صار فيتحفونه بالشراب فلا حاجة له الى نصيبه من هذا اللبن قال رضي الله عنه فاتيتها فشربتها فلما ان وعلت في بطني يعني بلغت وعلمت انه ليس اليها سبيل قال ندمني الشيطان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى اله وصحبه اجمعين في رحاب الهدي النبوي وخلف اثار محمد صلى الله عليه وسلم حديثنا في هذه الحلقة عن خلق كريم وسجية حميدة تميز بها نبينا صلى الله عليه وسلم الا وهي صفة الكرم. لقد كان كرم النبي صلى الله عليه وسلم تمده مادتان مادة طبعية ترجع الى وكرم منبعه وطبيعة ايمانية بما من الله تعالى عليه من العلم والهدى فصار ينظر الى هذه الحياة الدنيا والى متاعها على انها امر عارض زائل وان المتاع الحقيقي هو متاع الحياة الاخرة لاجل ذلك لم تكن الدنيا في نظر النبي صلى الله عليه وسلم تساوي شيئا فكان يبذلها لطالبها والكرم ايها الاخوة له صور متعددة لا يقتصر فقط على بذل المال بل الكرم يعني مطلق الاخلاق الكريمة والسجايا الحميدة لكنه يصاحبه نوع كثرة في البذل والعطاء فكان كرمه صلى الله عليه وسلم في تعامله وكان كرمه في بذله واعطائه وكان كرمه صلى الله عليه وسلم بجهده وكان كرمه بجاهه. كل ذلك كان يبذله النبي صلى الله عليه وسلم لا يتأخر فيه ومن شواهد ذلك ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم يسترفده فاعطاه غنما بين جبلين حتى انه رجع الى قومه فقال يا قومي اسلموا فقد اتيتكم من عند رجل لا يخشى الفاقة وحين قفل النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين وثق الناس يعلقون به ويسألونه ويستجدونه حتى انهم اضطروه الى سمرة فعلق بها رداؤه وقال صلى الله عليه وسلم ايها الناس اعطوني ردائي فوالله لو كان لي عدد هذه العظاه وهو شجر كثير منتشر ذو شوك لو كان لي عدد هذه العضاهي نعم لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بعد ذلك بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا. صدق بابي هو وامي صلى الله عليه وسلم ومن شواهد كرمه صلى الله عليه وسلم ان صفوان ابن امية حينما طلب منه العطية اعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مئة من الابل. ثم استزاد فاعطاه مئة اخرى ثم استزاده فاعطاه ثالثة ما كان ذلك ليحمل النبي صلى الله عليه وسلم على اجراء حسابات مادية تمنعه ولو استزاده الرجل لزاده وقد صنع مثل ذلك لعمه العباس حينما ملأ حجره من الدراهم والدنانير. فما زاد فما زال العباس رضي الله عنه ان حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تطيقه. فذهب يريد ان يقوم فلم يستطع. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال قال ضع بعض ما فيه كان نبينا صلى الله عليه وسلم يبذل هذا المال لطالبيه ولا يرى في ذلك غضاضة ولا منقصة عليه ومن شواهد ذلك انه صلى الله عليه وسلم كان يتعامل بهذه الاريحية وهذا وهذا الطيب الطبعي الجبلي مع اصحابه في حياته اليومية. فقد حدث المقداد بحديث جميل يقول فيه رضي الله عنه اقبلت انا وصاحبان لي وقد ذهبت اسماعنا وابصارنا من الجهد اي من الجوع المشقة فجعلنا نعرض انفسنا على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فليس احد منهم يقبلنا وذلك لان القوم كانوا جميعا في شدة وفاقة قال فاتينا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق بنا الى اهله فاذا ثلاثة اعنز فقال النبي صلى الله عليه وسلم احتلبوا هذا اللبن بيننا هكذا اشركهم النبي صلى الله عليه وسلم في مطعمه ومشربه قال فكنا نحتلب في شرب كل انسان منا نصيبه ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه قال فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان وذلك لكمال تلطفه صلى الله عليه وسلم اذا اقبل من الليل فانه يراعي هؤلاء النائمين يلقي سلاما خافتا لا يوقظ نائما لكنه يسمع اليقظان قال ثم يأتي المسجد فيصلي. ثم يأتي شرابه في شرب قال المقداد فاتان الشيطان قال فاتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي فقال محمد يأتي الانصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجة الى هذه الجرعة اي كأنما زين له الشيطان ان يشرب نصيب النبي صلى الله عليه وسلم وسوغ له ذلك بان النبي صلى الله عليه وسلم يزور لان هذا هو حال الشيطان. الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء فهو يتناول الانسان في حال الاقبال والادبار فقال ويحك ما صنعت؟ اشربت شراب محمد فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك واخرتك قال وعلي شملة اذا وضعتها على قدمي خرج رأسي. واذا وضعتها على رأسي خرج قدماي قال رضي الله عنه وجعل لا يجيئني نوم واما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم كما كان يسلم ثم اتى المسجد فصلى ثم اتى شرابه ولكم ايها الاخوة الكرام ويا ايتها الاخوات الكريمات ان تتخيلوا ماذا يمكن ان يقع من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف ماذا لو وقع هذا لاحد منا في بيته وقد اتى ليتناول طعامه متشوفا اليه او شرابه فوجد من قد سبقه اليه. ماذا يمكن ان يقع لاحدنا قال رضي الله عنه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا فرفع رأسه الى السماء. فقلت الان يدعو علي فاهلك فقال اللهم اطعم من اطعمني واسق من سقاني قال فعمدت الى الشملة فشددتها علي واخذت الشفرة اي السكين فانطلقت الى الاعنز ايها اسمن هكذا ابن ادم يبحث عن مزيد الخير قال فاذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي حمله على ذلك؟ هو انه اراد ان ينال دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قوله اللهم اطعم من اطعمني واسق من من اسقاني فلاجل ذلك ذهب ليذبح واحدة من من تلك الاعنز ليحصل بذلك الاطعام قال فانطلقت الى الاعنز ايها اسمن فاذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فاذا هي حافلة واذا هن حفل كل كلهن اي بالحليب فعمدت الى اناء لآل محمد ما كانوا يطمعون ان يحتلبوا فيه. قال فحلبت فيه حتى حالته رغوة اي انه امتلأ فجئت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشربتم شربتكم الليلة قال قلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فلما عرفت ان النبي صلى الله عليه وسلم قد روي واصبت دعوته قال ضحكت حتى القيت الى الارض قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم احدى سوءاتك يا مقداد فقلت يا رسول الله كان من امري كذا وكذا كان من امري كذا وكذا وفعلت كذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه الا رحمة من الله؟ ما هذه الا رحمة من الله؟ افلا كنت اذنتني فتوقظ صاحبينا فيصيبان منها فقلت هو الذي بعثك بالحق ما ابالي اذا اصبتها واصبتها معك من اصابها من الناس ان هذه الحادثة الطريفة معشر الاخوة والاخوات لتدلنا على الكرم الطبيعي الفطري العفوي الذي كان يتمتع به نبينا صلى الله عليه وسلم فان نفسه لم تذهب حسرات على فوات شيء من الدنيا مع حاجته اليه. بل لقد قابل ذلك الموقف اريحية تامة وبسرور بالغ. ورضي من صاحبه ما رضي. ودعا لمن سقاه واطعمه. فاراد المقداد ان ينال دعوته وان تصيبه هذه الدعوة المباركة فلاجل ذلك فعل ما فعل كان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم ان تفطن لصاحبيه اللذين كانا معه طمع في ان يطعم معه ومع المقداد وهذا لكمال خلقه صلى الله عليه وسلم. ايها الاخوة الكرام ايتها الاخوات الكريمات اننا بحاجة ماسة الى ان نتقصى ما في نفوسنا من شح وهلع وخشية على فوات الدنيا وان نتسامى وان نرتفع عن جواذب الارض وان نعلم ان الله سبحانه وتعالى هو المعطي وهو الرزاق وان الخير كله بيده. وان الله سبحانه وتعالى قد تكفل برزق كل دابة وما من دابة في الارض الا على الله رزقها. انه حينما تمتلئ نفوسنا بهذه القناعة ونعلم ان الامر وبيد الله يهون علينا ان نتعلق بامر الدنيا ويهون علينا ان نبذل في سبيل الله لاجل ذلك شرع الله تعالى لعباده المؤمنين الزكاة. لكي تكون هذه الزكاة مطهرة للنفس من البخل والشح ومدعاة الى المواساة مع بقية المؤمنين ان هذا الخلق الكريم كرم النفس وقدرتها على البذل والاعطاء والمواساة من اعظم ما نتأسى فيه بنبينا صلى الله عليه وسلم ونترسم فيه خطاه اللهم اهدنا لاحسن الاخلاق واحسن الاعمال فانه لا يهدي لاحسنها الا انت واصرف عنا سيء الاخلاق وسيء الاعمال فانه لا يصرف الا انت وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم