يقول المصنف رحمه الله تعالى وعن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال هلك تنطعون قالها ثلاثا رواه مسلم. الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد هذا الحديث حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يخبر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال هلك المتنطعون والهلاك الموت والفناء والسقوط والذهاب وقوله هلك المتنطعون اي ماتوا ولحقهم الذهاب والهلاك والفساد كل هذه المعاني ثابتة في قوله هلك المتنطعون. اما المتنطعون فجمع متنطع وهو كل من تكلف شيئا لم يؤمر به ولم يندب اليه فهو المتشدد المشق على نفسه المتكلم ما لم يأمره الله تعالى به ورسوله وقوله صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون هل هو خبر ام دعاء؟ هل النبي صلى الله عليه وسلم يخبر ان المتنطعون يؤول بهم الامر وينتهي الى الهلاك ام انه يدعو عليهم بالهلاك قولان الى اهل العلم فمن اهل العلم من قال انه دعاء فدعا لهم بالهلاك لعظيم ما يحصل بهم من الفساد في الدين فان التنطع من اعظم ما يفسد اديان الناس سواء دين الانسان نفسه او دين غيره لانه من تنطع وتشدد فسد دينه وايضا افسد دين الناس بالتنفير عن دين الله عز وجل اتهامهم بما ليس فيهم من النقص والقصور يحتمل انه دعاء اي ان النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بالهلاك يحتمل انه دعاء او خبر ان يخبر بهلاكهم ويحتمل انه يدعو عليهم وكلاهما له وجه. والاقرب والله تعالى اعلم انه خبر عنهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم انما اهلك من كان قبلكم الغلو في الدين والغلو هو التنطع فالنبي صلى الله عليه وسلم اخبر بان التشدد في الدين والتعمق فيما لم يؤمر به الانسان مما يفضي به الى الهلاك وفساد دينه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لن يشاد الدين احد الا غلبه اي لن يتعمق الانسان في الدين بشرع ما لم يأذن به الله والتعبد لله بما لا يكلف بما لم يكلف به الا غلب لانه لن يصل الى مقصود فالبدعة لا تزيد صاحبها الا الا بعدا وسؤال ينبغي ان يحضر في الذهن ويجاب عليه وهو ما ضابط التشدد؟ ما ضابط التنطع؟ ما ضابط التعمق في الدين المذموم؟ ما ضابط الغلو؟ لان هذا امر نسبي. كل يقيسه على على حسب ما يرى وحسب ما يظن ظابط ذلك هو الخروج عن السنة من خرج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة الكرام واهل القرون المفضلة بزيادة في الدين فانه متنطع فانه غال فانه متشدد واما ما عدا هذا من المقاييس فانها مقاييس لا تنضبط لان كل انسان يقيس الدين على ما هو عليه او على رأيه او على ما يحب فمن كان متساهلا رأى من كان اكثر تدينا منه متشددا. ومن كان ومن كان متشددا رأى من دونه متساهلا اقترب الميزان في قياس التشدد والانحراف بالتفريط والتراخي في الدين الا ان الميزان الذي لا ينخرم والذي جعله الله عز وجل ميزانا لقياس العمل هو هدي هديه صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة وقال النبي صلى الله عليه وسلم وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم من احدث في امرنا ما ليس منه فهو رد. ولذلك ينبغي ان يقيس الانسان كل ما يصدر عنه وكل ما عنده من قول او عمل او ظاهر او باطن يقيس ذلك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم هو الميزان الذي لا ينخرم ولا يختل ولا يزيغ ولا يضل فانه من لزم هديه وكان على نحو عمله وقوله وظاهره وباطنه هدي الى صراط مستقيم كما قال الله تعالى في شهادته قيل رسوله وانك لتهدي الى صراط مستقيم. فمن لزم ما كان عليه صلى الله عليه وسلم هدي الى صراط مستقيم اللهم اهدنا فيمن هديت وجنبنا الغلو والتنطع وقنا شر الانحلال والتفريط والانحراف وصلى الله وسلم على نبينا محمد