المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي في الارض بعد اصلاحها. ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين ايوة ارسلنا الى القبيلة المعروفة بمدين اخاهم في النسب شعيبا يدعوهم الى عبادة الله وحده لا شريك له ويأمرهم بايفاء المكيالي والميزان والا يبخسوا الناس اشياءهم والا يعثوا في الارض مفسدين بالاكثار من عمل المعاصي. ولهذا قال ولا تفسدوا في ارضي بعد اصلاحها. ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين. فان ترك المعاصي امتثالا لامر الله وتقرب اليه خير. وانفع للعبد من ارتكابها الموجب لسخط الجبار وعذاب النار ولا تقعدوا للناس بكل صراط اي طريق من الطرق التي سلوكها تحذرون الناس منها وتوعدون من سلكها وتصدون عن سبيل الله من اراد الاهتداء به. وتبغونها عوجا. اي اتبعون سبيل الله تكون معوجة وتميلونها اتباعا لاهوائكم. وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها الله لعباده هذه ليسلكوها الى مرضاته ودار كرامته. ورحمهم بها اعظم رحمة. وتصدون لنصرتها والدعوة اليها والذب عنها. لا ان تكونوا انتم قطاع طريقها الصادين الناس عنها. فان هذا كفر لنعمة الله ومحادة لله. وجعل اقوم الطرق واعدلها مائلة. وتشنعون على من سلكها واذكروا نعمة الله عليكم. اذ كنتم قليلا فكثركم. اي نماكم بما انعم عليكم من الزوجات والنسل والصحة. وانهم بوباء او امراض من الامراض المقللة لكم. ولا سلط عليكم عدوا اجتاحكم ولا فرقكم في الارض. بل انعم عليكم باجتماعكم واضراركم الارزاق وكثرة النسل. وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين. فانكم لا تجدون في جموعهم الا الشتات. ولا في ربوعهم الا الوحشة والانبتات ولم يورثوا ذكرا حسنا بل اطبعوا في هذه الدنيا لعنة. ويوم القيامة اشد خزيا وفضيحة وان كانت طائفة منكم بالذي ارسلت به وطائفة لم يؤمنوا وهم الجمهور منهم. فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. فينصر المحق توقع العقوبة على المبطل قال الملأ الذين استكبروا من قومه وهم الاشراف والكبراء منهم الذين تبعوا وله بلذاتهم. فلما اتاهم الحق ورأوه غير موافق لاهوائهم الرديئة. ردوه واستكبروا عنه. فقالوا لنبيهم شعيب ومن معه معه من المؤمنين المستضعفين. لنخرجنك يا شعيب والذين امنوا معك من قريتنا. او لتعودن في ملتنا. استعملوا قوتهم السبعية في مقابلة الحق ولم يراعوا دينا ولا ذمة ولا حقا. وانما راعوا واتبعوا اهواءهم وعقولهم السفيهة. التي دلتهم على هذا القول الفاسد فقالوا اما ان ترجع انت ومن معك الى ديننا او لنخرجنكم من قريتنا. فشعيب عليه الصلاة والسلام كان يدعوهم طامعا في ايمانه والان لم يسلم من شرهم حتى توعدوه ان لم يتابعهم بالجلاء عن وطنه. الذي هو ومن معه احق به منهم. فقال لهم شكرا شعيب عليه الصلاة والسلام متعجبا من قولهم او لو كنا كارهين اي انتابعكم على دينكم وملتكم الباطلة ولو كنا كارهين لها لعلمنا ببطلانها. فانما يدعى اليها من له نوع رغبة فيها. اما من يعلن بالنهي عنها. والتشنيع على من اتبعها. فكيف يدعى اليها قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله منها ما يكون لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومك قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله منها اي يشهدوا علينا اننا ان عدنا فيها بعد ما نجانا الله منها وانقذنا من شرها. اننا كاذبون مفترون على الله الكذب فاننا نعلم انه لا اعظم افتراء ممن جعل لله شريكا. وهو الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ ولدا ولا صاحبة ولا شريكا الملك وما يكون لنا ان نعود فيها اي يمتنع على مثلنا ان نعود فيها. فان هذا من المحال. فايسهم عليه الصلاة والسلام من يوافقهم من وجوه متعددة. من جهة انهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من الشرك. ومن جهة انه جعل ما هم عليه كذبا. واشهد انه ان اتبعهم ومن معه فانهم كاذبون. ومنها اعترافهم بمنة الله عليهم اذ انقذهم الله منها. ومنها ان عودهم فيها بعدما هداهم الله من المحالات بالنظر الى حالتهم الراهنة وما في قلوبهم من تعظيم الله تعالى والاعتراف له بالعبودية وانه الاله وحده الذي لا تنبغي العبادة الا له وحده لا شريك له. وان الهة المشركين ابطلوا الباطل. وامحلوا المحال. وحيث ان الله من عليهم ان يعرفون بها الحق والباطل والهدى والضلال. واما من حيث النظر الى مشيئة الله وارادته النافذة في خلقه. التي لا خروج لاحد عنها ولو تواترت الاسباب وتوافقت القوى فانهم لا يحكمون على انفسهم انهم سيفعلون شيئا او يتركونه. ولهذا استثنى وما يكون لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله اي فلا يمكننا ولا غيرنا. الخروج عن مشيئته التابعة لعلمه وحكمته. وقد وسع ربنا كل شيء علما فيعلم ما يصلح للعباد وما يدبرهم عليه. على الله توكلنا اي اعتمدنا انه سيثبتنا على الصراط المستقيم. وان يعصمنا من طرق الجحيم فان من توكل على الله كفاه ويسر له امر دينه ودنياه. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق. اينصر المظلومين وصاحب الحق على الظالم المعاند للحق وانت خير الفاتحين وفتحه تعالى لعباده نوعان فتح العلم بتبيين الحق من الباطل والهدى من الضلال ومن هو من المستقيمين على الصراط ممن هو منحرف عنه. والنوع الثاني فتحه بالجزاء وايقاع العقوبة على الظالمين والنجاة والاكرام للصالحين. فسألوا الله ان يفتح بينهم وبين قومهم بالحق والعدل. وان يريهم من اياته وعبره. ما يكون فاصلا بين الفريقين وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا انكم اذا لقا وقال الملأ الذين كفروا من قومه محذرين عن اتباع شعيب لان اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون. هذا ما ولت لهم انفسهم ان الخسارة والشقاء في اتباع الرشد والهدى. ولم يدروا ان الخسارة كل الخسارة في لزوم ما هم عليه من الضلال والاضلال وقد علموا ذلك حين وقع بهم النكال. فاخذ الرجفة اي الزلزلة الشديدة فاصبحوا في دارهم جاثمين. اي صرعى ميتين هامدين. قال تعالى ناعيا حالهم كذبوا شعيبا كان لم يغنوا فيها. الذين كلبوا شعيبا كانوا الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها اي كأنهم ما اقاموا في ديارهم وكأنهم ما تمتعوا او في عرصاتها ولا تفيؤا في ظلالها ولا غنوا في مسارح انهارها ولا اكلوا من ثمار اشجارها. حين فاجأهم العذاب فنقلهم من موت يرد اللهو واللعب واللذات الى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات. ولهذا قال الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين اي الخسار محصور فيهم. لانهم خسروا دينهم وانفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين. لا من قالوا لهم لئن اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون. فتولى عنهم وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالة ونصحت لكم فكيف فحين هلكوا تولى عنهم نبيهم شعيب عليه الصلاة والسلام وقال معاتبا وموبخا ومخاطبا بعد موتهم. يا قومي لقد ابلغتكم رسالات ربي اي اوصلتها اليكم بينتها حتى بلغت منكم اقصى ما يمكن ان تصل اليه. وخالطت افئدتكم ونصحت لكم فلم تقبلوا نصحي. ولنقدتم لارشادي. بل فسقتم وطغيتم فكيف اسى على قوم كافرين؟ اي فكيف احزن على قوم لا خير فيهم؟ اتاهم الخير فردوه ولم يقبلوه. ولا يليق بهم الا الشر. فهؤلاء غير حقيقين ان يحزن عليهم. بل يفرح باهلاكهم ومحقهم. فعياذا بك اللهم من الخزي والفضيحة. واي خائن وعقوبة ابلغ من ان يصلوا الى حالة يتبرأ منهم انصح الخلق لهم