الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته نواصل الحديث ايها الاحبة في هذه الليلة عما كنا نتكلم عليه وما في مضامينه من الهدايات والمعاني وذلك ما جاء من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق احييني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني اذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم واسألك خشيتك في الغيب والشهادة. واسألك كلمة الحق في الرضا والغضب واسألك القصد في الفقر والغنى واسألك نعيما لا ينفد واسألك قرة عين لا تنقطع مضى الكلام على هذه الجمل وفي هذه الليلة نتحدث على ما بعدها وذلك قوله صلى الله عليه وسلم واسألك الرضا بعد القضاء الرضا وآآ المقام الافخم والمنزلة الكبرى والعظمى من منازل العبودية وهو فوق الصبر وذلك الا يكون في القلب ادنى معارضة بل ولا يكون له اختيار او التفات الى غير ما اختاره الله عز وجل له فيكون قلبه مطمئنا بهذا القضاء الذي قضاه الله عز وجل عليه لا يتمنى غير هذه الحال هذي منزلة عالية فوق الصبر الصبر الا يكون منه جزع وتسخط وانما يتصبر يعلم ان هذا قد قظاه الله وقدره فلا بد من حبس النفس عن التسخط والرضا فوقه ان يكون راضيا بما قضى الله عز وجل ويوقن ويعلم ان اختيار الله عز وجل خير من اختياره وان الله تبارك وتعالى ساق اليه هذه المصيبة ليرفعه وان الله تبارك وتعالى عليم حكيم قد اختار هذا البلاء المعين لهذا المخلوق المعين لحكمة يعلمها فمن مقتضى ايمان العبد ان ربه تبارك وتعالى عليم حكيم يعلم حاله ويعلم مآله كما انه حكيم يضع الامور في مواضعها ويوقعها في مواقعها فاذا ايقن العبد واطمأنت نفسه بذلك وصل الى مرتبة الرضا وهنا قال واسألك الرضا بعد القضاء الرضا بعد القضاء هذا هو الرضا الحقيقي وذلك بعد ان يتحقق القضاء ففرق بين العزم على الرضا وبين الرضا كما انه يفرق بين العزم على الصبر وبين الصبر وقد مضى الكلام على ذلك مفصلا في الاعمال القلبية قد يعزم الانسان على الصبر على البلاء. ويقول يزور في نفسه انه لو ابتلي بما ابتلي به فلان لصبر ولم يحصل منه جزاء او لو ان الله تبارك وتعالى ابتلاه في ما له او ولده او نفسه فانه يصبر او يرضى بما قدره الله تبارك وتعالى له. فهذا عزم على الصبر وقد يكون عزما على الرضا بحسب حال العبد وما عزم عليه. لكن ما كل من عزم على الرضا او عزم على الصبر يصبر اذا وقع له البلاء اذ ان الكثيرين حينما يرون البلاء تنكسر نفوسهم والله تبارك وتعالى ذكر حال المنافقين في غزوة الاحزاب ولما رأى المنافقون الاحزاب ذكر حال المؤمنين لما رأوا الاحزاب ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايمانا وتسليما فالراجح ان مقصودهم بقوله تبارك وتعالى قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله اشارة الى الابتلاء الذي يعقبه التمكين والظفر والنصر قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله. يشيرون الى قوله ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا الاية وكذلك ما في هذا المعنى من الايات فهذا حال المؤمنين بخلاف حال المنافقين فانهم لما رأوا الاحزاب قالوا ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا انه وعد لا حقيقة له فهم يرون البلاء ويرون جيوش الاحزاب تحاصر المدينة فانظر الى الحالين وما بينهما من التباين والتفاوت العظيم. وقد تكلم شيخ الاسلام رحمه الله على احوال الصوفية وما قد يصدر من الواحد وما قد يصدر عن الواحد منهم من العبارات التي يبين فيها عن عزم عظيم على الصبر او على الرضا ولكنه قد يبتلى فتنكشف الحال عن ضعف وعجز فهو يقول سئل ابو عثمان النيسابوري عن قول النبي صلى الله عليه وسلم اسألك الرضا بعد القضاء فقال لان الرضا بعد القضاء هو الرضا يقول شيخ الاسلام فهذا الذي قاله الشيخ ابو عثمان كلام حسن سديد ثم اسند بعد هذا عن الشيخ ابي سليمان يعني الداراني انه قال انظروا الى عبارات هؤلاء الصوفية ارجو ان اكون قد عرفت طرقا من الرضا لو انه ادخلني النار لكنت بذلك راضيا هذا مبالغة ودعوى لا حقيقة لها يقول فتبين شيخ الاسلام فتبين بذلك ان ما قاله ابو سليمان ليس هو رضا وانما هو عزم على الرضا وانما الرضا ما يكون بعد القضاء قال وان كان هذا عزما فالعزم قد يدوم وقد ينفسخ وما اكثر انفساخ العزائم ثم ذكر ان من هم افضل من هؤلاء المشايخ من الصوفية اخبر الله تبارك وتعالى عن عزمهم او عن عزائمهم التي تفسخت لما كانوا امام ما يكرهون كما في قوله تبارك وتعالى ولقد كنتم تتمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رأيتموه وانتم تنظرون وكذلك ما جاء في قوله يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كانهم بنيان مرصوص. هذه نزلت في اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. لما تمنوا ان يعرفوا احب الاعمال الى الله تبارك وتعالى ويعمل به. فلما اخبروا انه الجهاد في سبيل الله قالوا او عظم ذلك عليهم وشق وهكذا ايضا كما في قوله تبارك وتعالى الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلاة واتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية وقالوا ربنا لما كتبت علينا القتال؟ لولا اخرتنا الى اجل قريب. كانوا قبل ذلك تمنوا وطلبوا فرض الجهاد عليهم فمثل هذا انما هو من قبيل العزم فلما ابتلوا به انثنت عزائمهم وكذلك ما قصه الله تبارك وتعالى من خبر اولئك القوم من بني اسرائيل الذين سألوا نبيا لهم قالوا ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله فانظروا كيف تثنت عزائمهم مرة بعد مرة فحينما اخبرهم ان الله تبارك وتعالى قد بعث لهم طالوت ملكا قالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال فسقط طائفة منهم ثم بعد ذلك قال لهم هذا الملك ان الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فانه مني الاية فتساقط كثير منهم وشربوا ثم بعد ذلك لما وقفوا امام عدوهم تثنت عزائم الكثيرين ممن بقي وقالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوتا وجنوده فلم يبقى الا قلة قليلة او الخلاصة وهم الصفوة وذكر شيخ الاسلام رحمه الله عن سمنون المحب هذا رجل من العباد الصوفية انه كان يقول وليس لي في سواك حظ فكيف ما شئت فاتق فاختبرني يعني هو يسأل ربه تبارك وتعالى وليس لي في سواك حظ فكيف ما شئت فاختبرني يقول اخذه الحصر من ساعته يعني حصر البول اعزكم الله فكان يدور على المكاتب يعني اماكن تعليم الصبيان القرآن ويفرق الجوز على الصبيان ويقول ادعوا لعمكم الكذاب وحكى ابو نعيم الاصبهاني عن ابي بكر الواسطي انه قال سمنون يا رب قد رضيت بكل ما تقضيه علي فاحتبس بوله اربعة عشر يوما فكان يتلوى كما تتلوى الحية يتلوى يمينا وشمالا فلما اطلق بوله قال ربي قد تبت اليك. يقول ابو نعيم فهذا الرضا الذي ادعى سمنون ظهر غلطه فيه بادنى بلوى مع ان سمنونا هذا كان يضرب به المثل يعني في المحبة في محبة الله تبارك وتعالى ولهم في ذلك اخبار عجيبة فالمقصود ان هذا الدعاء الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم اسألك الرضا بعد القضاء هذا هو الرضا الحقيقي هذا هو المقام الذي لا يثبت فيه الا القلائل من الناس قد اوردنا في الكلام على الاعمال القلبية نماذج من احوال السلف في الصبر ومن احوالهم بالرضا ومن احوالهم في باب الشكر وتركنا اشياء كثيرة من هذا القبيل لئلا يتوهم احد ان هذا من باب المبالغات وفي مثل هذه الايام رأينا عجبا مما جرى في اليومين الماضيين اذى فضيلة الشيخ محمد المنجد حفظه الله ورعاه رفع قدره ومنزلته في الدارين جرى له ما جرى وهي مصيبة كبرى عظمى تنكسر امامها كثير من النفوس. ولكن تجلى ذلك عن حال تدل على بلوغ هذه المقامات العالية من الصبر والرضا وهذا حال لا يصل اليه الا القليل من الناس فليس الشأن ايها الاحبة ان يحسن الكلام احد من الناس عن الصبر او عن الرضا او عن الشكر على المصائب التي تنزل به ولكن العبرة حينما تحق الحقائق فكيف تكون حال العبد عندها فهذا الذي عليه المعول وهذا الذي يبلغ به العبد المنازل الرفيعة والله تبارك وتعالى يقول وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون فبالصبر واليقين تنال الامامة بالدين جعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا من كان يتصور ان احدا من الناس يقع له مثل هذا ثم يتنازل عن هذا القاتل قبل دفن الولد ويتكلم في الناس وينظر في باب الصبر والرضا ويستدل بالنصوص ويذكر وجوه الدلالات التي يحصل الذهول عنها لدى اكثر الخلق حينما تنزل بهم المصائب ينسون انفسهم وينسون ما تعلموه وينسون ما حفظوه وينسون ما قرأوا وينسون ما قالوا على المنابر ولكن من الذي يثبت حقا بمثل هذه المقامات فهذه اقول ايها الاحبة هي التي عليها المعول رجل يقع له هذا ويخطب الجمعة ويلقي بالجموع في المسجد ايضا في غير الخطبة وقبل الدفن يلقي ما يثبتهم به ويعلمهم به الوان المعاني والهدايات في الصبر والرضا. فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء وقوله صلى الله عليه وسلم واسألك برد العيش اي طيبه وحسنه بعد الموت برد العيش بعد الموت هذا هو مطلوب وهذا هو المقصود وذلك ان العيش الحقيقي هو عيش الاخرة لا عيش اللي عايش الاخرة. اسألك برد العيش بعد الموت واسألك لذة النظر الى وجهك الكريم اسألك لذة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة فقوله واسألك لذة النظر يعني النظر الى وجه الله تبارك وتعالى اسألك لذة النظر الى الى وجهك رؤية الله تبارك وتعالى هي اعظم نعيم يعطاه اهل الجنة فهذا من اجل مطامعي ومطامحي اهل الايمان وذلك انهم يلتذون ويتنعمون بالنظر الى وجهه الكريم. ما هذا اعظم نعيم وهو الزيادة التي قال الله تبارك وتعالى للذين احسنوا الحسنى وزيادة ولا يكون شيء من النعيم يوازي ذلك او يقاربه وهذا من اطيب عيشهم ونعيمهم واكمل لذاتهم كما دل على ذلك حديث صهيب الذي رواه مسلم في صحيحه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل اهل الجنة الجنة نادى مناد يا اهل الجنة ان لكم عند الله موعدا يريد ان ينجزكموه قالوا ما هو الم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال في كشف الحجاب فينظرون اليه فما اعطاهم شيئا احب من النظر اليه وهي الزيادة فدل ذلك على ان لذة النظر الى وجهه الكريم انها اعظم النعيم والله تبارك وتعالى قد خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والانابة اليه ومحبته والاخلاص له. كما يقول الحافظ ابن رحمه الله فبذكره تطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم وبرؤيته في الاخرة تقر عيونهم ويتم نعيمهم فلا يعطيهم في الاخرة شيئا خيرا لهم ولا احب اليهم ولا اقر لعيونهم ولا انعم لقلوبهم من النظر وسماع كلامه منه بلا واسطة ولم يعطهم في الدنيا شيئا خيرا لهم ولا احب اليهم ولا اقر لعيونهم من الايمان به هذه قرة العين التي لا تنقطع وقد مضى الكلام عليها فمحبته والشوق الى لقائه والانس بقربه والتنعم بذكره كل ذلك من قرة العين التي لا تنقطع وذكر ابن القيم رحمه الله ان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين هذين الامرين في هذا الدعاء جمع بين اطيب ما يكون من اللذات في الدنيا وهو الشوق الى لقائه سبحانه وتعالى واطيب ما يكون في الاخرة وهو النظر الى وجهه الكريم اتوقف عند هذا اكمل ما تبقى في الليلة الاتية ان شاء الله واسأل الله عز وجل ان ينفعنا واياكم بما سمعنا وان يجعلنا واياكم هداة مهتدين والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه