من اخر سورة البقرة في ليلة كفتاه كفتاه من ماذا ذكر اهل العلم في ذلك نحوا من عشرة اقوال فبعضهم يقول كفتاه من قيام تلك الليلة ويدل على ذلك حديث ابي مسعود الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته من الاحاديث والاذكار التي اوردها المؤلف في باب الاستغفار والتوبة ما جاء من حديث عبدالله ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا ايها الناس توبوا الى الله فاني اتوب في اليوم اليه مائة مرة هذا الحديث اخرجه الامام مسلم رحمه الله في صحيحه فقوله عليه الصلاة والسلام يا ايها الناس حمله بعض اهل العلم على ان المراد بالعموم هنا في الناس ان المراد به الخصوص يعني اهل الايمان ان الخطاب موجه للمؤمنين ولا مانع من توجيهه لعموم الخلق فان الجميع مطالب بالتوبة والكفار يتوبون من شركهم وكفرهم وجرائمهم وجرائمه وجرائرهم وذنوبهم ومعاصيهم والله تبارك وتعالى يقول وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون. فهذا الخطاب خص باهل الايمان في الاية والحديث دليل والشاهد على ان كل احد مهما كانت مرتبته ودرجته في الايمان فانه يحتاج الى الرجوع الى الله تبارك وتعالى وتكميل نفسه بالتوبة وان كل احد لا يخلو من تقصير في القيام بحق الله تبارك وتعالى وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون وقد مضى الكلام على هذه الاية بالكلام على الاعمال القلبية الكلام على التوبة توبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون. ان ذلك يدخل فيه عموم الخلق كما انه يحتمل ان يكون المراد توبوا الى الله جميعا. يعني الا تخص التوبة بنوع من الذنوب وانما تكون التوبة عامة من جميع الذنوب والتقصير في حق الله جل جلاله وتقدست اسماؤه والله تبارك وتعالى يقول كلا لما يقضي ما امره ويدل ايضا على ذلك ان الجميع بحاجة الى التوبة قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فاني اتوب اليه يعني على علو مرتبته وكمال عبوديته عليه الصلاة والسلام. ومع ذلك كان يتوب في اليوم مئة مرة يعني انه يرجع الى الله تبارك وتعالى في اليوم مئة مرة وهذا على كل حال كما سبق لا يختص باحد دون احد لكن من قال ذلك فعليه ان يستحضر المعنى الذي اشرنا اليه في الليلة الماضية وهو ان يكون محققا للتوبة لا ان يكون ذلك مما يجري على لسانه ويكون قلبه غافلا معرضا او مصرا على الذنب والمعصية فانه يكون بذلك كاذبا حينما يدعي التوبة وهو مصر على معصيته ونحن نعلم ان التوبة لها شروط منها الاقلاع عن الذنب ومنها العزم على عدم الرجوع اليه بالاضافة الى شرط اخر وهو الندم على ما فات الندم على الذنب الندم على المعصية الندم على التفريط وان كان ذلك مما يتصل بحقوق الادميين فانه يتوب الى الله تبارك وتعالى بارجاع الحقوق الى اصحابها او باستحلالهم من ذلك من هذه الحقوق فهذه التوبة هي اهم قواعد الاسلام وهي اول مقامات السالكين الى الله تبارك وتعالى. هذه التوبة اذا اراد العبد ان تكون ناصحة فانه كما سبق في بعض المناسبات في الكلام على قوله تبارك وتعالى توبوا الى الله توبة نصوحا. ان التوبة النصوح ما كانت خالصة لله عز وجل ليس فيها رياء ولا سمعة ولا تصنع للمخلوقين انما يكون ذلك لله جل جلاله وتقدست اسماؤه. هذا هو الشرط الاول. الصفة الثانية وهي ان تكون هذه التوبة لا تكون من ذنب دون ذنب توبوا الى الله توبة نصوحا الصفة الثالثة ان تكون جازمة عازمة لا تردد فيها. من الناس من يتوب لكنه عنده شيء من التردد. لو حصل له ذلك الذنب او المعصية فانه يعاودها فلا بد من عزيمة صادقة بحيث لا يعود الى ذلك ثانية وقوله صلى الله عليه وسلم في ذكر توبته عليه الصلاة والسلام في اليوم مئة مرة هذا يعني ان غيره عليه الصلاة والسلام كامثالنا من المخلطين اولى التوبة والاكثار منها فاذا كان عليه الصلاة والسلام في اليوم يتوب مئة مرة فكم نحن بحاجة الى توبة في اليوم والليلة بل ان بعض اهل العلم قال ان قوله صلى الله عليه وسلم فاني اتوب الى الله في اليوم مئة مرة انه اراد بذلك الكثرة والا فقد يكون اكثر من مئة مرة لانهم كانوا يحصون له صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد كما سبق بحديث ابن عمر وغيره انهم يحصون له في المجلس الواحد نحوا من مائة مرة او من سبعين مرة يستغفر الله ويتوب اليه عليه الصلاة والسلام فكان صلى الله عليه وسلم اكثر الناس توبة وكان عليه الصلاة والسلام من اكثر الناس دعاء اعني من اكثر الناس استغفارا لله جل جلاله كما مضى في الليلة الماضية فتوبته عليه الصلاة والسلام وتوبة هذه الامة هي اكمل من توبة سائر الامم قبلها وهي اسرع قبول واسهل تناولا كما يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله. كانت توبة الامم السابقة لربما عسيرة صعبة وانظروا الى توبة بني اسرائيل من عبادة العجل. قال الله عز وجل فاقتلوا انفسكم حتى قيل انه القي عليهم الغمام وصار الواحد منهم يضرب وجه اخيه بالسيف ويضرب وجه اباه ويضرب وجه ولده حتى قتل منهم في يوم واحد سبعون الفا حتى رفع الله ذلك عنهم هكذا كانت توبة بني اسرائيل والمقصود ان هذه التوبة بالنسبة لهذه الامة لكرامتها على الله كانت بهذه المثابة توبة ندم واقلاع وعزم على الا يعود. وليس بينه وبين الله عز وجل وسائط كما هو الحال فيما يتلاعب به القصص يتلاعبون بالناس فيكونون وسائط بينهم وبين الله عز وجل فيجلس الواحد منهم على كرسي الاعتراف حتى تصح توبته ويعترف لهذا القسيس ثم بعد ذلك يقبل توبته. التوبة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى هذه التوبة ايها الاحبة ليس يغني عنها شيء فلا بد منها. حتى النصوص الواردة في ان الوضوء يكون كفارة وان الصلاة الى الصلاة والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان هذا لا يغني عن التوبة بل ان ذلك مقيد بما اذا اجتنبت الكبائر. ثم ان العبد لا يدري ما الذي قبل له من هذه الاعمال وكذلك ما ورد بان يوم عاشوراء ان صومه يكفر سنة ماضية وان يوم عرفة يكفر سنة ماضية وسنة اتية ومن الناس لقلة علمه وضعف بصره فانه لربما يتساءل يقول اذا صمنا يوم عرفة فما الحاجة الى الى عاشوراء لان عرفة يكفر سنة اتية وسنة ماضية. وكانه قد ضمن المغفرة وتكفير الذنوب وقبول الاعمال وهذا الكلام غير غير صحيح ابن عمر رضي الله عنه ومن علماء الصحابة وعبادهم يصلح للخلافة كان يقول لو اعلم ان الله قبل مني سجدة واحدة لم ابالي انما يتقبل الله من المتقين. الانسان لا يدري ما الذي قبل من هذه الاعمال ثمان ذلك كما سبق مقيد ترك الكبائر. كذلك النصوص الاخرى التي قد يفهم منها ان ذلك قد يكفيه عن التوبة فانه لا يكفي عنها شيء. وقد مضى الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم من قرأ الايتين رضي الله عنه من قرأ خاتمة البقرة اجزأت عنه قيام ليلة وهو ظاهر صنيع البخاري رحمه الله حينما ذكر هذا الحديث تحت باب يتصل بقراءة ما تيسر من القرآن فاقرأوا ما تيسر منه فكأنه يريد بذلك قيام الليل وبعض اهل العلم يقولون بان ذلك يجزئه او يكفيه كفتاه من المكروه في تلك الليلة وبعضهم يقول كفتاه من الافات في تلك الليلة وكانه يرجع الى القول الذي قبله وبعضهم يقول كفتاه من الشيطان قيدوا هذا ما جاء في حديث النعمان ابن بشير ان الله كتب كتابا وانزل منه ايتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرأان في دار فيقربها الشيطان ثلاث ليال يعني من الشيطان. والامام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم ذكر هذه الاقوال الاربعة وقال ان الحديث يحتمل ذلك جميعا وزاد غيره عليها ستة احتمالات الخامس منها ان ذلك فيه عن قراءة القرآن مطلقا داخل الصلاة وخارج الصلاة وهذا فيه بعد وبعضهم يقول ان ذلك يكفيه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملت عليه من الايمان والاعمال امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وذكر اصول الايمان بعضهم يقول بانهما كفتاه من شر الانس والجن وهذا يرجع الى بعض الاقوال السابقة والثالث وكذلك يقول بعضهم بان ذلك باعتبار ما يحصل له بقرائتهما من الثواب فذلك يكفيه عن طلب شيء اخر من الاعمال الصالحة في تلك الليلة التي يطلب بها الاجر فانه يحصل بقرائتهما ثوابا واجرا عظيما. وبعضهم يقول كفتاه من سائر الاوراد يعني الاذكار التي يقولها في تلك الليلة. وبعضهم يقول كفتاه عن الشرك انهما تدفعان عنه الشرك لما تضمنتاه من التوحيد والايمان والحافظ ابن حجر رحمه الله ذكر هذه جملة من هذه الاحتمالات وذكر انه يحتمل ذلك جميعا ورجح كانه يميل الى ان المقصود انهما تكفيانه من تجديد الايمان. الايمان لما تضمنتاه من حقائق الايمان هذا لمن احضر قلبه عند قراءتهما دون ان يكون ذلك مما يجري على لسانه من غير حضور القلب واستحضار المعنى لكن هل يكفيانه عن التوبة؟ الجواب لا ولم اقف على كلام احد من اهل العلم يقول بانهما تكفيانه عن التوبة نعم نحن نعلم ان ذنوب العباد منها ما يكفر بالمصائب ومنها ما يكفر كما سبق بالوضوء والصلاة الى الصلاة وكذلك ايضا الجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان وعاشوراء وعرفة ونحو ذلك كذلك الحج المبرور والله عز وجل يقول ان الحسنات يذهبن السيئات لكن يبقى ان التوبة امر لا بد منه فانه لا يغني عنها غيرها وان كانت هذه الاعمال الصالحة تبطل وتذهب السيئات واتبع السيئة الحسنة تمحها. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هذا مقيد الكبائر على خلاف كثير في الحج. فان النبي صلى الله عليه وسلم قال والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. وقال رجع من ذنوبه كيوم ولدته امه فانه يكون بحال من النقاء والصفاء والخلوص من الذنوب والمعاصي الكبار والصغار. لكن من يدري انه حج حجا مبرورا وانه قد قبل منه ذلك. لكن التوبة تجب ما قبلها التوبة الصادقة الصحيحة تجب ما قبل والهجرة تجب ما قبلها والاسلام يجب ما قبله فيستأنف عملا جديدا فيحتاج العبد الى ان يجدد التوبة دائما اما قراءة مثل هذه الايتين من اخر سورة البقرة فلا يقال كفتاه من جرائر الذنوب وتوابعها من المؤاخذات والعقوبة ونحو ذلك. الانسان قد يكفر عنه بسبب شدة ما يقع عليه في هذه الحياة الدنيا والمصائب مكفرة. كذلك ايضا ما يقع له من شدة عند الموت وكذلك ما يقع له من عذاب في القبر وما يقع له في عرصات القيامة. ومن لم يكفر عنه بشيء من ذلك بقيت ذنوبه فقد يكفر بكير نار اعاذنا الله واياكم ووالدينا واخواننا المسلمين منها لكن هل يقال ان قراءة هاتين الايتين من اخر سورة البقرة يحصل بهما الكفاية من هذه العقوبات والعذاب؟ الجواب لا وذلك ان القاعدة في هذا الباب وهو ان عموم المقتضي يحمل على الاعم من معانيه المناسبة في كل مقام بحسبه والمقتضى اعم جل السلف يعني عممه اكثر السلف بمعنى ان المقتضى محمول على العموم المناسب. يعني في كل مقام بحسبه. هنا من قرأ الايتين من اخر سورة البقرة في ليلة كفتاه كفتاه ماذا حذف المقدر هنا كفتاه ما قال كفتاه من الاذكار تلك الليلة. كفتاه من قيام الليل كفتاه من الشيطان تلك الليلة طل حمله على العموم. هذا لا اشكال فيه لكن العموم المناسب هنا الكلام في اذكار في تلك الليلة في قراءة قرآن في قيام او نحو ذلك لكن هل هذا يعني انهما كفتاه من عذاب الله عز وجل؟ كفتاه من التوبة؟ الجواب؟ لا. ليس كذلك كما قال الله عز وجل مثلا في عموم المقتضى انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه. ما قال اجتنبوا شربه اجتنبوا بيعه اجتنبوا تأجيره اجتنبوا نظر اليه اجتنبوا التطيب به اجتنبوا كذا. فالاصل حمل هذا المقدر المحذوف على اعم معانيه لكن العموم المناسب في كل مقام بحسبه. هل المقصود هنا اجتنبوا النظر اليه؟ الجواب لا. هل المقصود اجتنبوا لمسه الجواب لا انما المقصود هنا العموم المناسب يعني انه اجتنبوا شربه وبيعه واهداءه ونحو ذلك كذلك حينما يقول الله عز وجل حرمت عليكم امهاتكم حذف المقدر. هل المقصود النظر الى امهاتكم؟ هل المقصود تكليم امهاتكم؟ هل المقصود حرم عليكم البر بامهاتكم؟ هل المقصود حرم عليكم الاحسان الى امهاتكم او المقصود عليكم الاستمتاع باي نوع كان بما يتصل بامهاتكم. هذا هو المراد. وهكذا في قوله حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم. هل المقصود انه يحرم عليه النظر الى اخته او مكالمتها او الاحسان اليها؟ الجواب لا. فهذا ما يتعلق بالعموم. هذا واسأل الله عز وجل ان ينفعنا واياكم لكم ما سمعنا وان يجعلنا واياكم هداة مهتدين والله اعلم. طيب سلام عليكم