بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فهذه هي الاية الثالثة من الايات التي قد تلتبس او تشكل على القارئ لكتاب الله عز وجل وهي ايضا من سورة البقرة وذلك قول الله تبارك وتعالى عن اليهود واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين بباب لهاروت وماروت وما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من احد الا باذن الله ويتعلمون ما لا يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الاخرة من خلاق. ولبئس ما شروا به انفسهم لو كانوا يعلمون فهذه الاية تصف حال اليهود الذين تركوا ما جاء به انبياؤهم عليهم الصلاة والسلام كما قال الله عز وجل قبلها تماما ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم انهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان. وذلك جزاء وفاقا. وقد تحدثت عن هذا المعنى بالذات مرارا عديدة في مناسبات شتى. وهو ان من ترك ما طولب به وما هو بصدده عاقبه الله عز وجل قال بضده مما يضره. هؤلاء تركوا الوحي وتركوا التوراة والعمل بها فكان جزاؤهم ان اشتغلوا ضد ذلك تماما وهو غاية الكفر والباطل وهو السحر. ليس الحديث عن هذا انما الحديث عن موطن الاشكال في فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه. فهذه الاقوال الثلاثة كلها ترجع الى شيء واحد وهو ان هؤلاء من الملائكة القول الاخر ان هؤلاء الملكين هما قبيلان من الجن كما جاء ذلك عن ابن عباس الاية فهذه الاية اذا نظرتم في كتب التفسير تجدون فيها عشرات الروايات وتجدون ان كثيرا من المفسرين يملأ الصفحات الطويلة بمرويات اسرائيلية احاديث ضعيفة لا يبنى عليها حكم في مسائل يسيرة كيف بمسألة عظيمة كهذه؟ فالله عز وجل يقول عن اليهود واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان اي اتبع اليهود ما تتلو الشياطين اي ما تبثه وتقرأه على ملك سليمان اي على عهد سليمان وعلى الزمان سليمان فما تتلو مضمن معنى ما تكذب وتفتري والفعل يضمن معنى الفعل ويعد تعديته. فالمقصود انه اتبع اليهود ما تتلوه وتقرأه وتفتريه وتبثه الشياطين على زمن سليمان وعهد سليمان ابان ملكه صلى الله عليه وسلم ثم قال وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا. سليمان عليه الصلاة والسلام كان نبيا من انبياء الله وقد اعطاه الله الملك مع ذلك فلم يكفر ولم يتعامل بالسحر وانما الذي كفر هم الشياطين ماذا صنع الشياطين؟ ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر فهذا يدل على ان تعليم السحر وان تعلمه امر محرم يعلمون الناس السحر ثم قال وما انزل على الملكين بباب لهاروت وماروت. هذا موضع الاشكال في الاية ما هو المعنى؟ ما هو المراد؟ وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت. هل ما هنا موصولة بمعنى يكون المعنى هكذا اتبعوا ما تتلوه الشياطين وتقرؤه وتبثه على عهد سليمان صلى الله عليه وسلم وما كفر سليمان ولكن الذين كفروا هم الشياطين حيث كانوا يعلمون الناس السحر والذي انزل على الملكين ببابل اي ان هذا السحر انزل على الملكين ببابل من هما؟ هاروت وماروت وما يعلم ان يعني هذين الملكين هاروت ماروت من احد يعني شيئا من السحر حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر فعلى هذا المعنى الذي ذهب اليه جماعة كثيرة من السلف فمن بعدهم يكون المعنى ان هؤلاء اليهود اتبعوا السحر اتبعوا ما تتلوه وتبثه الشياطين ايام سليمان صلى الله عليه وسلم وسليمان عليه الصلاة والسلام بريء من ذلك ولكن هؤلاء الذين كفروا هم الشياطين حيث كانوا يعلمون الناس السحر ويعلمونهم ما انزل الذي انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت هذا المعنى ذهب اليه كثير من المفسرين ومنهم كبير المفسرين بن جرير الطبري رحمه الله ومنهم الحافظ ابن كثير وظائف كبيرة جدا لكنهم افترقوا في توجيه ذلك فكبير المفسرين ومن نحى نحوه وهم كثير قالوا ان هؤلاء الملائكة الذين انزل عليهم السحر ببابل كان ذلك فتنة للناس كما قال الله عز وجل وما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر. فاذا قيل لهؤلاء العلماء كيف يقع هذا من ملائكة وهم لا يعصون الله ما امرهم؟ قالوا ان الله انزلهم داء للخلق ليختبرهم وبالتالي هم مطيعون لله عز وجل غير عاصين هذا الذي قاله ابن جرير والفريق الاخر ممن قالوا هم ملائكة كابن كثير رحمه الله قالوا لا ان هؤلاء من الملائكة وما نزلوا استجابة لامر الله عز وجل ليفتتن من يفتتن وانما كان ذلك خروجا عن طاعة الله ونكوصا على الاعقاب كما ان ابليس على القول الاخر بانه من الملائكة والصحيح انه من الجن على القول بانه من الملائكة فكفر بالله عز وجل وابى السجود لادم اذله الله عز وجل ولعنه وطرده واهبطه من الجنة او اخرجه من مجتمع الملائكة فهؤلاء يقولون ان هؤلاء الملائكة فتنوا ويذكروا الروايات الاسرائيلية كثيرة جدا لا يبنى عليها حكم. هؤلاء هم الذين قالوا انهم ملائكة ومن اهل العلم من قال انهم ملائكة والمعصية تتصور من الملائكة ولكنها بتكلف ولكن سجيتهم الطاعة. كما ان البشر يأتون الطاعة تكلفا فالملائكة عكس ذلك وهذا قول قال به بعض الناس ولكنه قول باطل وبعض العلماء قال ان هؤلاء ملائكة ولكن الله انزلهم ليفصل الامر ويحصل الفرقان. اي قالوا انتشر السحر بذلك الوقت انتشارا كبيرا وصار السحرة والكهنة يلبسون على الناس ويقولون هذا الذي يأتي به الانبياء من خبر السماء نحن عندنا منه طرف ويأتون لهم بالامور الغيبية عن طريق استراق السمع فجاء هؤلاء الملائكة وصاروا يعلمون الناس السحر ليعرف الناس الفرق بين السحر وبين الوحي ولكن هذا القول فيه نظر فاذ ان الله قال وما يعلم ان احد حتى يقولا انما نحن فتنة. فلا تكفر وهنا لا اشكال الجن يقع منهم الكفر ومنهم من قال بان هؤلاء من البشر. وهؤلاء طائفة منهم قالوا انهم المقصود بالملكين هي لغة بالملكين الملوك يقال ملكين وملكين. ملك وملك. الملك من ملوك الدنيا وقالوا المقصود بهم سليمان وداوود صلى الله عليه وسلم ما المعنى المعنى ان اليهود اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان يعني على عهد سليمان من السحر وما كفر سليمان سليمان بريء من هذا كله ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ثم وايش وما انزل على الملكين اذا قلنا انهم داوود وسليمان تكون ماء نافية يعلمون الشياطين يعلمون الناس السحر منهم الشياطين هاروت وماروت. متأخر لاحظتم؟ يكون المعنى هكذا يعلمون الناس السحر ثم تقف وما انزل على الملكين بباب هاروت وماروت. ما انزل السحر ما نافية لم ينزل. السحر على الملكين يعني الملكين فيهم داوود وسليمان او ملكين من ملوك الدنيا او حتى على القول بانهم من الملائكة نفى عنهم هذا لم ينزل السحر عليهم وما انزل على الملكين ببابل ثم قال هاروت وماروت. يرجع الى من؟ الى الشياطين. ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا يعلمون الناس السحر الذي لم ينزل على الملكين ببابل هكذا المعنى وهذا القول بان ماء نافية وانه لم ينزل على الملكين سواء كانوا ملائكة او المقصود بهم من ملوك الدنيا كما جاء في قراءة شاذة وما انزل على الملكين هذا الذي رجحه القرطبي قال ولا يصح سواه ولا يلتفت الى قول غيره وهذا القول هو الاقرب الى ما جاء في النصوص من عصمة الملائكة وان كان السياق لا يساعد عليه كثيرا وان كان وجهه يصح في العربية لان التأخير وارد وموجود كما قال الله عز وجل يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا. يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي فاذا قلنا ان الوفاة هنا بمعنى الموت فهي من المقدم اللي حقه التأخير. يكون المعنى هكذا يا عيسى اني رافعك الي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك. فعلى كل حال هذا قول في الاية والاصل بالكلام الاصل فيه الترتيب ولا يلجأ الى القول بان فيه تقديما وتأخيرا الا بدليل يجب الرجوع اليه فعلى كل حال هذا تبسيط وتقريب لاقوال اهل العلم في هذه الاية التي لربما تشكل كثيرا على من قرأها او سمعها من كتاب الله عز وجل. والعلم عند الله تبارك وتعالى. ولكن الروايات الواردة في هذا كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تصح وما ورد فيه من الاسرائيليات وهي كثير لا يبنى عليها حكم والقرآن لا يفسر بالاسرائيليات اذا نقتصر على بعض ما جاء من الروايات الصحيحة بعض الاثار عن الصحابة والتابعين وبعضه مبني على اسرائيليات لكننا اذا اقتصرنا عليه فاننا عندئذ نرجح بين اقوالهم لانهم لم يتفقوا على قول هذا واسأل الله ان ينفعنا واياكم بالقرآن العظيم. اجعلنا واياكم هداة