الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته لما ذكر الله تبارك وتعالى ملة ابراهيم عليه الصلاة والسلام ورد على هؤلاء اليهود والنصارى الذين يدعون انهم على ملته وانه كان على دينهم فعلم اهل الايمان كيف يقولون قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم الى ان قال صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون. صبغة الله اي الزموا صبغة الله وصبغته يدين الاسلام على ما جاء في عبارات السلف فمن بعدهم في تفسير هذه الصبغة الا ان ذلك يرجع الى معنى واحد كقول من قال بان صبغة الله هي الاسلام ومن قال بان صبغة الله هي الفطرة فطرة الله فالفطرة هي الاسلام خلقت عبادي حنفاء وكذلك قول من قال بان فطرة الله هي دينه فدينه هو الاسلام ونحو ذلك من العبارات المتقاربة فهذا من قبيل اختلاف التنوع ومن احسن من الله صبغة هذا استفهام مضمن معنى ان في اي لا احد احسن من الله صبغة فهو فطرة الله التي فطر الناس عليها فالزموها واعلنوها ونحن له عابدون خاضعون مطيعون منقادون يؤخذ من هذه الاية صبغة الله الزموا صبغة الله الذي هو دينه وذلك يقتضي القيام به على اكمل الوجوه بالتحقق باعماله الظاهرة والباطنة ما يتصل باعمال القلوب واعمال الجوارح في كل الاحوال والاوقات حتى يكون لكم كالصبغ في الثوب بحيث يتخلل ويتغلغل في اعماق النفس وتصطبغ به الجوارح ويظهر اثره على اهله والمتدينين به كظهور اثر الصبغ على الثوب صبغة الله فقيل للدين صبغة لانه يصبغ اهله واتباعه بحيث يظهر اثره على جوارحهم واحوالهم واعمالهم ومعاملاتهم واخلاقهم وزيهم ولباسهم ويظهر ايضا على وجوههم باشراق الوجه واستنارته وذلك حينما يستنير القلب ويشرق بنور الله تبارك وتعالى والله يقول الله نور السماوات والارض مثل نوره يعني هداه في قلب المؤمن كمشكاة فيها مصباح فهذا القلب يستنير بنور الله تبارك وتعالى فيستنير الوجه فتظهر انوار الهداية والايمان بقدر ما يقوم في القلب من هذه الانوار وكذلك ايضا تظهر هذه الاثار والانوار على الجوارح والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى في الحديث المشهور من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب ثم ذكر بعد ذلك وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه. فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. ولئن سألني لاعطينه ولئن استعاذني لاعيذنه فحينما يصطبغ بصبغة الله عز وجل فهنا يكون الله تبارك وتعالى بهذه المثابة بالنسبة اليه كنت يده التي يبطش بها بمعنى انه لا يحرك ولا يبطش الا وفق مرضاة الله عز وجل ولا يمشي برجله خطوة واحدة الا فيما يكون رضا لربه تبارك وتعالى فيكون عمله في رضاه وتكون انفاسه في طاعته فيكون مستغرقا العمر والانفاس واللحظات في طاعة ربه ومليكه وخالقه ومولاه جل جلاله وتقدست اسماؤه حينما يصطبغ القلب ويصطبغ العبد بصبغة الله تبارك وتعالى فان ذلك لابد ان يرى عليه اثره بقدر ما يحصل من هذا الصبغ فان اثر الصبغ يظهر ولابد ومن هنا يتميز المؤمن بسمته وهديه ودله يتميز بمعاملته واخلاقه يتميز بلباسه ومظهره فاذا رآه احد ميزه وعرفه من بين ملايين البشر ان هذا من اهل الايمان فاذا قوي ذلك فان ذلك يعرف بوجهه بل قال الحافظ ابن القيم رحمه الله بان اهل الفراسة يعرفون ثوب اتقي الصالح من ثوب غيره ولو لم يكن عليه يعني ولو لم يكن لابسا له ثوب معلق لانسان صالح وثوب معلق لانسان فاسق يعرف ان هذا الثوب هذا لانسان من اهل الصلاح وهذا لانسان من اهل الفساد هذا في الثوب فكيف بالانسان ولذلك لا يمكن بحال من الاحوال ان يدعي احد الايمان ويعزو ذلك الى قلبه وانه قد استقر فيه ثم بعد ذلك لا يظهر شيء من ذلك عليه المعاملة فاسدة واللسان فاسد والاعمال فاسدة والجوارح فاسدة والوجه مظلم واللباس ليس بلباس اهل الايمان اذا رأيت لم تميز هل هذا من البوذيين هل هذا من النصارى هل هذا ممن لا دين له اصلا من الملاحدة المظهر والهيئة والصورة لا تدل ابدا على ان هذا من اهل الايمان فضلا عن كونه من اهل الصلاح. اطلاقا في لباسه يتشبه بمن لا خلاق لهم وفي هيئته واعماله وتعاملاته كذلك هذا حينما يحصل المسخ وحينما يحصل التصحر تصحر الايمان في قلب الانسان فيحصل الانحسار حصار اثار الايمان على جوارح العبد ومظهره واعماله تعاملاته ولسانه فيكون حاله لربما اسوأ في ظاهره من حال من لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ويصدر عنه من الاقوال والافعال ما يكون فتنة لغيره فيكون صادا عن سبيل الله عز وجل لانه ينتسب الى الاسلام اسما ولكن هو ابعد الناس عن امتثال شرائعه صبغة الله. وهكذا المرأة حينما تصطبغ بصبغة الله عز وجل فان ذلك يظهر عليها في حشمة وحياء ووقار وحجاب ضاف ساتر ليس فيه عبث ولا تلاعب وليس فيه اي لون من الوان التبرج بزينة تظهر فيه او بمزاولات وتصرفات تتصرفها هذه المرأة لتلفت انظار الرجال بهذا الحجاب فان ذلك من صبغة الله عز وجل. فتكون المرأة ذات قرار ووقار وحشمة وحياء وتكون في حال من الجلال والبهاء كما قال الله عز وجل يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادنى يعني اقرب ان يعرفن فلا يؤذين يعني يعرف انها حرة فلا يطمع بها ضعفاء النفوس فان الحرة تكون ضافية الثياب محتشمة مستترة غاية الاستتار. بخلاف الامة المتبذلة فتكون في جلالها في حجابها هذا الاسود ذات مهابة وجلالة كما نرى هذه الجلالة والمهابة التي تكسو بيت الله وكعبته المشرفة في حجابها الاسود فانه يزيدها بهاء وجلالة وقدسية وعظمة المرأة المسلمة حينما تحتجب فان ذلك يزيدها بهاء وجمالا وحشمة وعظمة تفرض احترامها على غيرها بخلاف من كانت متبذلة كالحلوى المكشوفة يقع عليها الذباب والافات والاقذار فلا تقبلوا عليها النفوس ولا تطلبها بل تعافها وتمجها هكذا اذا كان ذلك في حلوى ومطعوم فكيف بالنفوس والارواح حينما تشرق بالايمان وتستنير بطاعة الله عز وجل والعمل بمرضاته او تبتعد عن ذلك فهذا الصبغ لاهل الايمان بمنزلة ذلك التعميد الذي يفعله النصارى حينما يصبغون اولادهم حينما يولد المولود يضعونهم في ماء اصفر يقال له الماء المعمودية يصبغونهم فيه ثم يقولون هو بذلك تم تعميده وصار بذلك نصرانيا. فهم يصبغون اولادهم تقويم لا يزال الانسان يخالف شرع الله تبارك وتعالى في ظهر عليه اثر المسخ والتشويه حتى يصير في هيئة تعافها النفوس وتمجها الفطر ولا يطيق الانسان النظر اليه يتحول الى صورة بينما صبغة الله هي احق واولى واعظم واجل وكذلك ايضا هؤلاء النصارى يصبغون اولادهم بما يلقنونهم من دينهم واعتقادهم الفاسد وكذلك اليهود يصبغون اولادهم واهل الملل يصبغون اولادهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فابواه يهودانه او ينصرانه ما قال او يسلمانه لانه يولد على الفطرة صبغة الله هي دينه. الزموا صبغة الله. اتبعوا صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون فهذا استفهام بمعنى الانكار والنفي لا احد احسن من الله صبغة واحسن هنا ومن احسن من الله صبغة لا احد احسن افعل التفضيل ليس على بابه لانه لا يمكن المفاضلة بين صبغة الله عز وجل صبغة غيره لكل قوم صبغة وصبغة همدان خير الصبغ كما قال الشاعر. صبغنا بها اولادنا فاكرم بها من صبغة بالصبا فالشاهد ان صبغة الله لا تقاس ولا تقارن بغيرها ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون ولاحظ هنا ونحن له عابدون. قدم الجار المجرور له فهذا فيه افادة الاخلاص والاختصاص توحيد لله تبارك وتعالى وذلك ايضا للاهتمام كذلك هذا القصر الاضافي ونحن له. يعني ليس لغيره. في هذا تعريض اولئك الذين يعبدون غيره ويشركون معه الهة اخرى كالنصارى واليهود وطوائف المشركين ونحن له عابدون الاحظ هنا التعبير بالجملة الاسمية. ونحن له عابدون. فهذا يشعر بالثبوت والدوام ان ذلك ثابت دائم مستمر بكل حال ومع كل نفس هذا اذا قدر جملة اسمية ونحن له عابدون على كل حال يمكن ان يقال ايضا بان قوله ومن احسن من الله صبغة ان ذلك يجري مجرى التعليل يعني لماذا نلزم صبغة الله لانه لا احد احسن من الله صبغة ومن ثم اقول بان من يريد الكمال كمال الباطن فان ذلك لا ينال بفلسفات ونظريات مستوردة من قوم لا يعرفون الله تبارك وتعالى ثم بعد ذلك يتبع الناس اوهاما او اخلاطا من حق وباطل اطلق العملاق الذي في نفسك ونحو ذلك من الترهات والاباطيل والاكاذيب التي تروج على الناس ويتبعها من يتبعها من ضعفاء العقول فيعطون الانسان هالة وقدرات خارقة بعيدة وخارجة عن قدر الله تبارك وتعالى وعما ايضا يدخل تحت طوق الانسان وقدرته وامكاناته فان هذا الانسان محدود لا يمكن ان يتحول الى صاحب قدرة يمكن ان يحمل بها الجبال كما يقول هؤلاء هؤلاء يزعمون ان الانسان يمكن اذا اطلق هذا العملاق الذي في نفسه انه يحمل هذا المسجد وحده والعجيب ان احد هؤلاء كان يقول مثل هذا الكلام فلما خرج مع صاحبه الذي كان يهذي عليه بمثل هذا وجد ان اطار السيارة العجلة قد صارت بحالا تحتاج الى تغيير فصار يكابد ويعاني من اجل ان يرفع السيارة بالرافعة وجرى له في ذلك عناء وعنت وقت طويل فقال له هذا صاحبه الذي كان يسمع من هذا التخليط قال له ها العملاق الذي تصفه ولماذا لا ترفع هذه السيارة بيد وتظع العجلة الاخرى ولا تحتاج الى مثل هذا ولا تحتاج الى مفاتيح ولا تحتاج الى هذا العرق الذي يتصبب وهذا السواد الذي يلطخ يديك وثيابك العملاق الذي تتحدث عنه الانسان يرفع البيت تقول تعجز عن رفع عجلة السيارة وتأتي بهذه الرافعة وتكابد وتعاني فهؤلاء يوهمون الناس ان الانسان يمكن ان ينطلق يفعل اشياء غير مقدورة في طبايع البشر انه يمشي على النار وانه يأكل الزجاج وانه يأكل نار ونحو ذلك وهذا الكلام غير صحيح. ومن فعله فانما يتعاطى ذلك بطريق الشعوذة لا يمكن واقرأ على هذا وهو يفعل هذه الاشياء اقرأ عليه وهو يقول هذا اقرأ مثل اية الكرسي وارفع صوتك او اقرأ المعوذات وارفع صوتك او نحو ذلك وانظر هل يستطيع ان يفعل من ذلك شيء هذا اذا كان يستعين بالشياطين فعلى كل حال اقول حينما يصطبغ باطن الانسان يحصل له الكمال باستنارة القلب والهداية وينطلق من اسر الاوهام مما يعبد من دون الله تبارك وتعالى او غير ذلك مما يقع في خلده مما يعوقه عما هو بصدده وكذلك ايضا يحصل له الكمال الخارجي في الظاهر ما هو الكمال الذي تريد لا يوجد افضل من صبغة الله عز وجل لقد خلقنا الانسان في احسن موحشة مما يفعله بنفسه. فهكذا بقدر مخالفته. يتحول الانسان احيانا الى هيئة كأنه حيوان او قرد بسبب عبثه بنفسه فيذهب عنه اثار هذه الصبغة والفطرة فمن اراد الكمال من اراد الشخصية الكاملة ليس ان يشوه نفسه وان يغير معالم الفطرة ويتشبه باعداء الله عز وجل من من لا خلاق لهم من اهل العبث الضياع والتفريط وانما يفعل ويمتثل ما امره الله تبارك وتعالى به ويقتدي باكرم الخلق وافضل الخلق واعظم الخلق الذي امر بالاقتداء اتساء به وهو محمد صلى الله عليه وسلم. في ظهر عليه اثار الكمال ما هو الكمال الحقيقي؟ تريد ان تكون عظيما كاملا في شخصية يملؤها الوقار والمهابة ونحو ذلك الزم صبغة الله وهذا فطرته ودينه في ظهر ذلك بانوار الايمان والسمت الحسن الكامل بخلاف من يكون حاله اشبه بالمثلى من تغيير خلق الله وليغيرن خلق الله مما يدعو اليه الشيطان فلربما الانسان يحلق لحيته ولربما شوه نفسه باعمال واشياء ومزاولات هي من تزيين الشيطان وهي خلاف الفطرة فمن اراد الكمال بل يصطبغ بهذه الصبغة والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه