الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فهذا شروع بي اذكار متنوعة تقال في احوال ومناسبات متعددة مضى الكلام على الاذكار التي تقال في الصباح والمساء وعند النوم وما يقال بعد الصلوات وفي الصلاة وما يقال بعد الوتر الى غير ذلك فهذا دعاء الهم والحزن طعن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وارضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما اصاب احدا قط هم ولا حزن فقال اللهم اني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احدا من خلقك او انزلته في كتابك او استأثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي الا اذهب الله همه وحزنه وابدله مكانه فرحا قال فقيل يا رسول الله الا نتعلمها فقال بلى ينبغي لمن سمعها ان يتعلمها هذا الحديث اخرجه الامام احمد رحمه الله في مسنده قال عنه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله مشهور وصححه الحافظ ابن القيم وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير ابي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان وصححه الصنعاني والشيخ احمد شاكر والالباني وكذلك ايضا الشيخ شعيب الارنقوط والشيخ عبد القادر الارنقوط فهذا الحديث عظيم يقول النبي صلى الله عليه وسلم في صدره ما اصاب احدا قط هم ولا حزن ما اصاب احدا قط فاحد هنا نكرة في سياق الشرط وهي من صيغ العموم النكرة اذا جاءت في سياق الشرط او النفي او النهي او الاستفهام فانها تكون للعموم فاي احد رجل او امرأة شيخ كبير او شاب او صغير ثم قال هم ولا حزن جاء به منكرا فهذا يصدق على كل ما يكون من هذا القبيل الهم و الحزن ايا كان منشأه يعني سواء كان ذلك بسبب كائنة ووقائع عامة كما هو حال الامة اليوم نسأل الله عز وجل ان يرفع عنها البلاء او كان ذلك لامر يخصه مما يكرهه في نفسه او ماله او ولده او نحو ذلك فهذا يصدق على جميع ما يمكن ان يقال له هم او حزن قل ذلك او كثر الهم والحزن والغم وما اشبه ذلك عبارات متقاربة وبعض اهل العلم ممن تكلموا في الفروق يقولون بان الهم هو الفكر في ازالة المكروه واجتلاب المحبوب الفكر في ازالة المكروه واجتلاب المحبوب. يعني هو يفكر في امر يحاذره كيف يدفعه ويصيبه هم او في جلب المحبوب هذا الانسان يريد ان يتزوج مثلا فهو مهموم هذا الانسان مقبل على امر يستثقل قدومه او مهموم وبعض الناس يكون مهموما اذا كان مقبلا على عمل جديد او يكون مهموما اذا كان مقبلا على عهد جديد في دراسة او في عام جديد او في انتقال او غير ذلك فهذه التحولات والانتقالات لا شك انها مما تستثقله النفوس على تفاوت بينها فهنا دفع المكروه او جلب المحبوب يكون التفكير في ذلك مقلقا لصاحبه ولذلك كان القلق يعصف في نفوس الناس بمثل هذه الاعصار والازمان فاذا قوي اليقين والتوكل على الله تبارك وتعالى والرضا بقضائه فان ذلك يخفف عنه وطأته حتى يتلاشى ولكن هذه الامور تحتاج الى رياضة للنفوس وتربية ومجاهدات وتحتاج الى صبر ولربما يطول اوان ذلك حتى تستقيم له النفس لكن من رحمة الله تبارك وتعالى لعلمه بقلة صبرنا وضعفنا وعجزنا انه ذكر لنا حلولا عاجلة انية وقتية يظهر اثرها مباشرة ولذلك انظر في هذا الحديث كيف جاء به بهذه الصيغة الشرط والجزاء ما اصاب احدا قط هم ولا حزن فقال ثم ذكر هذا الذكر الا اذهب الله همه ونحو ذلك فهذا لا يصح اجتراره فان الحزن كما قال شيخ الاسلام يضعف قوى القلب فلا ينتفع به لا في عمل دنيا ولا في عمل اخرة ولذلك فان الانسان يدفعه و حزنه وليس فقط ازالة وجلاء وانما وابدله مكانه فرحا ابدله مكانه فرحا وهذا الهم هذا الهم ايها الاحبة هو امر يعتور النفوس كما ان الابدان يعتورها ما يعتورها من الالام من الصداع من المرض من العلل كذلك النفوس يعتريها ما يعتريها. فهذا كما قال شيخ الاسلام رحمه الله مثل الحر والبرد لا يسلم منه احد ولكن اثره يتفاوت في النفوس فالذين لا يعرفون الله ولا يتوكلون عليه ولا يثقون به يلجأون الى يفرون من هذا الى الموت الى الانتحار. يفرون من الحياة لا يطيقونها ولذلك تجد هناك في بلاد الغرب حيث الرفاهية لما كانت النفوس خالية وسبحان الله بقدر ما تكون هذه النفوس مرفهة بقدر ما تتأذى بقدر ما تتأذى فتجد البلاد التي يكثر فيها الضعف والفقر والكوارث ونحو ذلك يصبرون على الحر الشديد والبرد الشديد والمصائب العظيمة ويقول الحمد لله اذا كانوا من اهل الايمان وتجد اصحاب النفوس المرفهة ممن لا يعرفون الله عز وجل لو حصل لهم ادنى مكروه فان هؤلاء لا يحتملون تطيش عقولهم ويحصل لهم من الحزن والالم ما لا يقادر قدره فيفرون من ذلك الى الى الانتحار ولذلك يوجد في بعض تلك البلاد رخص ويوجد هناك وسائل مقننة للموت بطريقة مريحة وتجد تقرأ ان امرأة قدمت للمحكمة تطلب ماذا؟ تطلب انها لا يطالب زوجها ولا يلاحق قانونيا اذا احضر لها الة طبية للتخلص من الحياة الا يلاحق قانونيا هي مقدمة للمحكمة انها هي التي طلبت منه وانه لا يلحقه في ذلك جرم ولا حرج فالحاصل الهم والفكر في ازالة المكروه واجتلاب المحبوب ومن ثم فان الانسان قد يقول لصاحبه يخاطبه يقول ارجو ان تهتم بهذا الموضوع ومن هنا نعرف الفرق بين الهم والغم اعاذنا الله واياكم من ذلك كله فالانسان يحصل له الغم لوقوع ضرر قد حصل وتحقق او انه يتوقع هذا الضرر او يتوهمه فهذا يكون من قبيل الغم وقد يقال ايضا ذلك للحزن اذا طالت مدته والحزن اذا تطاول يكون من قبيل الغم والهم فان اصل الهم يدل على معنى الذوبان فلما كان الحزن اذا طال يذيب البدن في ظهر اثره من الضعف والشحوب وتذهب عافية الانسان وتتحول وتذهب نظارته فاذا رآه الانسان عرف ان هذا الانسان قد قرظته الهموم فهذا اذا طال يكون من قبيل الحزن ومن ثم اذا الفرق بين الهم والحزن ان الحزن من هذه الحيثية مما يتطاول من الهم مع ان المشهور عند اهل العلم من اهل اللغة وغيرهم ان الحزن هو ما يساور النفس من القلق والالم لفائت لامر فات اخواتي محبوب او لوقوع مكروه فيحزن الانسان واما ويقابله الخوف وهو توقع المكروه في المستقبل اذا ذكر الخوف والحزن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لا في الدنيا ولا في الاخرة. هؤلاء اولياء الله تبارك وتعالى لا يخافون من شيء مستقبل ولا يحزنون لفائت. هذا هو المشهور في الهم في الحزن والخوف واهل الجنة اذا دخلوا الجنة يقولون الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن فكان ذلك من اعظم النعيم الذي يلاه اهل الجنة فدل على ان مفارقة الحزن ان ذلك من النعيم. ولهذا قال شيخ الاسلام رحمه الله بان الحزن غير مطلوب ولا مأمور به وانما ينبغي دفعه الا ان يكون من الاشفاق من الدار الاخرة او كان ذلك من قبيل الندم على ذنوب لكنه الندم الذي يبعث على التوبة وليس الذي الذي يقعد الانسان عن العمل ويورثه اليأس فهذا مذموم وهو من عمل الشيطان ولا ينتفع به الانسان. ولذلك من الخطأ ان الانسان يجترئ يجتر الاحزان وانما يفعل ذلك لنقص عقله النفوس قد جبلت على حاجات من لربما الضراعة والرقة والبكاء ونحو ذلك فان لم يوجه ذلك في سبيله الخوف من الله عز وجل وقراءة القرآن وتدبر القرآن الخوف من الاخرة ويبكي الانسان لذلك تشفق والا فانه يبحث عنه هنا وهناك ولذلك يوجد من يتقصد سماع سماع القصائد الحزينة والقصص الحزينة وما الى ذلك مسجلة او مصورة ليجتنب البكاء يريد ان يبكي وهذا ضعف بعقل الانسان وهكذا ايضا ما يفعله الانسان بنفسه مما يعاقبها به من اعادة شريط الذكريات السيئة الاحزان المصائب يعيدها تحدث بها يتذكرها سواء كان ذلك في غبن متكرر يقع له في بيع وشراء وخسارات او مخادعات وغش مؤلم ذهبت فيه امواله او نحو ذلك او كان هذا في امور اخرى وقعت له في جسده او في ولده من المكاره والمصايب ولا يقف معه لا خير في شيء من ذلك لكن قد يطلق الحزن كما ذكر بعض اهل العلم من المفسرين وغيرهم وهو استعمال قليل فيما يظهر على معنى الخوف وهو احد المعاني في قوله تبارك وتعالى الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن فسره بعضهم بانه الخوف والاشفاق من الدار الاخرة فلما دخلوا الجنة اطمأنت نفوسهم واستراحت وذهب عنهم ذلك الخوف والاشفاق الذي كان يساور نفوسهم فعلى كل حال اما الكرب فانه يختلف مع الحزن ان الحزن هو تكاثف الغم ان يكون غليظا تقول هذه ارض ارض حزن هي الارظ الغليظة التي فيها صلابة. اما الكرب فهو تكاثف الغم مع ضيق الصدر مع ضيق الصدر فاذا ضاق الصدر بالالم والمصيبة فذلك هو الكرب واما الكآبة فهي الاثر الظاهر للحزن يظهر على وجه على وجه الانسان ومن ثم يقال علته كآبة ولا يقال علاه الحزن او نحو ذلك او الكرب لان الحزن لا يرى فهو في القلب ولكن تظهر اثاره على الوجه وتسمى الكآبة وعلى كل حال هذه معان متقاربة وكذلك ايضا للاسف او الحسرة فالحسرة غم يتجدد لفوت فائدة فليس كل غم حسرة واما الاسف فحسرة معها غضب وغيظ ونحو ذلك واما البث يعقوب صلى الله عليه وسلم قال اشكو بثي وحزني الى الله فالمقصود البث هو هو الحزن الذي لا يتمالك صاحبه لشدته واجتماعه فيبثه فهذا البث اما ان يكون للمخلوقين واما ان يكون لي الخالق تبارك وتعالى اشكو بثي انما اشكو بثي وحزني الى الله. فجعل البث بثه يعني اظهره جعل ذلك الى الله تبارك وتعالى فهنا العبد اذا قال هذا الدعاء اصابه الهم او الحزن فقال اللهم اني عبدك يعني يا الله اني عبدك جاء بان المؤكدة اني عبدك اقر له بالعبودية وخضع وليس ذلك فقط وابن عبدك وابن امتك يعني جاريتك ثم يقول فوق ذلك ناصيتي بيدك. الناصية هي مقدم الرأس. يعني لا حول لي ولا قوة الا بك ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها فلا تصرف لي ولا حول ولا طول ولا دفع ولا نفع الا اعانتك وقوتك قال ماض في حكمك عدل في قضاؤك ماض اي ثابت ونافذ فيا اي في حقي حكمك الحكم الكوني والحكم الامر وكل ذلك يجري على الانسان ما حكم الله عز وجل عليه من الاحكام الشرعية فهي نافذة فيه وكذلك من الاحكام القدرية الكونية لابد ان يقع اعلم ان ما اصابك لم يكن ليخطئك وما اخطأك لم يكن ليصيبك اذا انتهى لو اجتمعت الامة على ان ينفعوك لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على ان يضروك لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا فكل ذلك قد كتبه الله عز وجل وقدره فاذا عرف العبد ذلك استراح واطمأن قلبه ويعتقد ان ذلك جميعا من العدل لا ظلم فيه عدل في قضاؤك ما قدرته علي فهو عدل لان ذلك في موضعه واذا عرف العبد ان ما اصابه من المكروه او المرض او ما وقع للامة من البلاء او نحو ذلك ان هذا من العدل والله عز وجل يقول ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير قلتم انى هذا؟ الهزيمة في يوم احد قل هو من عند انفسكم فذنوب العباد لو يؤاخذهم الله عز وجل بها جميعا ما ترك على ظهرها ما ترك على ظهرها من دابة فقوله ماض في حكمك عدل في قضاؤك هذا متضمن لاصلين عظيمين كما يذكر الحافظ ابن القيم عليهما مدار التوحيد. الاول اثبات القدر وان احكام الرب تبارك وتعالى نافذة في عبده ماضية فيه لا انفكاك له عنها ولا حيلة له في دفعها الثاني انه تبارك وتعالى عدل في هذه الاحكام غير ظالم لعبده بل لا يخرج فيها عن العدل والاحسان وموجبات ذلك فالظلم سببه حاجة الظالم او جهل الظالم او سفه الظالم وهذا كله لا يمكن ان يكون في حق الله تبارك وتعالى فهو بكل شيء عليم وكذلك هو غني عن كل شيء كل شيء فقير اليه وهو احكم الحاكمين فلا تخرج ذرة من مقدوراته عن حكمته وحمده كما لم تخرج عن قدرته ومشيئته. فحكمته نافذة حيث نفذت مشيئته وقدرته ولهذا قال نبي الله هود صلى الله عليه وسلم قد خوفه قومه بالهتهم اني اشهد الله واشهدوا اني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون اني توكلت على الله طه ربي وربكم ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها. ان ربي على صراط مستقيم يعني مع كونه سبحانه وتعالى قد اخذ بنواصي الخلق فهو يتصرف فيهم كما شاء فهو على صراط مستقيم لا يتصرف فيهم الا بالعدل والحكمة والاحسان والرحمة فقوله ماض في حكمك مطابق لقوله ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها وقوله عدل فيا قضاؤك مطابق لقوله ان ربي على صراط مستقيم وهكذا في هذا الدعاء كما نرى ايها الاحبة بدأ يتوسل باسمائه تبارك وتعالى باسماء الرب التي سمى بها نفسه ما علم العباد منها وما لم يعلموا سواء كان ذلك مما استأثر بعلمه او اطلع عليه بعض الانبياء او الملائكة فان هذا التوسل من اعظم التوسل واحبه الى الله تبارك وتعالى اتوقف عند هذا واكمل ان شاء الله تعالى باقي الكلام على الحديث في الليلة الاتية واسأل الله عز وجل ان يجعل لنا ولكم وللمسلمين من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية وان يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وذهاب احزاننا وجلاء همومنا وان يذكرنا منه ما نسينا وان يعلمنا منه ما جهلنا وان يرزقنا تلاوته اناء الليل واطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا. والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه