الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. ايها الاحبة كنا نتحدث عن قول النبي صلى الله عليه وسلم الا اخبركم بخير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله عز وجل فهنا لما جعل الذكر افضل من هذه العبادات المتعدية في نفعها من الصدقة والجهاد في اعلى صوره وارفع درجاته ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم. استشكل العلماء ذلك باعتبار ما ورد في فضائل هذه الاعمال وقد اوردتم في الامس في سؤالاتكم ما مجموعه ينتظم منه هذا الاشكال والعلماء رحمهم الله اجابوا عن هذا باجوبة الاول ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله عند شرحه لبعض ما جاء في الذكر من ان المراد بالذكر هنا في هذا الحديث حديث ابي الدرداء رضي الله تعالى عنه المراد الذكر الكامل الذي يحصل فيه التواطؤ بين اللسان والقلب. فاللسان يكون ذاكرا لاهجا ذكر ربه تبارك وتعالى والقلب يكون حاضرا مواطئا له فاجتمع القلب واللسان على هذه العبادة الجليلة فالقلب يستحضر عظمة المعبود تبارك وتعالى. ويستحضر معاني هذه الاذكار وما في مضامينها من الهدايات فيكون بهذا الاعتبار افضل على هذا القول على هذا الجواب من ذاك الذي يقاتل الكفار من غير استحضار لذلك يعني لا يقوم في قلبه ما يقوم بقلب ذلك الذاكر. الذي قد استحضر عظمة الله عز وجل وحضر قلبه مع الذكر ومن ثم فهو يقول بان افضلية الجهاد انما هي بالنسبة الى ذكر اللسان المجرد. يعني لو فرض ان احدا يذكر الله بلسانه من غير مواطئة القلب فالجهاد افضل من ذلك فهذا عمل وهذا عمل ولكن الذي يذكر ربه مع مواطئة القلب يكون في حال افضل من المجاهد وغير المجاهد لانه اجتمع له بذلك عبادة القلب وعبادة اللسان بالذكر وهما من اجلي العبادات واشرفها وافضلها وهكذا ايضا ذاك الذي يتصدق او يصوم فاذا كان هذا المجاهد او المتصدق او الصائم قد حصل الذكر مع هذا العمل الشريف من صدقة او جهاد او صيام او غير ذلك فيكون قد بلغ صاحبه الغاية القصوى. اذى سيأتي ما يوضحه اكثر. هذا قول الحافظ ابن حجر. يعني خلاصته ان الذي يذكر الله بلسانه وقلبه افضل من ذاك الذي يجاهد الكفار من غير ذكر لله تبارك وتعالى. والسبب في هذا ان الجهاد انما اقيم من اجل اقامة ذكر الله تعالى فذكر الله غاية وهدف والجهاد وسيلة والغاية افضل واكمل واشرف من الوسيلة. بهذا الاعتبار على هذا الجواب. جواب اخر ذكره ابو بكر ابن العربي رحمه الله وذلك انه ما من عمل من الاعمال الصالحات الا وذكر الله تبارك وتعالى مشترط في تصحيحه. وذلك ان من لم يذكر ربه تبارك وتعالى بجهاده او صيامه او صدقته مثلا فليس عمله كاملا. وهو ان هنا يشير الى ماذا يشير الى ذكر القلب انه لابد منه يقول فصار الذكر افضل الاعمال من هذه الحيثية باعتبار ان هذه الاعمال في الصور اللائحة في الظاهر من صدقة او جهاد او نحو ذلك ان خلت البواطن مما يصححها ويقويها ويضبطها فانها تكون اعمالا ناقصة بل قد تكون اعمالا حابطة اذا فسدت فيها المقاصد فلا بد اذا من ذكر الله تبارك وتعالى بكل عمل ان يريد به ما عنده اي يخلص لله تبارك وتعالى. ان يتذكر ان الله هو المنعم المتفضل. انه هو الذي وفقه وهداه واجتباه واعانه وقواه ورزقه واعطاه فصار عاملا بهذه الطاعة الذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة كما في حديث عائشة كما سبق في بعض المناسبات يتصدقون ويصومون ويصلون ويجاهدون ويخافون الا يقبل منهم. وابن عمر رضي الله عنهما يقول له اعلموا انه قبلت لسجدة واحدة لم ابالي. لماذا انما يتقبل الله من المتقين. فهذا ذكر للقلب فيكون هو الاصل فابن العربي نظر الى هذا المعنى ومن ثم ترجح الذكر على هذه الاعمال وليس المراد به مجرد الذكر باللسان من غير مواطأة القلب على قول هؤلاء الحافظ ابن القيم له جواب ثالث وهو اجود ما وقفت عليه من اجوبة اهل العلم وفيه مزيد شرح وايضاح وتفصيل وبيان على ما قاله الحافظ بن حجر وان كان لا يعارضه ولكنه اشمل واوضح واكمل فابن القيم رحمه الله يقول المراتب ثلاث مراتب الاعمال والعاملين ثلاث. هنا ذكر وجهاد معا ودعونا نجعل المثال بما ذكره الحافظ ابن القيم وهو الجهاد باعتبار انه ذروة سنام في الاسلام. وورد فيه من الفضائل كما في حديث عشر ذي الحجة وفضل العمل فيها وقال الا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء اذا عندنا المرتبة الاولى المرتبة العليا ذكر وجهاد فاجتمع فيها الذكر مع الجهاد. فهذا بلغ الغاية. ولهذا قال الله عز وجل يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. اذا لقيتم فئة فاثبتوا في ميدان المعركة واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون اي من اجل ان تفلحوا فذكر الله تبارك وتعالى مطلوب في اشد المواقف عند التحام الصفوف اذا لقيتم ما قال اذا خرجتم الى الجهاد فالذكر فيه مطلوب ولكنه ايضا اذا حصلت المواجهة والالتحام مع العدو وهنا ذكر الله تبارك وتعالى مطلوب وهذا له من الفوائد والمنافع والاثار الشيء الكثير به تحصل الطمأنينة حينما تتحرك القلوب. حينما تتطاير الرؤوس ويحضر حمام الموت وتهتز وتضطرب كثير من القلوب فالعبد في هذا المقام يحتاج الى ذكر ليثبت. وليس بحاجة الى كاميرات. فتضطرب عليه نيته وينفرط عليه قصده واخلاصه وبحاجة الى ذكر واخبات وخفاء العمل. احوج ما يكون العبد في هذا المقام الى الانقطاع من كل الاسباب والى جميع انواع الالتفات في هذا المقام. اذكروا الله كثيرا لعلكم اي من اجل ان تفلحوا. وما اضر على المجاهدين من هذه الكاميرات التي لربما تخطف النيات ويحصل الفشل والتراجع والهزيمة هذه امور نحتاج ان نتفطن لها من اجل ان نبقى على حال من السداد والعمل الصالح لان الانسان يبذل اغلى ما عنده وهو مهجته. فلابد ان تكون النية صافية في هذا المقام. فهنا يحتاج الى ذكر الله القلب واللسان كثيرا كثيرا وليس ذلك بالشيء القليل لان هذا هو الزاد الحقيقي لان النصر من عند الله الله لما انزل الملائكة قال وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر الا من عند الله باقوى صيغة من صيغ الحصر النصر من عند الله ليس بقوتكم امكاناتكم ليس بمدد السماء من الملائكة انما من الله وحده فهنا ترتبط القلوب به تبارك وتعالى فيحتاج العبد الى ذكر كثير بقلبه والى ذكر كثير بلسانه. اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. فهنا المرتبة الاولى ذكر وجهاد. هذا اعلى المراتب. المرتبة الثانية وهو الذكر بلا جهاد فهذا افضل من جهاد بلا ذكر وافضل من صدقة بلا ذكر. يعني من غير حضور القلب ولا ذكر اللسان. فذكر القلب واللسان افضل من جهاد بلا ذكر ومن صدقة بلا ذكر. ومن صوم بلا ذكر المرتبة الثالثة وهي الجهاد بلا ذكر صار عندنا اذا بالترتيب اعلاها جهاد وذكر المرتبة الثانية ذكر بلا جهاد المرتبة الثالثة جهاد بلا ذكر. وضع مكان الجهاد صوم صدقة اعمال اخرى من الاعمال الصالحة وذلك كما سبق لان الجهاد وسائر الاعمال كالحج والعمرة انما شرع ذلك لاقامة ذكر الله تبارك وتعالى. وهذه الاجوبة كما ترون قريبة الجواب الرابع قاله جماعة من اهل العلم ان المراد بذلك فئة معينة. فئة خاصة ان النبي صلى الله عليه وسلم وجه هذا الخطاب لقوم معينين وليس لكل الامة فهؤلاء بالنسبة اليهم والى قدرهم وامكاناتهم الذكر افضل الاعمال بالنسبة اليهم. بمعنى انهم ليس فيهم وبلاء وشجاعة وبأس وانما العبادة التي يمكن ان تتأتى منهم هي الذكر يقولون لو خطب بذلك الشجاع الباسل المتأهل للنفع في القتال لقيل له الجهاد ولو خطب به غيره فانه قد يذكر له عمل يناسبه ويصلح لمثل حاله. ان كان قيل له الصدقة وهكذا فقد يكون بالنسبة لهذا المعين تعليم الناس افضل من الجهاد. وبالنسبة لذاك الصدقة افضل من الجهاد. وبالنسبة للاخر الذكر افضل من الجهاد. اما ذاك الشجاع القوي الذي فيه بلاء ونفع ودفع وبأس فالجهاد افضل في حقه فيكون ذلك مراعا فيه احوال المكلفين احوال المخاطبين وهذه الاجوبة يشبهها في هذا الجواب رابع تجدون ما يشبهه في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه. قالوا ابو بكر عمر رضي الله عنهما كبار الصحابة بعض هؤلاء لم يشتغلوا بتعليم القرآن. تعلم القرآن وعلمه. ما قال تعلم القرآن او علمه. بل جمع بين الامرين فكيف يكون هؤلاء الذي تعلم القرآن وعلمه افضل خيركم؟ بعضهم يقول خاطب معينين كانوا امامه فوجه اليهم الخطاب قل لهم خيركم من تعلم القرآن وعلمه فلا يسري هذا الحكم على جميع الصحابة او جميع الامة. هكذا قال بعض اهل العلم نفس السؤال ونفس الاشكال خامس قدم بين يديه احتمالات وتساؤل. ذكره صاحب المنتقى في شرح الموطأ. حينما تكلم عن قوله لما اجابهم النبي صلى الله عليه وسلم قال ذكر الله تعالى. قال الذكر هنا يحتمل معاني. فهناك ذكر باللسان. هناك ذكر عند الامر ما هي بالامتثال العمل بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. هناك فكر بالقلب مع جميع ذلك اذا هناك ذكر اللسان هناك ذكر قلبي هناك ذكر عملي واقعي بالجوارح ان يمتثل ان يعمل بطاعة الله وان يكف عن محارمه ويحفظ حدوده. فهنا الذكر باللسان على نوعين كما سبق واجب ومندوب. قالوا فالواجب مثل قراءة الفاتحة في الصلاة. تكبيرة الاحرام. التسليم في صلاة وما جرى مجرى ذلك. والمندوب سائر الاذكار ومن قراءة القرآن والتسبيح والتهليل ونحو هذا. قالوا اما الواجب من الذكر فممكن يحتمل ان يفضل على سائر اعمال البر من الجهاد والزكاة وغيرها. يعني يمكن ان يكون المراد الذكر الواجب لان كلمة ذكر مجملة يدخل تحتها الذكر الواجب والذكر المستحب. قالوا يمكن ان يكون المراد الذكر الواجب انه افضل من سائر الاعمال هذا المصلي الذي يذكر ربه تبارك وتعالى بهذا الذكر افضل من في هذا العمل في هذه الصلاة افضل من ذاك الذي يجاهد والمقصود هنا حينما تكون الصلاة واجبة يعني صلاة الفرض اما على الاطلاق واما في وقت من الاوقات او على حال من الاحوال. يعني كما قال شيخ الاسلام في مسألة اخرى في بيان افضل الاعمال. يقول والاعمال يختلف فاذا نادى المنادي للجهاد فافضل عمل الجهاد. اذا جاء وقت الحج فافضل عمل الحج. اذا اذن المؤذن فافضل العمل الصلاة. وهكذا بعد انصراف من الصلاة افضل العمل اذكار الصلاة. فعلى كل حال اما المندوب يقولون فيحتمل ان يفضل على سائر اعمال البر المندوب اليها لمعنيين. الاول ان الثواب عليه اعظم كما يدل عليه ظاهر الحديث. الثاني باعتبار التكرار والكثرة. في فضل غيره من الاعمال لكثرته هذا ما يتعلق بهذه الجملة وهذا السؤال والاشكال وجواب العلماء عنه بهذه الاجوبة الوقت توقف عند هذا وبقيت بقية يسيرة اجعلها خاتمة الحديث ان شاء الله تعالى في الكلام على هذا الحديث. في الليلة الاتية ان شاء الله. والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه