المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يشهد انهم لكاذبون. كان اناس من المنافقين من اهل قباء اتخذوا مسجدا الى جنب مسجد قباء يريدون به المضارة والمشاقة بين المؤمنين. ويعدونه لمن يرجونه من المحاربين لله ورسوله. يكون لهم حصنا عند الاحتياج اليه. فبينت ال خزيهم واظهر سرهم فقال والذين اتخذوا مسجدا ضرارا اي مضارة للمؤمنين ولمسجدهم الذي يجتمعون فيه وكفرا اي قصدهم فيه الكفر اذا قصد غيرهم الايمان وتفريقا بين المؤمنين اي ليتشعبوا ويتفرقوا ويختلفوا وارصاد اي اعداد لمن حارب الله ورسوله من قبل اي اعانة للمحاربين لله ورسوله. الذين تقدم حرابهم واشتدت عداوتهم وذلك كابي عامر الراهب الذي كان من اهل المدينة. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر الى المدينة. كفر به وكان متعبدا في الجاهلية فذهب الى المشركين يستعين بهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما لم يدرك مطلوبه عندهم ذهب الى قيصر زعمه انه ينصره فهلك اللعين في الطريق وكان على وعد وممالأة هو والمنافقون. فكان مما اعدوا له مسجد الضرار. فنزل الوحي بذلك فبعث اليه النبي صلى الله عليه وسلم من يهدمه ويحرقه. فهدم وحرق وصار بعد ذلك مزبلة. قال تعالى بعدما من مقاصدهم الفاسدة في ذلك المسجد. ولا يحلفن ان اردنا في بنائنا اياه الا الحسنى. اي الاحسان الى الضعيف والعاجز والضرير والله يشهد انهم لكاذبون. فشهادة الله عليهم اصدق من حلفهم فيه رجال يحبون ان لا تقم فيه ابدا اي لا تصلي في ذلك المسجد الذي بني ضرارا فالله يغنيك عنه ولست بمضطر اليه. لمسجد اسس على التقوى من اول يوم ظهر فيه الاسلام في قباء. وهو مسجد قباء اسس على اخلاص الدين لله واقامة ذكره وشعائر دينه. وكان قديما في هذا عريقا فيه. فهذا المسجد الفاضل احق ان تقوم فيه وتتعبد وتذكر الله تعالى فهو فاضل واهله فضلاء. ولهذا مدحهم الله بقوله فيه رجال يحبون ان يتطهروا من الذنوب ويتطهر من الاوساخ والنجاسات والاحداث. ومن المعلوم ان من احب شيئا لا بد ان يسعى له ويجتهد فيما يحب. فلا بد انهم كانوا حريصين على التطهر من الذنوب والاوساخ والاحداث. ولهذا كانوا ممن سبق اسلامه وكانوا مقيمين للصلاة محافظين على الجهاد مع رسول الله صلى الله وعليه وسلم واقامة شرائع الدين. وممن كانوا يتحرزون من مخالفة الله ورسوله. وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدما نزلت هذه الاية في مدحهم عن طهارتهم. فاخبروه انهم يتبعون الحجارة الماء. فحمدهم على صنيعهم. والله يحب المطهرين طهارة معنوية كالتنزه من الشرك والاخلاق الرذيلة والطهارة الحسية كازالة الانجاس ورفع الاحداث. ثم فاضل بين المساجد بحسب مقاصد اهلها وموافقتها لرضاه فقال والله لا يهدي القوم الظالمين افمن اسس بنيانه على تقوى من الله اي على نية صالحة واخلاص. ورضوان بان كان موافقا لامره فجمع في عمله بين الاخلاص والمتابعة خير ام من اسس بنيانه على شفا اي على طرف جرف هار اي بال قد عالي الانهدام فانهار به في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين لما فيه مصالح دينهم ودنياهم. لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم. والله عليم حكيم لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم اي شكا وريبا ماكثا في قلوبهم الا ان تقطع وهم بان يندموا غاية الندم ويتوبوا الى ربهم ويخافوه غاية الخوف. فبذلك يعفو الله عنهم. والا فبنيانهم لا يزيدهم الا طيبا الى ريبهم ونفاقا الى نفاقهم. والله عليم بجميع الاشياء ظاهرها وباطنها. خفيها وجليها وبما العباد واعلنوا حكيم لا يفعل ولا يخلق ولا يأمر ولا ينهى الا ما اقتضته الحكمة وامر به فلله الحمد. وفي هذه عدة فوائد منها ان اتخاذ المسجد الذي يقصد به الضرار لمسجد اخر بقربه انه محرم وانه يجب هدم مسجد الضراء الذي اطلع على مقصود اصحابه. ومنها ان العمل وان كان فاضلا تغيره النية فينقلب منهيا عنه. كما قلبت نية اصحاب مسجد الضرار عملهم الى ما ترى. ومنها ان كل حالة يحصل بها التفريق بين المؤمنين. فانها من المعاصي التي يتعين تركها وازالتها كما ان كل حالة يحصل بها جمع المؤمنين وائتلافهم يتعين اتباعها والامر بها والحث عليها. لان الله علل اتخاذهم لمسجد اضطراري بهذا المقصد الموجب للنهي عنه. كما يوجب ذلك الكفر والمحاربة لله ورسوله. ومنها النهي عن الصلاة في اماكن المعصية بعد عنها وعن قربها. ومنها ان المعصية تؤثر في البقاع كما اثرت معصية المنافقين في مسجد الضرار. ونهي عن القيام فيه وكذلك الطاعة تؤثر في الاماكن كما اثرت في مسجد قباء حتى قال الله فيه لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه ولهذا كان لمسجد قباء من الفضل ما ليس لغيره. حتى كان صلى الله عليه وسلم يزور قباء كل سبت يصلي فيه. وحث على الصلاة فيه ومنها انه يستفاد من هذه التعاليل المذكورة في الاية. اربع قواعد مهمة وهي كل عمل فيه مضارة لمسلم او فيه معصية لله فان المعاصي من فروع الكفر او فيه تفريق بين المؤمنين او فيه معاونة لمن عادى الله ورسوله فانه محرم ممنوع منه وعكسه بعكسه. ومنها ان الاعمال الحسية الناشئة عن معصية الله لا تزال مبعدة لفاعيلها عن الله. بمنزلة الاصرار على المعصية حتى يزيلها ويتوب منها توبة تامة. بحيث يتقطع قلبه من الندم والحسرات. ومنها انه اذا كان مسجد قباء مسجدا على التقوى. فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي اسسه بيده المباركة وعمل فيه واختاره الله له. من باب اولى واحرى منها ان العمل المبني على الاخلاص والمتابعة هو العمل المؤسس على التقوى الموصل لعامله الى جنات النعيم. والعمل المبني على سوء وعلى البدع والضلال هو العمل المؤسس على شفا جرف النهار. فانهار به في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين