المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يقول تعالى مخاطبا لبني ادم ولقد خلقناكم بخلق اصلكم ومادتكم التي منها خرجتم. ابيكم ادم عليه السلام. ثم صورناكم في احسن صورة واحسن تقويم. وعلمه الله عالم به تكمل صورته الباطنة اسماء كل شيء. ثم امر الملائكة الكرام ان يسجدوا لادم اكراما واحتراما واظهارا لفضله فامتثلوا امر ربهم فسجدوا كلهم اجمعون. الا ابليس ابى ان يسجد له. تكبرا عليه واعجابا بنفسه. فوبخه الله على ذلك وقال قال ما منعك الا تسجد لما خلقت بيدي اي شرفته وفضلته بهذه الفضيلة التي لم تكن لغيره فعصيت امري وتهاونت بي؟ قال ابليس معارضا لربه انا خير منه ثم برهن على هذه الدعوة الباطلة بقوله خلقتني من نار وخلقته من طين. وموجب هذا ان المخلوق من نار افضل من المخلوق من طين. لعلو النار على الطين وصعودها. وهذا القياس من افسد الاقيسة فانه باطل من عدة اوجه. منها انه في مقابلة امر الله له بالسجود. والقياس اذا عارض النص انه قياس باطل لان المقصود بالقياس ان يكون الحكم الذي لم يأتي فيه نص يقارب الامور المنصوص عليها ويكون تابعا لها فاما قياس يعارضها ويلزم من اعتباره الغاء النصوص. فهذا القياس من اشناع الاقيسة. ومنها ان قوله انا خير منه بمجردها كافية لنقص ابليس الخبيث. فانه برهن على نقصه باعجابه بنفسه وتكبره. والقول على الله بلا علم واي نقص اعظم من هذا ومنها انه كذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين والتراب. فان مادة الطين فيها الخشوع والسكون والرزانة. ومنها بركات الارض من الاشجار وانواع النبات على اختلاف اجناسه وانواعه. واما النار ففيها الخفة والطيش والاحراق. ولهذا لما جرى من ابليس ما جرى انحط من مرتبته العالية الى اسفل السافلين فقال الله له فاهبط منها اي من الجنة فما يكون لك ان تتكبر فيها لانها دار الطيبين الطاهرين. فلا تليق باخبث خلق الله واشرهم. فاخرج انك من الصاغرين اي المهانين الاذلين جزاء على كبره وعجبه بالاهانة والذل فلما اعلن عدو الله بعداوة الله وعداوة ادم ذريته سأل الله النظيرة والامهال الى يوم البعث. ليتمكن من اغواء ما يقدر عليه من بني ادم. ولما كانت حكمة الله مقتضية الابتلاء العباد واختبارهم ليتبين الصادق من الكاذب ومن يطيعه ممن يطيع عدوه. اجابه لما سأل فقال انك من المنظرين قال فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم. اي قال ابليس لما ابلس وايس من رحمة الله فبما اغويتني لاقعدن لهم اي للخلق صراطك المستقيم. اي لالزمن الصراط ولاسعى غاية جهدي على الناس عنه وعدم سلوكهم اياه ولا تجد اكثرهم شاكرين ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم اي من جميع الجهات والجوانب ومن كل طريق يتمكن فيه من ادراك بعض مقصوده فيهم. ولما علم الخبيث انهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم. وكان جازما ببذل مجهوده على اغوائهم ظن وصدق ظنه فقال ولا تجد اكثرهم شاكرين. فان القيام بالشكر من سلوك الصراط المستقيم. وهو يريد صدهم عنه وعدم قيامه به قال الله تعالى انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. وانما نبهنا الله على ما قال وعزم على فعله. لنأخذ منه ونستعد لعدونا ونحترز منه بعلمنا بالطرق التي يأتي منها ومداخله التي ينفذ منها فله تعالى علينا بذلك اكمل نعمة قال اخرج منها مذئوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملأن جهنم منكم اجر اي قال الله لابليس لما قال ما قال اخرج منها خروج صغار واحتقار لا خروج اكرام بل مذئوما اي مذموما مدحورا مبعدا عن الله وعن رحمته وعن كل خير. لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين قسم منه تعالى ان النار دار العصاة. لا بد ان يملأها من ابليس واتباعه من الجن والانس. ثم حذر ادم شره وفتنته فقال ويا ادم اسكن انت وزوجك الجنة فكنا من حيث شئتما ولا اي امر الله تعالى ادم وزوجته حواء التي انعم الله بها بها عليه ليسكن اليها ان يأكلا من الجنة حيث شاء ويتمتع فيها بما اراد. الا انه عين لهما شجرة ونهاهما عن اكلها. والله الله اعلم ما هي وليس في تعيينها فائدة لنا وحرم عليهما اكلها. بدليل قوله فتكون من الظالمين. فلم يزال ممتثلين لله حتى تغلغل اليهما عدوهما ابليس بمكره. فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من فوسوس لهما وسوسة خدعهما بها وموه عليهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين. اي من جنس الملائكة او تكونا من الخالدين. كما قال في الاية الاخرى هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى. ومع قوله هذا اقسم لهما بالله. وقاسمهما اني لكما لمن اني لك ما لمن الناصحين. اي من جملة الناصحين. حيث قلت لكما ما قلت فاغترا بذلك غلبت الشهوة في تلك الحال على العقل ما سوءاتهما وطفقا يخسفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما فدلاهما. اي نزلهما عن رتبتهما العالية. التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي. الى التلوث باودارها فاقدما على اكلها فلما ذاق الشجرة بدت لهما سوءاتهما اي ظهرت عورة كل منهما بعدما كانت مستورة فصار العري الباطن ومن التقوى في هذه الحال اثر في اللباس الظاهر. حتى انخلع فظهرت عوراتهما. ولما ظهرت عوراتهما خجلا وجعلا يخصفان على عوراتهما من اوراق شجر الجنة. ليستتر بذلك وناداهما ربهما وهما بتلك الحال. موبخا ومعاتبا. الم انهكما عن تلك الشجرة واقل لك ما ان الشيطان لك ما عدو مبين. فلما اقترضتما المنهي واطعتما عدوكما؟ فحينئذ من الله عليهما بالتوبة وقبولها فاعترف بالذنب وسأل من الله مغفرته فقال انفسنا وان لم تغفر لنا ترحمنا لنكونن من الخاسرين. قال ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا ترحمنا لنكونن ان من الخاسرين اي قد فعلنا الذنب الذي نهيتنا عنه وضرينا انفسنا باقتراف الذنب. وقد فعلنا سبب الخسائر ان لم تغفر لنا بمحو اثر الذنب وعقوبته. وترحم بقبول التوبة والمعافاة من امثال هذه الخطايا. فغفر الله لهما ذلك وعصى ادم ربه فغوى. ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى. هذا وابليس مستمر على طغيانه. غير مقلع من عصيانه. فمن اشبه ادم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم والاقلاع. اذا صدرت منه الذنوب اجتباه الله وهداه. ومن اشبه ابليس اذا صدر منه الذنب لا يزال يزداد من المعاصي. فانه لا يزداد من الله الا بعدا الى حين قال فيها تحيون وفيها تموت وفيها تموتون ومنها تخرجون اي لما اهبط الله ادم وزوجته وذريتهما الى الارض. اخبرهما بحال اقامتهم فيها. وانه جعل لهم فيها حياة يتلوها الموت