بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته يقول الله عز وجل في سورة ال عمران لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا وفي القراءة الاخرى المتواترة لا يحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب. هذه الاية اشتهر فيها ما اخرجه الامام احمد رحمه الله في مسنده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ان مروان ابن الحكم حينما كان اميرا على المدينة ارسل مولاه او وبوابه رافع وقال له اذهب الى ابن عباس فاسأله عن هذه الاية لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا. وقال قل له لان كان كل امرئ فرح بما اتى واحب ان يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن اجمعون فقال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما لكم وهذه الاية انما نزلت هذه الاية في نفر من اليهود سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه واخبروه بخلافه ثم استحمدوا عنده يعني انهم قد اخبروه واعلموه كأنهم تمدحوا بذلك هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنه مشهور غاية الشهرة في تفسير الاية. حتى ان الكثيرين لربما اخذوا بظاهر هذا الكلام وظنوا ان هذا وعيد يختص باليهود ولعل الامر بخلاف ذلك. فهو لا يختص بهم فالامر كما قال حذيفة رضي الله تعالى عنه حينما ذكر له قول كهذا فقال نعم بني العم يعني اليهود ما كان من بيضاء او حسنة فهي لكم وما كان من سوداء او سيئة فهي لهم يعني ان الاشياء الجيدة تقولون هذه نزلت فينا. والاشياء السيئة تقولون نزلت في اليهود. يعني ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب حتى لو كانت الاية نازلة في اليهود. مع ان قول ابن عباس رضي الله عنهما هذا ليس صريحا في النزول بل هو من قبيل التفسير يقول هذه الاية نزلت في نفر من اليهود يعني نزلت في هؤلاء فهم داخلون في معناها ولكنها هؤلاء وغيرهم سبب نزولها هو ما اخرجه الشيخان من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ان جماعة من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما قفل لما رجع طبعا هم فرحوا بتخلفهم وقعودهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رجع جاؤوا اليه واعتذروا اليه واستحمدوا عنده فنزلت هذه الاية. هذا صريح بهذا الحديث المخرج في الصحيحين ان سبب نزول هذه الاية ليس هو اليهود بل نزلت في هؤلاء المنافقين يتخلفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفرحون بتخلفهم وقعودهم عن الغزو معه ثم بعد ذلك يتشبعون بما لم يعطوا. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم المتشبع بما لم يعطى كلابس ثوبي زور يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا ولذلك يقال في معناها والله تعالى اعلم بان هذه الاية كما قال الحافظ ابن القيم وجماعة من المحققين نزلت في كل او يدخل في معناها كل من اتى شيئا مما حرمه الله عز وجل عليه من الشرك او البدعة او المعصية ثم بعد ذلك ايضا يحب ان يحمد بما لم بما لم يفعل فهذه ليست من صفات اهل الايمان. والا فان المؤمن من سرته حسنته كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم وساءته سيئته. ولما سئل النبي وسلم عن العمل الذي يعمله الرجل ثم طلع عليه الناس بعد ذلك من غير قصد منه. فاخبر النبي صلى الله وسلم ان هذا هو عاجل بشرى عاجل بشرى المؤمن والله عز وجل يقول قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. فالمؤمن افرح بالعمل الطيب العمل الصالح الذي وفقه الله عز وجل اليه ولا يكون معذبا بسبب هذا. ولكن هذه الاية في من فرح بالمخالفة والمعصية والذنب او الكفر او الشرك ويحب ان يحمد بشيء ما فعله يتشبع به وهو لم يفعل يوهم الناس انه فعل وانه بذل وانه قدم وليس كذلك فهذا هو معنى الاية والله تعالى اعلم. ولشهرة قول ابن عباس رضي الله عنه حتى ظن الكثيرون انها في اليهود. وانهم لا بأس عليهم اذا وقعوا في مثل هذا الصنيع فمن اجل ذلك ادخلتها في الايات التي نذكرها في هذه الليالي وهي التي قد تحمل على غير مراد الله عز وجل منها