السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين ايها الاخوة الكرام ايتها الاخوات الكريمات حديثنا في هذه الحلقة عن خلق كريم من اخص اخلاقه صلى الله عليه وسلم التي نوه الله تعالى بها وذكرها واثبتها في كتابه الكريم قال ربنا عز وجل لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم. حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم سنتحدث في هذه الدقائق عن خلق الرحمة الذي كان يتحلى به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم لقد كانت بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين. وما ارسلناك الا رحمة للعالمين اي والله لولا بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لظل الناس غير منفكين كما قال الله عز وجل لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم رحيما كان صلى الله عليه وسلم رقيق القلب من غير ضعف كان صلى الله عليه وسلم محبا للضعفة وللمساكين وللفقراء وللصبيان كان يقف الى جانبهم كان يواسي ضعيفهم كان يرفدهم وكان يداوي جروحهم بابي هو وامي صلى الله عليه وسلم. ولذلك احبه الناس على اختلاف طبقاتهم ومن مشاهد رحمته صلى الله عليه وسلم التي نلتقطها من سيرته العطرة ما كان يصنعه مع اصحابه من التلطف والترفق والمداعبة وحسن المعاملة دخل اعرابي المسجد يوما من الايام وكان حديث عهد باسلام لم يتأدب بعد باداب الاسلام ولم يفقه احكامه فبال في طائفة المسجد في جانب من جوانبه فتار اصحابه صلى الله عليه وسلم غيرة وتكرمة للمسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوه لا تزرموه وهذا من حكمته اذ لو انه قام على هذه الحال للوث ثيابه وبدنه ولوث المسجد ايضا فلما قضى الاعرابي بولته دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ان هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول او القذر انما هي لذكر الله والصلاة او كما قال صلى الله عليه وسلم. وقد اثر ذلك الموقف النبيل في نفس ذلك الاعرابي فشكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم حتى قيل انه قام يصلي فقال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحمني معنا احدا ومن ذلك انه صلى الله عليه وسلم كان يصلي باصحابه يوما فدخل معاوية ابن الحكم رضي الله عنه وكان حديث عهد باسلام فقام في الصف فعطس احد القوم فشمت فجعل الناس يصوبون ابصارهم اليه فلما جرى له ذلك قال يا ويل امياه فجعل الناس يضربون افخاذهم يسكتونه صمت رضي الله عنه فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته دعا به قال معاوية فبابي هو وامي صلى الله عليه وسلم. فوالله ما قهرني ولا نهرني وانما قال لي فان الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس انما هي لذكر الله وقراءة القرآن. فقلت بابي انت وامي يا رسول الله. ما رأيت معلما احسن منك قبلك ولا بعدك وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يتأثر للمواقف العاطفية ويتعامل معها بما يليق بها ففي صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم كان في مجلس معه عدد من اصحابه منهم سعد بن عبادة واخرون فارسلت اليه ابنة له وهي زينب رضي الله عنها ان ابنا لها يقضي اي اي انه كان في سياق الموت وتسأله ان يحضرها. فارسل اليها النبي صلى الله عليه وسلم من يقول لها ان لله ما اخذ وله ما اعطى. وكل شيء شيء عنده باجل مسمى فلتصبر ولتحتسب لم يعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن كان هناك ما يمنعه من القيام ولاجل ذلك بعث بهذه الرسالة الرفيقة الحانية الواعظة ولكن المرأة رضي الله عنها بما تحمله الام من شفقة لم تطق فارسلت تقسم عليه ان يحظر اليها. فقام صلى الله عليه وسلم وقام معه هؤلاء الرجال فلما حضرها رفع اليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها شن ان يصدر من صوته كالصوت الذي يصدر من من القربة اليابسة البالية فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم بكى وبكى اصحابه لبكائه حتى قال سعد بن عبادة ما هذا يا رسول الله؟ اذ كان الناس في جاهليتهم يستكثرون من رئيسي ان يبكي او ان تدمع عيناه فقال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ومن لا يرحم لا يرحم لقد كان صادقا مع نفسه صلى الله عليه وسلم كان يتأثر لهذه المشاهد وهكذا جرى لما قبض ابنه ابراهيم فانه بكى صلى الله عليه وسلم لما حضر وقال مثل ما قال الراحمون يرحمهم الله وقال ايضا ان القلب ليحزن وان العين لتدمع ولا نقول الا ما يرضي ربنا انا لله وانا اليه راجعون وانا على فراقك يا ابراهيم لمحزونون هكذا كان النبي الانسان صلى الله عليه وسلم يرق قلبه لهؤلاء الصبية في هذه المواقف كذلك في احوالهم العادية ربما التطاه وارتحله بعض اولاده كما جرى من الحسن او الحسين انه ارتحل النبي صلى الله الله عليه وسلم وهو ساجد. فلم يشأ صلى الله عليه وسلم ان يقطع عليه متعته واطال سجوده تعبدا لربه عز وجل ورحمة بهذا الصبي حتى انه سأله بعض اصحابه عن ذلك فقال ان ابني هذا ارتحلني فكره صلى الله عليه وسلم ان يقطع عليه ذلك اين هذا؟ من حال بعض الجفاة الذين لا يأبهون لهؤلاء الصبيان ولا يرحمون عباد الله دخل بعض الاعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يقبل بعض اولاده. فقال اتقبلون صبيانكم والله ان لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم قط فقال النبي صلى الله عليه وسلم وما اصنع لك ان كان الله قد نزع الرحمة من قلبك بل ان رحمة نبينا صلى الله عليه وسلم امتدت الى اعداءه فحين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا وتمكن من القوم الذين اخرجوه واذوه ورد دعوته قال ما تظنون اني فاعل بكم؟ فقالوا اخ كريم وابن اخ كريم. كانوا يلزمون بهذا يعلمونه هذا من خلقه صلى الله عليه وسلم فقال اذهبوا فانتم الطلقاء. رحمة بهم. هكذا هو صاحب الخلق الكريم ومن شواهد رحمته صلى الله عليه وسلم باعدائه ومخالفيه ما حدثت به عائشة رضي الله عنها انها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن اشد ما مر به من قومه فقال نعم اتيت يوما بني عبدي يلين وهم اخوة ثلاثة كانوا من صناديد قريش. فعرضت عليهم الاسلام فاما احدهم فقال والعياذ بالله هو يمزق استار الكعبة ان كان الله قد بعثك وقال الاخر اما وجد الله احدا غيرك حتى يرسله وفي هذين الجوابين من الكبرياء سوء الجواب ما لا يخفى واما الثالث فانه نظر الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال ان كان الله قد بعثك فلانت اكبر في عيني من ان ارد عليك. وان كان الله لم يبعثك فلانت احقر في عيني من ان ارد عليك ثم قام وتركه. وهذا هو ما يسميه العلماء بكفر الاعراض فقام النبي صلى الله عليه وسلم مهموما حزينا من جراء هذه المقابلة السيئة قال فصرت اهيم على وجهي فلم اشعر الا وانا في قرن الثعالب موضع بعيد عن مكة ظل يمشي كما يمشي المهموم لا يحسب الخطى قال فلم افق الا لجبريل واذا هو يسلم علي ويقول يا محمد هذا ملك الجبال قال فسلم علي وقال يا محمد ان شئت اطبقت عليهم الاخشبين والاخشبان هما الجبلان المحيطان بمكة فما ظنكم برجل قد جرى له هذا الحال ان المتوقع ان نفسه تجيش غضبا وتغيظا على هؤلاء وينتظر ان يوقع بهم المثلات. ولكنه صلى الله عليه وسلم امام هذا العرظ ابى وقال لا لعل الله ان يخرج من اصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا بل ان رحمته صلى الله عليه وسلم طالت حتى الحيوان وقد كان في بعض اسفاره صلى الله عليه وسلم اخذ بعض اصحابه افراخا لحمرة والحمرة نوع من الطير فجاءت الحمرة تعرش فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم ترفرف بجناحيها كأنما تشتكي اليه فقال من فجع هذه بولدها ردوا اليها ولدها ما احوجنا ايها الاخوة الكرام. ويا ايتها الاخوات الكريمات الى استحياء خلق الرحمة في قلوبنا فان الله سبحانه وتعالى يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. وان للرحمة من الاثار الحميدة والنتائج الكريمة ما لا يتسع له حصر. ما احوجنا ان نتراحم فيما بيننا. فان هذه هي صفة المؤمنين قال الله تعالى محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم فلنستزرع ايها الكرام ويا ايتها الكريمات هذه النبتة الكريمة نبتة الرحمة لنتراحم فيما بيننا ويحنو بعضنا على بعض ويرفق بعضنا على بعض حتى نكون مجتمعا متراحما كما اراد لنا ربنا وكما وصف نبينا صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين