ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد فسلام الله عليكم رحمته وبركاته اواصلوا الحديث في هذه الليلة عن قوله تبارك وتعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين وحاصل ما ذكر ان الله تبارك وتعالى يأمر بذكره واذكر ربك في نفسك وان هذا الخطاب موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وامته مخاطبة بذلك لان الامة تخاطب في شخص قدوتها ومقدمها عليه الصلاة والسلام وان قوله في نفسك عند بعض اهل العلم بمعنى في قلبك وحمله ابن جرير رحمه الله على ان ذلك في حال سماع القرآن في الصلاة او في حال سماعه من الخطيب لانه مأمور بالانصات فيكون متفكرا معتبرا بما يسمع واذكر ربك في نفسك وان من اهل العلم من حمل ذلك على معنى يكون فيه اللسان ناطقا بالذكر مع مواطئة القلب فيكون في حال الخلوة يعني في خاصة نفسك اذا خلوت من الناس بحيث لا يراك احد ولا يسمعك احد اذكر ربك في نفسك بخاصة نفسك بهذه الصفة تضرعا تذللا وتخشعا خيفة وذلك ان الذاكر يكون ذكره جالبا للمحبة متسببا فيها كما يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله وهذه المحبة قد توجب الاذلال والجراءة على المحبوب توجب شيئا من الانبساط فاحتاج الذاكر المحب الى الخوف ليكون ذلك الخوف حاجزا له عن الادلال على ربه تبارك وتعالى وذكرنا قول من قال كصاحب التحرير والتنوير واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة بانه ذكر انواع الذكر الذكر الذي يكون في خاصة نفسه وذكر احواله من الضراعة بحيث يكون بصوت مسموع ويكون بما دون ذلك من الاصرار او من المخافة او نحو هذا وذكرنا ان الكثيرين يقولون بان هذه الاية دلت على التوسط في الذكر تضرعا وخيفة. وقلنا بان هذه الاقوال جميعا يمكن ان تكون داخلة تحت هذه الاية فيكون الذكر المأمور به يكون منبعثا من القلب فيكون القلب عامرا به وكذلك ايضا يكون بحال من التذلل والتخشع وان يذكر نفسه في حال الانفراد والغيبة عن الاخرين عن الناس وكذلك ايضا يكون بحال الجلوة مع الناس ثم ايضا اذكر ربك في نفسك تضرعا تضرعا تذللا وخيفة في حال الخوف. فيكون ذلك بصوت بحال من الاعتدال ودون الجهر من القول بالغدو والاصال. فالحاصل ان الله تبارك وتعالى هنا في هذه الاية ذكر هذه الامور وهذه المعاني التي يحصل بها الانتفاع بالذكر كيف ينتفع الانسان بالذكر اذا كان بهذه الصفة يذكر ربه تبارك وتعالى ذكرا ينبعث من قلبه ويجري على لسانه مصطحبا في الخشية والتضرع والتذلل والخشوع لربه وخالقه جل جلاله وهذا اكمل وما يكون من احوال الذاكرين. ودون الجهر من القول يعني لا يكون ذلك بصوت مرتفع ارتفاعا زائدا وكما سبق في كلام ابن جرير رحمه الله حينما حمل ذلك على حال الصلاة وحال سماع الخطبة فيكون ذكره بقلبه على هذا القول وعلى كل حال هذا يشمل ما هو اعم من ذلك يشمل انواع الذكر قراءة القرآن الاذكار المشروعة وذكرنا ان من ذلك ما يطلب فيه الجهر قال بالغدو والاصال الغدو جمع غدوة والغدوة هي اول النهار والذي عليه عامة اهل العلم من اهل اللغة ومن المفسرين ان ذلك يكون الى طلوع الشمس يعني اذا صلى الفجر الى طلوع الشمس وهذا افضل وقت للذكر. احسن اوقات الذكر هي هذا. فهذا هو البكور هو والاصال يعني اذكر ربك بالبكور والعشيات. هكذا قال ابن زيد وابو وائل ومجاهد وجماعة من من السلف الا ان مجاهدا حمل ذلك اعني الغدو على صلاة الفجر انه نفس الصلاة يعني صلي لله تبارك وتعالى في طرفي النهار. صلي لله تبارك وتعالى بالغدو يعني صلاة الصبح وذلك في وقت الغدو والاصال يعني اخر العشي وهي صلاة العصر على قول مجاهد. والمعنى اعم من ذلك ولهذا فان عامة اهل العلم فسروه بالذكر الذي يكون في اول النهار وفي اخره فالغدوة ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس ولكن لو ان احدا قال الاذكار اذكار الصباح بعد طلوع الشمس او قالها في الضحى فان ذلك يجزئ عنه لان اول النهار كل ذلك يكون وقتا للذكر اعني اذكار اذكار الصباح فاذا قالها قبل الزوال يكون قد اوقعها في موقعها لكن الافضل في هذا هو ما ذكرت ان يكون ذلك ما بعد صلاة الفجر الى طلوع الشمس. كما ان اذكار المساء المساء كالصباح كما ان الصباح يبدأ من طلوع الفجر الى ما قبل الزوال هذا كله صباح. فكذلك المساء يكون من بعد الزوال فهذا مساء الى غروب الشمس وسيأتي ان شاء الله تعالى الكلام على المزيد من هذا المعنى عند الكلام على اذكار الصباح والمساء اساء فالمساء يكون الى غروب الشمس وبعض اهل اللغة يقولون ويكون بعده. يكون بعد الغروب. وهذا هو الصحيح والله تعالى اعلم ذلك يقال لو ان احدا قال اذكار المساء بعد الزوال يعني بعد الظهر فانه يكون اوقعها في وقت المساء فيجزئ ذلك عنه ولكن الافضل ان يأتي بها بعد العصر لانه وقت الاصال وقت الاصيل وهذا هو الذي ذكره الله تبارك وتعالى ولهذا فسر الاصيل بالوقت من بعد العصر الى المغرب وهذا صحيح وجاء عن بعض اهل اللغة كابي صخر بان الاصال ما بين الظهر والعصر. ولا شك ان هذا مساء وانه وقت للذكر ويصح ويجزئ عنه ولكن الافضل ان يكون في ذينك الوقتين الى ما قبل طلوع الشمس وكذلك كايظا ما بين العصر الى غروبها ختم الله عز وجل هذه الاية بقوله ولا تكن من الغافلين تكن من الغافلين هذا يدل على ان الذي يترك الذكر انه يكون من الغافلين. وهذا لا شك فيه. وانما تكون الحياة الحقيقية حياة القلب ويتبعها حياة البدن بذكر الله عز وجل ان تكون القلوب عامرة بذكره والالسن لاهجة تحميده وتسبيحه وتمجيده وكذلك ايضا تكون الجوارح عاملة بطاعته. هذه هي الحياة الحقيقية وما عداها موت كما سيأتي في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل حيي والميت او كما قال عليه الصلاة والسلام. فهنا يقول ولا تكن من الغافلين. لا تكن من اللاهين على قول ابن جرير اذا قرأ القرآن تكن من اللاهين عن عظاته وعبر وما فيه من العجائب ولكن تدبر وتفهم واشعره قلبك بخضوع وخوف من قدرته عليك ان غفلت عن ذلك لانه حمل هذا على استماع القرآن كما سبق وربط هذه الاية بالاية التي قبلها. والمعنى والله اعلم كما سبق اهم من ذلك. بحيث انه يكون بانواع الذكر فان من ذكر الله تبارك وتعالى يكون قد انتقل من حال الغفلة الى الى الحياة. واليقظة وايضا هذا يدل على ان العبد ينبغي عليه ان يلازم الذكر دائما لئلا يحصل له غفلة ان يلازم ذكر القلب ويلازم ذكر اللسان وان يشتغل بطاعة الله عز وجل بجوارحه وقد ذكر صاحب التفسير الكبير ملازمة بين الروح والجسد فكثرة المزاولات باعمال الجوارح واللسان تؤثر في القلب وفي النفس تأثيرا بينا. ولهذا قيل ان كثرة المزاولات تورث الملكات فهذا الانسان الذي يتعبد لربه تبارك وتعالى بجوارحه ويلهج لسانه بذكره يؤثر ذلك فيه الانشراح والراحة والسعادة والطمأنينة الا بذكر الله تطمئن القلوب. وكذلك ايضا يحصل له بسبب ذلك من محبة الله عز وجل واجلاله وتعظيمه وخشيته والخوف منه ما لا يقادر قدره. فهذه ملازمة بين اعمال الجوارح والقلب والنفس كما ان ايضا الاشياء الحاصلة في النفوس تؤثر في الجوارح. ولهذا ضرب له مثلا بان الانسان حينما يتخيل بعض الاشياء التي لربما تؤثر في بدنه وهي خيالات لربما تكون نفسية. اذا تخيل الحامض فان اضراسه يحصل لها من التأثر والاستجابة ما لا يخفى بل يحصل من ادرار اللعاب كذلك كما انه اذا تفكر في امور تثير الغرائز فان ذلك يؤثر في البدن تأثيرا ظاهرا وهكذا ايضا حينما يتصور الانسان امورا مستفزة ويتخيلها فان ذلك يظهر في وجهه ويظهر في جوارحه ويغلي قلبه غضبا يغلي الدم في قلبه فيغضب. وقد تخيل امورا مستفزة وهكذا ايضا بسائر التصورات كما هو معلوم. فاذا واظب الانسان على عمل من الاعمال فان هذا يحصل له به ملكة قوية راسخة في النفس تؤثر فيها تأثيرا بينا. فاذا لازم العبد الذكر في احواله كلها فانه يكون بهذه بهذه المثابة ولا تكن من الغافلين. اذا نخرج من هذا ايها الاخوان بان الذي يترك الذكر انه يكون غافلا وانه بقدر ما يغفل عن الذكر ويقصر فيه تكون غفلته. والله تعالى اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه