الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته يقول الله تبارك وتعالى بجملة ما ذكره في خبر بني اسرائيل وما رد عليهم به وطالبهم قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين. قل لهم يا رسول الله حين قالوا بان جبريل عليه السلام هو عدوهم من الملائكة وذلك انهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عمن يأتيه بالوحي فلما اخبرهم انه جبريل ذكروا انه عدوهم فانزل الله عز وجل هذه الاية من كان عدوا لجبريل فانه نزل القرآن على قلبك باذن الله لما سبقه من الكتب لما بين يديه يعني ما مضى من الكتب وتقدمه وهاديا الى الحق ومبشرا للمؤمنين بكل ما يسرهم في الدنيا والاخرة يؤخذ من قوله تبارك وتعالى قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك انزال القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم يدل على انه قد وعاه عليه الصلاة والسلام وعيا تاما. نزله على قلبك. وجاء ان الدال على التوكيد ليؤكد هذا الخبر فلا يتطرق شك الى القرآن فقد وعاه قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانما كان واصلا الى القلب نافذا فيه فانه يكون في حرز منيع ثم ان قوله تبارك وتعالى فانه نزله نزله نزل ماذا؟ نزل القرآن والقرآن لم يسبق له ذكر ومع ذلك جاء مكنا عنه بالضمير. وهذا لانه كالمعلوم فانه نزله على قلبك فهذا فيه به اشعار بفخامته فانه ما قال فان جبريل نزل القرآن على قلبك وانما قال فان انه نزله على قلبك يعني نزل القرآن. فاضمر في موضع الاظهار. والاضمار في موضع الاظهار يعني المكان الذي يتوقع فيه ان يؤتى بالاسم ظاهرا فجاء بالضمير هذا يكون لمعنى في البلاغة فيمكن ان يفهم من هذا والله تعالى اعلم بيان فخامة القرآن وكذلك الضمير العائد الى جبريل. ما قال فان جبريل نزله على قلبك وانما قال انه نزله على قلبك. مع ان قوله قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك جبريل مذكور قبله. فاعاد الضمير الى مذكور هنا لكن هنا يمكن ان يقول ان يظهره فيقول قل من كان عدو لجبريل فان جبريل قد نزله على قلبك فجاء بالضمير هنا وذلك ايضا ابلغ في تفخيم امر جبريل عليه السلام فانه نزله على قلبك مثل هذه القضايا يكون تذوقها بحسب ما يكون لدى الانسان من الذوق البلاغي ثم كذلك ايضا في قوله تبارك وتعالى فانه نزله على قلبك خص القلب هنا لانه موضع العقل والعلم فان هذه القلوب اوعية بها يوعى علم ولا يقال بان ذلك يكون في الدماغ. وانما العقل في القلب كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وجبريل عليه السلام نزل بالوحي على قلب النبي صلى الله عليه وسلم وليس على دماغه. ولكن كما قال بعض اهل العلم بان العقل في القلب وله اتصال في الدماغ. لان ما يؤثر على الدماغ يؤثر على العقل كما هو مشاهد. لكن العقل ومبعث الارادات ومستقر الايمان وهو وعاء العلم والادراك والمعرفة والمحبة والكراهية وما الى ذلك من المعاني والاعمال القلبية مصدقا لما بين يديه يعني القرآن ومصدق للكتب انها من عند الله وكذلك ايضا هو مصدق لما في مضامينها من دعائها الى الايمان وما ذكر فيها من اصول الايمان وهو مصدق لها ايضا اعتبار انه جاء كما وصفت كالوصف الذي جاء في تلك الكتب فهو مصدق لها مصدق لما بين يديه من هذه الكتب وهدى وبشرى للمؤمنين هدى ما قال وهاديا ومبشرا فجاء بالمصدر هدى ولم يأتي باسم الفاعل هاديا هدى وبشرى للمؤمنين. في الموضعين فهذا على سبيل المبالغة. كانه لما حصل به الهدى بشرى جعل نفس الهدى والبشرى حصل بهذا القرآن الهدى والبشرى فيه ايات تبشر المؤمنين وفيه الهدايات المتنوعة فلما كان متضمنا لذلك جعل كأنه هو نفس البشرى وكانه نفس الهدى هو هدى وهو وهو بشرى او على حذف مضاف اي ذا هدى وذا بشرى. والاصل عدم التقدير ولاحظ انه قدم الهدى على البشرى هدى وبشرى لان الهدى متقدمة انما تكون البشرى لمن حصل الهدى واتصف به وتحقق به هدى وبشرى فذلك لا يكون الا للمؤمنين المهتدين عن البشرى ثم خاطبهم فقال من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين من عادى الله وملائكته ورسله من الملائكة او البشر لا سيما هؤلاء الكبار من الملائكة عليهم الصلاة والسلام جبريل وميكال حيث ان هؤلاء اليهود اعادوا جبريل عليه الصلاة والسلام وقالوا بان ميكال هو وليهم فاعلمهم الله تبارك وتعالى ان من عادى احدا من هؤلاء الملائكة الكرام فقد عاد الاخر. وعاد الله ايضا فان الله عدو للكافرين الكافرين به او برسله بملائكته الكافرين بكتبه ومنها هذا القرآن فان من عاد وليا لله تبارك وتعالى فقد عاد الله وهؤلاء يعادون جبريل عليه الصلاة والسلام ومن عادى الله فان الله عدو له ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والاخرة اذا كان معاداة اولياء الله من غير الرسل ومن غير الملائكة. من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب الله عز وجل كما في الحديث القدسي يذكر انه ما تقرب اليه العبد بشيء احب الي مما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه. فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. ولئن سألني لاعطينه ولئن استعاذني لاعيذنه ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فهذا الذي احبه الله تبارك وتعالى يكون وليا له. الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. من هم الذين امنوا وكانوا يتقون فهؤلاء هم الذين قال الله فيهم في الحديث القدسي من عادى لي وليا فقد اذنته يعني اعلنته اعلنته بالحرب. واذا اعلم الله عز وجل عبدا بالحرب فما حاله؟ وما مآله؟ نحن كما قال الامام احمد رحمه الله نعيش في ستر الله عز وجل نحن ضعفاء مساكين مساكين يتبين لنا ضعفنا صباح مساء في اشياء كثيرة وبين لنا عجزنا وفقرنا الى الله عز وجل والى الطافه وما نحن من غير ذلك. والله لا شيء لا شيء فاذا اذن الله عز وجل عبدا بالحرب فالى اي شيء يصير فهذه قضية توجب الحذر. ايحذر الانسان ان يعادي اولياء الله تبارك وتعالى. سواء كان هؤلاء من الملائكة الكرام او من الرسل عليهم الصلاة والسلام او كان هؤلاء من اهل الايمان والانسان لا يدري فرب اشعث اغبر لو اقسم على الله لابره. ليست قيمة الانسان ايها الاحبة بكثرة امواله. ولا بفخامة داره او مركبه وليس ذلك برتبته وانما ذلك بايمانه وتقواه وهي قضية انما يطلع عليها الله جل جلاله. يوسف عليه الصلاة والسلام كريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم شروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين هذا قدره عندهم لكن قدره عند الله يختلف عن هذا تماما فالمعيار والمقياس ليس ارصدتنا واموالنا وليس ببزتنا وثيابنا وليس ذلك بشيء مما يتكاثر به الناس غير الايمان والعمل الصالح التقوى لله جل جلاله وتقدست اسماؤه. وتأمل قوله تبارك وتعالى من كان عدوا لله وملائكته ورسله. لاحظ جاء بالاسم كريم ابتدأ باسمي. اليهود عاده جبريل كما زعموا. فابتدأ بذكر اسمه الكريم ظاهرا. من كان عدوا لله فهذا تضخيم لشأن هؤلاء الملائكة الكرام والرسل العظام عليهم الصلاة والسلام ففيه اذان بان عداوة تهم انما هي عداوة لله عز وجل. هي القضية هكذا. ولذلك انظروا الى الذين استهزأوا بالقراء المنافقون في غزوة تبوك حينما قالوا ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء قراء في ذلك الوقت يطلق على طلبة العلم. ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ارغب بطونا واجبا عند اللقاء فماذا نزل؟ ولان سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب. كنا نمزح نقطع الطريق طويل طريق تبوك نمزح فيذكرون ذلك على سبيل التندر والمزاح في زعمهم. انظر الى الرد قل ابالله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم. لاحظ هؤلاء قالوا تكلموا في القراء. فجاءت الاية ابالله وايات ورسوله كنتم تستهزئون. فالامر خطير وما الذي يحمل العبد ليكون بشق يستهزأ ويسخر من اهل الايمان ومن اهل العلم ومن اهل الصلاح والتقوى ومن عمار المساجد ومن اهل البذل والانفاق والصلاح والاصلاح لماذا يجعل نفسه دائما في هذه الكفة؟ فيوجه اليهم سهامه نقدا وقدحا وعيبا وتجريحا وتشكيكا ولمزا وغمزا لماذا؟ ما حاجة الانسان لمثل هذا؟ هو هو الذي يخسر هم لا يخسر ترون شيئا لانه كما قال الله عز وجل في سورة النور الخبيثات للخبيثين. فهذا الذي قاله الله عز وجل فسره كبير المفسرين بن جرير بان الخبيثات من القول للخبيثين من الناس. فاذا قيلت بهم فهي تصدق عليهم. واذا صدرت عنهم صدرت منهم يعني فهم مظنتها واهلها والشيء لا يستغرب من معدنه واذا وجهت الى غيرهم من اهل الصلاح ما ضرتهم. هذا كلام ابن جرير قال والطيبات للطيبين فهذا حمله على الكلمات وهو يشمل الكلمات والاوصاف والذوات في الواقع. والله اعلم. لكن على كل حال على العبد ان ينظر في موضع قدميه وفيما يصدر عنه فهؤلاء اليهود عادوا جبريل صلى الله عليه وسلم فجاءت الاية من كان عدوا لله وملائكته. جاء بجميع الملائكة وملائكته لان الملائكة جمع مضاف الى معرفة وهذا يفيد العموم كل الملائكة ورسله وهذا يفيد العموم يعني جميع الرسل فهذا يدل على ان من عاد واحدا من هؤلاء الرسل الكرام او الملائكة العظام عليهم الصلاة والسلام فهو معاد لله وهو معاد لجميع الملائكة ولجميع الرسل. وقدم الملائكة هنا على الرسل كما قدم ذكر اسمه الكريم على الجميع لان اسمه لا يتقدمه شيء وعداوة الرسل وعداوة الملائكة تكون عداوة لله عز وجل لان الله هو الذي ارسل هؤلاء الملائكة وهو الذي ارسل هؤلاء الرسل واخر الرسل بعد الملائكة باعتبار ان الملائكة هم الذين يأتون الى الرسل من البشر بالوحي فان الرسول البشري يأتيه الرسول الملائكي فهؤلاء عادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوا دعوته بحجة ان الرسول الملائكي الذي يأتيه بالوحي هو جبريل عليه الصلاة السلام يقولون له من صاحبك؟ وكأنه يأتي الى انبيائهم بالوحي غير جبريل عليه الصلاة والسلام. الواقع ان جبريل صلى الله عليه وسلم هو الموكل الوحي فالذي كان يأتي الى موسى عليه الصلاة والسلام وعيسى وسائر الانبياء الكرام عليهم صلوات الله وسلامه وجبريل صلى الله عليه وسلم. فعليهم اذا ان يكفروا بكل انبيائهم وبكل كتبهم ورسالاتهم. وتأمل قوله تبارك وتعالى وجبريل وميكال. كان عدوا لله وملائكته ورسله الملائكة تشمل جبريل وميكال عليهم الصلاة والسلام. لكنه خصهما بالذكر لعظمهما عند الله لتشريفهما فان الذكر الخاص بعد العام يدل على شرفه هذا من جهة. ومن جهة اخرى والله اعلم ان هؤلاء اليهود تكلموا في هذين الاثنين من الملائكة فزعموا ان جبريل عليه السلام هو عدوهم يعني هو الذي يأتي بالعذاب وان ميكال هو هو وليهم لانه الموكل بالارزاق. فقال الله عز وجل من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال. فالذي يعادي جبريل يعادي الكلب عليهما السلام هو الذي يعادي جبريل او ميكال او يعاديهما فالواقع انه معاد لجميع الملائكة الكرام عليهم صلوات الله وسلامه. وهذا معروف عند اهل البلاغة يسمونه التجريد او عطف الخاص على العام فاذا ذكر الخاص بعد العام فهذا يدل على مزية على منزلة على مكانة ولهذا تجد ان الله عز وجل يذكر بعض العبادات حافظوا على الصلاة اللواتي والصلاة الوسطى فالصلوات تشمل الصلوات الوسطى التي هي على الارجح صلاة العصر لكنه خصها بالذكر لاهميتها لشرفها لعظمها وهكذا ايضا يمكن ان يقال غير ذلك من الاوجه البلاغية. وكذلك ايضا تأمل قوله تبارك وتعالى فان الله عدو للكافرين فان الله عدو للكافرين. فهنا وضع الظاهر في موضع المضمر في موضعين فان الله ما قال فانه عدو لهم وانما قال للكافرين فاظهر ذلك فان الله ما قال فاني عدو للكافرين من اجل ان ذلك فيه تربية المهابة فهذا يحمل على الخوف والامتثال لامره تبارك وتعالى. وكذلك في قوله فان الله عدو للكافرين. ما قال عدو لهم. للدلالة على انه تعالى عاداهم بسبب كفرهم. وليشمل هؤلاء اليهود ويشمل غيرهم. يعني ليست عداوته تبارك وتعالى لليهود خاصة او للذين قالوا بان جبريل الصلاة والسلام هو عدوهم وانما هو عدو للكافرين لكل الكافرين. فيشمل من وقع في هذا النوع من الكفر ويشمل غيره وايضا دلالة على ان عداوة الملائكة والرسل كفر. يعني هنا يبين العلة لماذا عاداهم؟ لانهم وقعوا في الكفر وان هذا الفعل من عداوة الرسل والملائكة ايضا انه كفر. وليشمل كل كافر يعني افادة التعميم والله تعالى اعلم وصلى على نبينا محمد وعلى اله وصحبه لا اله الا الله. السلام عليكم ورحمة الله