المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي تلك الجنتين اتت اكلها ولم تظلم يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم اضرب للناس في مثل هذين الرجلين الشاكر لنعمة الله والكافر لها. وما صدر من كل منهما من الاقوال والافعال. وما حصل بسبب ذلك من العقاب الاجل والعاجل والثواب ليعتبروا بحالهما. ويتعظوا بما حصل عليهما. وليس معرفة اعيان الرجلين. وفي اي زمان او مكانهما فيه فائدة ونتيجة فالنتيجة تحصل من قصتهما فقط. والتعرض لما سوى ذلك من التكلف. فاحد هذين الرجلين الكافر لنعمة الله الجليلة قال الله له جنتين اي بستانين حسنين من اعناب وحففناهما بنخل اي في هاتين الجنتين من كل الثمرات وخصوصا اشرف الاشجار العنب والنخل فالعنب في وسطها والنخل قد حف بذلك ودار به فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه وبروز الشجر والنخل للشمس الرياح التي تكمن بها الثمار وتنضج وتتجوهر. ومع ذلك جعل بين تلك الاشجار زرعا فلم يبقى عليهما الا ان يقال كيف ثمار هاتين الجنتين وهل لهما ماء يكفيهما؟ فاخبر تعالى ان كلا من الجنتين اتت اكلها اي ثمرها وزرعها ضعفين اي متضاعفا وانها لم منه شيئا اي لم تنقص من اكلها ادنى شيء. ومع ذلك فالانهار في جوانبهما سارحة كثيرة غزيرة وكان له اي لذلك الرجل ثمر اي عظيم كما يفيده التنكير. اي قد استكملت جنتاه ثمارهما وارجحنت اشجارهما ولم تعرض لهما اخر او نقص فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث. ولهذا اغتر هذا الرجل بهما وتبجح وافتخر. ونسي اخرته دخل جنته وهو غالب لنفسه قال ما اظن ان تبيد هذه ابدا. اي فقال الجنتين لصاحبه المؤمن وهما يتحاوران اي يتراجعان بينهما في بعض الماجريات المعتادة مفتخرا عليه. انا اكثر منك مالا واعز نفرا فخر بكثرة ماله وعزة انصاره من عبيد وخدم واقارب. وهذا جهل منه والا فاي افتخار بامر خارجي ليس فيه فضيلة ولا صفة معنوية وانما هو بمنزلة فخر الصبي بالاماني التي لا حقائق تحتها ثم لم يكفه هذا الافتخار على صاحبه حتى حكم بجهل به وظلمه وظن لما دخل جنته فقال ما اظن ان تبيت اي تنقطع وتضمحل هذه ابدا فاطمئن الى هذه الدنيا ورضي بها وانكر البعث فقال وما اظن الساعة قائمة ولئن رددت الى ربي على ضرب المثل لاجدن خيرا منها منقلبا. اي ليعطيني خيرا من هاتين الجنتين. وهذا لا يخلو من امرين. اما ان يكون عالما بحقيقة الحال. فيكون وكلامه هذا على وجه التهكم والاستهزاء فيكون زيادة كفر الى كفره. واما ان يكون هذا ظنه في الحقيقة فيكون من اجهل الناس وابخسهم كم من العقل فاي تلازم بين عطاء الدنيا وعطاء الاخرة؟ حتى يظن بجهله ان من اعطي في الدنيا اعطي في الاخرة. بل الغالب ان الله تعالى يزوي الدنيا عن اوليائه واصفيائه ويوسعها على اعدائه. الذين ليس لهم في الاخرة نصيب. والظاهر انه يعلم حقيقة الحال. ولكنه قال هذا الكلام على وجه التهكم والاستهزاء بدليل قوله ودخل جنته وهو ظالم لنفسه. فاثبات ان وصفه الظلم في حال دخوله الذي جرى منه من قول ما جرى يدل على تمرده وعناده اه اي قال له صاحبه المؤمن ناصحا له ومذكرا له حاله الاولى. التي اوجده الله فيها في الدنيا من تراب. ثم من نطفة ثم سواك رجلا فهو الذي انعم عليك بنعمة الايجاد والامداد. وواصل عليك النعم ونقلك من طور الى طور. حتى سواك رجلا كامل الاعضاء والجوارح المحسوسة والمعقولة. وبذلك يسر لك الاسباب وهيئ لك ما هيأ من نعم الدنيا. فلم تحصل لك الدنيا بحولك وقوتك. بل بفضل الله تعالى عليك ان فضل نفسه بسببه على المؤمنين وفخر عليهم. وفيها ان ولاية الله وعدمها انما تتضح نتيجتها اذا انجلى الغبار حق الجزاء العاملون اجرهم. فهنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبى. اي عاقبة ومآلا فكيف يليق بك ان تكفر بالله الذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا وتجحد نعمتك وتزعم انه لا يبعثك وان بعثك كانه يعطيك خيرا من جنتك. هذا مما لا ينبغي ولا يليق. ولهذا لما رأى صاحبه المؤمن حاله واستمراره على كفره وطغيانه. قال مخبرا عن نفسه على وجه الشكر لربه والاعلان بدينه عند ورود المجادلات والشبه الله لا قوة الا بالله آآ لكنه والله ربي ولا اشرك بربي احد احد فاقر بربوبيته لربه وانفراده فيها والتزم طاعته وعبادته وانه لا يشرك به احدا من المخلوقين. ثم اخبر ان نعمة الله بالايمان والاسلام ويوم عقلة ما له وولده انها هي النعمة الحقيقية وان ما عداها معرض للزوال والعقوبة عليه والنكال فقال اي قال للكافر صاحبه المؤمن انت وان فخرت عليه هي بكثرة مالك ووالدك ورأيتني اقل منك مالا وولدا فانما عند الله خير وابقى ومن يرجى من خيره واحسانه افضل من جميع الدنيا التي يتنافس فيها المتنافسون فتصبح صعيدا زلقا فعسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها اي على جنتك التي طغيت بها وغرتك. حسبانا من السماء اي عذابا بمطر او غيره فتصبح بسبب ذلك صعيدا زلقا. اي قد اقتلعت اشجارها وتلفت ثمارها. وغرق زرعها وزال نفعها او يصبح ماؤها الذي مادتها ومن عورة اي غائرا في الارض فلن تستطيع له طلبا. اي غائرا لا يستطاع الوصول اليه بالمعاول ولا بغيرها. وانما دعا على جنته المؤمن غضبا لربه لكونها غرته واطغته واطمأن اليها لعله ينيب ويراجع رشده ويبصر في امره. فاستجاب الله دعاءه وهي خاوية خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم اشرك بربي احدا. فاحيط بثمره اي اصابه عذاب احاط به واستهلكه فلم يبق منه شيء. والاحاطة بالثمر يستلزم تلف جميع اشجاره وثمارها وزرعه. فندم كل الندامة واشتد لذلك اسفه. اي على كثرة نفقاته الدنيوية عليها حيث انحلت وتلاشت فلم يبق لها عوظ وندم ايضا على شركه وشره. ولهذا قال يا ليتني لم اشرك. ويقول يا ليتني لم اشرك بربي احدا. قال الله تعالى اي لما نزل العذاب بجنته ذهب عنه ما كان يفتخر به من قوله لصاحبه انا اكثر منك مالا واعز نفرا. فلم يدفعوا عنه من هذا العذاب شيئا اشد ما كان اليهم حاجة. وما كان بنفسه منتصرا. وكيف ينتصر؟ اي كيف يكون له انصار على قضاء الله وقدره الذي اذا امضاه وقدره؟ لو اجتمع اهل السماء والارض على ازالة شيء منه لم يقدروا ولا يستبعدوا من رحمة الله ولطفه ان صاحب هذه الجنة التي احيط بها تحسنت حاله ورزقه الله انابة اليه وراجع رشده وذهب تمرده وطغيانه. بدليل انه اظهر الندم على شركه بربه. وان الله اذهب عنه ما يطغيه. وعاقبه في الدنيا واذا اراد الله بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا. وفضل الله لا تحيط به الاوهام والعقول. ولا ينكره الا ظالم جهول هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبى. اي في تلك الحال التي اجرى الله فيها العقوبة على من طغى واثر الحياة الدنيا. والكرامة لمن امن وعمل صالحا وشكر الله ودعا غيره لذلك. تبين وتوضح وان الولاية لله الحق. فمن كان مؤمنا به تقيا كان له وليا. فاكرمه بانواع الكرامات. ودفع عنه الشرور والمثلات. ومن لم يؤمن بربه به ويتولاه خسر دينه ودنياه. فثوابه الدنيوي والاخروي خير ثواب يرجى ويؤمل. ففي هذه القصة العظيمة اعتبار بحال الذي انعم الله عليه نعما دنيوية فالهته عن اخرته واطرته وعصى الله فيها ان مآلها الانقطاع والاطمحلال. وانه وان تمتع بها قليلا فانه يحرمها طويلا. وان العبد ينبغي له اذا اعجبه شيء من ماله او ولده. ان يضيف النعمة الى موليها ومصديها. وان يقول ما شاء الله لا قوة الا بالله ليكون شاكرا لله متسببا لبقاء نعمته عليه. لقوله ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله وفيها الارشاد الى التسلي عن لذات الدنيا وشهواتها بما عند الله من الخير. لقوله ان ترني انا اقل منك مالا وولدا عسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنتك. وفيها ان المال والولد لا ينفعان ان لم يعينا على طاعة الله. كما قال الله تعالى وما اموالكم ولا اولادكم التي تقربكم عندنا زلفى الا من امن وعمل صالحا. وفيه الدعاء بتلف مال من كان ما له سبب طغيانه وكفره وخسرانه. خصوصا