واتصف بشيء من من اوصافهم التي استوجبوا بها هذا الغضب وكذلك النصارى فيدخل في المغضوب عليهم من لم يعمل بعلمه من ترك الحق على علم فهذا له نصيب من هذا الوصف ما قالوا ام اريد بهم الرشد ام اراد بهم ربهم رشدا فنسبوا ارادة الرشد الى الله وحذفوا فاعل ارادة بالشر وبني الفعل للمفعول. وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والشر ليس الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته نواصل الحديث في هذه الليلة بالفوائد المستخرجة من قوله تبارك وتعالى في اخر هذه السورة الكريمة سورة الفاتحة من قوله تبارك وتعالى صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فمن ذلك ما يؤخذ من اضافة الصراط الى المنعم عليهم من ذلك اضافة الانعام الى الله تبارك وتعالى عند ذكر صفة هذا الصراط صراط الذين انعمت عليهم فيؤخذ من هذا ان هذا الصراط المستقيم انه نعمة من الله تبارك وتعالى كما يؤخذ منه ايضا ان الهداية نعمة منه جل جلاله على عباده وهي اعظم النعم لانه اذا حصلت الهداية للعبد تتابعت عليه الخيرات في الدنيا والاخرة فلا فوز ولا نعيم ولا فلاح ولا نجح اذا كان العبد غير مهتد الى صراط الله المستقيم فهذه الهداية ايها الاحبة لا يحصلها العبد بذكائه جهده ونحو ذلك انما هي منحة من الله تبارك وتعالى. وهذه المنحة الله تبارك وتعالى اعلم باحوال خلقه وبقلوبهم وباعمالهم وقد اخبرنا ان من اعطى واتقى قال عنه فسنيسره لليسرى واخبرنا عن الاخر الذي بخل واستغنى قال فسنيسره للعسرى وقالوا ما كان الله ليضل قوما بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون واخبرنا عن اولئك الذين رفضوا الهداية ان الله تبارك وتعالى جازاهم بازاغة قلوبهم وخاطب عباده بقوله يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم. واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه فمن رد الهداية فقد يكون هذا الرد سببا لي الحيلولة بين العبد وقلبه فلا يهتدي والله تبارك وتعالى اخبرنا عن اولئك الذين ازاغ قلوبهم بان ذلك كان جزاء وفاقا كما لم يؤمنوا به اول مرة ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة يقلبها الله تبارك وتعالى يقلب قلوبهم عن الحق ويصرفها عنه ويصرف ايضا بصائرهم فلا ترى هذا الحق والسبب في ذلك على ارجح الاقوال من اقوال المفسرين كما لم يؤمنوا به اول مرة اي جزاء وفاقا بانهم ردوا الحق اول مرة فجازاهم وعاقبهم بتقليب القلوب والابصار الا ترى الحق الله تبارك وتعالى هو المنعم المتفضل انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء فالمعلم والمربي والوالد انما هو بادر يضع البذور ولكن قد يكون المحل غير قابل قد يكون هذا المحل غير قابل لهذا البذر فلا يستتم ولا يخرج منه بطائل وتجد البنتين او البنين في البيت الواحد تلقوا تربية واحدة وتجد هذا في حال من القبول والصلاح والاقبال وتجد الاخر في غاية الانصراف والاعراض وهكذا تجد ذلك في المحاضن التربوية وغيرها الاستجابة والهداية من الله ويكفي في ذلك ما قاله الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم لما كان يعرض الدعوة على ابي طالب فكانت النهاية ان مات على الكفر على ملة عبدالمطلب انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء فاذا كان ربنا تبارك وتعالى يقول لنبيه وصفيه عليه الصلاة والسلام وهو افضل الخلق واعلم الخلق بربه وانصح الخلق والاسباب اسباب الاهتداء والهداية التي هي من قبيل التعليم والارشاد متحققة فيه لان ذلك يتطلب علما ومعرفة فهو اكمل الناس علما عليه الصلاة والسلام ويتطلب بيانا والنبي صلى الله عليه وسلم اعظم الناس بيانا وافصحهم لسانا فقد يتخلف المطلوب لان صاحب الحق لا يستطيع ان يعبر عنه فالنبي صلى الله عليه وسلم هو افصح الامة وكذلك ايضا ما يطلب من النصح وقصد الهداية للمنصوح والرغبة في نفعه والانبياء عليهم الصلاة والسلام اكمل الناس في ذلك حتى كان ربنا تبارك وتعالى يهون عليه ما يلحقه من الحزن حينما يعرض هؤلاء عن الهداية فلعلك باخع نفسك على اثارهم يعني على اثار هؤلاء الذين لا يهتدون ولا يستجيبون ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا. تأسف عليهم وتحزن لعدم الاهتداء وقال فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فهذا يدل على شدة ما كان يصيب النبي صلى الله عليه وسلم بسبب اعراض المعرضين الانبياء عليهم الصلاة والسلام قد استجمعوا الاسباب التي يحصل بها كمال هداية الارشاد ومع ذلك سمع اقوام من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يرون الوحي ينزل عليه ومع ذلك لم ينتفعوا بهذا كذلك ايضا كم من اقوام اوتوا من الذكاء ما كان سببا لغوايتهم وضلالهم اذا اوتي العبد الذكاء من غير زكاء فقد يكون هذا الذكاء سببا للحرمان وكذلك ايضا كم من اقوام اوتوا من العلوم والفهوم ولكنها ما نفعتهم فرحوا بما عندهم من العلم فرأوا انهم بذلك يستغنون عن الوحي فكانت هذه العلوم سببا لي ضلالهم واعراضهم فهنا يحتاج العبد الى ان يستبين هذه المعاني ويعرف قدر نعمة الله عز وجل عليه اذا هداه واجتباه وحباه فهذه نعمة يتمسك باهدابها ولا يفرط بها بحال من الاحوال ثم تأملوا قوله تبارك وتعالى صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم. لاحظوا انه في الانعام اضاف ذلك الى الله انعمت وفي الغضب لم يضفه اليه وانما جاء بالفعل مبنيا للمجهول. المغضوب من الذي غضب؟ هو الله الذي غضب عليهم فمثل هذا قد يكون موضعا للسؤال لماذا اضاف الانعام الى الله وجاء الغضب بهذه الصيغة المبنية للمجهول. لماذا لم يقل مثلا غير الذين غضبت عليهم كما قال صراط الذين انعمت عليهم العلماء رحمهم الله يجيبون عن هذا اجوبة من ذلك ان النعمة هي الخير والفضل كما ان الغضب من دواعي الانتقام الله تبارك وتعالى يوصف بالغضب وهي من صفاته تبارك وتعالى الثابتة في الكتاب والسنة يغضب غضبا يليق بجلاله وعظمته. والغضب معروف وغضبه لا يكون مماثلا لغضب المخلوقين فهذا الغضب صفة الغضب عموما هي مستدعية للعقوبة والانتقام ومعلوم ان رحمته تبارك وتعالى تسبق غضبه فاضاف الى نفسه تبارك وتعالى اكمل الامرين واسبقهما واقواهما وهو الانعام وهذا كثير في القرآن ان افعال الاحسان والرحمة والجود تضاف الى الله تبارك وتعالى فيذكر فاعلها منسوبة اليه ولا يبنى الفعل معها للمجهول لا يبنى للمفعول فاذا جيء بافعال الجزاء والعدل والعقوبة حذف الفاعل وبني الفعل معها للمفعول ادبا في الخطاب والا فالذي غضب عليهم هو الله والذي يعاقبهم هو الله هو الذي ينتقم منهم هو الله. لكن من باب تأدب في العبارة اضافة اشرف قسمي افعاله تبارك وتعالى اليه صراحة مع ان ذلك جميعا هو من افعاله وهذا له نظائر في القرآن يغير هذا الموضع. ابراهيم صلى الله عليه وسلم قص الله علينا خبره وقوله الذي خلقني خلقني. اضاف الخلق الى الله خلقني فهو يهدين. اضاف الهداية الى الله كما هنا صراط الذين انعمت عليهم والذي هو يطعمني ويسقين فاضاف ذلك جميعا الى الله واذا مرضت ما قال واذا امرضني قال واذا مرظت فاضاف المرض الى نفسه بينما اضاف الشفاء الى الله فهو يشفين مع ان المرض والشفاء كل ذلك من الله تبارك وتعالى لكن من باب التأدب في العبارة وهكذا ايضا في غير هذا الموضع كقول الجن وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض لما ذكروا قالوا اريد بمن في الارض. فجاء الفعل بالبناء للمفعول. اريد بمن في الارض. ام اراد بهم ربهم رشا اليك يعني انه ليس في افعاله شر تبارك وتعالى وانما يقع الشر في مفعولاته اما افعاله كلها خير وهي على الكمال كما هو معروف. وانظروا الى قول الخضر حينما ذكر العيب للسفينة اما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر. فاردت ان اعيبها فاضاف العيب الى نفسه ما قال فاراد الله عيبها وانما قال فاردت ان اعيبها. ولكن لما ذكر ما يتعلق بمصلحة اليتيمين بحفظ مالهما وكنزهما حتى يبلغ اشدهما ويستخرج هذا الكنز قال فاراد ربك ان يبلغا اشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك فهنا لما كان هذا التلطف والرحمة حفظ مال هؤلاء الايتام قال فاراد ربك ففي العيب اضافه الى نفسه وفي هذا الافضال والانعام اضافه الى الله تبارك وتعالى المتكفل بمصالح الخلق ثم ايضا تأملوا صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين كثير من الناس اذا رأى في التفسير وكما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ان المغضوب عليهم هم اليهود وان النصارى هم الضالون لربما يتوهم ان ذلك يختص بهم مع اننا مأمورون بقراءة الفاتحة في كل ركعة هذه السورة الوحيدة التي يجب على المصلي ان يقرأها قد ذهب طائفة من اهل العلم الى انها ركن في الصلاة واطلقه بعضهم فقالوا خلف الامام وللامام والمنفرد يعني للمأموم والامام والمنفرد انها ركن في الصلاة في الجهرية وفي السرية هذه السورة في هذه المثابة نرددها فهل يكون المراد بالمغضوب عليهم اليهود فقط وان اهل الضلال هم النصارى فقط هذا غير صحيح وليس هو المراد بهذه الاية على سبيل الحصر ولا شك ان اليهود هم اهل غضب وهم داخلون في ذلك دخولا اوليا. وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا. ولكن ذلك لا ينفيه عن غيرهم ممن شابههم المغضوب عليهم ومن عمل بلا علم فله نصيب من قوله ولا الضالين نصيب من هذا الوصف الضلال كما ذكر ذلك جمع من اهل العلم كالشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله في تفسيره لسورة الفاتحة وذكر ذلك غيره حتى قال بعض اهل العلم كل من ضل من العلماء من هذه الامة ففيه شبه من اليهود. وكل من ضل من العباد ففيه شبه من النصارى ولهذا في قوله تبارك وتعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين ان ذلك يصدق على من انحرف عن الحق مع علمه به ومن انحرف عنه بسبب جهله وتفريطه فهو من اهل الضلال. فذلك لا يختص باليهود والنصارى ولهذا قالوا لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله احبار اليهود ولو نفع العمل بلا علم لما ذم الله رهبان النصارى فهم مذمومون لذلك والله تعالى اعلم وشيخ الاسلام رحمه الله يقول من اتبع هواه وذوقه ووجده مع علمه انه مخالف للكتاب والسنة فهو من المغضوب عليهم وان كان لا يعلم ذلك فهو من الضالين يعني يتبع هواه وذوقه وهو لا يعلم انه يخالف الكتاب والسنة. فهو من اهل الضلال اولئك الذين يعلمون نصوص الكتاب والسنة ولكنه يقول هذه النصوص وهذه الايات والاحاديث لا توافق عقلي فهذا له نصيب من صفة هؤلاء اهل الغضب عرف النصوص ومع ذلك اعرض عنها واما الذي يخبط في عمى ويعمل على غير علم فله نصيب من الضلال. ولذلك اقول بان هذا الموضع يحتاج العبد الى ان يتبينه لان احوال الناس لا تخلو من ثلاثة. اما اهل الهداية وهم اهل الانعام واما اهل الضلال فاما ان يكون على علم فهؤلاء اهل غضب واما ان يكون على جهالة فهؤلاء اهل ضلال فالطوائف ثلاث لا رابعة لها من هذه الحيثية والحديث له بقية اتركها في الليلة الاتية ان شاء الله تعالى واختم هذا الموضع ان شاء الله ولعلكم تراجعون الكلام او تستجمعون انواع الدلالة او دلالة هذه الايات في هذه السورة من كل موضع على انواع التوحيد وعلى ايضا اصول الايمان واركانه دلت على الاصول الكبار قد الممت بشيء من هذا في ثنايا الكلام لكن يمكن ان نذكر ذلك وان نزيد عليه مرتبا مسرودا من المواضع في هذه السورة الكريمة والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه