وطيبت نفسه ودفعت اليه باقي الطعام وشيئا من الذهب برسم النفقة فقبله وانصرف يعني كاد ان يموت ورأى هذا الرجل وكان يمنع نفسه من مشاركته في الطعام وتتحول الحال بلحظة الى ان هذا الطعام له ومعه دنانير له وهذا الرجل يقول انا ضيف عندك ويعتذر اليه من اكل الطعام دون اذنه تبدل الجوع والحال في لحظة وصار المضيف ضيفا ومن عجيب ما ذكره المؤرخون ما ذكره سبت ابن الجوزي رحمه الله في ترجمة الفقيه الحنبلي المشهور من اذكياء العالم ابن عقيل رحمه الله يحكي عن نفسه ابن عقيم يقول حججت فالتقطت عقد لؤلؤ منظوم في خيط احمر فاذا بشيخ اعمى ينشده يبحث عنه ويبذل لملتقطه مئة دينار مئة دينار شيء هائل يقول فرددته عليه فقال خذ الدنانير فامتنعت قال وخرجت الى الشام يعني بعد الحج وزرت القدس ونزلت الى دمشق وقصدت بغداد يعني طالع من دمشق الى بغداد وكانت امي باقية فاجتزت بحلب يقول مررت بحلب واويت الى مسجد وانا جائع بردان فقدموني فصليت بهم فعشوني وكانت ليلة رمضان الا الدخول رمضان وقالوا امامنا توفي من ايام ونسألك ان تصلي بنا هذا الشهر ففعلت فقالوا لامامنا الميت بنت فتزوجت بها فاقمت معها سنة وولد لي منها ولد ثم مرضت في نفاسها فتأملتها ذات يوم واذا بخيط احمر في عنقها واذا به العقد الذي لقيته بعينه فقلت لها يا هذه ان لهذا العقد قصة وحكيت لها القصة فبكت وقالت انت هو والله لقد كان ابي يبكي ويقول اللهم ارزق بنتي مثل الذي رد علي العقد وقد استجاب الله منه يقول ثم ماتت في علتها هذه فاخذت العقد والميراث وعدت الى بغداد هذا ابن عقيل الحنبلي الامام الفقيه المعروف انظر ما ال اليه الحال ورجع اليه هذا العقد والميراث وتزوج بهذه المرأة ويشبه هذا ما ذكره الشيخ المؤرخ بكتابه في تاريخ حلب الشهباء محمد راغب الطباخ وهو شيخ الشيخ ناصر الدين الالباني رحمه الله ذكر في خبر الشيخ ابراهيم الهلالي الحلبي العالم الصالح الجليل يقول ذهب الى الجامع الازهر يطلب العلم واثناء طلبه للعلم املق وافتقر الى النفقة ومضى عليه اكثر من يوم وهو لا يجد ما يأكل وجاع جوعا شديدا فخرج من غرفته في الازهر ليسأل اللقمة والطعام فشاهد بابا مفتوحا وشم منه رائحة الطعام فدخل الباب الى المطبخ فلم يجد احدا ووجد طعاما شهيا فاخذ الملعقة وغمسها فيه ثم لما رفعها الى فمه انقبضت نفسه عن تناولها اذ لم يؤذن له بتناوله فتركها وخرج بجوعه وصغبه الى غرفته في رواق الازهر ولم يمض عليه نحو ساعة الا واحد شيوخه ومعه رجل يدخلان عليه غرفته ويقول له الشيخ هذا الرجل الفاضل جاءني يريد طالب علم صالح اختاره لابنته زوجا وقد اخترت كذا فقم بنا الى بيته ليتم العقد بينكما وتكون من اهل بيته يقول فتحاملت على نفسي ممتثلا امر الشيخ وقمت معهما واذا هما يذهبان الى البيت الذي دخلته وغمست فيه الملعقة فلما جلس عقد له والدها وجاء بالطعام فكان الطعام الذي غمس الملعقة فيه ثم تركها فاكل وقال في نفسه امتنعت عنه بغير اذن فاطعمني الله باذنه مكرما معززا زوجا بعد ساعة فهذا كما قال الشيخ محمد راغب الطباخ تعليقا على هذا فسبحان من اغنى بالحلال عن الحرام وقسم لكل مخلوق رزقه وطعامه وشرابه فلا بد انه اكله ونائله وصدق القائل ما قدر لما بغيت ان يمضغاه لابد ان يمضغاه فويحك كله بعز ولا تأكله بذل ما قدر لك سيأتي هذا في الرزق بتحول الحال من الفقر الى الغنى من الجوع الى الشبع. كذلك ما جرى لصلاح الدين الايوبي وذلك ان الخليفة العاضد كتب الى نور الدين يستغيث به من الفرنج ويطلب ارسال العساكر يقول فاحضرني نور الدين واعلمني الحال وقال تمضي الى عمك اسد الدين بحمص مع رسولي اليه ليحضر وان تحثه على الاسراع فما يحتمل الامر التأخير. يقول ففعلت وخرجنا من حلب فما كنا على ميل من حلب حتى لقيناه قادما في هذا المعنى هو عرف ما جرى وجاء الى نور الدين فامره نور الدين بالمسير فلما قال له نور الدين ذلك يقول التفت عمي الي فقال لي تجهز يا يوسف كلم صلاح الدين يعني الى مصر وشواطئها عند الاسكندرية فقلت والله لو اعطيت ملك مصر ما سرت اليها. لقد قاسيت بالاسكندرية وغيرها ما لا انساه ابدا فقال لنور الدين لابد من مسيره معي فتأمر به. فامرني نور الدين وانا استقيل. وانقضى المجلس. يقول انا اعتذر انقضى المجلس ولم يقبل العذر. وتجهز اسد الدين ولم يبقى غير المسير. فقال لي نور الدين لابد من مسيرك مع عمك. فشكوت اليه الضائقة. يقول فاعطاني ما تجهزت به فخرجت كانما اساق الى الموت فسرت معه فملكها ثم توفي فملكني الله تعالى ما لم اكن اطمع في بعضه صار ملكا في البلاد المصرية وهو ذهب على كراهة شديدة وعلى كل حال اشباه ذلك كثير فنسأل الله تبارك وتعالى ان يرزقنا واياكم قلوبا تعتبر وان يلهمنا رشدنا وان يعيننا واياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته وان ينصر جنده واولياءه ودينه وان يذل الكفر واهله الله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه