فمثل هذا دعاء صحيح ولكن اذا اراد ان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم بظنه هو ان النبي صلى الله عليه وسلم قاله في سياق ما يقال لمن اطعمه او سقاه قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم كما كان يسلم. ثم اتى المسجد فصلى ثم اتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا فرفع رأسه الى السماء فقلت الان يدعو علي فاهلك الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فهذا باب التعريض بالدعاء لطلب الطعام او الشراب وذكر فيه حديثا واحدا وهو حديث المقداد رضي الله تعالى عنه قال اقبلت انا وصاحباني لي وقد ذهبت اسماعنا وابصارنا من الجهد فاجعلنا نعرض انفسنا على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس احد منهم يقبلنا فاتينا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق بنا الى اهله فاذا ثلاثة اعنز فقال النبي صلى الله عليه وسلم احتلبوا هذا اللبن بيننا. قال فكنا نحتلب في شرب كل انسان منا نصيبه ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه. قال فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان قال ثم يأتي المسجد فيصلي ثم يأتي شرابه في شرب فاتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي فقال محمد يأتي الانصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجة الى هذه الجرعة واتيتها فشربتها فلما ان وغلت في بطني وعلمت انه ليس اليها سبيل قال ندمني الشيطان فقال ويحك ما صنعت؟ اشربت شراب محمد فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك واخرتك وعلي شملة اذا وضعتها على قدمي خرج رأسي. واذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النوم اما صاحباي فناما ولم يصنع ما صنعت فقال اللهم اطعم من اطعمني واسق من سقاني هنا قال واسقي من اسقاني هذا الحديث رواه الامام مسلم في صحيحه قوله اقبلت انا وصاحبان لي وقد ذهبت اسماعنا وابصارنا من الجهد يعني من المشقة اللفظ قال فعمدت الى الشملة فشددتها علي واخذت الشفرة فانطلقت الى الاعنز ايها اسمن يريد ان يذبحها لاعنز رسول الله صلى الله عليه وسلم. ليدرك هذه الدعوة اللهم اطعم من اطعمني والتعب والجوع يقول فجعلنا نعرض انفسنا على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس احد منهم يقبلنا. يعني فقر والمصغبة التي كان فيها اصحاب النبي صلى الله عليه واله وسلم. ليس عندهم ما يعطونهم قل فاتينا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقنا فانطلق بنا الى اهله فاذا ثلاثة اعنز اعنز جمع للعنز الدابة المعروفة فقال النبي صلى الله عليه وسلم احتلبوا هذا اللبن بيننا. كما ذكرنا قبل ليالي ان الحليب يقال له اللبن وما ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما اصطلح عليه الناس اليوم قال فكنا نحتلب في شرب كل انسان منا نصيبه ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه قال فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. وهذا من الادب ادب السلام على الايقاظ في موضع فيه نيام يسلم تسليما لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان فيحصل المقصود بذلك من غير من غير اذى فيكون سلاما متوسطا لا يرفع صوته رفعا زائدا ولا يخافت مخافة لا يسمع معها السلام النبي صلى الله عليه واله وسلم بعد ذلك يقول ثم يأتي المسجد فيصلي ثم يأتي شرابه في شرب. يقول فاتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي فقال محمد ياتي الانصار فيتحفونه يعني بالطعام والشراب ويصيب عندهم ما به حاجة الى هذه الجرعة. زينت له نفسه والشيطان ان يشرب نصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فاتيتها فشربتها فلما ان وغلت في بطني وعلمت انه ليس اليها سبيل يقول النبي صلى الله عليه وسلم فبحاجة الى هذه الشربة فشربها يقول حتى وغلت في بطني يعني دخلت وتمكنت فيه فليس من سبيل الى الاستدراك فجاءه الشيطان واوقع في نفسه الندم وقال ويحك ما صنعت اشربت شراب محمد فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك واخرتك لاحظوا هذه الحال والفقر والجوع والشدة علي شمله اذا وضعتها على قدمي خرج رأسي واذا وضعتها على رأسي خرج قدمي وما ضرهم رضي الله عنهم وارضاهم فهم الذين فتحوا الدنيا يقول وجعل لا يجيئني النوم اما صاحباي فناما ولم يصنع ما صنعت. يعني لم يكن ثمة ما يقلقهم ويزعجهم لانه لم يكن منهم جرم ولا جناية اما هو فقد شرب نصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يتخوف ان يدعو عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام لكن لم يكن الامر كما توقع. قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم كما كان يسلم ثم اتى المسجد فصلى. ثم اتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا لم يجد فيه شيئا. يعني هذا لو كان لاقل الناس فان هذا لا يليق ان يشرب الانسان شراب غيره وانما يؤثر الاخرين على نفسه هذا هو اللائق فكيف برسول الله عليه الصلاة والسلام ان يعمد من هو ضيف عنده في بيته الى شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يشرب هذا الشراب يعني اللائق ان الناس يفتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما يستطيعون فضلا عن الطعام والشراب فلا يتقدم احد بين يديه باكل ولا شرب فضلا عن ان يشرب نصيب رسول الله عليه الصلاة والسلام فضلا عن ان يكون ببيته وقد استضافه النبي صلى الله عليه وسلم فلما لم يجد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لم يحمله ذلك عليه الصلاة والسلام على الضجر او ان يتكلم بكلام لا يليق احاد الناس فضلا عن مقام اشرف الخلق عليه الصلاة والسلام كما انه لم يحرج هؤلاء فيسأل ويقول من الذي شرب هذا بل لم يسأل ولم يقل اين نصيبي من الشراب لعله وضع في موضع اخر او حصل لبس او حصل خلط او نحو ذلك اعرض عن هذا كله عليه الصلاة والسلام وهذا من كريم شمائله وادبه عليه الصلاة والسلام وخلقه الذي هداه الله عز وجل وجبله عليه يقول فقال اللهم اطعم من اطعمني رفع رأسه الى السماء ادم من المواضع التي ورد فيها رفع الرأس الى السماء كما ايضا حصل منه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء رفع رأسه الى السماء فيدل على ان الداعي اذا رفع رأسه الى السماء وهو يدعو ان هذا لا اشكال فيه. والاصل ان يكون النظر في الدعاء الى موضع اليدين موضع الكفين واما في التشهد فانه ينظر الى المسبحة. يلقي ببصره اليها. يدعو بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اطعم من اطعمني واسقي من اسقاني هكذا بهذا يقول فاذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هي حافلة يعني مليئة باللبن مع انها حلبت قبل وقت يسير. يقول واذا هن حفل يعني لما نظر الى الاسمن وجدها حافلة. نظر الى الاخريات وهن ثلاث وجدهن بهذه الصفة واذا هن حفل كلهن فعمدت الى اناء لال محمد صلى الله عليه وسلم ما كانوا يطمعون ان يحتلبوا فيه. لا يوجد حليب حلبت انتهى واذا هن حفل قال فحلبت فيه حتى علته رغوة وهي معروفة تكون فوق اللبن فجئت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشربتم شرابكم الليلة؟ النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بامرهم وبشأنهم مع انهم شربوا وهذا قد شرب نصيبه ونصيب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اشربتم شرابكم الليلة ما اخبره ولكن قال قلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فلما عرفت ان النبي صلى الله عليه وسلم قد روي واصبت دعوته ضحكت حتى القيت الى الارظ واضح ان الرجل صاحب دعابة فقد شرب نصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نصيبه هو ومثل هذا قد يحتمل منه ما لا يحتمل من غيره. ولهذا انظروا ماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى هذا المشهد قال النبي صلى الله عليه وسلم احدى سوءاتك يا مقداد يعني يشير الى ان الرجل له اعمال لربما يجترئ فيها بعض الاجتراء او نحو ذلك فهو يضحك من شيء فعله وصدر عنه لم يعلم به النبي صلى الله عليه وسلم. يقول فقلت يا رسول الله كان من امري كذا وكذا. وفعلت كذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه الا رحمة من الله افلا كنت اذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها. لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بهؤلاء مع انه اخبره انهم شربوا لكن اراد ان يصيب من هذه الرحمة والبركة التي نزلت قال فقلت والذي بعثك بالحق ما ابالي اذا اصبتها واصبتها معك من اصابها من الناس. يقول المهم انت اصبتها وانا اصبتها والباقي لا ابالي. اصابوا ذلك اب لم يصيبوه واضح انه رضي الله عنه لكن مثل هؤلاء كانوا بمقابل ذلك مع ما فيهم من الدعابة وما فيهم من الا ان الواحد منهم بأمة مقداد هذا كان من فرسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الابطال الكبار الذين سطر التاريخ اسماءهم. فاسأل الله تبارك وتعالى ان يلحقنا بزمرتهم وان يحشرنا معهم تحت لواء نبيه صلى الله عليه وسلم فهذا متى يقال اللهم اطعم من اطعمني واسق من سقاني؟ يقوله من يطلب الطعام لا من فرغ من الطعام فيدعو لمن اطعمه واستضافه كما يقوله كثير من الناس يعني اذا قال انسان بعد ما اكل وشرب عندك قال اللهم اطعم من اطعمني واسق من سقاني يمكن ان تعطيه شيئا من طعام او شراب تقول تفضل حتى نصيب هذه الدعوة منك انت تستدعي الطعام الان والشراب انت تطلب لمن اتاك بطعام او شراب فهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المناسبة لكن لو فصلنا هذا الذكر او الدعاء عن هذه المناسبة فان هذا من جملة الدعاء فهو يدعو لمن حصل منه ذلك في السابق اللهم اطعم من اطعمني واسق من سقاني. يعني ممن قدم له طعاما فيما سبق فاكل منه فيصح بهذا الاعتبار لكن حينما ننظر الى وروده والسياق الذي جاء فيه فان النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله بعد الطعام والشراب وانما قاله قبله. وما يقال بعد الطعام والشراب مما يدعى به لمن اطعمه او سقاه ليس مبناه على التوقيف. بمعنى انه لو قال اكرمكم الله انعم الله عليكم كثر الله خيركم جزاكم الله خير فلا اشكال في هذا ولا يكون من قبيل البدع المحدثة بالاذكار لا الاصلية ولا الاضافية ولكن الاكمل والافضل هو ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فلو انه قال اللهم اطعم من اطعمني واسق من سقاني يقصد من حصل منه ذلك ومن حصل منه ذلك في السابق في الماضي بعد الفراغ من الطعام او الشراب فان ذلك لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة. يعني من اراد الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما يقال بعد الطعام والشراب مما يقوله لمن اضافه عنده استضافه فان هذا ليس ليس منه فان قاله على انه من جوامع الكلم ومن الادعية المأثورة فوضعه في هذا الموضع مثل لو قال له جزاكم الله خيرا او نحو هذا فهذا لا اشكال فيه. اذا هل يكون ذلك موضع انكار الجواب لا لكن من قصد الاقتداء؟ يقال بان هذا قاله صلى الله عليه وسلم حينما اراد الطعام او الشراب فهذا يؤخذ من هذا الحديث ايضا الدعاء للمحسن والتلطف في السؤال والطلب اللهم اطعم من اطعمني يعني يمكن الانسان اذا دخل بيته او نحو ذلك او بحاجة الى طعام او شراب او دخل على قوم يمكن ان يقول اللهم اطعم من اطعمني واسق من سقاني اذا كانوا يدركون ويفهمون هذا انه يقصد بذلك الطلب وقد ذكر الحافظ ابن القيم رحمه الله ان النبي صلى الله عليه وسلم كان من هديه انه اذا اكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم وقد مضى ما يدل على ذلك في بعض الاحاديث السابقة وفي هذا الحديث يؤخذ ايضا ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من كرم الخلق والرضا وطيب النفس والصبر والاغضاء والتواضع والتجاوز عن حقوقه عليه الصلاة والسلام وفي هذا ايضا ما يتعلق بالايثار ايثار الغيرة على النفس الناس في مسغبة وشدة فجاء بهم النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وليس ثمة اطعام ولا شراب يذكر انما هو شيء يسير هذه الاعنز الثلاث وفي هذا حال اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من العيش هم اشرف الخلق فلو كانت كان الترف والثراء وكثرة المطعوم والمشروب بانواعه وصنوفه لو كان ذلك خيرا لاصحابه واهله لكان اولى الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانما تلك نعمة قد لا يتحقق شكرها لدى الكثيرين وتورث ما تورث من الوان العلل اولها الكسل عن طاعة الله عز وجل واخرها البلادة. الا من رحم الله تبارك وتعالى. وقد ذكر نحو من هذا معنى جمع من اهل العلم كابن قتيبة وغيره ومعلوم ان البطنة تذهب الفطنة وان كان ذلك لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه معنى معروف عند الاطباء. كثرة الاكل تورث الاسترخاء والضعف والخمول وكثرة التثاؤب ويقعد ذلك ويثقل صاحبه عن العبادة والطاعة والنشاط في اعمال الخير والعلم والعمل والفهم الصحيح وتوقد الذهن بين ذلك لا يتأتى مع الامتلاء والشبع والله المستعان هذا والله تعالى اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه