الحمد لله رب العالمين احمده سبحانه اللطيف الخبير الحكيم العليم ابتلى عباده بالشرع المبين وبالقدر الذي يكون في العالمين اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن سار على نهجه واختفى اثره الى يوم الدين وبعد فان عنوان هذه المحاضرة المحن منح ربانية اذا علم العبد ان الله جل في علاه لطيف حكيم اليم خبير ايقن انه سبحانه لا يأتي بمحنة الا لحكمة وهذه الحكمة هي بالنسبة للمؤمنين رحمة وهي بالنسبة للكافرين دلالة على عزته وجبروته جل في علاه فما من محنة الا ولها وجه على الكافرين ولها وجه على المؤمنين. هذا اذا كانت المحنة عامة ولذلك لما ذكر الله جل وعلا محنة عذاب اقوام الامم الكاذبة كقوم نوح وقومي هود وقومي صالح وفرعون وغيرهم ذكر الله عز وجل قوله انه هو العزيز الرحيم فبعزته اتى بهذه المحنة العظيمة التي هي اهلاك الكافرين وبرحمته للمؤمنين جعل الهلاك على الكافرين والان جاء للمؤمنين وايضا لابد للمؤمن والمؤمنات ان يتأملوا في ان الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بامرين الامر الاول ما يكون من جهة الشرع امرا ونهيا ويكون من جهة الشرع اعتقادا وايمانا واستقامة وعملا واجتنابا وهذا هو التدين والتعبد والامر الثاني ما يتعلق من جهة القدر من المصائب والمعايب التي يقدرها الله سبحانه وتعالى على عباده فالمؤمن يدرك تمام الادراك ويجب ان يستيقظ تمام اليقين انه ما من محنة على المؤمنين الا ولهم فيها الفرج المبين ذلك اذا صبروا وان في هذه المحنة مكنة لهم اذا رجعوا الى ربهم جل في علاه وان هذه المحن هي فتنة لظعاف الايمان وفتنة للكافرين والمنافقين وسنذكر عشرة امثلة للمحن التي انقلبت منحا ربانية عظيمة لا يكاد يتخيلها انسان اول هذه المحن محنة خروج ابينا ادم وامنا حواء من الجنة هي محنة عظيمة حرموا الجنة التي قال الله لهم فيها ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى وانك لا تظمأ فيها ولا تفضح لما اخرج منها بسبب الخطيئة وهذه محنة النعيم الذي كان فيه ادم عليه السلام جعله لا يلتذ بملذات الدنيا سنين وكان كلما جيء له بفاكهة من فواكه الدنيا تذكر ما في الجنة وتحسر لكن المنحة التي ترتبت على هذه المحنة وهذا الابتلاء الذي لم ينجح فيه ابونا ادم فاكل من الشجرة هي محنة لكن هذا الابتلاء ترتب فيه لابينا ادم وذريته خير من وجه وشر على ابليس من وجه فابليس يزداد كفرا واتباعا وابونا ادم عليه السلام رزقه الله التوبة قال الله عز وجل فتاب عليه واهدى قال ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين فاصبح اسم ابينا ادم التواب وهذه منحة واصبح نبيا وهذه منح واصطفاه الله واشتباه وهذه منحة قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ادم انبي هو؟ قال نعم نبي مكلم وخروج ادم عليه السلام من الجنة محنة بالنسبة للمؤمنين ولكن لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم فازداد الطائع طاعة والمؤمن ايمانا وقربة وظهر النفاق وضعف الايمان وظهر الكفر والشرك والكفران ايضا لو تأملنا في محنة اخرى وهي محنة نبي الله نوح عليه السلام مكث في قومه الف سنة الا خمسين عاما يدعوهم الى الله عز وجل. ما ترك وسيلة الا وسلكها للدعوة الى الله عز وجل من الوسائل المباحة. ثم اني دعوتهم جهارا ثم اني اعلنت لهم واصررت لهم اشرارا. فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا دعا بكل طريقة لكنهم ابوا صار اكابرهم يوصي اصاغرهم بالكفر والعناد فكانت عاقبة هذه المحنة العظيمة ان نوحا عليه السلام يدعو ولا يستجيب له الا من قد امن كانت العاقبة بعد استهزاء الكافرين له ضحكهم عليه وآآ احتقارهم له ازا بهذه الحال يتغير الى احسن الاحوال تسارع ان الله انجى نوحا عليه السلام حتى صار ابو البشر الثاني ولقب بالعبد الشكور ومحنة اخرى هي محنة ابراهيم عليه السلام اقرب الناس اليه ابوه ابى الايمان ثم هاجر عليه السلام وترك الاوطان وكم يحب الانسان بلده فخرج من اهله الذين اعلن البراءة لهم الى فلسطين فعوضه الله بهذه الهجرة ان رزقه ابنا وهو اسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب سكنوا فلسطين ورزقه الله اسماعيل واسكنه مكة فصار فصارت محنة الهجرة بالنسبة لابراهيم عليه السلام مدينتان عظيمتان مكة والقدس وانقلبت محنة ابراهيم في كفران ابيه له وعدم ايمانه به ان رزقه الله ذرية طيبة منهم المؤمنون ومنهم الانبياء والصديقون والشهداء حتى ان ابراهيم عليه السلام لما هاجر ابتلى بهذه المحنة العظيمة رزقه الله تبارك وتعالى بان لقب بابي الانبياء ولما هاجر وحده لكنه على الحق جعله الله امة واخبر انه امة ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين فيا عبد الله لا تنظر الى كثرة الناس وما يعملون ولا الى كثرة ما فيه يمرحون وعليك بالنظر الى الحق فاثبت فتجد بعد الثبات وبعد محنة منحة عظيمة لم تكن تتوقعها ابراهيم عليه السلام ابتلي بكلمات امتحن محن لكنه وفى فلما وفى جعله الله عز وجل اماما للمتقين وجعله الله عز وجل له ذكرا في الاخرة انظروا رحمني الله واياكم الى تلكم المحنة القدرية التي اجراها الله عز وجل على يعقوب ويوسف واخوان فيعقوب عليه السلام في هذه المحنة التي فقد فيها احب اولادي اليه استعمل الصبر الجميل فلم يعاتب ولم يخرج من فمه كلمة يتأذى منه احد بشكواه عن ابنائه واحوالهم وما فعلوه باخيهم ولا عن فقده لاخيه لابنه يوسف من ذا الذي كان يظن ان هذا الذي القي في الجب وارادوا ان يكون واراد اخوته ان يكون من الاسفلين حتى بيع على صورة العبد واشتري في تلكم القافلة السيارة الى مصر ثم بيع في مصر من كان يظن انه بعد هذه المحن محن فقد الوالدين محنة القاء في الجب محنة ذوق والاحساس بالعبودية وبيعه على صورة عبد ثم محنة الابتلاء بالفاحشة وصبره وايبائه حتى القي في السجن من كان يظن انه ستنقلب هذه المحنة الى منحة عظيمة حتى صار عزيز مصر وجاء اخوته فعرفهم وهم له منكرون ثم تعلمون بقية قصة يوسف عليه السلام فادخل ابويه واخوته عليه فخروا له سجدا احتراما وتوقيرا وكان ذلك مباحا في دينهم ومحرم في ديننا الركوع والسجود لغير الله عز وجل ولو على سبيل الاحترام والتوقير حتى قال عليه الصلاة والسلام لو كنت امرا احدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها لما له من الحق عليها ولنتأمل القوه في غيابة الجب وصار عزيز مصر ارادوا به السفول جعل الله تلك المحنة منحة عالية ليوسف عليه السلام وكان رسولا الى اهل مصر من المحن العظيمة نتأمل محنة ام موسى لما انجبت وليدها ما عرفت ما تفعل به خصوصا انه ولد في ذلكم العام الذي كان يقتل فيه الابناء فلما خافت على الولد الهمها الله فالقى ابنها في زنبيل في نهر النيل وصار الزنبيل وفيه موسى الى بيت فرعون حيث كانت هي تخشى عليه منه فقلب الله عز وجل محنتها خوفها امنع المكان الذي كانت هي تخاف منه جعله الله مأوى لموسى عليه السلام الشخص الذي كانت هي تخافه عليه اصبح هو الذي يربي موسى عليه السلام تربية ظاهرية والا فموسى عليه السلام قال الله عنه ولتصنع على عيني فصارت هي بعد هذه المحنة وهذا الابتلاء صارت ان ابنها وليدها عندها ومعه المال ومعه الوجاهة فصارت هي غنية وجيهة بسبب هذا الوليد ثم انظروا رحمني الله واياكم الى محنة موسى عليه السلام لما قتل القبطية خطأ خرج من مصر خوفا على نفسه حتى ورد ماء مدين خائفا يترقب لا ظل الا ظل الشجرة فلا بيت ولكن يؤويه لا طعام ولا ماء الا ماء البئر فسقى لهما ثم تولى الى الظل والتجأ الى الله في هذه المحنة العظيمة قال ربياني لما انزلت الي من خير فقير فقلب الله عز وجل محنة منحة عليه فصار معززا مكرما في بيت ذاك الرجل الصالح وكان يكنى بشعيب على نبي الله شعيب عليه السلام وصار يأكل ويشرب معززا وزوجوه وصار له اولاد وصار له اموال خرج من مصر خائفا يترقب فرجع لعل تلكم السنين العشر قد انهت القضية ونسي الناس امر موسى عليه السلام لكنه في الطريق يجد المنحة الربانية التي ما يتوقعها احد لان النبوة لا تتوقع وانما هي منحة يعطيها الباري لمن يشاء واذا به يجد نارا فقال لاهلهم كثوا اني انست نارا فلما جاء الى جهة النار وجدها نورا ونودي اني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكري موسى نبي الله الذي خرج خائفا اصبح الان معززا مكرما بالنبوة قويا بايات الله قال لا تخافا انني معكما اسمع وارى قال باياتنا انتما ومن اتبعكما من الغالبين فجاء الى مصر معززا بالنبوة معززا بايات الله عز وجل مكرما من الله تبارك وتعالى كيف يخاف خرج من مصر خائفا دخل مصر نبيا وخرج منها منتصرا وعدوه غريقا ولنتأمل في محنة ايوب عليه السلام تلكم المحنة التي لم تبقي ولم تذر مالا ولا ولدا فاصبح ايوب عليه السلام الغني بماله فقيرا محتاجا الى عطف الناس الكثير بعياله صار معدما ليس عنده الا زوجته التي كانت تذهب وتعلف وتأتي بالبقول الخضار وتطبخه له وهو في مكانه مقعد لا يستطيع حراكا ولا يستطيع عمله وظل في هذه المحنة سنين سنين ماذا كانت العاقبة محنة عظيمة الصحة انقلبت بلا مرض الغناء انقلب الى فقر العز انقلب الى ذل ظاهري فلا يكاد يأتيه صديق ولا حميم لم يبقى معه الا زوجته فلما اراد الله عز وجل اكرامه ورفع البلاء والمحنة عنه واذا بها تنقلب الى منحة فاوحى الله اليه هذا مغتسل بارد وشراب فاغتسل وشرب فعادت العافية كما كان واطيب والله جل وعلا قال عن ايوب عليه السلام ان الله عز وجل ارجع له اهله ومثلهم معهم وعاقبة المنحة وعاقبة المحنة منحة انه لقب في القرآن بالاواب بل سبب ذكره في القرآن تلك المحنة التي انقلبت الى منحة ومن المحن العظيمة التي ذكرها الله في القرآن محنة نبي الله يونس عليه السلام اذ خرج من قومه بعد ان كذبوه ووعدهم الهلاك ولم وكان خروجه بغير امر الله جل في علاه وظن ان الله لن يضيق عليه ولن يقدر عليه فيظيق عليه فيذهب حيث شاء فظيق الله الدنيا عليه حتى صار في بطن الحوت محنة عظيمة هذه الدنيا الواسعة صارت عليه ظيقة في ظلمات ثلاث في ظلمة بطن الحوت وفي ظلمة ظلمات البحر وفي ظلمة الليل ينادي لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين كم نادى الله اعلم ايام اسابيع اربعين يوما اكثر فاقل الله اعلم فلما اصيب بهذه المحنة وصبر وهذا هو المهم في دروس المحن ان نعمل عملين لا ثالث لهما الصبر والرجوع الى الله جل في علاه كل محنة كل محنة انما تأتي بالصبر والرجوع الى الله عز وجل وكل منحة وكل محنة فانما تتكشف بالصبر والرجوع الى الله عز وجل كل منحة مترتبة على الصبر وعلى الرجوع الى الله عز وجل فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له فماذا كانت العاقبة فارسلناه الى مئة الف او يزيدون ارسله الله عز وجل الى قوم اخرين وصار يدعوهم وامنوا به وصار معززا ومكرما ولنتأمل في محنة اصحاب الكهف الذين كانوا فتية فامنوا بالله عز وجل فاراد قومهم تعذيبهم واهلاكهم فتعاهدوا على التوحيد والايمان فخرجوا من قريتهم خائفين حتى اووا الى الكهف فناموا فانامهم الله عز وجل ثلاث مئة سنينا وازدادوا تسعا ثلاثمئة سنة قمرية مكثوا في هذا الكهف وتسع وثلاثمئة سنوات شمسية مكثوا في هذا الكهف هذه المحنة التي ابتلوا بها كانت عاقبة لمنحة عليهم جعلهم الله اية للعالمين. وكذلك عثرنا عليهم ليعلموا ان وعد الله حق وان الساعة لا ريب فيها اذ يتنازعون بينهم امرهم الايات ومدحهم الله في القرآن منحة لهم منحة ربانية من الله عز وجل لهم ونختم في بيان المحن وكيف انها منح ربانية لمن صبر ورزق الرجوع الى الله بي ما حصل لصحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه هاجروا تركوه اوطانه اصيبوا بالفقر بعدما كانوا اغنياء تجارا اصيبوا بالخوف عندما كانوا امنين في اوطانهم وبلدانهم واهليهم ثلاث محن عظيمة البعد عن الاهل والوطن والفقر والخوف ووصل الخوف بهم الى مرتبة قال الله عنها وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ووصل الفقر بهم حتى قال الله عنهم للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم وقال يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس الحافا فهم مهاجرون وفقراء وفي خوف لتكالب الاعداء عليهم من اهل الكتاب والمنافقين والمشركين بمختلف طوائفهم ومناطقهم لكن لما صبروا مع رجوعهم الى الله ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايمانا وتسليما من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ماذا كانت العاقبة ما هي الا ما هي الا عشر من السنين واقل واذا بالصحابة كلهم عن بكرة ابيهم من اصغرهم الى اكبرهم يفتحون البلدان كانوا مهاجرين بلا اوطان صارت لهم الروم والفرس اوطانا كانوا فقراء فاصبح عندهم الكنزين الاصفر والاحمر الذهب والفضة كانوا خايفين اصبحوا اعزاء ملوكا على الاسرة حتى وصلوا الى اقاصي بلاد الصين والهند والسند والى بلاد الروم والى بلاد افريقيا صدق فيهم منحة من الله قوله الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور فصار لهم المكنة ونحن نعيش في هذه الايام في هذه المحنة محنة كورونا التي فيها دروس للمؤمنين وللمسلمين اغلقنا فيه الملاهي والملاعب كم قللت فيه من المحرمات فما الذي يجعلنا الا نقلع من هذه المحرمات وهذه الملهيات وهذه الملهيات هذه محنة يجب ان نرجع فيها الى الله عز وجل ليدفع عنا الوباء والبلاء فان مجرد اخذ الاسباب ليس سببا في رفع البلاء اخذ الاسباب هو امر شرعي لكن هناك امر فوق الامر الشرعي وهو الامر الايماني القدري ان نرجع الى الله ليدفع عنا الوباء والبلاء واذا صبرنا ورجعنا صارت منحة لنا صارت قربة لنا فكم استغلت هذه الاوقات في هذه المحنة من المؤمنين في طاعة الله عز وجل وفي القربى من الله منهم من حفظ البقرة وال عمران ومنهم من حفظ القرآن ومنهم من حفظ الحديث ومنهم من تعود قيام الليل ومنهم من تعود التلاوة والذكر ومنهم ومنهم فصارت المحنة عليهم منحة. لو سألت احدهم قال عرفت الان لذة الايمان لذة القرآن لذة الصيام لذة الطاعة بخلاف المنافقين وظعاف الايمان والكافرين فان المنحة فان المحنة اذا ذهبت فانهم يقولون انها باسبابنا وبقوتنا كما قال فرعون وهامان وقارون واضرابهم انما اوتيته على علم عندي نسأل الله الكريم رب العرش العظيم ان يقلب هذه المحنة على المؤمنين منحة ربانية منه وان يدفع البلاء عن البلاد والعباد وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين