ثم تترك نياتهم ومقاصدهم الى الله جل جلاله وتقدست اسماؤه والله تعالى اعلم صلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فيقول الله تبارك وتعالى وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله او تأتينا اية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الايات لقوم يوقنون قال الذين لا يعلمون الذين لا علم عندهم هم اهل الجهالة من المشركين ونحويهم للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العناد والتعنت في طلب الايات الدالة على صدقه هل لا يكلمنا الله مباشرة ليخبرنا انك رسول او تأتينا معجزة من الله تدلنا على صدقك قد جاءهم من المعجزات ما فيه الغناء والكفاية وهذا القول قد سبقوا اليه ليس هؤلاء اول من قال هذه المقالة ولا اول من طلب مثل هذه المطالب وقد قالت الامم قبلهم لرسلهم على سبيل التعجيز والعناد والمكابرة كهذا القول وذلك لتشابه قلوبي السابقين باللاحقين في الكفر والضلال والعناد والعتو على الله تبارك وتعالى والله تبارك وتعالى يبين الايات التي توضح الحق وتجليه وتدفع مقالة اهل الباطل وتدحضها وتسلي نبيه صلى الله عليه وسلم واهل الايمان لا جديد كما يقال لكم قد قيل لمن كان قبلكم من الرسل عليهم الصلاة والسلام هذه الايات يبينها الله لقوم يوقنون الذين صار عندهم الايمان بمنزلة من الرسوخ واستقر في قلوبهم استقرارا لا يقبل التشكيك فذلك هو اليقين يؤخذ من هذه الاية ايها الاحبة وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله او تأتينا اية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم. تشابهت قلوبهم فهناك علاقة بين القلوب والالسن فاذا كانت القلوب فاسدة جرى الفساد على الالسن وذلك في عموم الناس في الاولين والاخرين فكما جرى ذلك على لسان الاولين وقع ذلك ايضا للاخرين فاذا تشابهت القلوب تشابهت الاقوال تشابهت قلوبهم فتشابهت اقوالهم وتشابهت احوالهم وتشابهت مطالبهم وذلك ان الاقوال تابعة لما فيه القلوب ولهذا فانك قد تعلم مقالة الرجل في الامر يقع ولم يتكلم به امور الواقعة والفتن التي تحصل في كل مكان وزمان تعرف مقالات الناس فيها دون ان تسمع منهم ومن كان صاحب سنة وعلم فانك تعرف قوله في هذا ولم تسمع منه ومن كان يتخبط او من اهل العناد او التلبيس او نحو ذلك فانك تعرف قوله ولم تسمع من هو وهذا امر معلوم مشاهد ولاحظ هنا وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله قدموا الضمير المتعلق بهم على لفظ الجلالة يكلمنا الله ما قالوا لولا الله يكلمنا او لا يكلمنا الله هذا يدل على شدة المكابرة والاعتداد بالنفس ثم ايضا طلب التكليم لولا يكلمنا الله يدل على ان هؤلاء المشركين كانوا يعلمون ان الله يتكلم كلاما حقيقيا يليق بجلاله وعظمته فهذه قضية يدركها من لم تتلوث فطرته بالعلوم الكلامية كما وقع لكثير من اهل البدع وفي هذه الاية التي ساقها الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم ولامته وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله او تأتين اية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم لان الانسان من شأنه ان يتسلى بما جرى ووقع لغيره وحينما يقال له هذا الذي قيل لك هذا الذي حصل معك قد قيل لفلان ممن يأتسي به ويقتدي به ويعظمه ويجله لا جديد هذه الجرأة ليست ببدع في اقوال هؤلاء ومطالبهم بل وجه ذلك الى من كان الى من كان قبلك من الانبياء عليهم الصلاة والسلام. فهذا مما يخفف بما ان هذه سنة جارية وعادة مستمرة فيحصل بسبب ذلك تهوين بخلاف ما اذا انفرد الانسان بشيء لم يسبق الى مثله فيكون قد انفرد بمصيبته وبليته لكن اذا كان الناس على هذا المهيأ واحوالهم على هذا جارية فان الانسان يتسلى وقد يحتاج الى شيء من التذكير يقال له لست اول من يقع له ذلك الخنساء كانت تقول ولولا كثرة الباكين حولي على اخوانهم لقتلت نفسي فالانسان يتسلى بما يقع للاخرين بعصره او في غير عصره والنبي صلى الله عليه وسلم ارشد من اصيب بمصيبة ان يذكر مصيبته فيه صلى الله عليه وسلم. تخف عليه المصيبة. وقال الله عز وجل عن اهل النار ولن ينفعكم اليوم اذ ظلمتم انكم في العذاب مشتركون بمعنى ان الناس في الدنيا اذا وقعت المصيبة العامة في البلد فان ذلك يهون على الناس كثر الموت بسبب الحروب او بسبب اوبئة او غير ذلك يخف عليهم الموت ويسهل لكن حينما ينفرد في البلد واحد ويموت ينهال اهل البلد معزين له وتتعاظم عليه بليته ومصيبته حينما يقع مرض بانسان مرض خطير قد يجزع ويخاف ويتعاظم ذلك في نفسه ولكنه لو كان ذا هذا المرض عاما في الناس فيوجد حوله المئات او الالاف ان ذلك يسهل عليه وكذلك ايضا هؤلاء الذين يطلبون الايات لو جاءتهم هذه الايات لا يؤمنون والله عز وجل قد ذكر ذلك في مواضع من كتابه ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا شر عليهم كل شي يكلمهم الموتى يقومون من القبور ويتكلمون ويقولون هذا حق ونزلت عليهم الملائكة ومع ذلك ما بيؤمنوا والله عز وجل يقول وما منعنا ان نرسل بالايات يعني المعجزات هذه التي يطلبونها ويقترحونها الا ان كذب بها الاولون واتينا ثمود الناقة مبصرة يعني اية مبصرة واضحة لا خفاء فيها فظلموا بها فالله يرسل مع الانبياء عليهم الصلاة والسلام من الايات ما يدل على صدقهم وتقوم الحجة به على اقوامهم وهذا من معاني اسمه المؤمن يظهر دلائل صدق هؤلاء الرسل والانبياء عليهم الصلاة والسلام ولكن هناك ايات يقترحها هؤلاء الذين خطبوا بالرسالة ووجهت اليهم الدعوة يقترحونها من عند انفسهم على سبيل العناد والعنت والمكابرة فهذا ليس بقصد الايمان وبيان الحق والا فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما من نبي الا اوتي ما امن على مثله البشر اية كافية للدلالة على صدقه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم انه اوتي هذا القرآن هذا الوحي يتلى الى يوم القيامة وهو اية باقية والتحدي قائم ثم قال انا ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن اصحاب الجحيم فيقول هؤلاء الذين يتعنتون هؤلاء الذين يكابرون هؤلاء الذين يجادلون هؤلاء الذين يقترحون الايات يتمنعون من الايمان لا شأن لك بهم ولا تكترث بمطالبهم فالله سيتولى جزاءهم وانما عليك البلاغ. انا ارسلناك بالحق الهدى الكامل الذي لا تعلق للباطل به بوجه من الوجوه لا في انزاله وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون نزل نزولا متلبسا بالحق وهو متضمن للحق ليس فيه شيء من الباطل الحمدلله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ليس في عوج لا في الفاظه ولا في معانيه قيمة وفي غاية الاستقامة في احكامه واوامره ونواهيه وفي بلاغته وفصاحته وسلامته من كل عيب ليس فيه تناقض تعارض وليس فيه ما يستدرك وهكذا انا ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا فهذه مهمته صلى الله عليه وسلم يبشر المتقين بما يسرهم وينذر الكافرين المعرضين ولذلك ينبغي ان يتخذ ذلك سبيلا في دعوة الناس تبشير لاهل الاستجابة والايمان والخير والصلاح قال لهم ابشروا واملوا فان الله تبارك وتعالى يجزيكم على هذه الاعمال التي تقومون بها. انتم على جادة انتم على خير تم على حالة من الاستقامة والصلاح والاصلاح الله هو الذي يجزيكم على اعمالكم ولن يضيع من ذلك شيئا تبشرهم بذلك فيكون ذلك حفزا للنفوس ومقويا لها من اجل العمل والاستمرار والدوام والثبات والزيادة في الخير النفوس بحاجة الى مثل هذا فهذه النفوس تحتاج الى تبشير اما من كان في حال من الاعراض فانه لا يقال في حقه ابشر انت على خير وانما يحتاج الى انذار وتخويف ان تذكر له قوارع القرآن ونصوص الوعيد ليعظم الخوف في قلبه فيكون ذلك سوطا يسوقه الى طاعة الله ويزجره عن معصيته وهذه هي الحكمة في الدعوة الى الله تبارك وتعالى ان يراعى حال الناس ويجمع بين ما يحمل على الخوف وما يحمل على الرجاء. الوعد والوعيد وهذا كثير في القرآن في ذكر نصوص الوعيد ويذكر نصوص الوعد. يذكر صفات اهل الايمان ويذكر صفات اضدادهم. يذكر حال اهل الجنة ويذكر حال اهل النار وانا ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن اصحاب الجحيم هذا فيه تهديد ووعيد تسأل عن اصحاب الجحيم لان الله عز وجل هو الذي سيتولى امرهم ويعاقبهم ويجازيهم على اعمالهم ان عليك الا البلاغ ليس هؤلاء موضعا مجازاتك ومحاسبتك فالله عز وجل هو خالقهم ومليكهم وهو الذي يرجعون اليه وحده دون ما سواه وهو الذي يتولى جزاءهم والبشر ليس عليهم شيء من ذلك ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بانه لم يؤمر بان يشق عن قلوب الناس فيكفي ان تبلغ الدعوة الى الله عز وجل ويعلم الناس الحق