واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة. قالوا اتجعل فيها ميت تفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك اتعلمون. هذا شروع في ذكر فضل ادم عليه السلام. ابي البشر ان الله حين اراد خلقه اخبر الملائكة بذلك ان الله مستخلفه في الارض. فقالت الملائكة عليهم السلام اتجعل فيها من يفسد فيها بالمعاصي؟ ويسفك الدماء؟ وهذا تخصيص بعد تعميم لبيان شدة مفسدة القتل. وهذا بحسب ظنهم ان الخليفة المجعول في الارض سيحدث منه ذلك. فنزهوا الباري عن ذلك وعظموه انهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة. فقالوا ونحن نسبح بحمدك اي ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك ونقدس لك يحتمل ان معناها ونقدسك. فتكون اللام مفيدة للتخصيص والاخلاص. ويحتمل ان تكون ونقدس لك انفسنا اي نطهرها بالاخلاق الجميلة كمحبة الله وخشيته وتعظيمه. ونطهرها من الاخلاق الرذيلة. قال الله تعالى للملائكة اني اعلم من هذا الخليفة ما لا تعلمون. لان كلامكم بحسب ما ظننتم وانا عالم بالظواهر والسرائر. واعلم ان الخير الحاصل بخلق في هذا الخليفة اضعاف اضعاف ما في ضمن ذلك من الشر. فلو لم يكن في ذلك الا ان الله تعالى اراد ان يجتبي منهم الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين. ولتظهر اياته لخلقه. ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة. كالجهاد وغيره. وليظهر وما كمان في غرائز بني ادم من الخير والشر بالامتحان. وليتبين عدوه من وليه وحزبه من حربه وليظهر ما كمل في نفس ابليس من الذي انطوى عليه واتصف به فهذه حكم عظيمة يكفي بعضها في ذلك. ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام فيه اشارة الى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الارض. اراد الله تعالى ان يبين لهم من فضل ادم ما يعرفون به فضله. وكمال حكمة الله وعلمه وعلم ادم على الملائكة فقال انبئوني هؤلاء فقال انبئوني باسماء هؤلاء فعلم ادم الاسماء كلها اي اسماء الاشياء ومن هو مسمى بها فعلمه الاسم والمسمى اي الالفاظ والمعاني حتى المكبر من الاسماء كالقصعة والمصغرة كالقصيعة ثم عرضهم اي عرض المسميات على الملائكة امتحانا لهم هل يعرفونها ام لا؟ فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين في قولكم وظنكم انكم افضل من هذا الخليفة قالوا سبحانك اي ننزهك عن الاعتراض منا عليك ومخالفة امرك لا علم لنا بوجه من الوجوه الا ما اياه فضلا منك وجودا انك انت العليم الحكيم. العليم الذي احاط علما بكل شيء فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماء السماوات والارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر. الحكيم من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق. ولا يشد عنها مأمور. فما خلق فشيئا الا لحكمة ولا امر بشيء الا لحكمة. والحكمة وضع الشيء في موضعه اللائق به. فاقروا واعترفوا بعلم الله وحكمته عن معرفة ادنى شيء واعتراضهم بفضل الله عليهم. وتعليمه اياهم ما لا يعلمون. فحينئذ قال الله فلما انبأهم باسمائهم قال الم اقل لكم اني يا ادم انبئهم باسمائهم اي اسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة فعجزوا عنها. فلما انبأهم تبين للملائكة فضل ادم عليهم وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة. قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات والارض الارض وهو ما غاب عنا فلم نشاهده. فاذا كان عالما بالغيب فالشهادة من باب اولى. واعلم ما تبدون اي تظهرون ما كنتم تكتمون. ثم امرهم تعالى بالسجود لادم اكراما له وتعظيما. وعبودية لله تعالى آآ ان فامتثلوا امر الله وبادروا كلهم بالسجود. الا ابليس ابى. امتنع عن السجود. واستكبر عن امر الله وعلى ادم. قال ااسجدوا لمن خلقت طينا؟ وهذا الاباء منه والاستكبار نتيجة الكفر الذي هو منطوي عليه. فتبينت حينئذ عداوته لله ولادم وكفره واستكباره. وفي هذه الايات من العبر والايات اثبات الكلام لله تعالى. وانه لم يزل متكلما يقول ما شاء ويتكلم بما شاء وانه عليم حكيم. وفيه ان العبد اذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات. فالواجب عليه التسليم واتهام عقله والاقرار لله بالحكمة. وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة واحسانه بهم. بتعليمهم ما جهلوا. وتنبيههم على ما لم يعلم وفيه فضيلة العلم من وجوه. منها ان الله تعرف لملائكته بعلمه وحكمته. ومنها ان الله عرفهم فضل ادم بالعلم وانه افضل صفة تكون في العبد. ومنها ان الله امرهم بالسجود لادم. اكراما له لما بان فضل علمه. ومنها ان امتحان للغير اذا عجزوا عن ما امتحنوا به. ثم عرفه صاحب الفضيلة فهو اكمل مما عرفه ابتداء. ومنها الاعتبار بحالي ابويه الانس والجن وبيان فضل ادم وافضال الله عليه. وعداوة ابليس له الى غير ذلك من العبر الشجرة فتكونا من الظالمين. لما خلق الله ادم وفضله اتم نعمته عليه بان خلق منه زوجة ليسكن اليها او يستأنس بها وامرهما بسكنى الجنة والاكل منها. رغد اي واسعا هنيئا حيث شئتما اي من اي اصناف الثمار والفواكه وقال الله له ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى. وانك لا تظمأ فيها ولا تضحى. ولا تقربا هذه الشجرة نوع من انواع الشجر الجنة الله اعلم بها. وانما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء. او لحكمة غير معلومة لنا. فتكونا من الظالمين. دل على ان النهي للتحريم لانه رتب عليه الظلم انا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقرون فلم يزل عدوه ما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه حتى ازلهما اي حمله وما على الزلل بتزينه وقاسمهما بالله اني لك ما لمن الناصحين. فاغتر به واطاعه فاخرجهما مما كان فيه من النعيم والرغد واهبط الى دار التعب والنصب والمجاهدة. بعضكم لبعض عدو اي ادم وذريته اعداء لابليس وذريته. ومن معلوم ان العدو يجد ويجتهد في ضرر عدوه. وايصال الشر اليه بكل طريق. وحرمانه الخير بكل طريق. ففي ضمن هذا تحذير بني ادم من الشيطان كما قال الله تعالى ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير فتتخذونه ذريته اولياء من دوني وهم لكم عدو. بئس للظالمين بدلا. ثم ذكر منتهى الاهباط الى الارض فقال هو لكم في الارض مستقر ومتاع الى حين. ولكم في الارض مستقر. اي مسكن وقرار الى حين انقضاء اجالكم ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها وخلقت لكم ففيها ان مدة هذه الحياة مؤقتة عارضة ليست مسكنا حقيقيا وانما هي معبر يتزود منها لتلك الدار. ولا تعمر للاستقرار. فتلقى ادم من ربه به كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم. فتلقى ادم اي تلقف وتلقن والهمه الله من ربه كلمات. وهي قوله ربنا ظلمنا انفسنا. فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته فتاب الله عليه ورحمه انه هو التواب لمن تاب اليه واناب. وتوبته نوعان توفيقه اولا ثم قبوله اولى التوبة اذا اجتمعت شروطها ثانيا الرحيم بعباده ومن رحمته بهم ان وفقهم للتوبة وعفا عنهم وصفح. قلنا اهبطوا انها جميعا فاما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. كرر الاهباط ليرتب عليه ما ذكر. وهو قوله فاما يأتينكم مني هدى اي وقت وزمان جاءكم مني يا معشر الثقلين هدى. اي رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني. ويدنيكم من رضاءي. فمن تبع هداي منكم بان امن برسله وكتبه واهتدى بهم. وذلك بتصديق جميع اخبار الرسل والكتب. والامتثال للامر والاجتناب للنهي. فلا خوف عليهم ولا فهم يحزنون. وفي الاية الاخرى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. فرتب على اتباع هداه اربعة اشياء. نفي الخوف والحزن والفرق بينهما ان المكروه ان كان قد مضى احدث الحزن وان كان منتظرا احدث الخوف فنفاهما عمن اتبع هداه واذا انتفيا حصلت ضدهما وهو الامن التام. وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه. وان التفي ثبت ضدهما وهو الهدى والسعادة من اتبع هداه حصل له الامن والسعادة الدنيوية والاخروية والهدى. وانتفى عنه كل مكروه من الخوف والحزن والضلال والشقاء. فحصل له مرغوب واندفع عنه المرهوب. وهذا عكس من لم يتبع هداه. فكفر به وكذب باياته. والذين كفروا وكذبوا اياتنا اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. فاولئك اصحاب النار الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه. والغريم لغريمه. هم فيها خالدون. لا يخرجون منها ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم وفي هذه الايات وما اشبهها انقسام الخلق من الجن والانس الى اهل السعادة واهل الشقاوة. وفيها صفات الفريقين والاعمال الموجبة ذلك وان الجن كالانس في الثواب والعقاب. كما انهم مثلهم في الامر والنهي