بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كنا قد تكلمنا في الحلقة السابقة عن جملة من احكام الجعالة ونستكمل في هذه الحلقة الحديث عن بقية احكامها فنقول وبالله التوفيق من صور الجعالة في الوقت الحاضر المسابقات الثقافية التي توضع لها اسئلة وترصد جوائز لافضل المتسابقين فهذا يعتبر من قبيل الجعالة ولا بأس به بشرط الا يبذل المتسابقون اي عوظ مادي للدخول في تلك المسابقة فان شرط للدخول في المسابقة بذل عوظ لم يجز ذلك لدخوله في الميسر ولو كان ذلك العوظ يسيرا كشراء قسيمة المسابقة ونحو ذلك ومن صور الجعالة ايضا عمليات التنقيب عن المياه والبترول والمعادن يقال للشركات المتخصصة في عمليات التنقيب ان وجدت شيئا من ذلك فلها كذا من المال او من ذلك الشيء الذي عثرت عليه ومن ذلك ايضا عقد الوساطة التجارية في بعض صوره ان يأتي شخص لاخر ويقول له ان بعت لي هذه السلعة فلك كذا من المال من ذلك ايضا عمليات تحصيل الديون المشكوك فيها بان يأتي شخص لاخر ويقول له ان حصلت ديوني فلك كذا من المال او يجعل له نسبة مشاعة من تلك الديون كأن يقول فلك ربعها مثلا ومن صور الجعالة ايضا ما تعلن عنه بعض الجهات الامنية من رصد جوائز لمن يتعاون معها في الاخبار عن المجرمين مروج المخدرات ونحوهم ايها الاخوة المستمعون والجعالة عقد جائز لكل من الطرفين فسخها متى ما شاء ولو بغير رضا الطرف الاخر فان كان الفسخ من جهة العامل فانه لا يستحق شيئا لانه اسقط حق نفسه حيث لم يأت بما شرط عليه العوظ اما ان كان الفسخ من جهة الجاهل فان كان الفسخ قبل الشروع في العمل كان الفسخ قبل الشروع في العمل فلا شيء عليه وان كان بعد الشروع في العمل فعليه للعامل اجرة عمله قال الموفق ابن قدامة رحمه الله لا نعلم في ذلك خلافا ونوضح هذا بالمثال قال رجل من الناس من بنى لي هذا الحائط فله كذا من المال فهذا يعتبر جعالة لو ان الجاعل فسخ العقد قبل ان يشرع العامل في بنائه فلا شيء عليه اما ان فسخ العقد بعدما شرع العامل في البناء فان العامل يستحق اجرة المثل ومن احكام الجعالة ان العوظ في الجعالة اذا كان مجهولا فان المجعول له الذي يسميه بعض الفقهاء بالعامل يستحق اجرة المثل في ذلك ونوضح هذا بالمثال قال رجل من الناس من عثر على محفظة التي ضاعت فله جائزة لكنه لم يبين مقدار هذه الجائزة فلو اختلف الجاعل والمجعول له في مقدار الجائزة فانها تقدر باجرة المثل ولكن ما الحكم فيما لو كان الجاعل قد بين مقدار الجعل واختلف مع المجعول له فيه في مثالنا السابق لو ان الجاعل ادعى انه قال من عثر على محفظتي فله خمسون ريالا فعثر عليها رجل من الناس وادعى ان الجاعل قال فله مئة ريال فما الحكم في هذا نقول ان كان لاحدهما بينة فالقول قول صاحب البينة اما ان لم توجد بينة لاحدهما فالقول قول الجاعل في قول كثير من الفقهاء لان الجاعل منكر للزيادة التي يدعيها المجعول له والاصل براءة ذمته قال الفقهاء ومن رد لقطة او ضالة او عمل لغيره عملا بغير جعل ولا اذن لم يستحق عليه عوضا لانه عمل يستحق به العوظ مع المعاوظة فلا يستحق مع عدمها ولاننا لو قلنا انه يستحق على ذلك العمل الذي عمله من غير جعل ولا اذن لو قلنا انه يستحق عليه عوظا لالزمنا الانسان ما لم يلتزمه ولم نفسه به مثال ذلك رجل وجد محفظة في الطريق فاتصل بصاحبها واوصلها اليه ثم انه طالب صاحب المحفظة بمال نظير عثوره على تلك المحفظة وايصالها اليه فهل له حق المطالبة بذلك نقول ليس له ذلك ما دام ان صاحب المحفظة لم يجعل جعلا لمن عثر عليها ولكن ان تبرع له صاحب المحفظة بشيء فهذا من مكارم الاخلاق وقد استثنى الفقهاء من هذا الحكم مسألتين المسألة الاولى رد العبد الابق اي الهارب سواء رده من داخل البلد او من خارجه فيستحق عليه دينارا او اثني عشر درهما قد روي في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم اورده البيهقي في السنن الكبرى عن ابن ابي مليكة وعمرو بن دينار ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل رد الابق اذا جاء به خارجا من الحرم دينارا وهذا الحديث ظعيف من جهة الاسناد ولكنه مروي عن عدد من الصحابة قد روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وعبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنهم قال الموفق ابن قدامة هو قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم في زمنهم مخالفا فكان اجماعا المسألة الثانية تخليص متاع غيره من هلكة كغرق او حرق ونحو ذلك بان يجد شخص بيتا يحترق فقام بتخليص الامتعة والحوائج من ذلك البيت فانه يستحق على ذلك اجرة المثل حتى وان لم يأذن له صاحب البيت بذلك لان في هذا حسن وترغيبا في انقاذ الاموال من الهلكة قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله من استنقذ مال غيره من المهلكة ورده استحق اجرة المثل ولو بغير شرط في اصح القولين وهو منصوص احمد وغيره ايها الاخوة المستمعون ونختم هذه الحلقة بالتنبيه على مسألة مهمة ربما تخفى على بعض الناس لان من الناس من يجعل جعلا لمن يشفع له عند احد من الناس فنقول انه لا يجوز اخذ مال مقابل الشفاعة مطلقا سواء اعتبر ذلك جعالة او هدية او اجرة او غير ذلك قال المرداوي رحمه الله في كتابه الانصاف قال لا يجوز اعطاء الهدية لمن يشفع عند السلطان ونحوه ذكره القاضي واومأ اليه اي الامام احمد لانها كالاجرة والشفاعة من المصالح العامة فلا يجوز اخذ الاجرة عليها قال وفيه حديث صريح في السنن من شفع لاخيه بشفاعة فاهدى له هدية فقبلها فقد اتى بابا عظيما من ابواب الربا لها كلامه رحمه الله وهذا الحديث الذي اشار اليه صاحب الانصاف قد اخرجه ابو داوود واحمد قد حسن اسناده بعض اهل العلم ايها الاخوة المستمعون هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة نكتفي بهذا القدر ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته